مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 14-08-2001, 02:01 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post التعقيب على موضوع ( الامامة ) 2

المسألة الأولى : الأدلة العقلية والمنطقية على الامامة.

الأدلة كما طرحها الأخ أسعد الأسعد:

لقد اتفق جميع المسلمين على ضرورة أن يتولى أحد الصحابة الأمر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ولم يقل أحد بجواز أن يبقى الأمر بعد رسول الله بدون خليفة يرعى مصالح الأمة ،، وهذا معناه أن ( الإمامة ) أو ( الخلافة ) من الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها ولا يمكن أن يبقى هذا المنصب شاغرا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله بأي حال من الأحوال.

ونظرا لضرورة هذا المنصب وخطورته فلا يمكننا أن نتصور أن يتركه الله سبحانه وتعالى أو رسوله صلى الله عليه وآله دون بيان .. وكلنا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وآله حينما خرج لغزوة تبوك خرج بدون الإمام علي عليه السلام وأبقاه في المدينة ليقوم بإدارة شؤونها أثناء غيابه صلى الله عليه وآله وقال له: ( لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ) رواه مسلم في حديث المنـزلة في باب فضائل الإمام علي عليه السلام. فإذا كان لا ينبغي للرسول أن يخرج من المدينة خروجا مؤقتاً دون أن يترك أحدا يخلفه ويقوم مقامه فيها فكيف ينبغي له أن يخرج من الدنيا بأسرها دون أن يترك من يخلفه ويقوم مقامه من بعده ؟ وها نحن نرى العالم كله يفعل الشيء نفسه فحينما يغادر الحاكم دولته لفترة مؤقتة لابد من تكليف أحد ليقوم مقامه.

ولهذا فنحن الشيعة نعتقد أن ترك بيان هذا الأمر فيه تقصير من الله سبحانه وتعالى أومن الرسول صلى الله عليه وآله وحاشا لله وحاشا للرسول أن يصدر منهما أي تقصير ولهذا فنحن نرى أن الله تعالى قد بين هذا الأمر في القرآن الكريم كما بينه الرسول في أحاديثه امتثالا لأمر الله تعالى.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #2  
قديم 14-08-2001, 02:04 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

رد صالح عبد الرحمن

الاستدلال بالعقل أو بالمنطق سواء على أهمية مسألة " الامامة " وضروريتها أو على أن الشارع لم يترك مسألة الخلافة من دون بيان، أو على أن الشارع قد عالج مسألة الخلافة بتعيين الامام بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خطأ، وذلك للأسباب التالية:

أولا- العقل أو الفكر هو نقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع، فالعملية الفكرية لا يمكن أن توجد إلا إذا توفرت أربعة شروط هي : الدماغ الصالح للربط، الحواس، الواقع الذي يراد التفكير فيه، والمعلومات السابقة التي يفسر بواسطتها الواقع . فإذا نقص عنصر واحد من هذه العناصر الأربعة لا يمكن اجراء العملية الفكرية، من هنا كان التفكير في غير الواقع المحسوس ليس فكرا ولا تفكيرا وانما هو تخيل وأوهام. فالعقل مجردا عن النصوص الشرعية لا يستطيع أن يدرك ان كانت الامامة ضرورة شرعية أم لا كما لا يستطيع أن يدرك ان كان الله تعالى سيعين الخليفة تعيينا أم سيوكل هذه المهمة للمسلمين أنفسهم أو أنه سيضع حلولا أخرى. وكل محاولة للتنبأ بما في علم الله تعالى أو بما يريده الله أو بما لا يريده من دون أن يخبرنا الله تعالى بذلك هي مجرد عملية تخيل لا أكثر ولا أقل فلا يعول عليها ولا يصح الاستناد إليها .

ثانيا- قال الله تعالى : { لا تدركه الأبصار } { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } { ليس كمثله شيء } ، فلا يصح أن نقيس الغائب على الشاهد أي لا يصح أن نقيس الله تعالى على الانسان ، فعقل الانسان محدود ولا يستطيع أن يدرك غير المحدود، ولا يصح قياس غير المحدود على المحدود، فما تراه عقولنا واجبا أو تقصيرا إنما هو بناء على قوانين هذا العالم فلا يصح أن نخضعه جلّ وعلا شأنه لهذه القوانين وهو الذي خلق العالم، وهو الذي يديره حسب هذه القوانين التي جعلها له. وعليه فلا يصح أن نقول يجب على الله تعالى أن يفعل كذا ، أو أن نقول إذا لم يفعل كذا يكون مقصرا، كقولك بتقصير الله سبحانه وتعالى ان ترك بيان من يكون الخليفة من بعد الرسول، قال تعالى { لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون }.

ثالثا- تتفاوت العقول في فهم المعالجات ، فكما يمكن أن يتصور العقل معالجة مسألة خلافة الرسول في الحكم بتعيينه من قبل الشارع يمكن أن يتصورها بجعل الأمر للمسلمين يختارون من بينهم من يرضونه خليفة، أو بتشكيل مجلس دائم لاختيار الخليفة، أو بغير ذلك من الحلول والمعالجات ممكنة التطبيق عقلا وفعلا. فلا يستطيع العقل أن يوجب معالجة بعينها على الله تعالى . فالايجاب العقلي للتعيين خطأ من هذه الناحية أيضا.

رابعا- وأما القول بالاستخلاف بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم قياسا على استخلافه لبعض اصحابه على المدينة أثناء غيابه عنها لبينما يرجع من غزواته فليس هو قياسا شرعيا وانما هو قياس عقلي وادراك منطقي ، والقياس العقلي خطأ ولا يجوز. وأما أنه ليس قياسا شرعيا فذلك لعدم وجود العلة الشرعية أي العلة التي يدل عليها الدليل الشرعي. وليس مجرد وجود شبه يعني وجود علة شرعية، والقياس بمجرد وجود الشبه أو بمجرد وجود جامع مشترك في أمر هو القياس العقلي والادراك المنطقي وهو ما لا يجوز شرعا. وأيضا الحكم في الفرع " المقيس " ليس مماثلا للحكم في الأصل " المقيس عليه " لا في عينه ولا في جنسه، فالمقيس عليه استخلاف على المدينة فقط، والعمل به يكون في أثناء حياته صلى الله عليه وسلم فقط بل لبينما يرجع من غزواته، وهو أي استخلاف غيره على المدينة عمل من أعمال الحكم مما هو من صلاحيات رئيس الدولة ولا يلزم به من يأتي بعده، وأما المقيس فاستخلاف في رئاسة الدولة أي رئاسة عامة لجميع المسلمين ، وهو استخلاف بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو تشريع للمسلمين أي وحي من الله تعالى يلزم به جميع المسلمين لأن التعيين يكون هو بيان كيفية تنصيب الخليفة من بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . لكن حتى لو كانت العلة الشرعية موجودة وحتى لو تماثل الحكمين فإن وجود نص شرعي في حكم المقيس يمنع من القياس، فإذا وجد نص شرعي في الفرع أي في المقيس فلا محل للقياس، فالقياس يعمل به حين لا يوجد نص، ولم يقل أحد بعدم وجود نص شرعي يبين كيفية تنصيب الخليفة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وانما الخلاف حاصل في فهم هذه الكيفية ، وأنت نفسك تقول بوجود نص بل نصوص في التعيين، وغيرك يقول بوجود النصوص الدالة على أن كيفية تعيين الخليفة هي البيعة .

