صلاح الدين القاسمي
وها أنذا أوفي بوعدي الذي قطعت وأعود للموضوع مرّة أخرى
وأقول
التوسل والدعاء والتضرع لا تكون إلا لله جميعها
ولا يجوز صرف شيء منها لغير الله إلا بشروطه وحدوده
والتوسل في هذه الحالة نوعان
مشروع وممنوع
أما المشروع منه فهو التقرب إلى الله بطاعته وعبادته وإتباع أنبيائه ورسله وبالأعمال الصالحة التي يحبها الله ويرضاها ، وهو سبب لاستجابة الدعاء وكشف الضر وتفريج الكربات من الله عزّ وجل ، قال تعالى :-
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
المائدة:35
وقال بن عباس رضي الله عنهما : إن الوسيلة هي القربة . وقتال قتادة في تفسير القربة : أي تقربوا إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه
وهكذا فإن كل ما أمر به الشرع من الواجبات والمستحبات فهو توسل شرعي ووسيلة شرعية
أولاً :- التوسل المشروع ثلاثة أنواع هي :-
النوع الأول :- توسل المؤمن إلى الله تعالى بذاته العلية وبأسمائه الحسنى ، وبصفاته العليا :
وأعلى أنواع التوسل إلى الله تعالى وأقرب استجابة للدعاء لأنه تمجيد وتقديس وثناء على الله وهو كما أثنى على نفسه
وصفته : أن تقدم بين يدي دعائك إلى الله تمجيدا وتعظيما وحمدا وتقديسا في ذاته العلية وبأسمائه الحسنى وبصفاته العلى ، ثم تدعو بما تريد ، وبذلك يكون الحمد والتمجيد والتعظيم والتقديس وسيلة إليه سبحانه وتعالى لأن يتقبل دعائك ويجيبك .
والدليل من كتاب الله تعالى
( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
الأعراف:180
التوع الثاني :- توسل المؤمن إلى الله بأعماله الصالحة
ومن أمثلة هذا النوع ، قصة أصحاب الكهف الثلاثة الذي توسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة لوجهه الكريم ففرج عنهم الصخرة التي سدّت باب الكهف .
وفي سورة الفاتحة دليل آخر بيّن على هذا النوع فالسورة في أولها حمد لله وثناء عليه ثم الإقرار بأن العبادة لله وبعد ذلك أتى طلب العون من الله
قال تعالى
( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)
الفاتحة:5
وفي هذه الآية حصر العبادة والإستعانة بالله وحده
وفي الحديث أمثلة كثيرة لتعليم المصطفى صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأمته من بعدهم كيفية التوسل إلى الله جل وعلا .
النوع الثالث :- توسل المؤمن إلى الله بدعاء أخية المؤمن له
وهما نوعان :-
1- طلب المؤمن من أخيه الدعاء له كأن يقول أدع الله لي أن يعافيني أو يقضي حاجتي أو نحو ذلك كالتوسل بدعاء الوالدين
2- دعاء المؤمن لأخيه دونما طلب منه كأن يراه مثلا في ضيق فيدعو له في حضوره أو بظهر الغيب كالجنازة مثلا .
ولا فرق هنا أن يدعو الأعلى للأدني أو الأدنى للأعلى فكل ذلك جائز
فالمسلمون كما سبق وأن ذكرت كانوا يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء نبيهم عليه الصلاة والسلام في ( حياته ) في الإستسقاء وغيره فيدعو لهم فتستجاب الدعوة ، كما أنه صلى الله عليه وسلم طلب من أمته أن يدعو له كالصلاة عليه بعد الآذان ودعاء الله أن يعطيه الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود الذي وعده
ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى :
( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً)
النساء:64
ومن أدلة السنة النبوية حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن سؤال الوسيلة للرسول صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه بعد كل آذان ، وقد ورد الحديث في مسلم وأبو داوود والترمذي والنسائي
ثانيا :- التوسل الغير مشرع ( الممنوع )
وهو تقرب العبد إلى الله بعمل مخالف لكتابه ، مخالف لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، كالتوسل إلى الله بذوات مخلوقات في السموات والأرض من الملائكة والنبيين والصالحين من غير متابعة لهم في أعمالهم الصالحة ، كذلك التوسل بحق الأنبياء وجا الأولياء ومناداتهم لكشف الضر أو رفع الهم أو كشف الغم أو أي أمر لا يملكه إلا الله ولا يعلمون أن الذين ينادونهم .. ( أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ) النحل:21
وأوجه التوسل الممنوع عند من يستحلونه ثلاثة أوجه :-
(1) التوسل إلى الله تعالى بذات وشخص المتوسل به كأن يقول المتوسل : اللهم إني أتوسل إليك بفلان أن تقضي حاجتي مثلا (( وهو لا يعني إلا ذات المتوسل به وشخصه ))
(2) التوسل إلى الله بجاه فلان أو حقه أو حرمته أو بركته كأن يقول : اللهم إني أتوسل إليك بجاه فلان عنك أو بحقه عليك أو بحرمته ـأو بركته أن تقضي حاجتي مثلا ..
(3) الإقسام على الله بالمتوسل به
والعجيب أن المستحلين لهذه التوسلات الغير مشروعه لا ينكرون ذلك ، بل يدعون الناس إلى التوسل بها ، ويقولون إنها من القربات التي يتقبل الله الدعاء بها والحقيقة أنها جميعا باطلة فاسدة ومخالفة لأصول الدين ونصوصه ومنعها الشرع الكريم ولم يأذن بها فلا يجوز لأحد أن يعمل بها ، وإنكارها على من أتي بها واجب لازم .
أتمنى أن أكون قد وضّحت سبب ما كتبته لك سابقا
فإن أحسنت فمن الله ، وإن أسأت فمن نفسي والشيطان
تحياتي