مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #341  
قديم 28-11-2006, 06:41 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile

تابــــــــــــــع

ثم إني بعد أن قرأت كتب ابن تيمية عرفت أصل المسألة، وهو أن ابن تيمية نقل عن عثمان بن سعيد الدارمي في رده على المريسي أنه – أي المريسي – أنكر أن يكون الله فوق العرش،
فقال الدارمي: "ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته" [انظر نقض تأسيس الجهمية (1/568)]
وهذا أولا: ليس من كلام ابن تيمية، بل نقله عن الدارمي
وثانيا: هذا من باب فرض ما لم يكن، كقوله تعالى: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" وكقوله: "ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض"، وكقوله: "قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين"، ونحوها من الآيات
فكل هذا من باب التنزل وفرض المستحيل، فهذا كما ترى ليس فيه غضاضة على الإطلاق، والله قد استوى على العرش وهو مخلوق من مخلوقاته جل وعلا، فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

على أية حال هذه كان بداية سلسة كذبات سمعتها على هذا الإمام العظيم، ليس من خالي، إنما من غيره فيما بعد، وكثير منها تولى كبرها بعض من يكتب في السبلة العمانية

وفي النية إن يسر الله أن أجمع بعض ذلك وأرد عليه، ذبا عن عرض هذا الإمام العظيم، فيعلم الله كم له من فضل علي خاصة، وعلى المسلمين عامة، اللهم اجزه عنا خير الجزاء، اللهم اجمعنا به في دار كرامتك.
بعد ذلك ما زلت أتردد بين الفريقين، فأسمع حجة هؤلاء، وحجة هؤلاء، ثم أقارن

وأذكر أن من الأمور التي استوقفتني مسألة نزول الرب – عز وجل – إلى السماء الدنيا،
فإن خالي قال لي مرة: "إن أهل السنة يثبتون أن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا"،
وكنت قد حضرت محاضرة لأحد أهل السنة تكلم فيها عن هذه المسألة، ووضح أنهم يؤمنون بأن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، وأن هذا هو نص كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – كما ثبت في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له".
فقلت لخالي: "نعم أهل السنة يثبتون ذلك على ما جاء به الحديث"
فقال لي: "ولكن قال الشيخ أحمد الخليلي: إن ثلث الليل يدور حول العالم، فحين ينتهي ثلث من منطقة يذهب إلى التي تليها من جهة الغرب، وهكذا، فثلث الليل لا يزال حول العالم يدور، فهل معنى هذا أن الله يبقى نازلا إلى الأبد؟"
فرأيت أن هذا الدليل قوي جدا، ولم أستطع الانفكاك عنه
فغيرت مذهبي على الفور إلى مذهب الإباضية، وصرت أصلي مسبلا يدي، وصرت على يقين أن هذا الدليل لا مدفع له، وشعرت حينها أني قوي، كالجندي الذي معه سلاح يجزم أن عدوه لا يمكنه أن يمتلك سلاحا يقاومه، فصرت كلما لقيت أحدا شرحت له هذا الدليل الذي وصلني من قبل الخليلي، من شدة فرحي بما سمعت.