وأما أن القياس العقلي خطأ ولا يجوز فذلك لأن الأخذ بالادراك المنطقي يقتضي التسوية بين المتماثلات في أحكامها ولذلك يجعل القياس موجودا بين كل أمرين بينهما وجه شبه ، ولكن الشرع كثيرا ما فرق بين المتماثلات أي جعل للمتماثلات احكاما مختلفة ، كما أنه كثيرا ما جمع بين المختلفات أي جعل للمختلفات أحكاما واحدة ، وأيضا أثبت الشارع أحكاما لا مجال للعقل فيها. أما التفريق بين المتماثلات فمثاله أن الشارع قد أوجب غسل الثوب من بول الصبية الأنثى والرش من بول الصبي الغلام وأوجب الصوم على الحائض دون الصلاة ، وجعل عدة المطلقة ثلاثة قروء وعدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام مع استواء حال الرحم فيهما . فهذه أحكام تتشابه في أمر ويوجد فيها جامع فجاء الشارع وجعل لكل منهما حكما غير حكم الآخر ، مما يدل على أن مجرد وجود الجامع في أمر لا يكفي في للقياس، بل لا بد أن يكون هذا الجامع علة شرعية قد نص عليها الشرع . وأما قيام الشارع بالجمع بين المختلفات فمثاله الجمع بين الماء والتراب في جواز الطهارة مع أن الماء ينظف والتراب يشوه، وجعل الضمان واجبا على من قتل حيوانا أو طيرا في الصيد سواء أكان قتل الصيد عمدا أو خطأ مع أن هناك فرقا بين قتل الخطأ وقتل العمد، وجعل القتل عقوبة للمرتد وعقوبة للزاني المحصن وان اختلفت كيفيته مع أن هناك فرقا بين عمل كل منهما. وأما الأحكام التي لا مجال للعقل فيها فمثاله أن الشرع قد أوجب التعفف أي غض البصر بالنسبة إلى الحرة الشوهاء شعرها وبشرتها مع أن الطبع لا يميل إليها ، ولم يوجب غض البصر بالنسبة إلى الأمة الحسناء التي يميل إليها الطبع. وأيضا فقد أوجب الله تعالى القطع في سرقة القليل دون الغصب الكثير ، وشرط في شهادة الزنا أربعة رجال واكتفى بشاهدة القتل باثنين مع أن القتل أغلظ من الزنا، وأوجب الزكاة في الذهب والفضة ولم يشرعها في الماس والياقوت وغيرهما من المعادن النفيسة ، واحل البيع وحرم الربا مع أن كلا منهما بيع وهما متماثلان ، ونهى عن تقديس الأحجار وأمر بتقبيل الحجر الأسود ، وغير ذلك كثير. فلو جعل للعقل أن يفهم من مجموع الشرع علة ، أو يفهم من ظاهر النص علة، أو يفهم من مجرد التماثل بين حكمين وجود القياس بينهما لحرم كثيرا مما أباحه الله وأحل كثيرا مما حرمه الله ، ولذلك لا يجوز أن يحصل القياس إلا في علة ورد النص بها ، ولهذا يقول سيدنا عليّ رضي الله عنه : ( لو كان الدين يؤخذ قياسا لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره ) وفي رواية : ( لو كان الدين بالرأي لكان باطن الخفين أحقَّ بالمسح من ظاهرهما ، ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما ).

لجميع هذه الأسباب كان من الخطأ أن تستدل بالعقل أو بالمنطق على ضرورة وجود نص بتعيين الخليفة. على أن الاستعانة بالمنطق لأجل إثبات صحة رأي معين يعتبر دليلا أو مؤشرا إما على افتقار ذلك الرأي إلى الدليل الشرعي أو على ضعف دلالة الدليل الشرعي عليه وإلا فيجب أن يُصار الى الدليل الشرعي نفسه مباشرة دون الحاجة إلى المقدمات المنطقية . فإذا كان الشارع قد عيّن الخليفة من بعد الرسول فيجب أن يؤتى بنص التعيين، فلا حاجة لوضع مقدمات منطقية لأجل اثبات ضرورة وجود نص في التعيين . فالاتيان بنص التعيين يكون هو الدليل على وجوده، وتكون دلالة النص على تعيين الشخص المعين كخليفة من بعد الرسول هي الدليل على تعيينه.

وبناء عليه فإن الدليل سواء على أن الشارع اعتبر الامامة ضرورة شرعية أو على أن الشارع لم يترك مسألة الخلافة من دون بيان أو على ماهية هذا البيان إنما هو الأدلة الشرعية وليس المنطق أو العقل. وقد دل الكتاب والسنة واجماع الصحابة رضوان الله عليهم على أن تنصيب خليفة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم واجب شرعي ، واجماع الصحابة يعتبر دليلا شرعيا كالكتاب والسنة والقياس ، فكونهم أجمعوا على تنصيب امام بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يعتبر دليلا شرعيا على وجوب تنصيب الامام وليس هو دليلا عقليا. والأدلة من الكتاب والسنة واجماع الصحابة دلت أيضا على كيفية معالجة الشارع لموضوع الخلافة. فالأدلة الشرعية لا العقلية ولا المنطق هي الدليل على أن الشارع لم يترك مسألة الخلافة من دون بيان وهي نفسها الدليل على الكيفية التي عيّنها الشارع في تنصيب الامام .
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #3  
قديم 14-08-2001, 02:07 AM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

رد الأخ أسعد الأسعد

وأما ما يخص التعقيب الذي كتبته فإننا نستطيع من خلاله أن ننتهي إلى أننا متفقون تمام الاتفاق على ضرورة تعيين إمام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ولكننا مختلفين في الاستدلال على هذه الضرورة . فأنت ترى أن الدليل على هذه الضرورة محصور في الأدلة الشرعية بينما أنا أرى أن الأدلة على هذه الضرورة هي أدلة عقلية وشرعية.
وأما تعليقي على ما ورد في تعقيبك السابق فهو كالآتي :

أولا : لقد حكمت بخطأ الاستدلال بالعقل أو المنطق على ضرورة ( الإمامة ) وعلى ضرورة بيانها من قبل الشارع المقدس وذكرت لذلك عدة أسباب فقلت في السبب الأول أن ( العقل أو الفكر هو نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع ) وملاحظتي على كلامك هذا هي أنك أولا جعلت العقل والفكر شيئا واحدا وهما بالطبع ليسا كذلك فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية .. فبالعقل ندرك أن الكل أعظم من الجزء وبالعقل ندرك أن الشيء الواحد لا يمكن أن يكون في أكثر من مكان واحد في وقت واحد .. فالعقل إذن هو أداة التفكير الأولى .. وأما الفكر فهو حصيلة ما اكتسبه الإنسان من خلال استخدامه للعقل ومن خلال تعلمه وتجاربه.. ثانيا أنك اعتبرت العقل هو عملية ( نقل الواقع إلى الدماغ ) والعقل كما أوضحنا ليس كذلك بل وليس من مهمته ذلك أيضا وإنما هو أداة تعمل كما يعمل الميزان فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير. كما وأنك قلت أن ( التفكير في غير الواقع المحسوس ليس فكرا ولا تفكيرا وإنما هو تخيل وأوهام ) والواقع أن حصرك التفكير في الأمور الحسية في غير محله لأننا نرى العقل يدرك أمورا غير حسية كثيرة فمثلاً نرى العقل يدرك المعاني والمعاني ليست من المحسوسات ولا يقتصر إدراكه للمعاني على معاني الأمور المحسوسة بل يدرك معاني الأمور غير المحسوسة أيضا فيدرك مثلا معنى العدم ولا خلاف بأن العدم من الأمور غير المحسوسة كما أن العقل يدرك أن الأعداد لا نهاية لها ويدرك عدم وجود أكثر من إله ( دون الحاجة إلى أي دليل نقلي ) ويدرك ضرورة أن يكون هناك خالق لكل مخلوق وعلة لكل معلول ويدرك أن هناك أمورا مستحيلة كاجتماع المتناقضين وكل ذلك ليست من الأمور الحسية. لذلك فإن محاولتك إثبات أن مجال العقل هو فقط العالم المحسوس نرى أنها محاولة غير ناجحة. وبما أنك اعتمدت في إثبات عدم قدرة العقل على إدراك ( ضرورة الإمامة ) على هذه المحاولة فإن إثباتك غير قائم.

والغريب أنك تتبنى هذا الرأي فحسب معلوماتي أن الماديين هم الذين يقولون بأن العقل مجاله المحسوسات فقط وقد تم التصدي لقولهم وإثبات فساده حتى خلت الساحات العلمية من هذا القول.

وأما الآيات الكريمة { لا تدركه الأبصار } { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } { ليس كمثله شيء } فإنها تـنـزه الله عن إن إمكانية وصفه أو رؤيته عز وجل ولا تنفي وجود ضروريات يحكم بها العقل حتى لو كانت هذه الضروريات متعلقة بالله سبحانه وتعالى وقد يعتبر البعض لأول وهلة أن في هذه العبارة جرأة على الله سبحانه وتعالى ولكن بقليل من التأمل فإن تلك العبارة هي من كمال التوحيد وللتوضيح أذكر هذه الأمثلة :

1ـ العقل يدرك أن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود وأنه قديم وليس محدث.

