مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 27-09-2006, 01:38 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان




لم يكن حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان كحاله في غيره من الشهور، فقد كان له صلى الله عليه وسلم برنامجا مليئا بالطاعات والقربات، وذلك لعلمه بما لهذا الشهر من فضيلة ميزها الله بها على غيره من الشهور، والنبي صلى الله عليه وسلم وإن كان قد غفر له من تقدم من ذنبه، إلا أنه أشد الأمة اجتهادا في عبادة ربه وقيامه بحقه .

ونحاول في الأسطر التالية أن نقف وقفات يسيرة مع شيء من هديه عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان المبارك . حتى يكون دافعا ومحفزا للهمم أن تقتدي بنبيها وتأتسي به .

فقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر في هذا الشهر من أنواع العبادات، فكان جبريل يدارسه القرآن في رمضان، وكان عليه الصلاة والسلام -إذا لقيه جبريل- أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان، يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن، والصلاة والذكر والاعتكاف .
وكان يخصُّ رمضان من العبادة بما لا يخص غيره من الشهور، حتى إنه ربما واصل الصيام يومين أو ثلاثة ليتفرغ للعبادة، وينهى أصحابه عن الوصال، فيقولون له: إنك تواصل، فيقول: (إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) أخرجاه في الصحيحين .

وكان عليه الصلاة والسلام يحث على السحور، فقد صح عنه أنه قال: (تسحروا فإن في السحور بركة) متفق عليه، وكان من هديه تعجيل الفطر وتأخير السحور، فأما الفطر فقد صح عنه من قوله ومن فعله أنه كان يعجل الإفطار بعد غروب الشمس وقبل أن يصلي المغرب، وكان يقول (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) كما في الصحيح، وكان يفطر على رطبات، فإن لم يجد فتمرات، فإن لم يجد حسا حسوات من ماء, وأما السحور فكان يؤخره حتى ما يكون بين سحوره وبين صلاة الفجر إلا وقت يسير، قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية .

وكان يدعو عند فطره بخيري الدنيا والآخرة.

وكان صلى الله عليه وسلم يقبل أزواجه وهو صائم، ولا يمتنع من مباشرتهن من غير جماع، وربما جامع أهله بالليل فأدركه الفجر وهو جنب، فيغتسل ويصوم ذلك اليوم .

وكان صلى الله عليه وسلم لا يدع الجهاد في رمضان بل إن المعارك الكبرى قادها صلى الله عليه وسلم في رمضان منها بدر وفتح مكة حتى سمي رمضان شهر الجهاد .

وكان يصوم في سفره تارة، ويفطر أخرى، وربما خيَّر أصحابه بين الأمرين، وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله، وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنا في سفر في يوم شديد الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة، وخرج عام الفتح إلى مكة في شهر رمضان، فصام حتى بلغ كُراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: (أولئك العصاة أولئك العصاة) رواه مسلم .

وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ليجتمع قلبه على ربه عز وجل، وليتفرغ لذكره ومناجاته، وفي العام الذي قبض فيه صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرين يوما .
وكان إذا دخل العشر الأواخر أحيا ليله وأيقظ أهله وشد مئزره مجتهدا ومثابرا على العبادة والذكر .

فهذا كان هديه صلى الله عليه وسلم، وتلك هي طريقته في هذا الشهر المبارك، وهو من هو صلى الله عليه وسلم، عبد غُفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما أحوجنا -أخي الصائم- إلى الاقتداء بنبينا والتأسي به في عبادته وتقربه، والعبد وإن لم يبلغ مبلغه، فليقارب وليسدد وليعلم أن النجاة في اتباعه والسير على طريقه، نسأل المولى عز وجل أن يوفقنا لاتباع نبينا في القول والعمل، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين .

منقوول
__________________

  #2  
قديم 28-09-2006, 12:22 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile هكذا كان صلى الله عليه وسلم يحيي رمضان

هكذا كان صلى الله عليه وسلم يحيي رمضان



الحياة الحقيقية أن تعيش مع الله.. والسعادة الدائمة أن تسافر بقلبك إلى رحابه

النبي المصطفى والرسول المجتبى صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى لكل مسلم، والقدوة الأسمى لكل مؤمن: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } [ الأحزاب : 21 ] . قوله صدق { وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى } [ النجم :3-4] ، وفعله طيب، وهو مبارك أينما حل وارتحل، زكاه الله ظاهراً وباطناً، وامتدح أخلاقه وأفعاله وأقواله. فإذا عُلم هذا.. كان حرياً بكل مؤمن صادق في حبه للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتبع خطاه وأن يسير على نهجه وأن يقتفي أثره، فهو قائد كل مؤمن إلى الجنة. فما أعظم ربح من اتبع أقواله واقتدى بفعاله ونسج على منواله، وما أشد خسارة من تنكر لشريعته، وجحد سنته، وأعرض عن طريقته صلى الله عليه وسلم.

