(كش ملك)...قصة قصيرة

[عِــذاب]

"تسيرين في طريقك ..لا تلتفتين لأحد..لا تأبهين بأحد..خطواتك واثقة …هذا ما لفت نظري إليك…"
نظرت إليه بابتسامة ساحرة ،خجلة أن تفر الضحكة من بين شفتيها ،أرخت أجفانها وتركته يتأمل وجهها الجميل و لون بشرتها المتورد.
تم زواجهما بسرعة بعد قصة حب عادية ، أعجبته فتقدم لخطبتها ومرت الأيام سريعا لتجد نفسها عروسا في بيته .

- هو رجل طيب ،أشعر معه بالأمان .
حدثت هدى نفسها وهي تجوب مملكتها الصغيرة . . . شقة مكونة من غرفتين و مطبخ و حمام . . هذا أقصى ما استطاع أن يوفره لها وهي راضية به . . .فتحت النافذة وهبت نسمات من الهواء أزاحت خصل الشعر عن وجهها فبدا كالشمس مشرقا انعكست عليه روحها المطمئنة للمستقبل .أخذت بعض الحبوب ونثرتها على النافذة كما تعودت أن تفعل منذ الصغر حيث وضعت صحن صغير ملأته بالماء..قد تأتي تلك الحمامة لبيتها الجديد، وتعود تؤنسها بهديلها الجميل ..تراجعت لترخي جسدها على الكرسي وتتأمل الفضاء .
يمر النهار بطيئا . . .
- هل تلعب شطرنج ؟
بادرته بالسؤال كانت تشعر بالملل من الجلوس أمام التلفاز حيث كانا معا .
- لا ..أنا لا أحب الشطرنج .
- ألا تجيد لعبة الشطرنج ؟
- بل أجيدها ………وسنلعبها ……هيا رتبي الرقعة .
أجابها بتحدٍ واضح شعر أنها تريد أن تأكد جهله باللعبة وهو يريد أن يثبت لها أنه يجيد كل شيء ، نظرت إليه وهي ترتب الجنود و حاشية الملك نظرة تثير حماسه ولكنه اغتاظ منها فهي تواصل تحديها له .
كان واضحا أنه لا يتقن اللعبة جيدا وشعرت هدى للحظات بالفرح للهزيمة التي ستلحقها به .
- لقد أكل الوزير حصانك …فأي لعبة غبية لعبتِ؟
حسب نفسه منتصرا..وابتسم ابتسامة خبت عندما شاهد أصابعها تنقل قطعة من اللعبة وتضعها قريبا من الملك .
- طبعا يا عزيزي ………كش ملك ……أنت فتحت الطريق لي ..ارني كيف ستنقذ نفسك؟
كانت حركة مدروسة وليس غباء يا حبيبي .
ارتفعت ضحكة لذيذة منها رغما عنها لتأكد تفوقها عليه
رنين الهاتف قطع عليها لحظة الانتصار وهو أسرع بتركها كمن وجد ما ينتشله من الغرق فتلقف الهاتف وعلا صوته بحديث مع شخص ما على الطرف الآآآآخر ، فهمت منه أنه سيخرج لملاقاة صديقه .
حاولت أن تكمل انتصارها وتجعله يبقى قليلا لينهي هذه اللعبة..
- ألن تكمل اللعبة …….الحركة لك ….قد تستطيع أن تنقذ نفسك!!
تجاهل النظر إليها وإلى رقعة الشطرنج وهو يتجه للهروب
- سنكملها في الغد …..سأخرج الآن .
وتركها
دقات الساعة تثير أعصابها لقد تأخر والساعة تشير للثالثة فجرا ..لم يتعود أن يتأخر حتى هذا الوقت.
وأخيرا جاء فلم تستطع أن تخفي قلقها
- لقد شغلت بالي .
لم يكن مهتما بها ولم يبرر تأخره
- لماذا ؟
- تأخرت …
- لست طفلا فلا تنزعجي …أنا تعب …وأريد أن أنام .

ألقى نظرة على رقعة الشطرنج …وهو في طريقة للسرير
تابعته وهو يغط بالنوم .
ألقت بجسدها بجانبه، وهي تفكر..ما الذي يجري ؟..لماذا تغير فجأة؟ما الذي ضايقه؟
أغمضت عينيها ،وغلبها النوم رغم انشغال بالها.

يوم جديد ونسمات الصباح تداعب الستائر بلطف وصوت هديل الحمام ينساب إلى قلبها الذي استقبله بشوق ، أزاحت الستائر ،كانت حمامة بيضاء تأكل مما تضع على النافذة ،منظر تعشقه يعيد السكينة لروحها القلقة.

- هل سنكمل لعبة الأمس ؟
- لا أنا أريد الخروج لدي بعض المشاوير .
- ما بك هل هناك ما يضايقك ؟
- لا ….لا شيء .
- حسنا …هل ستتأخر ؟
- لا سأعود مبكرا .
وتكرر التأخير …أسبوع وهي تنتظر كل يوم حتى أذان الفجر
ورقعة الشطرنج والملك المهدد ينتظران معها نهاية هذا الأمر الذي قررت أن تضع له حدا اليوم.

وأخيرا جاء

- لماذا تأخرت ؟!!أنا لم اعد احتمل الجلوس وحدي طول النهار و الليل .
- هل بدأت؟ . . . أنا كنت انتظر أن تزيلي هذا القناع . . . قناع الحب و الأدب ….فاظهري على حقيقتك . . . أنا لا أحد يتحكم بي …أنا لا أحد يسيطر علي …أتفهمين …؟أنا هنا الأول …والملك …………

لقد فهمت .
حدثت نفسها …..وتاهت نظراتها في الغرفة حتى وصلت لرقعة الشطرنج

مدت له يدا واقتربت منه وهمست في أذنه …..
-أنت حبيبي …وتاج رأسي …وأنت زوجي
أنا أشتاق إليك …هذا كل ما في الأمر …
هدأ قليلا …وقال :
-لا رغبة لي بالنقاش الآن..

تركها ..وعادت نظراتها لرقعة الشطرنج
…دفعت الطاولةبقدمها فتساقطت القطع على الأرض ..

.
.