2ـ العقل يدرك ويقرر أن الله سبحانه وتعالى ليس له جسم لأن لو كان له جسم لكان محدودا ومفتقرا للمكان الذي يوجد فيه والله تعالى غني مطلق غير مفتقر لأي شيء ثم أننا لو قبلنا بقول أن الله مجسم وأنه محدود وأنه محتاج للمكان فإن ذلك يلزمنا بالقول بأن المكان قديم وليس مخلوق والحال أن المكان من المخلوقات ولم يقل أحد خلاف ذلك.

3ـ العقل يقرر أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يصدر منه القبيح كالكذب أو الظلم.
وغير ذلك مما يقرره العقل.

بل لولا هذه الضروريات التي يقررها العقل لما ثبت شيء مما جاء به رسولنا محمد صلى الله عليه وآله لأننا إذا قلنا أن العقل لا يقرر هذه الضروريات ومنها ( نفي الكذب عن الله سبحانه وتعالى ) فإن إمكانية الكذب تبقى قائمة مهما نفاها الله عن نفسه لأنه كلما نفى ذلك عن نفسه يبقى احتمال كونه كاذبا في كل نفي يأتي به .. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وبذلك نقول أن العقل يقرر ويدرك أن الصدق واجب على الله تعالى. والجدير بالملاحظة أننا عندما نقول أن شيئا ما واجب على الله فإننا لا نقولها من باب إصدار الأوامر على الله بل من باب الإقرار بالواقع فعندما نقول يجب على الله الصدق فنحن لا نصدر الأمر على الله بأن يكون صادقا بل هو إقرار بشيء لا يمكن إلا أن يكون.

ذكرت حفظك الله في ( ثالثا ) أن : الاستخلاف بعد موت الرسول صلى الله عليه وآله قياسا على استخلافه لبعض أصحابه على المدينة أثناء غيابه عنها لبينما يرجع من غزواته ليس قياسا شرعيا وإنما هو قياس عقلي وإدراك منطقي ، والقياس العقلي خطأ ولا يجوز.
فأقول تعقيبا على ذلك أن القياس المنطقي ليس خطأ في جميع الأحوال فهناك نوع من القياس المنطقي صحيح ولا غبار عليه وذلك عندما يكون تحت قاعدة الأولى ( بفتح الهمزة ) ومثال ذلك : الآية الكريمة ( ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما ) فإن الآية منعت من قول أف للوالدين وهذا يدل على منع ما هو أعظم من ذلك بمعنى أننا نستطيع القول : بما أن قول أف للوالدين محرم فمن باب أولى أن يكون الصراخ عليهم محرم وكذلك ضربهم وهذا قياس منطقي ولا يعترض عليه أحد. والقياس في الاستخلاف من هذا الباب أيضا.

على أن ضرورة الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله واضحة عقلا بشكل لا يحتمل أي تشكيك .. فهل يجيز العقل أن تظل الدولة الإسلامية التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله دون خليفة ؟ لا أظن أن أحدا لديه أدنى درجات العقل يقول بذلك.

وأما قولك في ( ثانيا ) : تتفاوت العقول في فهم المعالجات ، فكما يمكن أن يتصور العقل معالجة مسألة خلافة الرسول في الحكم بتعيينه من قبل الشارع يمكن أن يتصورها بجعل الأمر للمسلمين يختارون من بينهم من يرضونه خليفة، أو بتشكيل مجلس دائم لاختيار الخليفة، أو بغير ذلك من الحلول والمعالجات ممكنة التطبيق عقلا وفعلا. فلا يستطيع العقل أن يوجب معالجة بعينها على الله تعالى . فالايجاب العقلي للتعيين خطأ من هذه الناحية أيضا.
فإنك بذلك قد أثرت نقطة من نقاط الخلاف الأساسية بين الشيعة والسنة وهي تتعلق بالقول بضرورة العصمة للإمام الذي يخلف الرسول وبيان ذلك هو الآتي :

من المعلوم أن من الضروري أن يكون هناك إمام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ومن المعلوم أيضا أن الله قد فرض علينا طاعته فإذا لم يكن هذا الإمام معصوما فمن الممكن أن يأمرنا بما يخالف شرع الله فإذا حصل منه ذلك وقد أمرنا الله بطاعته فمعنى ذلك أن الله أمرنا بتنفيذ تلك الأوامر المخالفة للشرع.. وقد تقول أننا نستطيع أن لا نطيعه إلا إذا أمر بالحق أما إذا خالف الحق فليس له علينا طاعة.. فأقول ردا على هذا القول أن الإمام العادل عندما يأمرنا بشيء فلابد أنه قد رأى ذلك حقا وصوابا . ولكن في حالة أن أصبح ما يراه الإمام حقا يراه بعض الرعية باطلا كيف بنا أن نميز من هو صاحب الرأي الصحيح ؟ ثم رأي من يكون نافذا ؟ فإن قلت أمر الإمام هو الذي يجب أن يكون نافذا فسوف نقع في نفس الإشكال الذي أوضحناه قبل قليل وهو أنه في حالة كون الإمام مخطئا فسوف تكون النتيجة أن الله قد أمرنا بتنفيذ ما يخالف الشرع ؟ كما وسينتج عندنا إشكال آخر وهو كيف يستطيع أولئك الذين رأوا الإمام مخطئا أن يطيعوه ؟ ألا يعتبر ذلك طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؟
أما إذا قلت أمر من خالفه هو الذي يكون نافذا فنكون قد خالفنا رأي الإمام دون أن نجزم بخطئه فنحن لم نجزم بصحة رأي من خالفه .. ثم ماذا لو تعددت الآراء التي خالفت رأي الإمام ولم يتيسر الاتفاق ؟ هل يعمل كل صاحب رأي برأيه ؟ وباختصار فإن الإمام إذا لم يكن معصوما فلن تستقيم الأمور ولن نستطيع أن نطيع الله الطاعة الحقيقية ولن نعرف هل نحن نطيع الله أم نعصيه ..
ومن خلال ما سبق يتضح أن الإيجاب العقلي للتعيين صواب لأن من خلال ما سبق يثبت أن العقل لا يقبل معالجة الخلافة بغير العصمة وحيث أن العصمة محصورة في جهة معينة اختارها الله سبحانه وتعالى فإن الخلافة محصورة في نفس تلك الجهة.
وأما قولك : ( أن الاستعانة بالمنطق لأجل إثبات صحة رأي معين يعتبر دليلا أو مؤشرا إما على افتقار ذلك الرأي إلى الدليل الشرعي أو على ضعف دلالة الدليل الشرعي عليه وإلا فيجب أن يُصار الى الدليل الشرعي نفسه مباشرة دون الحاجة إلى المقدمات المنطقية . فإذا كان الشارع قد عيّن الخليفة من بعد الرسول فيجب أن يؤتى بنص التعيين، فلا حاجة لوضع مقدمات منطقية لأجل اثبات ضرورة وجود نص في التعيين . فالاتيان بنص التعيين يكون هو الدليل على وجوده، وتكون دلالة النص على تعيين الشخص المعين كخليفة من بعد الرسول هي الدليل على تعيينه ).

فتعليقا على ذلك أقول أننا قد أوضحنا أن الاستعانة بالمنطق على دلالة رأي معين من الأمور المقبولة . بل من الثابت أن إثبات وجود الله سبحانه وتعالى ينحصر في الإثباتات العقلية والمنطقية ومعنى ذلك أن الإثباتات العقلية لا تدل على الضعف بل العكس هو الصحيح على أننا لا نحصر أدلة تعـيـيـن الخليفة على العقل والمنطق فقط بل لدينا من الأدلة النقلية ما يكفي لذلك سواء من القرآن أو السنة وقد ذكرت لك في مشاركتي السابقة بعض تلك الأدلة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك أيها الأخ العزيز ولجميع المؤمنين والمؤمنات وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #4  
قديم 14-08-2001, 06:25 AM
محب الاسلام محب الاسلام غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 347
Post

السلام عليكم...

جزاك الله خيرا على هذا الجهد الطيب...

والعلم النافع...