إذا عُلم ذلك، اشتد شوقنا وعظمت رغبتنا في أن نعيش معه صلى الله عليه وسلم في رمضان وفي غير رمضان... ولعل رمضان بما فيه من نفحات ومنح يعد فرصة قوية، ومعيناً كبيراً بعد الله على تحقيق هذا الأمل. فلننظر إلى هديه صلى الله عليه وسلم وإلى هدي أصحابه الأبرار، وسلف الأمة الأخيار، في هذا الشهر، كيف صاموه وقاموه، وكيف قضوا أوقاته، وكيف عاشوا ساعاته. وفيما يلي بعض هديه، وما كان عليه صلى الله عليه وسلم في رمضان.

أولاً: الجود والكرم

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة" متفق عليه. وهكذا كان صلى الله عليه وسلم جواداً كريماً سائر حياته، وكان أكثر جوداً وكرماً وعطاءً في رمضان، فكان لا يرد سائلاً، ولا يمنع محتاجاً، مستجيباً في ذلك لتأديب ربه تعالى إياه: {فأما اليتيم فلا تقهر * وأما السائل فلا تنهر} [الضحى: 9-10].

وما كان صلى الله عليه وسلم يقول لأحد "لا" قط..

إذن أكبر معالم سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم في رمضان: الجود والإعطاء والإنفاق والبذل والسخاء، حتى الثياب التي عليه إذا سئل أعطاها.

ففي حديث سهل بن سعد، الصحيح، قال: "نسجت امرأة للرسول صلى الله عليه وسلم ثوباً فلبسه محتاجاً إليه، فخرج به إلى أصحابه، فرآه رجل فقال: يا رسول الله، ما أجمل هذا الثوب، اكسنيه يا رسول الله، فقال الصحابة لهذا الرجل: صنع الله بك وصنع، وفعل الله بك وفعل - كناية عن توبيخهم إياه - لبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليه فجئت فسألته وهو لا يمنع أحداً شيئاً، فلما أعطاه صلى الله عليه وسلم إياه، قال الرجل: أرجو أن يكون هذا الثوب كفناً لي، فكُفن فيه".

وهكذا فقد طبق الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة والقدوة قوله تعالى: {ويؤثرون على" أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9].

فهل جربت أخي المسلم مرة أن تعطي أحداً شيئاً أنت في حاجة إليه؟ وهل أنت واثق أن الله سيخلف عليك بالخير: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} [ سبأ : 39 ].
__________________

  #3  
قديم 01-10-2006, 03:10 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile

ثانياً: مصاحبة القرآن


ومن المعالم الأخرى في حياته صلى الله عليه وسلم وحياة أصحابه في رمضان، مصاحبته للقرآن العظيم، وعيشه معه، وتدارسه لآياته مع جبريل عليه السلام، ولِمَ لا؟ وهذا الشهر هو شهر القرآن: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى" والفرقان} [البقرة].

وقد أخذ القرآن الحظ الأوفى والدقائق الغالية والساعات الثمينة من حياته صلى الله عليه وسلم، فهو معجزته الكبرى الخالدة.. وهو نور وهداية للعالمين، أمره الله تعالى أن يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وقال سبحانه: {ورتل القرآن ترتيلا} [المزمل : 4].

ولم يكن صلى الله عليه وسلم تالياً للقرآن بلسانه فحسب حاشا وكلا وهو الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه بل كان ينعكس القرآن على سلوكه وجوارحه، في ليله ونهاره، في إقامته وأسفاره، في غضبه وعند رضاه، في سره وفي علانيته، ولذا سئلت عائشة رضي الله عنها كما في صحيح مسلم عن خلقه عليه السلام، فقالت: "كان خلقه القرآن".

وتجاربه مع القرآن وتفاعله مع آياته معلوم عنه ومشهور، فكان في قيامه، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، أو استغفار استغفر، أو دعاء دعا.

ولما قرأ عليه ابن مسعود كما في الصحيحين من سورة النساء، ووصل إلى قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على" هؤلاء شهيدا} [النساء : 41]، قال له صلى الله عليه وسلم "حسبك الآن"، وإذا عيناه تذرفان، لقد تأثر الحبيب بكلام حبيبه، سبحانه الذي أنزله والذي تكلم به من فوق سبع سماوات، وتذكر هذا الموقف وهوله وشدته، وأشفق على أمته، فبكى صلى الله عليه وسلم .

وهكذا شأن المؤمن مع القرآن: {الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى" ربهم يتوكلون} [الأنفال : 2].

وقال تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى" ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد} [الزمر : 23].

