الخليج العربي والعراق .. علاقات حضارية قديمة
الخليج العربي والعراق .. علاقات حضارية قديمة
تتمثل الحضارة في مفهومها الواسع في الأسس المادية والفكرية كافة ، والعلاقات التي يعتمدها مجتمع من المجتمعات ، تكون كفيلة بتحقيق مستويات معاشية وحياتية مقبولة ، وتلبي طموح ذلك المجتمع بتطوير هذه المستويات .
والحضارة من زاوية أخرى ، تمثل أنواعا من المهارات الإنسانية في جوانب الحياة المادية ، كالزراعة والصناعة والبناء والعمارة والمأكل و الملبس ، ترتبط بها العلاقات الاجتماعية والإدراية وتدفعها للأمام أحيانا ، أو تشلها وتثبطها أحيانا أخرى .. والعلاقات الأخيرة يندرج تحتها التصورات الفلسفية والعقائدية وما ينتج عنها من نشاطات فرعية أدبية وفنية وغيرها ..
إن مجموع الأسس المبينة أعلاه ، تندرج تحت مصطلح (حضارة ) .. وهي لا تظهر فجأة ، بل تدريجيا و بشكل يتراكم تباعا ، ولا يمكن محوها أو تغييرها بسرعة ، وإن تعرضت لرياح التغيير الشديدة ..
وتتحدد حركة الإنسان والمجتمع في بقعة ما ، بالاحتياجات للتوسع أو الطلب للمواد الخام والسلع ، فأثناء الحركة يتم الإطلاع على ما في المناطق التي تم التحرك نحوها ، ويحدث تناقل ، لا بالبضائع و المواد فقط ، بل وبطرق الحياة والمعتقدات ، فتتسرب خصائص الشعوب التي تتعامل مع بعض لتصبح شاخصة في حضارة كل المناطق التي تحتك ببعض .
إن حركة شعوب اليمن والشام والجزيرة والخليج والعراق ، كانت متواصلة ، فلم تكن المصالح الاقتصادية هي ما يحركها فقط ، حتى غدت وكأنها حضارة واحدة ، لا حضارات متعددة ..
العوامل التي تحكم العلاقات بين العراق و الخليج العربي :
يرتبط العراق بالخليج بواسطة طرق برية أبرزها وادي الباطن الذي كان يغني المسافرين عن متاهات الصحراء ، فكان يشكل طريقا مأمونا ، كما أن نهر الفرات الذي يصلح للملاحة النهرية ، كان وسيلة ممتازة للتنقل ، فازدهرت مدنه التجارية مثل بابل و أور و ماري ، كمراكز تجارية تنقل خيرات العراق الجنوبية الى الخليج ، وتستورد منهم الأحجار والأخشاب لندرتها في جنوب العراق .
وبالمقابل فإن السواحل الغربية للخليج العربي و المتصلة بأرض العرب ، كانت مأهولة و مياهها آمنة للحركة ، بعكس تلك التي كانت على الجانب الفارسي والتي ينعدم فيها الساحل من سهول ، بل يتواجد سلسلة من الجبال الوعرة في (كرمان ) .. وإن وجود جزر في الجانب العربي تزود المسافرين بالبحر باحتياجاتهم الغذائية والمائية .. فانتشرت مراكز هامة في فيلكا وتاروت والبحرين و الثاج وقطر وأم النار و منطقة العين وهيلي و غيرها ، حيث أوجدت الحفريات الأثرية ما يدلل على أن تلك المناطق كانت على صلة مع مدن في أعلى الفرات مثل (ماري ) و( كركميش) جرابلس الحالية .
الخليج العربي في ضوء المكتشفات الأثرية :
لم تحظى منطقة الخليج العربي بالتنقيبات الأثرية إلا بعد عام 1954م ، بعكس غيرها من مناطق الشرق الأدنى التي سبقتها بقرون .. ورغم قصر عمر التنقيب فإن النتائج التي توصل إليها العلماء ، خصوصا في منطقة البحرين (دلمون) وجدت أن بقايا المدينة العظيمة (دلمون) والتي عثر عليها أسفل جدران القلعة البرتغالية ( قلعة البحرين ) وقد أرجع العلماء تأسيس تلك المدينة الى الألف الثالث قبل الميلاد .. كذلك عثر على معبد بيضوي في (باربار) .. والعديد من المدافن القديمة ..
لقد ساعد اكتشاف النموذج الفخاري لقارب شراعي وجد في (أريدو) وفحص طينة الفخار ، الى أن هناك تشابه قوي بين القوارب العراقية والخليجية ، ويعود هذا النموذج الى الألف الرابع قبل الميلاد .. كما أن أنماط مدافن موتى الخليج والأختام المسطحة التي عثر عليها في مواقع كثيرة ، امتدت من جزيرة فيلكا الى العين في الإمارات تتشابه مع تلك الأنماط التي عثر عليها في مدن أريدو وأور و عبيد العراقيات ..
يتبع
المراجع :
ــــ
رضا جواد الهاشمي : عدة مقالات نشرت في مجلة المؤرخ العربي ـ اتحاد المؤرخين العرب ، عدد 12 / 1980 .. ومجلة بين النهرين 1979 و مجلة آفاق عربية 3/1982
__________________
ابن حوران
|