نفع الله بك المسلمين...
__________________
web page
  #5  
قديم 15-08-2001, 07:02 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم أسعد الأسعد
درست ردك المتعلق بالمسألة الأولى والتي هي " الأدلة العقلية والمنطقية " ، وبعد الدراسة والتفكير والبحث توصلت الى ما يلي :

أولا- الفكر والادراك والعقل بمعنى واحد ، فهي أسماء متعددة لمسمى واحد . ويطلق الفكر ويراد منه التفكير ، أي العملية التفكيرية . وقد يطلق ويراد منه نتيجة التفكير ، أي ما توصل اليه الانسان من العملية التفكيرية. وسياق الجملة هو الذي يحدد المعنى المراد. فالمهم أن هناك عملية تفكيرية وهناك نتيجة لها، فالمطلوب بحثه وإعطاء رأي فيه هو : كيف يفكر الانسان أو ما هي عملية التفكير ، وما هي الأشياء التي تتكون منها ؟ ثم ما هي نتيجة عملية التفكير ؟ هذا هو الموضوع وهذا هو محل البحث.
وتعريف العقل الذي ورد في تعقيبي السابق هو نفس تعريف الطريقة العقلية في التفكير أو هو بيان واقع عملية التفكير، وليس هو تعريفا للفكر بمعنى نتيجة عملية التفكير . فالعقل أو الطريقة العقلية في التفكير أو العملية التفكيرية هو : ( نقل الواقع إلى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع ). وأما الفكر بمعنى نتيجة عملية التفكير فهو : ( حكم على واقع ) أو ( تعبير عن واقع ) أو ( وصف الواقع ) . وحتى لا يحصل خلط بالمصطلحات فلن استعمل كلمة الفكر إلا بمعنى نتيجة العملية التفكيرية.

ولتوضيح واقع عملية التفكير وواقع الفكر بمعنى نتيجة عملية التفكير أضع المثال التالي :
لو سألتني ما هذا الشيء - ولنفترض أن هذا الشيء هو كتاب – فإن جوابي يكون : هذا كتاب. هنا يوجد أمران اولهما العملية التفكيرية او العقلية أو الادراكية التي حصلت وثانيهما هي نتيجة عملية التفكير أي الفكر. أما الأمر الأول والذي هو العملية التفكيرية التي حصلت فهي الآتي : انتقل واقع الكتاب الى دماغي بواسطة حاسة البصر على سبيل المثال، وفي دماغي يوجد قدر معين من المعلومات التي تفسر ما هو هذا الشيء الذي سألتني عنه، وبفعل خاصية الربط التي في الدماغ ترتبط صورة الواقع المطبوعة في الدماغ بالمعلومات السابقة التي تفسر الواقع فيحصل من عملية الربط بين الوقع والمعلومات التي تفسره ادراك ما هو هذا الشيء، أي ادراك أنه كتاب، وهذا الادراك لواقع الكتاب هو الحكم الذي يصدره الدماغ على الواقع ، فهذا الحكم هو نتيجة العملية التفكيرية. وكنتيجة لادراك الانسان لواقع الأشياء فإنه يتصرف تجاهها بحسب ادراكه لها ، فليس اطلاق لفظة كتاب هو المقصود بالفكر وإنما المقصود ادراك واقع الكتاب أي معرفة كنه هذا الشيء أو ماهيته. لذلك قد تتعدد اللغة التي يعبر بها عن الكتاب لكن يظل الادراك واحدا ، فسواء استعملت لفظة " كتاب " أو استعملت لفظة " a book " فإني أكون قد عبرت عن نفس الواقع المدرك في ذهني. فالفكر بمعنى نتيجة عملية التفكير هو الحكم على الواقع .
من هنا يتبين أن العملية التفكيرية التي هي نفسها العقل ليست عضوا من أعضاء جسم الانسان وإنما هي عملية تتكون من أربعة أشياء هي : الدماغ الصالح للربط، الواقع الذي يراد التفكير فيه أو الحكم عليه، حاسة واحدة على الأقل من الحواس الخمسة، والمعلومات السابقة التي يفسر بواسطتها الواقع. فلو نقص عنصر واحد من هذه العناصر الأربعة فإن العملية التفكيرية لا يمكن أن تحصل .
فمثلا لو سألتك ما هو معنى النص التالي :

De wereld-ontvanger waarover u nu beschikt kan een aantal golfflengtebanden ontvangen .

فإذا لم يكن عندك معلومات سابقة عن اللغة التي كتب بها هذا النص فلا يمكن أن تدرك معناه . فمع أن الواقع محسوس ( النص ) وقد انتقل الى دماغك بواسطة حاسة البصر إلا أنك لا تستطيع التفكير فيه لعدم توفر المعلومات السابقة التي تفسره ، وبالتالي لا تستطيع ان تصدر حكمك عليه.
ومثلا لو سألتك الأسألة التالية المتعلقة بالجن :
ما هي صورة الجن ؟ هل هي كالانسان ام كالحيوان ام كالطير أم غير ذلك ؟ هل للجن أسنان وكم عددها ؟ هل التزواج والتناسل بين الجن كما هو عند الانسان ؟ الحليب هو غذاء طفل الانسان منذ ولادته وحتى فطامه ، فما هو غذاء الطفل الجني ؟ الانسان اذا جرح ينزف دما، الجني ماذا ينزف ؟
مثل هذه الأسألة المتعلقة بالجن لا تستطيع إعطاء أجوبة عليها لسببين : أولها لأن الجن واقع لا يقع تحت حس الانسان، وثانيهما لعدم وجود معلومات سابقة عن الأمور التي سألتك عنها. فكل محاولة للاجابة هي مجرد تخيل وأوهام .

وعليه فحتى يحصل التفكير وحتى نعقل الأشياء وحتى ندرك الأمور وحتى يوجد الفكر لا بد من وجود دماغ وواقع وحواس ومعلومات سابقة، فتعريف العقل أو التفكير هو : ( نقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع ) وليس هو عملية ( نقل الواقع إلى الدماغ ) فقط كما أوردت نقلا عني . فتعريف العقل هو التعريف الذي ينص على الأشياء الأربعة التي يتكون منها العقل وينص على دور كل عنصر منها في عملية التفكير وهذا التعريف هو وصف واقع العملية التفكيرية نفسها. وأما نتيجة عملية التفكير فهي ادراك الواقع أو الحكم على الواقع ، والذي يطلق عليه الفكر .
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #6  
قديم 15-08-2001, 07:04 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

ثانيا- أما تعريفك انت للعقل أو للتفكير فإنه تعريف غامض مبهم لا يمكن لمتلقيه أن يضع اصبعه على واقعه الذي يدل عليه فوق أنه خطأ . وهذا يتضح بمجرد عرض التعريفات التي وردت في تعقيبك :
( فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية .. فبالعقل ندرك أن الكل أعظم من الجزء وبالعقل ندرك أن الشيء الواحد لا يمكن أن يكون في أكثر من مكان واحد في وقت واحد .. فالعقل إذن هو أداة التفكير الأولى .. وأما الفكر فهو حصيلة ما اكتسبه الإنسان من خلال استخدامه للعقل ومن خلال تعلمه وتجاربه.. ثانيا أنك اعتبرت العقل هو عملية ( نقل الواقع إلى الدماغ ) والعقل كما أوضحنا ليس كذلك بل وليس من مهمته ذلك أيضا وإنما هو أداة تعمل كما يعمل الميزان فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير ).

يفهم من هذا النص أنك تفرق بين ثلاثة أمور هي : العقل ، التفكير ، الفكر ، إلا انك لم تضع معنى محددا لكل مصطلح من هذه المصطلحات الثلاث ، فمثلا عرّفتَ العقل مرة بانه الملكة التي بواسطتها ندرك الأمور المنطقية ، ومرة بأنه أداة التفكير الأولى ، ومرة بأنه أداة التوزين أو الميزان، لكنك لم تقل ولا لمرة واحدة ما هي هذه الملكة أو ما هي هذه الأداة أو ما هو هذا الميزان، أي لم تبين مم يتكون العقل أو ما هي ماهيته، وهل هو عضو من أعضاء الانسان أم هو عملية يدخل في تكوينها مجموعة من العناصر ؟ كما لم تبين كيف تقوم هذه الملكة أو هذه الأداة أو هذا الميزان بدوره في عملية الادراك أو التفكير أو التوزين ، فتعريف العقل بأنه ملكة أو أداة أو ميزان هو تعريف غامض لا يمكن المتلقي من وضع اصبعه على مدلوله.

