الأستاذ / جمال حمدان
عادة ما يكون السجال أو المعارضة نقيضا لمنشئ القصيدة الأولى كما رأينا في معارضة إبراهيم طوقان لأمير الشعراء في قصيدته المشهورة والتي مطلعها
قم للمعلم وفه التبجيلا
وإما أن يكون تتمة تصب في صلب الموضوع فلو أخذنا الأبيات القليلة التي ساجل بها الاستاذ جمال حمدان سندباد الشعر نرى أن جمال قد ركز جل قصيدته على التخفيف عن السندباد .. وهذا الباب ليس هو بغيتنا ولا مرادنا
وإنما أردت أن أسلط الضوء على أبيات جمال من جوانب السياق ومن ثم الإبداع إن وجدناه!!.
لنتأمل بعض الأبيات ولم لا نستهل باستهلاله .! فهنا نجد مواساة الشاعر لزميله تماما كمواساة المواسين في المصاب من ذكرهم لما ألم بهم أمام المـواسى بغرض التخفيف عنه .
ولكن إذا انتقلنا للبيت الذي يليه نراه يقول
فأنا الذي لازلت احرم للهوى
..........والهدي قلبي سيق للميقات
فهنا لا بد لنا من وقفة تأملية لنستنبط خبرا خطيرا قبل أن ندخل في أحشاء البديع ألا وهو التركيز على عدم التوبة وهنا قمة التجلي .. وأقول قمة التجلي ينبع في الهدي الذي يضحى به في مكان مقدس ولرب معبود فكان الأستاذ جمال أراد ان يخفف على السندباد وعلى نفسه بقوله ( مهما قدمنا من تضحيات لأجل ما نؤمن به فهو قليل إن لم يكن مبررا ) بل ولا يجب الإمتناع عن مثلة عندما يتطلب الأمر تماما كتقديم الجندي روحه فداءً عن وطنه ..
وإذا نظرنا للبيت مرة أخرى فلله درك من شاعر بأن سقت قلبك وجعلتنا نراه بأم العين فلا يسعنا إلا أن نحترم القدسية التي أسقطتها على شكل هالة وكانك اشركتنا معك ومع صاحبك دون أن تجعل لنا رأيا.. فمن يعترض على الهدي أو صاحبه ..
ولله درك كيف خطر ذلك الهدي ببالك ؟ أنها صورة تترقرق بين خلجات النفس قبل ترقرقها على صفحاته .
ونستمر مع الشاعر جمال حمدان لنرى بأن الشاعر قد أخذ منحى آخرا حيث نجده لا يلوم الحبيبة مباشرة بل صب جل عتابه على العشق وما تركه من أثر عليه , ويأخذنا الشاعر بل يهدهدنا كيفما شاء يمنة ويسره ولا يجعلنا نحس بإختلاف تهادي الحركات إلى أن نصل إلى الأبيات الثلاثة الأخيرة.
ناديت كم ناديت ما عاد الصدى
............. فلمن ألوذ به أبث شكاتي
إن كان مظلوما يلوذ بخصمه
..............فبم الشهود تفيد حين ولات
فوضت أمري للذي جعل الهوى
..............ترف لديك .ولي من الغايات
هنا نرى الشاعر يسدل الستارة بمهارة فائقة بحيث لم يجعل لأي زيادة ( لو شاء) أي معنى يضاف للقصيدة ..فنراه ينتقل بتساؤل محير وبحثه عمن سيسمع شكاته وحتى لو وجد واتى بالشهود نراه يستدرك ليخبرنا بأسى ولوعة شديدة بأن القاضي هو الخصم .. وهنا وفجأة نشعر بأن تهادي الإيقاع يدخل الشغاف ليطرق القلب ومن ثم نحس باثره على طبلة الأذنين ..
فنلاحظ أن (الحبكة) أو (العقدة) قد إمتثلت شاخصة أمام القارئ ولكنها ظلت كما هي بنفس قوة حبكتها وعقدتها في نفس الشاعر حين نراه يتوجه إلى رب الأرباب وقاضي القضاة ليبث إليه شكاته ..
إلى هنا نلحظ بأن الشاعر قد أراد بنا ولنا أن نتفاعل معه ليس بأحاسيسنا بل بدموعنا حينما يصف الهوى وتباين نظرة الحبيبة عن نظرته ونراه قد عرف تماما كيف تورد الإبل حينما .. يقول
فوضت أمري للذي جعل الهوى
..............ترف لديك .ولي من الغايات
سبحان الله كم في هذا البيت من حسرة ولوعة وشجن من منا لا يلاحظ دموع الشاعر وهو يختم قصيدته ببيت مثل هذا .من منا يستطيع أن يتمالك جاشه ولا يتفاعل مع الشاعر. أترف !!! وغاية!!! هل هذا طباق؟؟؟ نعم إنه وربي طباق كطباق الأرض مع السماء وطباق المتخم مع المعدم وطباق المحتاج مع المستغني بل هو طباق القادر مع الضعيف .. وهنا نقول بكل أمانة بان الشاعر قد إستطاع ببراعته ودقة تصويره وإنتقائه لمفرداته أن يستسقينا وماذا إستسقى؟ عبراتنا فهل فعل؟ .. أما وقد فعل فهنا سنام القول وغايتة وقمة التصوير وذروته ألا وهو ما نسميه بالإبداع .. أجل إبداع حقيقي يضاف إلى شاعرية متميزة ومقدرة فائقةعلى وضع اللمسات الفنية في محلها .
ولعلي لا أجد عجبا إن هام بهذا البيت أو اعجب به شاعر نلمس من نسق أشعاره جودة صقلة للقريض وقدرته على توظيف البديع وإمساكه بنواصي المحسنات البلاغية في جل نظمه
فإن كان هذا الشاعر هو كذلك فقد كفانا وصفه مؤونة الإسهاب أو الإفصاح عن سبب تفاعله وأنفعاله بمثل هذا البديع من القول ولكن لا مناص لنا إلا أن نقول: السلاف .
وتقبلوا تحياني
Samy
|