حتى قابلت مرة أحد أهل السنة العوام فأخبرته بما قاله الخليلي، فقال: "أنا لا أعرف الجواب، ولكن سآخذك إلى من هو أعلم مني"
فقلت: "نعم"
وكنت على يقين أنه سيفاجأ بهذا الجواب، وكنت أظن أن هذه الحجة من عند الخليلي لم يسبقه إليها أحد، فلما ذهبنا عند الرجل، وكان من طلبة العلم الحريصين، شرح له صاحبي المسألة، وسمع الرجل الدليل مني
إلا أنه فاجأني بأن قال: "هذه شبهة قديمة معروفة، وقد أجاب عليها الشيخ ابن عثيمين في فتاواه، وسأهديك منها نسخة"، وواعدني أن آتيه بالغد
وفي اليوم التالي حضر إلى المسجد فعلا، وأعطاني نسخة من فتاوى الشيخ ابن عثيمين، وكتبا أخرى، ويعلم الله، كم كانت فرحتي بتلك الهدية
وهذه لفتة مهمة إلى الدعاة، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: "تهادوا تحابوا"
فكم أثرت هديته في نفسي، ولما شعرت أنها تخصني زاد اهتمامي بالكتاب، وكنت أول مرة أسمع فيها بالشيخ ابن عثيمين، فأراني الرجل مكان الفتوى المطلوبة
ثم قال لي: "اقرأ الكتاب فسيفيدك جدا"
وفعلا قرأت الكتاب من أوله إلى آخره، واستفدت منه أمورا عظيمة،
منها: تعريف أهل السنة والجماعة
ومنها: تقسيم التوحيد ومعاني كل قسم
ومنها: طريقة أهل السنة في الإثبات، والأدلة على ذلك، وأنهم غير مشبهة، بل ينكرون على المشبهة
ومنها: تحريم التصوير، وأنه وسيلة إلى الشرك
ومنها: تحريم البناء على القبور، والغلو فيها، إلى غير ذلك من الفوائد العظيمة
ومما كان يزيدني اهتماما بالكتاب تمكن صاحبه، وسهولة عبارته، وقوة أدلته، ولم أكن أتصور حينها أن يقدر الله لي التتلمذ علي يدي هذا الرجل العظيم، وأني سأكون ممن يجلس في حلقاته، ويسمع منه مباشرة، ولكن لله على عباده ألطاف كثيرة
ويعلم الله أني من يومها لم أحب عالما من العلماء الذين التقيت بهم كما أحببت ذلك الشيخ العظيم، الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله رحمة واسعة - .

وهنا لفتة مهمة أيضا إلى الدعاة: وهي أن نشر كتب أمثال هؤلاء العلماء فيه من الخير الشيء الكثير، وخاصة كتب الفتاوى، لأنها تتناول أسئلة الناس التي تدور بينهم، والتي يكثر السؤال عنها، ولأنها تراعي مستوى العوام، أو المبتدئين، وفيها تعليق الناس بأهل العلم الكبار، فيعلم الله كم لذلك الرجل الذي أعطاني كتاب الشيخ ابن عثيمين من فضل علي بما أهداني.
والمقصود، أني قرأت فتوى الشيخ حول الشبهة المذكورة، وإليكم نص السؤال، وجوابه:
جاء في مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (1/102) سؤال رقم (102) ما نصه:
"سئل الشيخ – أعلى الله درجته في الهديين -: من المعلوم أن الليل يدور على الكرة الأرضية، والله – عز وجل – ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فمقتضى ذلك أن يكون كل الليل في السماء الدنيا، فما الجواب عن ذلك؟
فأجاب بقوله: الواجب علينا أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – من غير تحرف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، فالتحريف في النصوص والتعطيل في المعتقد، والتكييف في الصفة، والتمثيل أيضا في الصفة ، إلا أنه أخص من التكييف؛ لأنه تكييف مقيد بمماثلة
فيجب أن تبرأ عقيدتنا من هذه المحاذير الأربعة
ويجب على الإنسان أن يمنع نفسه عن السؤال بـ (لم)؟ وكيف؟ فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وكذا يمنع نفسه عن التفكير في الكيفية
وهذا الطريق إذا سلكه الإنسان استراح كثيرا، وهذه حال السلف – رحمهم الله -، ولهذا جاء رجل إلى مالك بن أنس – رحمه الله – قال: يا أبا عبد الله "الرحمن على العرش استوى"، كيف استوى؟، فأطرق برأسه وعلته الرحضاء، وقال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعا"
وهذا الذي يقول: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة، فيلزم من هذا أن يكون كل الليل في السماء الدينا؛ لأن الليل يدور على جميع الأرض، فالثلث ينتقل من هذا المكان إلى هذا المكان الآخر؟
جوابنا عليه أن نقول: هذا سؤال لم يسأله الصحابة – رضوان الله عليهم -، ولو كان هذا يرد على قلب المؤمن المستسلم لبينه الله ورسوله – صلى الله عليه وسلم -
ونقول: ما دام ثلث الليل الأخير في هذه الجهة باقيا فالنزول فيها محقق، ومتى انتهى الليل انتفى النزول، ونحن لا ندرك كيفية نزول الله، ولا نحيط به علما، ونعلم أنه سبحانه ليس كمثله شيء، وعلينا أن نستسلم، وأن نقول: سمعنا، وآمنا، واتبعنا، وأطعنا، هذه وظيفتنا " اهـ .