وأما تعريفك للتفكير فيفهم من الجملة الأولى أن التفكير هو عملية ادراك الأمور المنطقية ، ويفهم من الجملة الأخيرة أن التفكير هو عملية توزين ما يتم نقله للدماغ لاصدار الحكم عليه، وهذان التعريفان لا يوجد فيهما أي شيء يجيب على سؤال كيف نفكر ؟ فلا يوجد فيهما أي بيان للكيفية التي تحصل بها عملية التفكير، كما لا يوجد فيها بيان للعناصر التي تشترك في إيجاد التفكير . فكلمة " ادراك " في الجملة الأولى كلمة رديفة للتفكير فهي ليست بيانا لها، أو لنقل هي نفسها تحتاج الى بيان ، وأيضا الأمور المنطقية تحتاج الى شرح وبيان أي توضيح ما هو المنطق. وأما تعريف التفكير بأنه عملية توزين فوصف غامض لا يبين كيف تتم عملية التوزين ولا وجه الفرق بين الميزان العقلي والميزان الذي توزن به كتل الأشياء ، كما لم يبين وحدة القياس ما هي. وأيضا لم تبين من خلال هذا التعريف ما هو هذا الشيء الذي يتم وزنه بعد نقله الى الدماغ لاصدار الحكم عليه، كما لم تبين واسطة النقل ما هي ، فالشيء المنقول لم تأت على ذكره، وواسطة النقل لم تأت على ذكرها ، مع ان الشيء المنقول الى الدماغ وكذلك واسطة نقله جزء لا يتجزء من عملية التفكير " التوزين ". أما عبارة ( فبالعقل ندرك أن الكل أعظم من الجزء وبالعقل ندرك أن الشيء الواحد لا يمكن أن يكون في أكثر من مكان واحد في وقت واحد ) فهي نص على واحدة من نتائج العقل أي على فكر من الأفكار الناتجة عن العقل وليس هي وصفا لواقع العقل ولا هي بيان لكيفية الادراك أو التفكير ، فمع أنها عبارة توضيحية لمعنى العقل إلا أنها بدل أن تبين ما هو العقل تحدثت عن نتيجة عمله فلم تزل الغموض الذي يكتنف تعريف العقل أو تعريف التفكير ، فهذه العبارة لا تجيب على سؤال ما هو العقل ؟ ولا على سؤال كيف نفكر ؟ أو مم تتكون عملية التفكير ؟
وأما تعريفك للفكر : ( وأما الفكر فهو حصيلة ما اكتسبه الإنسان من خلال استخدامه للعقل ومن خلال تعلمه وتجاربه) فأيضا غامض لا يمكن وضع الاصبع على مدلوله ، لانك استعملت وصفا عاما غير محدد وهو كلمة حصيلة، فالتعريف لا يوضح ما هي هذه الحصيلة التي اكتسبها الانسان من خلال تعلمه وتجاربه .

من هنا يتبين أن التعريفات التي أوردتها غامضة ومبهمة لأنها صيغت بألفاظ عامة غير محددة، فلا تصلح لنقض تعريف العقل بأنه ( نقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة تفسره )، فقولك بأن العقل ملكة وأداة وميزان لا ينقض هذا التعريف لأني بكل بساطة أقول لك بأن ما ورد فيه هو تفسير لملكة العقل وهو بيان لحقيقة هذه الأداة، وهو وصف لواقع هذا الميزان ، واقول لك أيضا بان عملية التوزين هي هذه العملية المنصوص عليها في التعريف. هذا من حيث الغموض والابهام الذي يحيط بجميع التعريفات الواردة في النص أعلاه ، ومن حيث عدم صلاحيتها لنقض تعريف العقل.


ثالثا- أما أن تعريفك خطأ فذلك لأنك حصرت العقل أو التفكير بادراك الأمور المنطقية فقط ، مع أن المنطق هو أسلوب من أساليب العقل وليس هو العقل ، فلا يصح أن يعرف العقل بأسلوب من أساليبه، ففي مثال الكتاب المذكور أعلاه في النقطة الأولى أصدرت حكمي على الواقع مباشرة انه كتاب ، أي من دون الاستعانة بالقضايا المنطقية ، ومعلوم أن المنطق أقل قضاياه اثنتان. فالانسان يدرك أن هذا حجر وهذه شجرة وهذا نهر وهذا تراب وهذه طائرة وهذه سيارة من خلال الحس المباشر بواقعها فيفسر الواقع بالمعلومات السابقة التي تفسره، من دون الاستعانة بالقضايا المنطقية. وبنفس الطريقة العقلية يدرك أن واحد زائد واحد تساوي اثنان، وأن الاثنان أكثر من الواحد، وأن وجود الشخص في مكان يمنع من وجوده في مكان آخر في نفس الوقت. فليس التفكير كله منطق، وليست النتائج كلها نصل اليها وصولا منطقيا، بل يمكن الاستغناء عن المنطق مطلقا. لأنه ليس طريقة في التفكير وانما هو اسلوب، والعقل أو طريقة التفكير العقلية هو الطريقة أي الكيفية الدائمة في التفكير . على أن العقل فطري في الانسان وأما المنطق فعلم يحتاج الانسان لتعلم قواعده، وقد تأثر به المسلمون نتيجة لاحتكاكهم بالفلسفة اليونانية وقد تعلموه وتسلحوا به للرد على الفلاسفة. فالعقل هو الأصل أو هو الأساس ، ولأن المنطق أسلوب وليس طريقة في التفكير فإنه يحتاج الى وجود العناصر الأربعة التي يشترط وجودها في العقل، إذ أن المنطق يشترط في قضاياه ان تنتهي كل منها الى الحس. وعليه فالمنطق هو أسلوب من أساليب البحث المبنية على الطريقة العقلية فلا يصح أن تعرف " بتشديد الراء " طريقة التفكير العقلية باسلوب من اساليبها.


رابعا- على الرغم من غموض تعريفاتك وعلى الرغم من الخطأ الذي وقعت فيه إلا أن التعريفات التي أوردتها في تعقيبك تشترط أيضا توفر العناصر الأربعة حتى توجد العملية التفكيرية، فقولك ( فالعقل هو الملكة التي حبانا الله إياها لنكون قادرين على إدراك الأمور المنطقية ) اقرار بشرط وجود الحواس والواقع لأن المنطق يشترط انتهاء كل قضية من قضاياه الى الحس. وأما قولك ( فالعقل إذن ميزان يوزن به ما يتم نقله للدماغ لإصدار الحكم عليه وهذه العملية هي ما يعرف بالتفكير ) ففيه اقرار صريح بشرط وجود الدماغ ، وفيه اقرار ضمني بشرط وجود الواقع والحواس وكذلك المعلومات السابقة . أما الواقع فإنه إذا لم يكن هذا الذي يتم نقله إلى الدماغ هو الواقع فماذا يكون ؟ وإذا لم يكن الواقع هو ما نريد التفكير فيه واصدار الحكم عليه فبماذا سنفكر ، وعلى ماذا سنصدر الحكم ؟ وإذا لم تكن الحواس هي واسطة نقل الواقع إلى الدماغ فما هي هذه الواسطة ؟ وأيضا إذا لم تكن وحدة القياس أو وحدة التوزين هي المعلومات السابقة التي تفسر الواقع فماذا تكون ؟ فالواقع هو الذي يتم نقله الى الدماغ بواسطة الحواس ويجري التفكير فيه بربطه بالمعلومات السابقة التي تفسره فيصدر الدماغ حكمه عليه.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #7  
قديم 15-08-2001, 07:08 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

خامسا- أما الأمثلة التي أوردتها لاثبات أن التفكير يمكن أن يحصل في غير الواقع المحسوس فلا يصلح أي منها لاثبات ذلك، وبيان ذلك كما يلي :

اللفظة او الكلمة سواء أكانت مكتوبة أم كانت مسموعة هي واقع محسوس، فالتفكير فيها هو تفكير في واقع محسوس، فإذا سألت مثلا عن معنى كلمة الخلافة أو عن معنى كلمة ولي أو سألت عن معنى كلمة عدم فإن هذه الكلمات تنقل بواسطة الحواس الى الدماغ، وفي الدماغ يرتبط واقع الكلمة بالمعلومات السابقة التي تفسرها فيصدر الدماغ حكمه عليها، فالتفكير جرى في واقع محسوس هو الكلمة ، والحكم الذي صدر قد صدر على هذا الواقع المحسوس. فسواء أكان المعنى له واقع محسوس أم لا فإن التفكير لم يجر في المعنى وكذلك الحكم لم يصدر على المعنى وإنما التفكير قد جرى في الكلمة والحكم قد صدر عليها.