إنه لا يتأثر بالقرآن ولا يقشعر جلده عند سماعه إلا الذين يخشون ربهم تعالى ويخافونه، وحينئذ يمن الله عليهم بالطمأنينة والسكينة، فتلين جلودهم وقلوبهم وتطمئن وتسعد: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد].

ولا يتأثر بالقرآن حق التأثر إلا من صفا قلبه من مشاغل الدنيا وتطهرت نفسه من شهواتها... يقول عثمان رضي الله عنه: "لو طهرت القلوب ما شبعت من كلام الله تعالى".

وروى ابن أبي حاتم في تفسيره، أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربما خرج في بعض الليالي ليستمع القرآن في بيوت الأنصار، يوم كانت تنار بيوت الصحابة بالقرآن، يوم كانوا يعيشون ساعات الليل بالقرآن، ينفقونها في تدبر آيات الله الواحد الديان، يوم كانوا يعيشون لله ليلاً ونهاراً، رهباناً بالليل، فرساناً بالنهار، وقد خرج صلى الله عليه وسلم ذات يوم فسمع امرأة عجوزاً تقرأ سورة الغاشية، وتردد آياتها وتبكي: {هل أتاك حديث الغاشية}؟ فأخذ يبكي صلى الله عليه وسلم ويقول: نعم أتاني... نعم أتاني. إلى هذا الحد بل وأكثر كان تأثره صلى الله عليه وسلم بالقرآن وتفاعله معه وتجاوبه مع آياته، والقلوب إذا تفتحت استجابت لهذا الهدى السماوي، كما تستجيب الأرض الطيبة للماء فتنبت الخير الكثير: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} [محمد : 24].

ولقد رأى بعض السلف رضوان الله عليهم أن شهر رمضان ينبغي أن يخصص لتلاوة القرآن وتدبره، ولا يشتغل المسلم بغيره، مهما كان العلم فاضلاً، وورد عن الإمام مالك بن أنس رضي الله عنهما: أنه كان إذا دخل رمضان ترك الفتيا والتدريس والحديث، وأخذ يقرأ كتاب الله ويقول: هذا شهر القرآن، هذا شهر القرآن.

وذكر ابن حجر أن الإمام البخاري ختم القرآن في رمضان ستين ختمة: ختمة بالليل وختمة بالنهار... وأورد ذلك لهدف واحد، هو الدلالة على شدة اعتناء السلف رضوان الله عيهم بالقرآن في رمضان...
وإذا لم يلتذ المؤمن بقراءة القرآن في رمضان ويكثر من تلاوته فيه ويختمه أكثر من مرة، فمتى يفعل ذلك؟
__________________

  #4  
قديم 03-10-2006, 12:42 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile


ثالثاً: الاجتهاد في قيام الليل

كان المصطفى صلى الله عليه وسلم قواماً لله كثير التهجد والذكر والبكاء والدعاء لله تعالى، قال له ربه سبحانه: {قم فأنذر} [المدثر: 2]، {قم الليل إلا قليلا} [المزمل: 2]، فقام صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وعشرين سنة، ولم يقعد بعدها، ولم يسترح، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".

وروى ابن مردويه وأورد ذلك كثير من المفسرين بأسانيدهم أن بلالاً رضي الله عنه مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم سحَراً، يؤذنه بصلاة الفجر، فسمعه يقرأ: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب* الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} [آل عمران: 190-191]، وبعد أن فرغ من صلاته قال لبلال رضي الله عنه وهو يبكي: "لقد نزل علي الليلة قوله تعالى... ثم تلا الآيات السابقة.. ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ويل لمن قرأها ولم يتدبرها".

وهكذا... كان صلى الله عليه وسلم إذا جن عليه الليل في رمضان وغيره قام متبتلاً لله سبحانه وتعالى... وما أعظم قيام الليل، خاصة في رمضان، وما أعظم السجدات، وخصوصاً في رمضان... وما أحسن التبتل والدعاء والبكاء والإنابة إلى الله لا سيما في رمضان:

قلت لليل هل بجوفك سر ***** عامر بالحديث والأسرار؟
قال لم ألق في حياتي حديثاً ***** كسجود الأبرار في الأسحار

وقيام الليل، لما تركته الأمة الإسلامية إلا من رحم الله ذبل في صدورها الإيمان وضعف اليقين، وعاش جيل فيه تهاون وكسل وقعود ودعة وحب للدنيا وإخلاد إلى الأرض، إلا من رحمه الله، {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13].

والذي ينبغي للمسلم الذي يريد أن يصلح نفسه أن يكثر من تلاوة القرآن وصلاة الليل، فإن هذا الشهر شهر تجديد للروح، وتزكية للنفس، وزيادة للإيمان، وفرصة ثمينة لا تتعوض أبد الدهر، وشهر توبة وعتق من النار.

