تكملة
أما الشرط الثالث من شروط الإحصاء
فهو الإطلاق وذلك بأن يرد الاسم مطلقا دون تقييد ظاهر أو إضافة مقترنة بحيث يفيد المدح والثناء بنفسه ، لأن الإضافة والتقييد يحدان من إطلاق الحسن والكمال على قدر المضاف وشأنه وقد ذكر الله أسماءه باللانهائية في الحسن فقال : (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) ، أي البالغة مطلق الحسن بلا قيد ويدخل في الإطلاق أيضا اقتران الاسم بالعلو المطلق على الكل لأن معاني العلو هي في حد ذاتها إطلاق فالعلو يزيد الإطلاق كمالا على كمال ، قال ابن تيمية : (الأسماء الحسنى المعروفة هي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها) (الأصفهانية19) ، وإذا كانت الأسماء الحسنى لا تخلو في أغلبها من تصور التقييد العقلي بالممكنات وارتباط آثارها بالمخلوقات كالخالق والخلاق والرازق والرزاق ؛ أو لا تخلو من تخصيص ما يتعلق ببعض المخلوقات دون بعض ؛ كالأسماء الدالة على صفات الرحمة والمغفرة مثل الرحيم والرءوف والغفور والغفار ؛ فإن ذلك التقييد لا يدخل تحت الشرط المذكور وإنما المقصود هو التقييد بالإضافة الظاهرة في النص فليس من أسماء الله البالغ (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) (الطلاق:3) ، ولا يصح إطلاقه في حق الله ولا المخزي (وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ) (التوبة:2) ، ولا الخادع (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ َ) (النساء:142) ولا المتم (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ) (الصف:8) ولا الفالق والمخرج: (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى .. وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ ..) (الأنعام:95) ، وكذلك الغافر والقابل والشديد وقس على ذلك الفاطر والجاعل والمنزل والسريع والمحيي الرفيع والنور والبديع والمحيط والكاشف والصاحب والخليفة والقائم والزارع والماهد الطبيب والفاعل ، فهذه أسماء مقيدة تذكر في حق الله على الوضع الذي قيدت به فنقول : يا مقلب القلوب ولا نقل يا مقلب فقط على الإطلاق في المعنى ، أما الإطلاق الذي هو شرط في الإحصاء فهو كالأسماء التي ورد في قوله ( المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ ) (الحشر:23) .
الشرط الرابع من شروط الإحصاء
دلالة الاسم على الوصف فلا بد أن يكون اسما على مسمى لأن الله بين أن أسماءه أعلام وأوصاف فقال في الدلالة على علميتها : (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) (الإسراء:110) ، فكلها تدل على مسمى واحد ؛ ولا فرق بين الرحمن أو الرحيم أو الملك أو القدوس أو السلام إلى آخر ما ذكر في الدلالة على ذاته ، وقال في كون أسمائه دالة على الأوصاف(وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) فدعاء الله بها مرتبط بحال العبد ومطلبه وما يناسب حاجته واضطراره من ضعف أو فقر أو ظلم أو قهر أو مرض أو جهل أو غير ذلك من أحوال العباد ، فالضعيف يدعو الله باسمه القادر المقتدر القوي ، والفقير يدعوه باسمه الرازق الرزاق الغني ، والمقهور المظلوم يدعوه باسمه الحي القيوم إلى غير ذلك مما يناسب أحوال العباد والتي لا تخرج على اختلاف تنوعها عما أظهر الله لهم من أسمائه الحسنى ، فلو كانت الأسماء جامدة لا تدل على وصف ولا معنى لم تكن حسنى لأن الله أثنى بها على نفسه فقال : (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) والجامد لا مدح فيه ولا دلالة له على الثناء ، كما أنه يلزم أيضا من كونها جامدة أنه لا معنى لها ، ولا قيمة لتعدادها أو الدعوة إلى إحصائها ، ويترتب على ذلك أيضا رد حديث الصحيحين (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) ، أما مثال ما لم يتحقق فيه الدلالة على الوصف من الأسماء الجامدة ما ورد في الحديث القدسي : (وَأَنَا الدَّهْرُ) فالدهر اسم لا يحمل معنى يلحقه بالأسماء الحسنى كما أنه في حقيقته اسم للوقت والزمن قال تعالى عن منكري البعث : (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ) (الجاثية:24) وهم يريدون مرور الليالي والأيام ، فهو سبحانه خالق الدهر وما فيه ويلحق بذلك أيضا الحروف المقطعة في أوائل السور والتي اعتبرها البعض من أسماء الله فلا يصح أن تقول في ألم اللهم يا ألف ويا لام ويا ميم اغفري لي .
الشرط الخامس والأخير من شروط الإحصاء
أن يكون الوصف الذي دل عليه الاسم في غاية الجمال والكمال فلا يكون المعنى عند تجرد اللفظ منقسما إلى كمال أو نقص أو يحتمل شيئا يحد من إطلاق الكمال والحسن وذلك الشرط مأخوذ من قوله (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) ، وكذلك قوله : (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) (الرحمن:78) ، فالآية تعني أن اسم الله تنزه وتمجد وتعظم وتقدس عن كل معاني النقص لأنه سبحانه له مطلق الحسن والجلال وكل معاني الكمال والجمال ، فليس من أسمائه الحسنى الماكر والخادع والفاتن والمضل والمستهزيء والكايد ونحوها لأن ذلك يكون كمالا في موضع ونقصا في آخر فلا يتصف به الله إلا في موضع الكمال فقط وكما ورد به النص ، هذه هي الشروط التي تضمنها قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) ، وعند تتبع ما ذكره مختلف العلماء الذين تكلموا في إحصاء الأسماء ، والذين بلغ إحصاؤهم جميعا ما يزيد على المائتين والثمانين اسما ثم تطبيق هذه الشروط على ما جمعوه لم تنطبق إلا على تسعة وتسعين اسما فقط دون لفظ الجلالة ، وقد كانت مفاجأة لي كما هو الحال لدى القارئ ، فالتقنية الحديثة وقدرة جهاز الكمبيوتر في استقصاء الاسم ومشتقات المعنى اللغوي في الموسوعات الإلكترونية الضخمة ساعدت بشكل مذهل على إظهار ما ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم في أن الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة تسعة وتسعين اسما بلا مزيد ، ويمكن لأي باحت الآن أن يصل إلى النتيجة ذاتها إذا استخدم هذه التقنية التزم الضوابط والشروط السابقة
|