أما التفكير في المعاني فإن قولك " والمعاني ليست من المحسوسات " هو نفي للحس عن كل المعاني، وهذا خطأ. والظاهر أنك تخلط بين الواقع المحسوس وبين الواقع الملموس، فكأنك تعتقد أن الواقع المحسوس هو الواقع المادي الملموس ، ولما كانت المعاني ليست ملموسة قلت أنها ليست محسوسة. مع ان الواقع خلاف ذلك فليس كل ما يحس يلمس وان كان كل ما يلمس يحس، بمعنى أن كل واقع ملموس هو واقع محسوس، ولكن ليس كل واقع محسوس هو واقع ملموس، لأن اللمس محصور بحاسة اللمس فقط، فمثلا الظلم يحس ولا يلمس، والفخر يحس ولا يلمس والشجاعة تحس ولا تلمس والعزة تحس ولا تلمس والخزي والعار يحس ولا يلمس والاهانة تحس ولا تلمس، وعظمة الله تعالى تحس ولا تلمس ، والعجز والاحتياج اليه سبحانه وتعالى يحس ولا يلمس، وهكذا جميع الأمور المعنوية والروحية تحس ولا تلمس، وأما الأشياء المادية فإنها تحس وتلمس كالرغيف يحس ويلمس والماء يحس ويلمس والتراب يحس ويلمس، فالمقصود بالواقع المحسوس ليس هو الأشياء المادية الملموسة فقط بل كل ما يحس. فالتفكير في جميع هذه المعاني هو تفكير فيما يحس .


واما التفكير في المعاني التي ليس لها واقع محسوس كمعنى العدم فمستحيل. لأن الواقع شرط في التفكير. فالعقل لا يمكن أن يدرك حقيقة العدم وان كان للعدم معنى معينا في الذهن . والظاهر أنك تخلط بين تصور الذهن لمعنى العدم وبين ادراك العقل لواقع العدم. فلفظة العدم لم توضع لغة للتعبير عن واقع العدم وانما وضعت للتعبير عن المعنى الذهني للعدم، ومن هنا كان هناك فرقا بين اللغة والفكر، إذ اللغة هي الألفاظ الموضوعة للتعبير عن المعاني الموجودة في الذهن بقطع النظر عن الواقع، وأما الفكر فهو الحكم على الواقع، واللفظ لم يوضع للدلالة على حقيقة الواقع ولا على الحكم عليه ، بل وضع للتعبير عما في الذهن سواء طابق الواقع ام خالفه، فاللفظ للمعاني الذهنية الداخلية لا الخارجية بينما الفكر هو الحكم على الواقع. فتصور المعنى الذي وضع له اللفظ ليس معناه ادراك الواقع الخارجي للمعنى وانما معناه استحضار الصورة الذهنية التي وضع اللفظ لها، ولذلك إذا اطلق اللفظ استحضر الذهن الصورة التي وضع لها سواء اكان لهذه الصورة واقع محسوس في الخارج ام لا. وهذا ليس فكرا ولا تفكيرا وإنما هو استحضار للصورة الذهنية التي وضع اللفظ لها. فإذا كان لهذا المعنى واقع خارجي محسوس وأدركه الشخص فإن هذا الادراك يكون فكرا، والتفكير في واقع المعنى يكون تفكيرا.
فمثلا اليك هذا النص : ( سرت على سطح البحر ماشيا كما امشي على الطريق حتى تعبت قدماي، ثم حركت يداي كحركة جناحي الطير ، فطرت كما تطير الطيور، فعزمت أن اصل الى القمر فوصلته مع بزوغ الفجر، استقبلني اهله بحفاوة بالغة، انقضى شهر كانه يوم ثم عدت كما تعود الطيور المهاجرة الا اوطانها). هذا كلام له معنى ويمكن شرحه وتفسيره وكل انسان يستطيع أن يتصور المعنى الموجود في هذا النص. لكن مع ذلك فإن هذا النص ليس فكرا أي ليس هو نتاج العقل وإنما هو نتاج المخيلة أي هو تخيل واوهام أو هذيان أو احلام اليقظة كما يقولون ، وذلك لأن المعنى لا واقع له . فكون القارىء أو السامع لهذا النص يستطيع استحضار الصور الذهنية للألفاظ التي صيغ بها هذا النص لا يعني أنه قد أدرك واقعه، فالتفكير في معنى هذا النص ليس فكرا ولا تفكيرا .
وبناء عليه فإن الصورة الذهنية للعدم ليست فكرا ، والذهن إنما يستحضر هذه الصورة عند اطلاق لفظة العدم أو عند سماعها، وهذا ليس فكرا ولا تفكيرا، أي ليس هو ادراكا عقليا للعدم . وأما ايماننا بأن الأشياء قد خلقها الله سبحانه وتعالى من عدم فليس ناتجا عن احساسنا بواقع العدم أو من التفكير بالعدم، وإنما من التفكير بواقع محسوس هو واقع الكون والانسان والحياة ، فقد أدرك العقل عجز المخلوقات واحتياجها الى غيرها، فأدرك ان لها بداية أي أنها وجدت بعد أن لم تكن أي بعد أن كانت عدما. فالتفكير هو تفكير في واقع محسوس هو الكون والانسان والحياة والحكم قد صدر على هذا الواقع المحسوس وليس على العدم.


وأما قولك ان العقل يدرك أن الأعداد لا نهاية لها ، فمن المعلوم بداهة أن كل ما سوى الله تعالى محدود، الأعداد وغير الأعداد، والقول بأن الأعداد لانهائية مصطلح رياضي وليس هو وصفا حقيقيا، فمثلا العدد بين رقمين هو عدد لا نهائي مع أنه محدود لأنه يقع بين رقمين . فعدم قدرتنا على عد الأعداد لا يعني أن لا نهاية لها. ومن المسلمات العقلية أن ما له بداية له نهاية. ومن المسلمات العقلية أيضا أن مجموع المحدودات محدود. وأيضا الأعداد ليست شيئا قائما بذاته ، بمعنى أن العدد يقترن بأمور وأشياء فتقول مثلا عدد السكان كذا أو عدد الطلاب كذا أو عدد أكياس الطحين كذا، وكل ما يقترن به العدد محدود فلا يوجد شيء عدده غير محدود لأن كل شيء ما سوى الله تعالى محدود.
وهنا أود لفت النظر بأن الحكم على الأعداد بأنها لانهائية - بغض النظر عن انه خطأ - هو حكم على واقع محسوس هو الأعداد ، أي حكمنا على الأعداد التي يقع عليها حسنا بأن لا نهاية لها ، فالتفكير الذي حصل هو تفكير في واقع محسوس، والحكم الذي صدر هو حكم على واقع محسوس ، فليس هو تفكيرا في الأعداد التي لم يصل اليها الحس ولا الحكم صدر على ما لم يحس منها.


وأما أن العقل يدرك عدم وجود اكثر من اله فإنه آت من التفكير في الواقع المحسوس وليس من التفكير في ذات الله تعالى، قال تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } { إذا لذهب كل اله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض } فانتظام امر السماوات والارض في نظام واحد واستقرارهما على حالهما هو الدليل على عدم وجود آلهة مع الله أي هو الدليل على وحدانية الاله وهو الله سبحانه وتعالى. فالحس نقل واقع السماوات والأرض الى الدماغ والتفكير جرى فيهما والحكم صدر عليهما بأن مالكهما واحد هو الله سبحانه وتعالى. فذات الله سبحانه وتعالى ليست هي ما وقع عليه الحس ولا كانت هي محل التفكير ولا الحكم صدر عليها. وأيضا انتقل واقع الأشياء التي ادعيت لها الألوهة كالأصنام الى الدماغ بواسطة الحواس وبوجود المعلومات السابقة عن الألوهة وعن الأصنام حكمنا على الأصنام بأنها ليست آلهة.