عدد ركعات قيامه صلى الله عليه وسلم:
أما عن عدد ركعات قيامه صلى الله عليه وسلم فقد كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، كما روت عائشة رضي الله عنها: "كان صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة... يصلي أربعاً فلا تسأل عن طولهن وحسنهن...."الحديث.

كان يصلي إحدى عشرة ركعة، ولكن الركعة الواحدة تعدل، بل ربما تزيد على آلاف الركعات من ركعات كثير من الناس اليوم، يقف في الركعة الواحدة أمداً طويلاً يناجي ربه، ويتدبر كلامه، ويحيي روحه ويتدبر القرآن، يبكي ويناجي، ويسأل ويسجد طويلاً ويركع طويلاً، فتصبح الركعة حسنة جداً متقنة، ما أحسن منها، والله يقول: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [الملك]، ولم يقل: أكثر عملاً.

التجويد أفضل من التكثير:
وعلى هذا فالعمل في صلاة القيام، أو في الإسلام على وجه العموم، يعتبر بكيفه لا بكمه، والتجويد أفضل من التكثير بلا جودة، حتى في التلاوة، فلا يُهذرم القرآن أي يقرؤه بسرعة بغير تدبر فيضيع معانيه وحروفه على حساب الختم، إذ المقصود التدبر والمعايشة للمعاني، ورب آية واحدة سمعها مسلم بتدبر وإعمال فكر أفضل من سماعه عشرات بل مئات الآيات وقلبه غافل وفكره شارد.

وإن من الناس من يختم القرآن في رمضان مرة، ولكن يا لها من ختمة، ما أحسنها وما أجودها، يعالج فيها نفسه بكلام الله، ويداوي جراحات قلبه بكلام مولاه، فيكون للقرآن أثر في قلبه وسلوكه.

وأناس آخرون يقرؤون فيختمون كثيراً لكن مق صلى الله عليه وسلم ودهم الأجر، فهم مأجورون، إن شاء الله، لكن غذاء الروح ومدد اليقين وماء الإيمان، لا يحصل إلا بالتدبر ومعايشة القرآن.


رابعاً: الإكثار من الذكر والتبتل والاستغفار والمناجاة

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أيضاً الإكثار من الذكر والتبتل والاستغفار والمناجاة، خاصة في معتكفه في العشر الأواخر، حيث يشد المئزر ويجد ويجتهد ويوقظ أهله، ذلكم أن الذكر حياة القلوب وغذاء الأرواح، وربما هذا كان سبباً في أنه كان صلى الله عليه وسلم يواصل في صومه، وينهى أصحابه عن الوصال، قال: "إني لست كهيئتكم، إني أبيت فيطعمني ربي ويسقيني"... (أورده ابن القيم في زاد المعاد).

وقد اختلف أهل العلم في هذا الطعام والشراب على قسمين:

قوم يقولون إنه طعام حسي وماء معروف يسقى به صلى الله عليه وسلم ويأكل... وليس هذا بصحيح، لأنه لو كان كذلك لما كان صلى الله عليه وسلم صائماً... ولما قال: إني لست كهيئتكم، ولما كانت له ميزة أن يواصل.

والقول الثاني وهو الصحيح أنه يُطعم ويُسقى صلى الله عليه وسلم بالمعارف التي تُفاض على قلبه من الواحد الأحد، من لذة المناجاة وعذوبة الذكر، والدعاء والتبتل، بما يغدق الله على روحه، وبما يفيض على قلبه من دعاء وذكر...

ولذلك ترى بعض الناس لولهه وكثرة سروره، قد يستعيض عن الطعام، حتى قال القائل يتحدث عن لذة قلبه بقدوم

قادم أو مناجاة حبيب:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها ***** عن الطعام وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور يستضاء به ***** ومن حديثك في أعقابها حادي
إذا تشكت كلال السير أسعفها ***** شوق القدوم فتحيا عند ميعاد

فكأنه صلى الله عليه وسلم بحلاوة المناجاة والذكر يستعيض عن كثرة الطعام والشراب ..
هذه نماذج من هديه صلى الله عليه وسلم ولو أردنا المزيد لما عجزنا، ولكنها فقط قبسات من هديه وهدي أصحابه صلى الله عليه وسلم الذين عاشوا دقائق رمضان تعبداً وجهاداً في سبيل الله.


فيا أخي المسلم، هذا شهرك، هذا شهر التوبة والإقبال فاغتنمه، وهذه فرصتك، فلا تضيعها، واعلم أن الحياة الحقيقية أن يسافر قلبك إلى الله وأن تعيش مع الله: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون} [الأنعام: 122]، وارفع شعاراً رفعه سيدنا موسى عليه السلام أحد أولي العزم من الرسل: {وعجلت إليك رب لترضى} [طه: 84].

