السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا ضيف جديد. ولم أشأ أن أت خالي اليدين. بل أحضرت لكم هدية وآمل أن تعجبكم. إنها إحدى قصصي التي أعتز بها. اسمها:
زيارة إلى ابنتي شيماء
أترككم مع القصة
صرخت قدمي بشدة من الألم. فخطوت خطوتين عرجاوتين. ثم صعدت إلى "الباص" وحدقت في وجه السائق شذرا. التفت إليّ بوجه شامت،وقال والسيجارة في فمه:
ـ في المرة القادمة انتظر "الباص" وأنت تقف على الرصيف.
يا للسائق الوغد !
كان "الباص" في طريقه إلى شارع "الرحمة" حيث تسكن طفلتي الصغيرة شيماء. ما إن جلست على مقعد من المقاعد الخلفية حتى أحنيت ظهري لأتحسس قدمي الموطأة. رفعت رأسي قليلاً،وإذا بشيماء تنظر إليّ !. لا لا،لم تكن شيماء. كانت طفلة تشبهها. بيضاء جميلة ذات شعر حريري طويل تنظر إلى قدمي. كانت جالسة في المقدمة إلى جانب رجل كبير. أظنه كان أباها. كانت عيناها رسولاً ينتقل بين وجهي وقدمي. ابتسمت لها،وكأني أبتسم لابنتي شيماء. لكنها لم تأبه لابتسامتي،وعادت تنظر إلى الأمام. لو كانت شيماء لفتحت ذراعيها وانطلقت تعانقني.
ظلت تنظر إلى الأمام. تمنيت أن تعود لتنظر إليّ مرة أخرى. كنت كمن على نار موقدة. صحت ! وقلت : آه يا قدمي ! ونجحت خطتي،إذ التفتت الطفلة إليّ مرة أخرى. فرحت كثيرا. تظاهرت بالحول لأضحكها. لكن الطفلة الجميلة لم تعرني أحقر اهتمام،وعادت تنظر إلى الأمام. وعدت إلى نفسي أحدثها. الآن سأزور شيماء. سأحكي لها عن هذه الطفلة الهادئة.
توقف الباص في شارع " النصر"،وهو الشارع الذي يسبق شارع "الرحمة". نهضت الطفلة مع أبيها،وجمع آخر من الركاب. مشت إلى الباب. ونزلت إلى الشارع. ومرت من عند شباكي. تتبعتها بنظري. كانت تمسك بيد أبيها. بدت لي قامتاهما من الخلف. كان شعرها طويلاً وجميلا. سقطت من أبيها أشياء صغيرة،ربما كانت نقوداً معدنية،فتوقفا،ومد الرجل يده إلى الأرض لالتقاطها. وبينما الطفلة تنتظر أباها التفتت إلى شباكي ! ونظرت إليّ ! ورأتني أنظر إليها. فابتسمت لي ! وأشارت بيدها الصغيرة الناعمة تودعني. تهلل وجهي، وأشرت إليها. أمسك أبوها يدها مرة أخرى،فعادت تنظر إلى الأمام،وأكملا مسيرهما. وعدت فارغ الفؤاد لآخذ جلستي الصحيحة على المقعد. وما هي إلا دقيقتان حتى توقف الباص في شارع "الرحمة". نهضت وآخرون كذلك. ثم نزلت،ومشيت خطوات. ودخلت إلى ساحة فضائية كبيرة،محاطة بسور من الطوب. سرت في طريقي متوجهاً نحو شيماء. إلى أن وصلت إلى قبرها الصامت فتوقفت بإجلال،وسلمت عليها. وأخذت أقص عليها ما حصل لي طوال الأسبوع الماضي،وطبعا لم أنس قصتي مع الطفلة .
أشكركم جميعا