مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 14-06-2002, 11:48 PM
ريان الشققي ريان الشققي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2002
المشاركات: 63
إفتراضي الوصول! (2 من 2)

هي الأحلام والأمنيات هكذا قد تبدأ ولا يعرف الإنسان من أين ومتى أتت. كل ما يذكره أن حلمه بدأ بالظهور قبيل دخوله إلى كلية الآداب قسم تاريخ وهذا ما كان قد قسم له فقنع إلى حين ومازالت أفكار الهجرة إلى أمريكا تغزوه وتضغط عليه ولا تفارقه ، باتت وسواسا يعيش له كل يوم ويؤرقه كل ليلة. وفي تلك الأثناء سافر أخوه الأكبر إلى أمريكا سائحا ثم استقر هناك وسمع ما سمع عن عذابه الكثير في عمله الخطير حيث عمل سائقا لسيارة أجرة في قلب مدينة شيكاغو ثم عاملا في محطة للوقود في إحدى الضواحي إلى أن أصبح يملك جزءا من محطة أخرى اشتراها بالتقسيط كشريك مع أحد الأصدقاء. وهذه هي السنة التاسعة لم ير أخاه فيها فقد فرقت الحياة بينهما وأبقت على الشعور بالحلم السعيد والحب من بعيد. وانتهى منير عبد الحافظ من الدراسة الجامعية وجلس ينتظر قدره فلا عمل ينتظره على الأبواب ولا تتوهج في الأفق بارقة هجرة باتجاه الغرب. كم من مرة حاول الحصول على تأشيرة للدخول إلى أمريكا ولكن إقدام البشر المفزع على السفارة وطوابير الناس منعته من ذلك أو كانت سببا في رفض طلبه.. كيف هذا وأنا لا أنوي إلا العيش الكريم بنية سليمة.... تذكر أيامه بعد التخرج عندما كان يجلس وغيره من الشباب في وقت الأصيل من أيام الصيف وغيرها أمام محلات أصدقائهم التجارية في مصر الجديدة يتبادلون أطراف الحديث بلا أهداف تمتطى أو فائدة ترتجى، وكان منير عبد الحافظ مثله مثل هؤلاء العاطلين عن العمل لا يجدون فرصا تمنح لهم من أجل العيش السليم والرقي في سلم الحياة كما أرادوها أو على الأقل كما أرادها منير عبد الحافظ.. بقي عالة على والديه اللذين لم يملكا الكثير ليعطياه منه، إلا المأوى وبعض الطعام مما يأكلان. دعا لهما بالرحمة والغفران وهو في الطائرة يهوي معها نحو نيويورك مستهل أرض أحلامه المحتدمة وآفاقه المتنامية...
يا للهول.. اهتزت الطائرة مرة أخرى بشكل فجائي ، ثم عادت منسابة في الهبوط، تبدل لون وجهه فجأة ثم استقام وانكشف؛ عاد إلى سلسلة أفكاره وكأنه يغبط نفسه على ما هو فيه من تحقيق الأحلام وسعة الحياة الرحيمة بعد الانتظار والعذاب....
أين كنا.. نعم.. ثم توالت الذكريات.. قبح الله تلك الأيام والليالي التي قضاها أمام محل صاحبه مع الشباب العاطل وهم يتكلمون عن قلة الفرص وأحلام الهجرة إلى أمريكا أو كندا، ويتهمون الناس والمجتمع من حولهم بالعجرفة والأنانية وحب الذات، ويهتكون ستر العدالة الاجتماعية.. وأي عدالة هذه القائمة!.. إنها مهزلة التاريخ ومكربة الأيام القادمة. كان أعلام المجتمع ينادون بتحديد النسل ، وبعض أجهزة الحكومة والمؤسسات الاجتماعية تنادي بأن تلتزم المرأة العاملة منزلها وتعكف على تربية الأولاد تربية صحيحة وتترك المجال للشباب العاطل عن العمل بأن يجد عملا.. كان هما عظيما بأن يجد الشاب العمل والمأوى. نعم.. تذكرت عندما وجد أحد الأصدقاء عملا في مصنع المعكرونة وهو خريج آداب قسم جغرافيا حسدناه ولكننا قدمنا له التهاني وطلبنا منه أن يعيل أحد منا.. وطبعا رفض وقال (ولاتزر وازرة وزر أخرى).
