ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة حنين بعد فتح مكة خرج مع أناس من أهل مكة حدثاء عهد بالإسلام منهم أبو واقد الليثي ـ رضي الله عنه ـ يعني أسلموا قريباً ـ فرأوا المشركين اتخذوا سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم ـ يقال لها: ذات أنواط ـ يتبركون بها ويعكفون عندها، اعتقاداً أن فيها بركة ويعلقون بها أسلحتهم يتبركون بها، فقال هؤلاء النفر ـ الذين هم حدثاء عهد بالإسلام: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يحكم عليهم بالكفر لجهلهم، بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون.
فالرسول صلى الله عليه وسلم أنكر عليهم وبين أن مقالتهم هذه مثل مقالة بني إسرائيل لموسى ولكن لما كانوا لا يعرفون الحكم بين لهم ذلك وأنه من الشرك، لكن نظراً لكونهم جهالاً عذرهم بالجهل ولم يحكم عليهم بالكفر، وكل من كان حديث عهد بالإسلام ولم تتح له الفرصة ليتعلم أحكام الإسلام وحصل منه ما حصل فإنه يبين له ويشرح له الإسلام ويبين نواقضه، فإن أصر ولم يترك هذا الشيء حكم بكفره.
فهذه الأمور يجب التثبت فيها لأنه ربما يكون الذي يصدر الحكم بالكفر جاهلاً يصدِّر الأحكام على الناس عن جهل، وربما يكون المحكوم عليه جاهلاً لا يستحق هذا الحكم حتى يبين له الأمور، لا بد فيها من تثبت ولا بد فيها من رويَّة ورجوع إلى أهل العلم، وسؤال أهل العلم عن هذا الشيء وعن هذا الشخص كيف يحكم عليه.
وليس من حق كل أحد من الطلبة المبتدئين والقراء أن يكفروا ويخرجوا الناس من الدين وهم لا يعرفون نواقضه، فالأمر خطير جداً.
فالأمور تحتاج إلى تفصيل وتحتاج إلى فقه في الدين، ولأن تقتل شخصاً ـ مع أن القتل بغير حق جريمة عظمى ـ أخف من أن تحكم عليه بالكفر، وقتل المؤمن عمداً فيه الوعيد الشديد (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً)
هذه حرمة الدم، وحرمة الدين أعظم، فكونك تخرجه من الدين وتخرجه من الإسلام أشد من قتله عند الله سبحانه وتعالى.
وإلى حلقة قادمة إن شاء الله تعالى....