وتذكر أن الأعمال بخواتيمها.. وأن السعيد من سعد بلقاء ربه:

ولدتك أمك يابن آدم باكياً ***** والناس حولك يضحكون سروراً
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا *****في يوم موتك ضاحكاً مسروراً
__________________

  #5  
قديم 03-10-2006, 01:16 AM
صمت الكلام صمت الكلام غير متصل
كنتـُ هيّ ..!
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2006
الإقامة: QaTaR
المشاركات: 4,043
إفتراضي

اٍسال المولى عز وجل ين يتقبل منا ومنكم صيامنا وصلاتنا وصالح أعمالنا ويغفر لنا ذنوبنا

بارك الله فيك اخي النسري
وجزاك الله خيرا
وسدد خطاك في الدنيا والآخرة
__________________
  #6  
قديم 03-10-2006, 05:08 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة صمت الكلام
اٍسال المولى عز وجل ين يتقبل منا ومنكم صيامنا وصلاتنا وصالح أعمالنا ويغفر لنا ذنوبنا

بارك الله فيك اخي النسري
وجزاك الله خيرا
وسدد خطاك في الدنيا والآخرة

جزاكي الله تعالى خيرا صمت الكلام
ولا حرمنا من نور مشاركاتك ودعائك
__________________

  #7  
قديم 04-10-2006, 03:16 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام (1)

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام (1)




من كتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد – لابن القيم الجوزية


المقصود من الصيام وفوائده

لما كان المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات وتعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين .

وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه وتلجم بلجامه فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة الأبرار والمقربين وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال فإن الصائم لا يفعل شيئا وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارا لمحبة الله ومرضاته وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده فهو أمر لا يطلع عليه بشر وذلك حقيقة الصوم .

وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} [البقرة 185] .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (الصوم جنة).

وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام وجعله وجاء هذه الشهوة .

والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة بهم وإحسانا إليهم وحمية لهم وجنة . وكان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أكمل الهدي وأعظم تحصيل للمقصود وأسهله على النفوس .

ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة وألفت أوامر القرآن فنقلت إليه بالتدريج .
__________________

  #8  
قديم 05-10-2006, 02:35 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام (2)

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام (2)



من كتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد – لابن القيم الجوزية


زمن فرضية الصيام

وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات وفرض أولا على وجه التخيير بينه وبين أن يطعم عن كل يوم مسكينا ثم نقل من ذلك التخيير إلى تحتم الصوم وجعل الإطعام للشيخ الكبير والمرأة إذا لم يطيقا الصيام فإنهما يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكينا ورخص للمريض والمسافر أن يفطرا ويقضيا وللحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما كذلك فإن خافتا على ولديهما زادتا مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم فإن فطرهما لم يكن لخوف مرض وإنما كان مع الصحة فجبر بإطعام - 30 - المسكين كفطر الصحيح في أول الإسلام .

وكان للصوم رتب ثلاث إحداها : إيجابه بوصف التخيير . والثانية تحتمه لكن كان الصائم إذا نام قبل أن يطعم حرم عليه الطعام والشراب إلى الليلة القابلة فنسخ ذلك بالرتبة الثالثة وهي التي استقر عليها الشرع إلى يوم القيامة .
__________________

  #9  
قديم 08-10-2006, 12:51 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام (3)

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام (3)



من كتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد – لابن القيم الجوزية


الوصال ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : (يطعمني ربي ويسقيني)


وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور حتى إنه كان ليواصل فيه أحيانا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة وكان ينهى أصحابه عن الوصال فيقولون له إنك تواصل فيقول: (لست كهيئتكم إني أبيت - وفي رواية إني أظل - عند ربي يطعمني ويسقيني).

وقد اختلف الناس في هذا الطعام والشراب المذكورين على قولين:

أحدهما: أنه طعام وشراب حسي للفم قالوا: وهذه حقيقة اللفظ ولا موجب للعدول عنها .

الثاني: أن المراد به ما يغذيه الله به من معارفه وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه وتنعمه بحبه والشوق إليه وتوابع ذلك من الأحوال التي هي غذاء القلوب ونعيم الأرواح وقرة العين وبهجة النفوس والروح والقلب بما هو أعظم غذاء وأجوده وأنفعه وقد يقوى هذا الغذاء حتى يغني عن غذاء الأجسام مدة من الزمان كما قيل:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها ***** عن الشراب وتلهيها عن الزاد

لها بوجهك نور تستضيء به ***** ومن حديثك في أعقابها حادي

إذا شكت من كلال السير أوعدها ***** روح القدوم فتحيا عند ميعاد

ومن له أدنى تجربة وشوق يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الحيواني ولا سيما المسرور الفرحان الظافر بمطلوبه الذي قد قرت عينه بمحبوبه وتنعم بقربه والرضى عنه وألطاف محبوبه وهداياه وتحفه تصل إليه كل وقت ومحبوبه حفي به معتن بأمره مكرم له غاية الإكرام مع المحبة التامة له أفليس في هذا أعظم غذاء لهذا المحب ؟ فكيف بالحبيب الذي لا شيء أجل منه ولا أعظم ولا أجمل ولا أكمل ولا أعظم إحسانا إذا امتلأ قلب المحب بحبه وملك حبه جميع أجزاء قلبه وجوارحه وتمكن حبه منه أعظم تمكن وهذا حاله مع حبيبه أفليس هذا المحب عند حبيبه يطعمه ويسقيه ليلا ونهارا؟ ولهذا قال: (إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني) .