وأما قولك أن العقل ( يدرك ضرورة أن يكون هناك خالق لكل مخلوق )، فإن تركيب الجملة غير دقيق لأن مفهومها لا يمنع من تعدد الخالق، والصواب أن يقال " خالق لكل المخلوقات " فالمخلوقات تدل على وجود الخالق، أو وجود الخالق مدرك من وجود المخلوقات. على أي حال المثال لا يدل على حصول التفكير في غير الواقع المحسوس، لأن التفكير في وجود الخالق إنما يكون من خلال التفكير في مخلوقاته، فالتفكير في الكون والانسان والحياة يوصل الى ادراك وجود الخالق. والكون والانسان والحياة واقع يقع عليه الحس. ومن جهة أخرى فإن المخلوق هو أثر للخالق، وأثر الخالق جزء من وجوده، فالتفكير في المخلوق هو تفكير في وجود الله تعالى لا في ذاته ، فوجوده تعالى مدرك بالحس من ادراك مخلوقاته. فالواقع الذي انتقل الى الدماغ بواسطة الحواس هو المخلوق أي اثر الخالق عز وجل وليس ذاته جل شأنه، والتفكير جرى بهذا المخلوق أي بأثر الخالق لا بذاته، أي في وجوده سبحانه وتعالى لا في ذاته، ونتيجة التفكير هي صدور الحكم على المخلوق بانه مخلوق، فكان هذا هو الدليل على وجود الخالق.


وأما أن العقل يدرك أن لكل علة معلول وأن هناك أمورا مستحيلة كاجتماع المتناقضين، فإن هاتين القاعدتين توصل اليهما العقل من خلال التفكير في الواقع المحسوس، واصبحتا مسلمتين عقليتين نتيجة تكرار ادراك العقل لانطباقهما على الواقع المحسوس وعدم تخلفهما ولا لمرة واحدة. فلا يوجد في هاذين المثالين أي وجه للاستدلال على أن التفكير يصح في غير الواقع المحسوس، اللهم الا اذا كان للخلط بين الواقع المحسوس والواقع الملموس أثر في ذلك.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #8  
قديم 15-08-2001, 07:09 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

وبناء عليه فقد تبين أن تعريف العقل بأنه ( نقل الواقع الى الدماغ بواسطة الحواس ووجود معلومات سابقة تفسره ) صحيح، كما تبين أن تعريفك لا يصلح للرد على هذا التعريف ولا ينقض أيا مما ورد فيه ، بل يقر بجميع الشروط التي تضمنها ، كما ثبت أن جميع الأمثلة التي أوردتها لنقضه لم يصلح أي منها لهذا الغرض، وبذلك يبقى الاحتجاج بتعريف العقل على عدم صحة الايجاب العقلي على الله تعالى سواء في موضوع الاستخلاف أو في غيره قائما إلى أن يثبت العكس.


أما قولك : ( والغريب أنك تتبنى هذا الرأي فحسب معلوماتي أن الماديين هم الذين يقولون بأن العقل مجاله المحسوسات فقط وقد تم التصدي لقولهم وإثبات فساده حتى خلت الساحات العلمية من هذا القول ) .

فأولا قد تبين أن التعريف الذي يشترط وجود الواقع المحسوس كشرط للتفكير صحيح وسيظل كذلك حتى يثبت خطؤه. وثانيا الطريقة العقلية في التفكير هي طريقة القرآن الكريم سواء في اقامة البرهان او في بيان الأحكام. وثالثا الفلاسفة فقط هم الذين ينكرون شرط الواقع المحسوس في البحث والتفكير لذلك أجازوا لأنفسهم البحث والتفكير فيما وراء الطبيعة . ورابعا قولك " أن الماديين هم فقط الذين يقولون بأن العقل مجاله المحسوسات فقط " ناتج عن أنك تخلط بين الواقع المحسوس وبين الواقع المادي الملموس وقد بينت لك وجه الفرق بين الواقعين. وخامسا قولك " حتى خلت الساحة العلمية من هذا القول " فلا أدري كيف يمكن لك أن تثبت هذا الادعاء، فليس هو مجرد ادعاء يفتقر الى الدليل بل الواقع يخالفه.

بقيت ثلاث مسائل هي : الضرورات العقلية المتعلقة بالله سبحانه وتعالى، القياس المنطقي، عصمة الامام . والله هو المستعان.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #9  
قديم 17-08-2001, 01:24 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

ورد في تعقيبك : ( وأما الآيات الكريمة { لا تدركه الأبصار } { سبحان ربك رب العزة عما يصفون } { ليس كمثله شيء } فإنها تـنـزه الله عن إن إمكانية وصفه أو رؤيته عز وجل ولا تنفي وجود ضروريات يحكم بها العقل حتى لو كانت هذه الضروريات متعلقة بالله سبحانه وتعالى...).
وقد أوردت ثلاثة أمثلة على الضروريات العقلية أولها أن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود وأنه قديم وليس بمحدث، وثانيها نفي الجسمية عن الله سبحانه وتعالى، وثالثها نفي ان يصدر ما هو قبيح من الله سبحانه وتعالى.

وأما تعقيبي فعلى النحو الآتي:

أولا- أنت نفسك قلت : ( فإنها تـنـزه الله عن إمكانية وصفه ) ومفهوم قولك هذا ان الآيات تدل على أنه لا يمكن لعقولنا أن تصف الله سبحانه وتعالى بما لم يصف به نفسه.


ثانيا- كلمة الخالق لها مدلول محدد وهو الأزلي واجب الوجود، والأزلي واجب الوجود لا يمكن أن يكون محدودا، لأن المحدود عاجز وناقص ومحتاج. فقيام الدليل العقلي على وجود الخالق معناه قيام الدليل على وجود الأزلي واجب الوجود أو غير المحدود. وهذا كله بحث في وجود الذات الأزلية واجبة الوجود وليس هو بحثا في نفس الذات. وقد أدركنا وجودها بالحس من ادراكنا لوجود المخلوق. بمعنى أن وجود الله أمر محسوس ومدرك عن طريق الحس لأن الأشياء المدركة المحسوسة قد دل احتياجها الى الأزلي ، على وجود الخالق . فالبرهان لم يثبت صفة لله تعالى بانه ازلي واجب الوجود أو أنه غير محدود أو أنه غير عاجز وغير ناقص وغير محتاج بل البرهان أثبت وجود الذات الأزلية واجبة الوجود وهي الله سبحانه وتعالى.


ثالثا- ذات الله سبحانه وتعالى لا تقع تحت الحس، والله سبحانه وتعالى { ليس كمثله شيء } فلا يمكن التفكير في ذات الله تعالى ، ولا يمكن قياسها على الانسان، فلا يصح أن نوجب الفعل الحسن على الله تعالى أو أن ننفي الفعل القبيح عنه سبحانه وتعالى حسب فهم الانسان للحسن وللقبيح. فقد حسن الله سبحانه وتعالى افعالا ينفر منها الانسان ولا تتفق مع ما يراه عقله، قال تعالى { كتب عليكم القتال وهو كره لكم }، وكانت العرب ترى في زواج الرجل من زوجة ابنه بالتبني فعلا قبيحا وتنفر منه نفوسهم، فحسن الله سبحانه وتعالى هذا الفعل، وقد نزل في ذلك قوله تعالى : { وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا . وكان أمر الله مفعولا }. وفي نفس الوقت نجد أن الله سبحانه وتعالى قد قبح أفعالا يميل اليها الانسان كالزنا . كما أن هناك صفات يقبحها العقل كالكذب وجاء الشرع فحسنه في أحوال معينة كالحرب واصلاح ذات البين والكذب بين الزوجين، فلم يجعل الله تعالى كل الكذب قبيحا. فإذا كان العقل عاجزا عن الحكم بما يصح وبما لا يصح أن يصدر من الانسان فكيف يمكن له ان يحكم بما يصح وبما لا يصح أن يصدر من الخالق الذي خلق الانسان ؟! وإذا لم يكن للانسان الحق في اصدار الأحكام بالحسن والقبح على أفعاله هو فكيف يعطى الحق في اصدار الأحكام بالحسن والقبح على أفعال خالقه ؟!


رابعا- قال تعالى : { قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا * فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا امرا * قال ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا * قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا * فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا * قال ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا * قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا * فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لتخذت عليه اجرا * قال هذا فراق بيني وبينك . سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا } { وما فعلته عن أمري . ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا }.

