توطئة
====
( الوهابيون رجس من عمل الشيطان، سننتقم من الوهابيين، لن تمر هذه الجريمة دون عقاب !! ) كانت هذه عبارات مكتوبة ومحمولة على لافتات في تظاهرة أخرجها ( حزب الله ) في الجنوب اللبناني عقب اتفاق الطائف الذي كان من أسباب وقف الحرب الأهلية التي كانت تدور في لبنان.
في المظاهرات تخرج الكلمات غالبا من القلب، منطوقة أو مكتوبة.
على جانب آخر كانت هناك كلمات أخرى خرجت من القلب كذلك ترسم صورة أخرى مغايرة.
فيقول أخو العشيرة عن الحزب
إنهم صفوة الصفوة، وطليعة الأمة، ومرشدوها، وباعثو دينها وحضارتها ومجدها، ومعلموها، ورساليوها، و..أنبياؤها) (1).
( إن المقاومة الإسلامية في لبنان تمثل لنا ضوءا باهرا في الأفق المعتم، وصوتا جسورا وسط معزوفة الانكسار، وقامة سامقة تصاغر إلى جوارها دعاة الانبطاح والهرولة، وهي مع هذا كله لم تنل ما تستحقه من متابعة وتقدير في الخطاب الإعلامي العربي. ويحزن المرء أن بعضا منا أغمضها حقها، محاولا النيل منها وتلطيخ صورتها الوضاءة.
إن الإفصاح عن مشاعر المؤازرة والامتنان لأولئك الشباب بمثابة (فرض عين( لا يسقط بالتقادم!! إنهم يدافعون بهذا الدور البطولي الذي يقومون به عن شرف الأمة العربية وعن الأمل في أعماق كل واحد فينا، إنهم يرفعون رؤوسنا عاليا ويرصعون جبين أمتنا )(2)
( إن حزب الله يقوم بدور رائد في إيقاظ الأمة وتقديم الدليل على قدرتها لصد العدوان) (3).
( فالمقاومة الإسلامية لحزب الله واحدة من أبرز معالم نهضة الأمة وأكبر دليل على حيويتها) (4).
( إن المؤشرات تدل على فشل محاولات التسوية الجارية لكونها انهزامية، وهذا يفتح الباب واسعا لبقاء حزب الله رمزا حيويا للمقاومة الإسلامية، بل والعربية، وسيتمتع في هذا الإطار بالشموخ والاستعلاء على كل دعاوى التسوية الاستسلامية السائدة في المنطقة) (5). ( لماذا حظيت المقاومة الإسلامية في لبنان بهذا القدر الهائل من التضامن الشعبي العربي والإسلامي؛ بل من كل المستضعفين في العالم ؟ وهل يتحول الطرح السياسي والحضاري لتلك المقاومة إلى أيديولوجية للمحرومين في كل مكان في العالم في مواجهة النمط الحضاري والقيمي الغربي الذي يهدد العالم بأسره ؟ لماذا نجحت المقاومة اللبنانية في أن تصبح طليعة لكل قوى التحرر العـربي على اختلاف مشاربها الدينية والطائفية والسياسية والطبقية ؟! وبصيغة أخرى: لماذا نجحت المقاومة اللبنانية في الخروج من مأزق الطائفية الضيق إلى رمز للتحرر لكل إنسان مسلما كان أم مسيحيا ، عربيا أم عالميا ، أبيض أو أسود ؟ لماذا كانت المقاومة وحزب الله بالتحديد هي الجزء الحي في النسيج العربي الذي اهترأت الكثير من أجزائه وأطره الفكرية والتنظيمية ؟ ) (6).
صورتان متناقضتان تثيران أسئلة كثيرة عن قصة الحقيقة، ولا يخفي بعض الناس شدة الحيرة التي تنتابه مع هذه الصور المتباينة الشديدة التنافر ؛ فبين مسلمات عقدية راسخة، وأصول مستقرة، وبين واقع ضاغط على الفكر والشعور، تضطرب الرؤى وتحار العقول.
وحقيقة فقد كانت الكتابة عن الحركة الشيعية اللبنانية بعامة، وحزب الله بخاصة، هي محاولة خوض في حقل ألغام، وذلك لعدة أسباب:
الأول: ذلك المفهوم المستقر في نفوس كثير من الناس عن أن حركة المقاومة يجب أن تدعم مهما كان توجهها، ما دامت منضوية تحت راية (الإسلامية( وإن المرء ليعجب من بعض أهل الفضل والفهم حين يرون في أن الخطاب السني الموجه إلى الشيعة عامة هو خطاب يحتاج إلى إعادة النظر في أصوله ومنهجه وطريقة عرضه. وهذا المسلك بدأ في الظهور لدى طبقة المثقفين والمفكرين المنتسبين إلى الفكر السني. وهذا المفهوم في حد ذاته يمثل عائقا كبيرا في أن تجد مجالا خصبا لتبادل الآراء حول الحركة بما لها وبما عليها. كما أنه يذهب بك إلى أن تبدأ نقاشك بعرض المسلمات المنهجية والبدهيات الفكرية لمنهج أهل السنة والجماعة.