ولو كان ذلك طعاما وشرابا للفم لما كان صائما فضلا عن كونه مواصلا وأيضا فلو كان ذلك في الليل لم يكن مواصلا ولقال لأصحابه إذ قالوا له إنك تواصل "لست أواصل" . ولم يقل "لست كهيئتكم" بل أقرهم على نسبة الوصال إليه وقطع الإلحاق بينه وبينهم في ذلك بما بينه من الفارق كما في "صحيح مسلم" من حديث عبد الله بن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل في رمضان فواصل الناس فنهاهم فقيل له أنت تواصل . فقال إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى).

وسياق البخاري لهذا الحديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال فقالوا: إنك تواصل . قال: (إني لست مثلكم إني أطعم وأسقى) وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال . فقال رجل من المسلمين إنك يا رسول الله تواصل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني).

وأيضا : فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهاهم عن الوصال فأبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال: (لو تأخر الهلال لزدتكم). كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا عن الوصال .

وفي لفظ آخر: (لو مد لنا الشهر لواصلنا وصالا يدع المتعمقون تعمقهم إني لست مثلكم) أو قال: (إنكم لستم مثلي فإني أظل يطعمني ربي ويسقيني) فأخبر أنه يطعم ويسقى مع كونه مواصلا وقد فعل فعلهم منكلا بهم معجزا لهم فلو كان يأكل ويشرب لما كان ذلك تنكيلا ولا تعجيزا بل ولا وصالا وهذا بحمد الله واضح .

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة للأمة وأذن فيه إلى السحر وفي "صحيح البخاري" عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر)

الاختلاف في حكم الوصال وترجيح المصنف بجوازه من السحر إلى السحر

فإن قيل فما حكم هذه المسألة وهل الوصال جائز أو محرم أو مكروه؟ قيل اختلف الناس في هذه المسألة على ثلاثة أقوال .
أحدها: أنه جائز إن قدر عليه وهو مروي عن عبد الله بن الزبير وغيره من السلف وكان ابن الزبير يواصل الأيام ومن حجة أرباب هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل بالصحابة مع نهيه لهم عن الوصال كما في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة أنه نهى عن الوصال وقال: (إني لست كهيئتكم) فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما ثم يوما فهذا وصاله بهم بعد نهيه عن الوصال ولو كان النهي للتحريم لما أبوا أن ينتهوا ولما أقرهم عليه بعد ذلك .

قالوا: فلما فعلوه بعد نهيه وهو يعلم ويقرهم علم أنه أراد الرحمة بهم والتخفيف عنهم وقد قالت عائشة: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم) متفق عليه .

وقالت طائفة أخرى: لا يجوز الوصال منهم مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري رحمهم الله قال ابن عبد البر: وقد حكاه عنهم إنهم لم يجيزوه لأحد قلت: الشافعي رحمه الله نص على كراهته واختلف أصحابه هل هي كراهة تحريم أو تنزيه؟ على وجهين واحتج المحرمون بنهي النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: والنهي يقتضي التحريم .

قالوا: وقول عائشة: "رحمة لهم" لا يمنع أن يكون للتحريم بل يؤكده فإن من رحمته بهم أن حرمه عليهم بل سائر مناهيه للأمة رحمة وحمية وصيانة .

قالوا: وأما مواصلته بهم بعد نهيه فلم يكن تقريرا لهم كيف وقد نهاهم ولكن تقريعا وتنكيلا فاحتمل منهم الوصال بعد نهيه لأجل مصلحة النهي في تأكيد زجرهم وبيان الحكمة في نهيهم عنه بظهور المفسدة التي نهاهم لأجلها فإذا ظهرت لهم مفسدة الوصال وظهرت حكمة النهي عنه كان ذلك أدعى إلى قبولهم وتركهم له فإنهم إذا ظهر لهم ما في الوصال وأحسوا منه الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم وأرجح من وظائف الدين من القوة في أمر الله والخشوع في فرائضه والإتيان بحقوقها الظاهرة والباطنة والجوع الشديد ينافي ذلك ويحول بين العبد وبينه تبين لهم حكمة النهي عن الوصال والمفسدة التي فيه لهم دونه صلى الله عليه وسلم

قالوا: وليس إقراره لهم على الوصال لهذه المصلحة الراجحة بأعظم من إقرار الأعرابي على البول في المسجد لمصلحة التأليف ولئلا ينفر عن الإسلام ولا بأعظم من إقراره المسيء في صلاته على الصلاة التي أخبرهم صلى الله عليه وسلم أنها ليست بصلاة وأن فاعلها غير مصل بل هي صلاة باطلة في دينه فأقره عليها لمصلحة تعليمه وقبوله بعد الفراغ فإنه أبلغ في التعليم والتعلم

قالوا: وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه).