.. ثم انصب جل اهتمامه وتفكيره على خيوط البرق الصامت المنبعث من الغيوم التراكمية الدكناء وعلى تأرجحات الطائرة التي بدأت عجلاتها بالنزول استعدادا للهبوط ولكنه لم ينس تلك السنة التي أمضاها في السعودية يعمل كمندوب مبيعات في شركة بيع وتركيب الأدوات الإلكترونية والصحون التي تلتقط المحطات التلفزيونية الفضائية. لم ينس الأيام القلائل التي سبقت سفره إلى السعودية وأصدقاؤه من حوله يقدمون له التهاني ويغبطونه أو يحسدونه على هذه الفرصة الذهبية. لم تكن الفرصة بالنسبة له كما رآها أصدقاؤه فلم يكن بوسعه تأمين القوت المناسب كما كان يحلم ويتمنى.. وفي الحقيقة لم تكن السعودية في نفسه إلا محطة للانتقال إلى أمريكا إن أمكن، أرض أحلامه الذهبية وأمنياته الدفاقة.. بعد أن ضاقت به الأحوال في مصر لسنوات ولم يقدر أن يحصل على تأشيرة من السفارة الأمريكية في القاهرة ولا حتى من القنصلية الأمريكية من الاسكندرية بعد تغيير اسمه وجواز سفره. كان يذهب إلى السفارة والساحة مكتظة بالشباب ينتظرون الأجوبة على طلباتهم التي تأتي على الغالب بالرفض.. منهم من يتقدم بطلب للسياحة فلا يفلح ومنهم يتقدم بطلب للتجارة فلا يؤتي جهده أكله ومنهم يتقدم بطلب لتعلم اللغة في معهد فيرجع بكفي حنين، وهكذا كل يوم تعاد الكرة، تطول الصفوف ثم تتلاشى. لذلك قرر منير عبد الحافظ أن يذهب إلى السعودية ليس للاستقرار ولكن للتقدم بطلب إلى السفارة الأمريكية هناك. لم يكن فرحه بالفرصة من أجل العمل كما كانت فرحته في فتح أمل جديد في الهجرة إلى أمريكا. نعم لقد حالفه الحظ وحصل على تأشيرة الدخول إلى بوابات أحلامه وترخيص الولوج إلى مقصورات أمنياته بعد سنة من الانتظار في السعودية. كانت لحظات بهيجة لم يشهد لها مثيلا في حياته.. هذه هي أمنيته تتحقق، تلك الأمنية التي غالبت أفكاره وأرق طيفها خياله .. انفتحت له الستائر كاشفة الحجاب عن جنانه وتفاعلت جوارحه لتنعش كيانه الذي جعل من أمريكا محط أنظاره وآماله.. وهذه هي الطائرة تتدحرج على فوق القارة الأمريكية على أحد مهابط مطار كندي وكأن الأرض التي لامست العجلات تلامس سويداء قلبه والألحان الجميلة تنبعث من النفس على أنغام زقزقة العصافير في ذلك الجو المكفهر الممطر.
