مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 14-06-2002, 11:41 PM
ريان الشققي ريان الشققي غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: May 2002
المشاركات: 63
إفتراضي الوصول! (1 من 2)

السماء غائمة والجو مكفهر غاضب، والطائرة تتعرض لاهتزازات عنيفة أثناء هبوطها التدريجي نحو مطار نيويورك. الصمت يخيم على الأجواء ويخرق الآذان، والوجل ينفذ إلى الأحشاء ويقتل الأحلام. الركاب يضمرون الخوف وهم يراقبون بحذر تحركات طاقم الطائرة ويشعرون بالتأرجح الذي تسببه تلك العاصفة. وجوه شاحبة من الإرهاق والخوف ووجوه مستنفرة تكاد تنطق ولا تنطق وأخرى عليها سكون مريب غير مقروء ولا مترجم إلى انفعالات، ولكن الحياة لا تتسمر في مكانها كما ظن بعضهم في تلك اللحظات المتواترة المتوترة. وبين الحين والآخر تخترق الأسماع تحذيرات القبطان:
- على جميع الركاب البقاء في مقاعدهم وربط الأحزمة ووضع المقاعد في موضعها الرأسي..
ويخيم صمت متحامل ثم يأتي الصوت من جديد:
- نمر الآن في عاصفة ومناطق دوامات وجيوب هوائية ذات ضغط منخفض، نتمنى لكم هبوطا مريحا..
كان منير عبد الحافظ يمسك قلبه بيده جزعا كلما ارتجت الطائرة مستجيبة للعاصفة ولكن أمله الداخلي أعظم من أن تفتته عاصفة عابرة أو يثنيه طارئ كليا عن لذة التفكير بالوصول.. فالحياة بالنسبة له مليئة بالعواصف من كل نوع وصنف. إنه يحاول الإمساك بأحلامه الوردية ألا تهرب منه في لحظات من الخوف العابر: نعم إنه عابر إن شاء الله وستأتي الحياة من جديد كما أتت بعد الجهد والعناء من قبل. يا إلهي إنها هزة عنيفة.. فقدت الطائرة التوازن وغطست في انخفاض جوي مئات الأمتار ثم تلتها أخرى والصيحات وأصوات الشهيق من كل جانب تملأ الأسماع، ومنير عبد الحافظ شاعر أنه بين الحياة والممات.. هل يودع أحلامه في الطريق قبل الوصول: لا لن أتركها البتة ولكن الحيطة أفضل فأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله . لحظات وعاد الصمت ، شعر ببعض الأمان حيث استقرت الطائرة قليلا وهي تطير بين جبال الغيوم الداكنة المتسابقة وتشق أجواء العاصفة الفائرة في قلب المنخفض الجوي.
نظر إلى تلك المرأة العجوز المتحجبة على يمينه وقال: كيف حالك يا عمة؟
استدارت نحوه بوجه قديم على الزمن، غائر الوجنتين يحمل لمحات الشحوب من آثار السفر ، ثم قالت:
- الحمد لله يا بني.
صمت قليلا ثم أردف:
- أنا على يقين أن القبطان يحسن التصرف ويتعامل مع هذه العاصفة بحكمة.
انتبهت إليه المرأة مرة أخرى وكانت قد عادت تتمتم بأدعية غير مسموعة، هزت برأسها ثم أجابته:
- أرجو ذلك.. لا لشيء إلا لأرى ولدي الوحيد وأزوجه وأطمئن عليه في غربته..
ثم أردف محاولا تناسي العاصفة وتأثيرها:
- من أين أنت يا عمة؟
- من الشام.
- أول مرة تأتين إلى أمريكا؟
- نعم.. إني قادمة لزيارة ولدي الذي غاب عني ثمانية أعوام.. يريد الزواج من إحدى الفتيات التي اختارها قلبه في الغربة وهي من أصل شامي وطلب مني الحضور ليسعد بي ولأبارك له الزواج ، قلت له أن يقوم بزيارتنا بعد الزواج ومعه زوجته فأبى ولذلك قررت المجيء مع أنني كبرت في السن وليس بوسعي تحمل الأسفار كل هذه المسافات بين العواصف والأمطار.
ثم استدركت وسألته:
- منذ متى أتيت من مصر لتعيش في أمريكا؟
- لا يا عمة.. هذه أول مرة وأنوي العيش مع أخي في أمريكا.. لم أره منذ تسع سنوات.
- لماذا تترك بلادك؟ طالما أسأل ابني هذا السؤال ، كل الشباب يأمل بالذهاب والهجرة إلى الغرب، يا أسفي..
- لي مع الحياة قصة طويلة وعريضة.. لقد ضنت علي كثيرا وسدت السبل أمامي ولكنني لم أتوقف عن المسير وهاأنا قادم إلى حظ جديد.
- أنت مازلت شابا وتملك قدرات عظيمة.. وفقك الله يا بني وأعطاك كل ما تريد من الخير. هل أنت متزوج؟
- لم يأت النصيب!
اهتزت الطائرة بعنف فحدثت جلبة وصدرت أصوات جمع مضطرب على متنها ثم جاء صوت المضيفة من كل مكان: الرجاء الإبقاء على ربط الأحزمة والاستعداد للهبوط سنصل إلى مطار كندي في نيويورك خلال خمسة عشر دقيقة. استدارت المرأة نحو منير عبد الحافظ وقد أعياها السفر والشعور بالغثيان وقالت بصوت منخفض الوتيرة: قل إن شاء الله يا بني. قال: إن شاء الله. بدا خائفا وانتابته رعشات نامية رغم أحلامه الزاهية فقال في نفسه: يا رب اجعلها تنتهي على خير فهذه الرحلة هي كيوم الميلاد بالنسبة لي.. لكم شقيت وتعبت حتى أصل إلى هذه الخطوة الكبيرة.. كم أتمنى الوصول، ثم يخلق الله ما لا تعلمون. وفي تلك اللحظات المبعثرة بين الأمل والرجاء وبين الخوف الجاثم على الطائرة ومن فيها جالت في أفكاره ذكريات التحضير لهذه الرحلة الكبيرة التي كانت في يوم ما حلما بعيد المنال وطيفا عابرا ليس له من الواقع إلا التفكير الكثيف أثناء الليل والسعي والركض أثناء النهار.. ثم الانتظار..
يتبع (...)
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م