قالوا: وقد ذكر في الحديث ما يدل على أن الوصال من خصائصه . فقال: (إني لست كهيئتكم)ولو كان مباحا لهم لم يكن من خصائصه .

قالوا: وفي "الصحيحين" من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) وفي "الصحيحين" نحوه من حديث عبد الله بن أبي أوفى . قالوا: فجعله مفطرا حكما بدخول وقت الفطر وإن لم يفطر وذلك يحيل الوصال شرعا .

قالوا: وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال أمتي على الفطرة أو لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر) .

وفي "السنن" عن أبي هريرة عنه (لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر إن اليهود والنصارى يؤخرون) .

وفي "السنن" عنه قال قال الله عز وجل: (أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا)

وهذا يقتضي كراهة تأخير الفطر فكيف تركه وإذا كان مكروها لم يكن عبادة فإن أقل درجات العبادة أن تكون مستحبة .

والقول الثالث وهو أعدل الأقوال أن الوصال يجوز من سحر إلى سحر وهذا هو المحفوظ عن أحمد وإسحاق لحديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر) رواه البخاري .

وهو أعدل الوصال وأسهله على الصائم وهو في الحقيقة بمنزلة عشائه إلا أنه تأخر فالصائم له في اليوم والليلة أكلة فإذا أكلها في السحر كان قد نقلها من أول الليل إلى آخره والله أعلم .
__________________

  #10  
قديم 18-10-2006, 04:00 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام (4)

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام (4)



من كتاب : زاد المعاد في هدي خير العباد – لابن القيم الجوزية


فصل : ثبوت رمضان

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد كما صام بشهادة ابن عمر وصام مرة بشهادة أعرابي واعتمد على خبرهما ولم يكلفهما لفظ الشهادة .

فإن كان ذلك إخبارا فقد اكتفى في رمضان بخبر الواحد وإن كان شهادة فلم يكلف الشاهد لفظ الشهادة . فإن لم تكن رؤية ولا شهادة أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما .


حكم صوم يوم الغيم


وكان إذا حال ليلة الثلاثين دون منظره غيم أو سحاب أكمل عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صامه . ولم يكن يصوم يوم الإغمام ولا أمر به بل أمر بأن تكمل عدة شعبان ثلاثين إذا غم وكان يفعل كذلك فهذا فعله وهذا أمره ولا يناقض هذا قوله : (فإن غم عليكم فاقدروا له) فإن القدر هو الحساب المقدر والمراد به الإكمال كما قال : (فأكملوا العدة) والمراد بالإكمال إكمال عدة الشهر الذي غم كما قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري : (فأكملوا عدة شعبان) .

وقال : (لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة) . والذي أمر بإكمال عدته هو الشهر الذي يغم وهو عند صيامه وعند الفطر منه وأصرح من هذا قوله : (الشهر تسعة وعشرون فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة) .

وهذا راجع إلى أول الشهر بلفظه وإلى آخره بمعناه فلا يجوز إلغاء ما دل عليه لفظه واعتبار ما دل عليه من جهة المعنى . وقال: (الشهر ثلاثون والشهر تسعة وعشرون فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين) . وقال : (لا تصوموا قبل رمضان صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حالت دونه غمامة فأكملوا ثلاثين) وقال : (لا تروها الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة) .

وقالت عائشة رضي الله عنها : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤيته فإن غم عليه عد شعبان ثلاثين يوما ثم صام) صححه الدارقطني وابن حبان .

وقال : (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين) . وقال : (لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن أغمي عليكم فاقدروا له) . وقال : (لا تقدموا رمضان وفي لفظ لا تقدموا بين يدي رمضان بيوم أو يومين إلا رجلا كان يصوم صياما فليصمه) .

والدليل على أن يوم الإغمام داخل في هذا النهي حديث ابن عباس يرفعه : (لا تصوموا قبل رمضان صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حالت دونه غمامة فأكملوا ثلاثين) ذكره ابن حبان في "صحيحه" . فهذا صريح في أن صوم يوم الإغمام من غير رؤية ولا إكمال ثلاثين صوما قبل رمضان .

وقال : (لا تقدموا الشهر إلا أن تروا الهلال أو تكملوا العدة ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة) .