قالت له المرأة العجوز التي ظهر عليها تعب السفر: الحمد لله على السلامة يابني. فأجابها وهو مبتسم بفرح: الحمد لله على السلامة. خرجا من النفق وقد طلبت منه العون فصحبها إلى الجوازات ثم إلى مكان استلام الأمتعة. كان مبهورا لوصوله إلى بداية الأحلام الوردية.. نعم لقد وصلت إليك يا أمريكا.. أتعبتني يا صاحبة الحظ السعيد…
وبعد الخروج من الجمارك أراد وداع تلك المرأة والانتقال إلى مكان آخر من المطار من أجل انتظار موعد الطائرة التي ستقله إلى شيكاغو بعد ثلاث ساعات ولكن المرأة طلبت منه الانتظار معها حتى تلتقي بابنها الذي وعد باستقبالها قادما من نيوجرزي. جزعت المرأة وجزع هو معها فلم يكن عديم الإحساس ليتركها وحيدة. مرت ساعتان وقد ساعدها في الاتصال هاتفيا بابنها ولكن في كل مرة تجيبه آلة تسجيل بصوت ابنها فيترك له رسالة. جلست المرأة صامتة إلا من بعض الدعاء وبقي منير عبد الحافظ يمشي جيئة وذهابا ناظرا حوله متمنيا قدوم ذلك الغريب ليستلم أمه وينقذه من هذه الورطة.. لا إنها ليست ورطة فالمرأة تحتاج إلى مساعدتي وليس لها أحد في هذا المكان الغريب إلا أنا، اللهم أعني.. ثم نظر إلى المرأة وهي تتكئ على يد الكرسي بسرعة إلى أن جاءت واقفة وهي تقول: إنه هو، الحمد لله يا رب. جاء الفرج لمنير عبد الحافظ فسلم على الشاب وشكره الشاب ثم دعت له المرأة بكثير من الدعاء. هرع إلى المبنى الآخر بعد أن سأل أحد الموظفين في الصالة عن مكانه. استقل الطائرة مرة أخرى في الطريق إلى شيكاغو وهو يتمشى مختالا في حقول أحلامه ويعزف ألحان النصر على زمانه ويحاول أن يتذكر صورة أخيه الذي لم يره منذ تسع سنوات إلا في الصور القليلة التي كان يرسلها إليه، فيفرح ويسعد ويمسك أعصابه التي تكاد أن تنفلت منه من الاعتزاز العظيم.
نزل في مطار أوهير في شيكاغو ، الفرح يلبسه ، والغبطة تتغمده.. أرهقه السفر الطويل، مشى يتحامل على نفسه إلى الصالة مستبشرا بذكرى أخيه، وفي الصالة الخارجية لم يعثر عليه، المكان مزدحم ، وأخوه فقد كثيرا من شعر رأسه، عله يراه. انتظر ثم بحث من جديد. لم تقع عينه على أحد يشبهه لأخيه. لم يقنط ولم ييأس فكل هذا الفرح بالوصول والاعتزاز لا يذهب هدرا من لحظات خيبة طارئة. ولما طال انتظاره اتصل بمنزل أخيه فلا جواب ثم اتصل بمحطة الوقود فلا جواب.. نعم لابد أن يكون هناك مبرر لتأخيره أو عدم قدومه حتى الآن. بدأ الارتياب من الأمر يخالجه ثم انتابه فجأة خوف لا مثيل له أقعده عن التفكير في الحاضر والمستقبل وذهب بفرحه شوطا بعيدا وعميقا في أرجاء الفضاء الواسع بعيدا عن جلبة القادمين والمسافرين. في تلك اللحظات اقترب منه رجل وسأله بالعربية عن اسمه فأجابه وكان متعجبا من الأمر، فلم يضمر تعجبه وسأل الرجل مستفسرا منه. أجابه الرجل الذي بدا عابسا وفي لهجته جدية وعمق: بحثت عنك وسألت مكتب الاستعلامات أن ينادي اسمك في السماعة وكان ذلك ولكنك لم تحضر فجعلت أسأل كل من أرى فيه ملامح عربية عن اسمه حتى وجدتك. كان منير عبد الحافظ ينظر إليه ولم يفهم من الأمر ما جعله مرتاحا من طريقة الرجل وملامحه، حتى أكمل الرجل كلامه قائلا: أنا من طرف أخيك. انفرجت أسارير منير عبد الحافظ وانحلت العقدة الكأداء ومد يده ليصافح الرجل بحرارة..
… إلا أن الصدمة كانت أعنف من أن يحتملها بعد أن أخبره الرجل عن حادث مصرع أخيه في حريق أصاب المحطة أول أمس.
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م