احتلال بيت المقدس
من كتاب البداية والنهاية
ثم دخلت سنة ثنتين و تسعين و أربعمائة 492 هـ
وفيها أخذت الفرنجة – خذلهم الله تعالى – بيت المقدس لما كان ضحى يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان , استحوذ الفرنج لعنهم الله على بيت المقدس شرفه الله وهم في نحو ألف ألف مقاتل (1000000) أي مليون مقاتل , فقتلوا في وسطه أزيد من سبعين ألف قتيل من المسلمين , وجاسوا خلال الديار و كان وعدا مفعولا .
فذهب الناس على وجوههم هازعين من الشام إلى العراق , مستغيثين على الفرنج إلى الخليفة و السلطان , منهم القاضي بدمشق أبو سعد الهروي , فلما سمع الناس ببغداد هذا الأمر الفظيع هالهم ذلك و تباكوا , و قد نظم أبو سعد الهروي كلاما قريء في الديوان وعلى المنابر , فجهش الناس بالبكاء , و ندب الخليفة الفقهاء إلى الخروج إلى البلاد ؛ ليحرضوا الملوك على الجهاد , فخرج ابن عقيل وغير واحد من أعيان الفقهاء , فساروا في الناس , فلم يفد ذلك شيئا , فإنا لله وإنا إليه راجعون .
ثم في هذه السنة أيضا غلت الأسعار جدا ببغداد ؛ حتى مات كثير من الناس جوعا , و أصابهم وباء شديد حتى عجزوا عن دفن الموتى من كثرتهم , جزاءا وفاقا ولو خرجوا إلى قتال الفرنج , وكسروا ما قتل منهم ثلث هؤلاء الموتى و لحصلت لهم الشهادة و كتبت لهم غزوة , و لكن قدر الله و ما شاء فعل لا مانع لما أعطى و لا معطي لما منع و من لم يمت بالسيف مات بغيره ؛ و الموت بالسيف أهون الموتات , ولكن الجبن و حب الحياة و كراهية الموت يوقعان العبد فيما يحول بينه و بين أطيب الحياة في الدار الآخرة
انتهى و أقول أنا الرمادي أن هذا نتيجة لتفرق دولة الإسلام فقد كان الخليفة العباسي خليفة بالإسم فقط ولم يكن له من الأمر شيء و دولة الإسلام متفرقة بين ملك في الهند وملك في العراق و دولة في مصر و ملوك صغار آخرين في عدة أجزاء متفرقة .
قال في ذلك أبو المظفر الأبيوردي :
1 – مزجنا دماءا بالدموع السواجم *** فلم يبق منا عرضة للمراحم
2 – و شر سلاح المرء دمع يفيضه *** إذا الحرب شبت نارها بالصوارم
3 – فإيها بني الإسلام إن ورائكم *** وقائع يلحقن الذرى بالمناسم
4 – و كيف تنام العين ملء جفونها *** على هفوات أيقظت كل نائم
5 – و إخوانكم بالشام يضحي مقيلهم *** ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
6 – تسومهم الروم الهوان و أنتم *** تجرون ذيل الخفض فعل المسالم
7 – و بين اختلاس الطعن و الضرب وقفة *** تظل لها الولدان شيب القوادم
8 – و تلك حروب من يغب عن غمارها *** ليسلم يقرع بعدها سن نادم
9 – سللن بأيدي المشركين قواضبا *** ستغمد منهم في الطلى و الجماجم
10 – يكاد لهن المستجن بطيبة *** ينادي بأعلى الصوت يا آل هاشم
11 – أرى أمتي لا يشرعون إلى العدا *** رماحهم والدين واهي الدعائم
12 – و يجتنبون الثأر خوفا من الردى *** و لا يحسبون العار ضربة لازم
13 – أترضى صناديد الأعاريب بالأذى *** و تغضي على ذل كماة الأعاجم
14 – فليتهم إذ لم يذودوا حمية *** عن الدين ضنّوا غيرة بالمحارم
15 – و إن زهدوا في الأجر إذ حمي الوغى *** فهلا أتوه رغبة في الغنائم
__________________
ان حظي كدقيق فوق شوك نثروه
ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه
صعب الأمر عليهم قال قوم اتركوه
ان من أشقاه ربي كيف أنتم تسعدوه
|