وقال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا) قال الترمذي: حديث حسن صحيح .

وفي النسائي : من حديث يونس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس يرفعه: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ثم صوموا ولا تصوموا قبله يوما فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة عدة شعبان)

وقال سماك عن عكرمة: عن ابن عباس: تمارى الناس في رؤية هلال رمضان فقال بعضهم اليوم . وقال بعضهم غدا . فجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أنه رآه فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ قال نعم . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا فنادى في الناس صوموا" . ثم قال "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ثم صوموا ولا تصوموا قبله يوما .

وكل هذه الأحاديث صحيحة فبعضها في "الصحيحين" وبعضها في "صحيح ابن حبان" والحاكم وغيرهما وإن كان قد أعل بعضها بما لا يقدح في صحة الاستدلال بمجموعها وتفسير بعضها ببعض واعتبار بعضها ببعض وكلها يصدق بعضها بعضا والمراد منها متفق عليه .


سرد المصنف لروايات من صام يوم الغيم

فإن قيل فإذا كان هذا هديه صلى الله عليه وسلم فكيف خالفه عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبو هريرة ومعاوية وعمرو بن العاص والحكم بن أيوب الغفاري وعائشة وأسماء ابنتا أبي بكر، وخالفه سالم بن عبد الله ومجاهد وطاووس وأبو عثمان النهدي ومطرف بن الشخير وميمون بن مهران وبكر بن عبد الله المزني وكيف خالفه إمام أهل الحديث والسنة أحمد بن حنبل ونحن نوجدكم أقوال هؤلاء مسندة؟ فأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال الوليد بن مسلم: أخبرنا ثوبان عن أبيه عن مكحول أن "عمر بن الخطاب كان يصوم إذا كانت السماء في تلك الليلة مغيمة ويقول ليس هذا بالتقدم ولكنه التحري"

وأما الرواية عن علي رضي الله عنه فقال الشافعي: أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه فاطمة بنت حسين أن علي بن أبي طالب قال: "لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان" .

وأما الرواية عن ابن عمر ففي كتاب عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أيوب عن ابن عمر قال: "كان إذا كان سحاب أصبح صائما وإن لم يكن سحاب أصبح مفطرا" وفي "الصحيحين" عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا وإن غم عليكم فاقدروا له) .

زاد الإمام أحمد رحمه الله بإسناد صحيح عن نافع قال: (كان عبد الله إذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يوما يبعث من ينظر فإن رأى فذاك وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما) .

وأما الرواية عن أنس رضي الله عنه فقال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يحيى بن أبي إسحاق قال: "رأيت الهلال إما الظهر وإما قريبا منه فأفطر ناس من الناس فأتينا أنس بن مالك فأخبرناه برؤية الهلال وبإفطار من أفطر فقال هذا اليوم يكمل لي أحد وثلاثون يوما وذلك لأن الحكم بن أيوب أرسل إلي قبل صيام الناس إني صائم غدا فكرهت الخلاف عليه فصمت وأنا متم يومي هذا إلى الليل".

وأما الرواية عن معاوية فقال أحمد حدثنا المغيرة حدثنا سعيد بن عبد العزيز قال حدثني مكحول ويونس بن ميسرة بن حلبس أن معاوية بن أبي سفيان كان يقول: "لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان" .

وأما الرواية عن عمرو بن العاص . فقال أحمد حدثنا زيد بن الحباب أخبرنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن: "عمرو بن العاص أنه كان يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان" .

وأما الرواية عن أبي هريرة فقال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا معاوية بن صالح عن أبي مريم مولى أبي هريرة قال سمعت أبا هريرة يقول: "لأن أتعجل في صوم رمضان بيوم أحب إلي من أن أتأخر لأني إذا تعجلت لم يفتني وإذا تأخرت فاتني" .

وأما الرواية عن عائشة رضي الله عنها فقال سعيد بن منصور: حدثنا أبو عوانة عن يزيد بن خمير عن الرسول الذي أتى عائشة في اليوم الذي يشك فيه من رمضان قال قالت عائشة: "لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان" وأما الرواية عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما فقال سعيد أيضا: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر قالت: "ما غم هلال رمضان إلا كانت أسماء متقدمة بيوم وتأمر بتقدمه" .

وقال أحمد: حدثنا روح بن عباد عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء أنها كانت تصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان .

وكل ما ذكرناه عن أحمد فمن مسائل الفضل بن زياد عنه . وقال في رواية الأثرم: إذا كان في السماء سحابة أو علة أصبح صائما وإن لم يكن في السماء علة أصبح مفطرا وكذلك نقل عنه ابناه صالح وعبد الله والمروزي والفضل بن زياد وغيرهم .

يتبــــــــــــــــــــــــــع

__________________

 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م