الثاني: أن حجم التأثير الإعلامي لتلك الحركة كان كبيرا ومؤثرا ، وكان هذا الإعلام ضاغطا على انهزامية الأمة واستسلامها وخضوعها أمام الاستكبار العالمي لليهود، والشيطان الأكبر، مما أعطى تفريغا للشحنات المكبوتة في نفوس كثير ممن ضاق بهم أفق الأمل في وعد الله، أو حين رأوا أن الحلول القومية وتوابعها الفكرية والسياسية قد سقطت في مزبلة التاريخ والتزييف، فراحوا يتعلقون بأية راية تزعم حلا لواقع الأمة المنكوبة، فكان توجيه الحديث إلى تلك الفئة صعبا كذلك، حين يرون في هذه الصورة التي يرونها وردية لأحلامهم صورة أخرى مغايرة، ولذلك فإن من يوقظ النائم الحالم ليشعره بأنه في واقع آخر حقيقي، لا بد أن يصيبه من لومه ونقده.
الثالث: تلك الأنفة التاريخية التي ترسخت لدى الكثيرين من عدم القبول بالنقد والتحليل، وخاصة للحركات التي تتبنى العمل المسلح؛حيث يرون أن الذين يضحون بأرواحهم ودمائهم هم أرفع الناس عن النقد وأبعدهم منه، فكان ذلك المفهوم عائقا نفسيا في أن يجد الحديث مسلكا سلسلا يتجاوز به حتى نصل إلى مسائل الاتفاق.
وبرغم ذلك فسيبقى أن من الضرورة التي سبق أن نبه إلى مثلها علماء الأمة أن ترصد الحركات الفكرية والعقدية والسياسية والعسكرية التي تعمل في جسد الأمة، معملة فيها معاولها البانية والهادمة ، ليميز الله الخبيث من الطيب:
( فأما الز بد فيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) [الرعد: 71].
ولا أظن أن أمة من الأمم كان فيها مثل هذا السجل الضخم من تراجم الرجال وسيرهم، ولا عرض لمنهج الفرق والملل، مثل أمة الإسلام.
ولا أزعم الإلمام بكافة جوانب القضية ، بيد أنها محاولة لرسم صورة تقريبية عن ) حزب الله ) في لبنان، والحركة السياسية الشيعية فيها.
وبداية لا بد من التنبيه إلى عدد من النقاط الهامة قبل الخوض في تفاصيل هذه الدراسة:
أولا : هذه دراسة نقدية للحركة السياسية الشيعية المعاصرة في لبنان، وعلى رغم ذلك فإن العدل يلزمنا أن نذكر محاسن هذه الحركة كما نذكر مساوئها، وهذا أمر مقرر شرعا ، والآيات والأحاديث شاهدة عليه، ولكن عندما نورد هذه المحاسن فهي ليست من باب (التلميع( كما قد يظن ذلك وإنما للوقوف على طريقة العمل ومواطن النجاح وسبله للاستفادة والاعتبار.
ثانيا : مع أن حزب الله ينتمي إلى فرقة الشيعة الإثني عشرية إلا أن هذه الدراسة لن تعنى بعرض تفاصيل هذه الفرقة ونقدها لأني أعتقد أن مناقشة المنهج العقدي لها ليس هذا محلها، حيث إن ذلك مبسوط في كتب السلف والخلف، وأحسب أن فيها الغنية والكفاية.
ثالثا : واقع أهل السنة في لبنان _ من حيث الجملة _ واقع غير مرض ، وهو بحاجة إلى الوقوف عليه لإدراك تطوراته وتحولاته، وتاريخه غير واضح المعالم، ومع هذه الأهمية للحديث عن واقع أهل السنة في لبنان، إلا أن دراستنا هذه لم تتعرض لتفاصيله، ولا لمداخلاته مع الطوائف الأخرى لأن ذلك سيجرنا إلى الخروج عن أصل هذه الدراسة.
كما أننا لن نتطرق إلى الحديث عن العلاقة التاريخية بين أهل السنة والشيعة وتفاصيل تلك العلاقة، حيث إنه مبسوط في كتب أخرى كثيرة(7).
وحزب الله في لبنان جزء من قصة طويلة وصراع مرير، والحديث عنه وعن حقيقته وأهدافه أمر ضروري في وقت بدأ فيه تحول كبير في دور الحزب، بعد أن تحقق جزء كبير من أهدافه التي ر سمت له، خاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، وفي الوقت ذاته حظيت المقاومة بدعم عربي لم يسبق له مثيل، بيد أن المسألة متشعبة شديدة التعقيد فرضتها عوامل شتى؛ لذا كان من المهم استعراض حقائق الأمور وتفاصيلها.
تابع انشاء الله