فهذه الآيات الكريمة تبين ان هناك أفعالا قبيح ان يفعلها الانسان لكنها بالنسبة لخالق الانسان فعلها حسن وليس بقبيح، فنفس الفعل يكون قبيحا بالنسبة للانسان وحسنا بالنسبة لله سبحانه وتعالى.
وأيضا هذه الآيات تبين بشكل واضح أن عقل الانسان عاجز عن الاحاطة بحكمة الله سبحانه وتعالى من الفعل أو بالعلة التي لأجلها فعل الفعل، لأن الحكمة أو العلة في علم الله تعالى ، وعلمه لا يقع تحت حس الانسان، فإذا لم يرد نص بالحكمة أو بالعلة لا يمكن أن ندركها، وكل قول بالحكمة أو بالعلة من غير النص هو مجرد فرض نظري. فلا يصح أن يتصور العقل حكمة أو علة ثم بناء على ذلك نوجب على الله سبحانه وتعالى أن يفعل فعلا أو أن ننفي عنه فعل هذا الفعل.


خامسا- لو ترك للانسان أن يوجب الفعل الحسن على الله تعالى وان ينفي عنه الفعل القبيح لاختلف الحكم على الله سبحانه وتعالى باختلاف الأشخاص والازمان. فالمشاهد المحسوس ان الانسان يحكم على أشياء أنها حسنة اليوم ثم يحكم عليها غدا أنها قبيحة ، ويحكم على أشياء انها قبيحة أمس ويحكم عليها نفسها اليوم أنها حسنة ، وبذلك يختلف الحكم على الشيء الواحد ولا يكون حكما ثابتا ، فيحصل الخطأ . وهذا يعني أن يكون الفعل في زمن واجبا على الله تعالى وفي زمن آخر واجب النفي عنه، ويكون حسنا بالنسبة لأشخاص وقبيحا بالنسبة لغيرهم ، وهذا كله مما لا يصح قطعا.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
  #10  
قديم 19-08-2001, 04:40 PM
صالح عبد الرحمن صالح عبد الرحمن غير متصل
عضوية غير مفعلة
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2001
المشاركات: 192
Post

القياس المنطقي

ورد في تعقيبك : ( أن القياس المنطقي ليس خطأ في جميع الأحوال فهناك نوع من القياس المنطقي صحيح ولا غبار عليه وذلك عندما يكون تحت قاعدة الأولى ( بفتح الهمزة ) ومثال ذلك : الآية الكريمة ( ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما ) فإن الآية منعت من قول أف للوالدين وهذا يدل على منع ما هو أعظم من ذلك بمعنى أننا نستطيع القول : بما أن قول أف للوالدين محرم فمن باب أولى أن يكون الصراخ عليهم محرم وكذلك ضربهم وهذا قياس منطقي ولا يعترض عليه أحد. والقياس في الاستخلاف من هذا الباب أيضا.
على أن ضرورة الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله واضحة عقلا بشكل لا يحتمل أي تشكيك .. فهل يجيز العقل أن تظل الدولة الإسلامية التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله دون خليفة ؟ لا أظن أن أحدا لديه أدنى درجات العقل يقول بذلك ).


أما تعقيبي فكما يلي :

أولا- تحريم ضرب الوالدين المفهوم من قوله تعالى : { ولا تقل لهما أف } إنما فهم من الآية بدلالة مفهوم الموافقة. ومفهوم الموافقة يسمى فحوى الخطاب ولحن الخطاب والمراد به معنى الخطاب . ودلالة المفهوم هي : " ما فهم من اللفظ في محل السكوت ، فما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت موافقا لمدلوله في محل النطق هو مفهوم الموافقة، فهي مفهومه من اللفظ ولكن في محل السكوت لا في محل النطق، أي هي المعنى المسكوت عنه اللازم للمعنى المنطوق به، فهي فهم من اللفظ لا قياسا على مدلول اللفظ، ولهذا فهي من الدلالة اللفظية وليست هي من الدلالة القياسية، فيكون مستند الحكم في محل السكوت هو فحوى الدلالة اللفظية لا الدلالة القياسية ".


ثانيا- أما قولك أن الاستدلال بالمنطق ليس كله خطأ، فقولك صحيح لكن ليس على اطلاقه إذ أن القياس المنطقي كله خطأ في التشريع أو في استنباط الأحكام. وذلك لأن القياس المنطقي يقتضي التسوية بين المتماثلات ، وقد ثبت أن الشارع قد فرق بين المتماثلات وجمع في نفس الوقت بين المختلفات، وشرع احكاما لا مجال للعقل فيها. وقد بينت ذلك بالأمثلة إلا أنك لم ترد عليها. مع أن مثالا واحدا فقط يثبت أن الشارع قد فرق بين المتماثلات في الأحكام أو انه قد جمع بين المختلفات يكفي لنقض فكرة القياس المنطقي في التشريع لأن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما، فلو اعتبر الشارع وجه الشبه أو العلة العقلية علة في الأحكام لكان حكم المتماثلات واحدا ولكان حكم المختلفات مختلفا . فمثلا مع وجود شبه بين الصوم والصلاة من حيث ان كلا منها عبادة إلا ان حكمهما بالنسبة للحائض مختلف، وهذا يعني أن الشارع لم يعتبر وجه الشبه والذي هو العبادة علة في عدم صلاة الحائض. ولو أخذنا بالقياس المنطقي لقلنا بعدم الصوم للحائض، وهذه النتيجة المنطقية تتناقض مع الحكم الشرعي المستنبط من النص. فهذا المثل يكفي وحده لعدم اعتبار القياس المنطقي في استنباط الأحكام الشرعية.

على أننا في نفس مثال الاستخلاف على المدينة يمكن أن نخرج بنتيجة منطقية غير النتيجة التي خرجت بها، ذلك أن جميع التعيينات التي أجراها الرسول صلى الله عليه وسلم للعمال والولاة في أثناء حياته ليست ملزمة للمسلمين بعد موته، فإذا قسنا تعيين الخليفة من بعده على تعيين العمال والولاة قياسا منطقيا فإن النتيجة المنطقية ان تعيين رئيس الدولة الذي أجراه الرسول صلى الله عليه وسلم في أثناء حياته لا يكون ملزما للمسلمين بعد موته.


ثالثا- القياس الشرعي هو الحاق امر بآخر في الحكم الشرعي لاتحاد بينهما في العلة ، أي لاتحادهما في الباعث على الحكم في كل منهما، ومعلوم أنه اذا وجد حكم في الأمر المقيس فلا يعمل بالقياس وانما يؤخذ حكم المقيس من النص. فإذا امتنع القياس مع وجود علة شرعية لوجود حكم في الأمر الذي يراد قياسه فالأولى أن يمتنع القياس المنطقي الخالي من العلة الشرعية، والذي يوجد فيه قابلية المغالطة والتضليل لاستناده الى مجرد وجود شبه بين المقيس والمقيس عليه . وفي المسألة التي نناقشها يوجد نص يدل على حكم تنصيب الخليفة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يصح أن يؤخذ الحكم الشرعي في الامامة قياسا على مسألة اخرى.


رابعا- أما قولك ( على أن ضرورة الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله واضحة عقلا بشكل لا يحتمل أي تشكيك .. فهل يجيز العقل أن تظل الدولة الإسلامية التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله دون خليفة ؟ لا أظن أن أحدا لديه أدنى درجات العقل يقول بذلك ) فأرد عليه من وجهين :

الأول : لم أقل أن العقل قد أجاز ذلك أو أنه لم يجز ذلك، وانما قلت هذه المسألة لا دخل للعقل فيها ، الذي يحكم فيها هو الله تعالى وليس العقل .

الثاني : ان عقل الذين يقولون بالتعيين قد اجاز ان تظل الدولة الاسلامية التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون الخليفة الذي عينه الله تعالى طيلة عمر هذه الدولة باستثناء فترة حكم سيدنا عليّ وابنه الحسن رضي الله عنهما والتي استمرت من سنة 35 هجري وحتى أوائل سنة 41 للهجرة أي حوالي خمس سنوات فقط من عمر الدولة الذي استمر لأكثر من 1300 سنة هجرية. وقد أجازت عقولهم أيضا أن الله سبحانه وتعالى يقوم بتغييب الخليفة الثاني عشر منذ سنة 260 للهجرة والى ما شاء الله ليس فقط من رئاسة الدولة التي أسسها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل من الوجود بين الناس مع أنه حجة الله على خلقه. فإذا كان العقل قد قبل بذلك فإن الأولى أن يقبل بفكرة أن الله سبحانه وتعالى لم يعين الخليفة بل ترك الأمر للمسلمين يختارون من يشاؤون في رئاسة الدولة، وأن الله سبحانه وتعالى لم يجعل الامام حجة وانما حاكما يحكم بما انزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
__________________
لا إله إلا الله محمد رسول الله
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م