وهذا الجواب كاف شاف كما ترى، فالله – عز وجل – أخبرنا على لسان نبيه، أنه ينزل في الثلث الأخير من الليل، فنحن نؤمن بهذا، فأينما كان الثلث الأخير فهنالك النزول،
ثم إنه من المتفق عليه بيننا وبين الإباضية أنه لا ينبغي للإنسان أن يخوض في صفات الله – عز وجل – بالتفكير، والتكييف
بل ينبغي عليه أن يكف عن هذا، فما بال علماء الإباضية يعرضون مثل هذه الشبه، مع أننا جميعا متفقون أنه ينبغي عدم الخوض فيها؟!!

على أية حال عرفت حينها أن أهل السنة يقولون إزاء النصوص: سمعنا وأطعنا، فإذا لم تتقبل عقولهم شيء اتهموها، وآمنوا بالنص، ولم يردوا النص لأجل شيء يقوم في عقولهم، وأن هذه الطريقة أسلم، وأحكم، وأعلم، وهي طريقة الصحابة، ومن بعدهم من علماء الأمة، ومن سلكها نجا، ومن تنكبها هلك
فلو عرضنا نصوص الكتاب والسنة على عقولنا لرددنا الكثير مما لا يقبله عقل كثير من الناس، والواجب عدم معارضة النصوص إذا ثبتت.

ومن يومها استفدت درسا عظيما، وهو التسليم لكتاب الله، وسنة رسوله - عليه الصلاة والسلام -، وعدم الاعتراض عليهما، فصار عندي قناعة تامة بمذهب أهل السنة في صفات الله – عز و جل -، وذلك بفضل قراءتي لفتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى-.

ورجعت بعدها أصلي صلاة أهل السنة، أكفت يدي، كما يكفتون.
بعدها تزايد حضوري لحلقات طلاب العلم من أهل السنة والجماعة عندنا في الإمارات، وصرت أواظب على الدروس في أيام معينة من الأسبوع، فدرست كتاب الأصول الثلاثة، وبعض كتاب التوحيد، كلاهما للشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله-
وحضرت بعض حلقات العقيدة، وأظن أنها كانت حول كتاب العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، فعرفت الكثير من مبادئ أهل السنة والجماعة في الصفات
ومن القواعد المفيدة التي درستها: (أن القول في الصفات كالقول في الذات)، فالصفات تابعة للذات، فمن أثبت لله ذاتا لا تشبه الذوات فليثبت له صفات لا تشبه الصفات
فلله – عز وجل – يد لا كأيدينا، وله وجه لا كوجهنا، وله سمع لا كسمعنا، وله بصر لا كبصرنا، وله علم لا كعلمنا، وله عزة لا كعزتنا، كما أن له ذاتا ليست كذواتنا، كل ذلك سواء.
ومن القواعد المفيدة التي درستها: (أن كل معطل مشبه)، فكل من عطل صفة من صفات الله إنما عطلها لأنه فهم منها التشبيه، ولو أنه ما فهم التشبيه من تلك الصفة لأثبتها
فهو حين يقرأ قوله تعالى: " قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) "، يفهم أن هاتين اليدين كيدي المخلوق، فلأجل هذا يضطر إلى أن يؤول، ويقول: ليست اليد هنا على معناها الحقيقي، بل هي بمعنى المباشرة، أو بمعنى القوة، أو غير ذلك من المعاني، والذي جعله يتؤل الآية أنه فهم منها التشبيه، وليس كذلك، فليس الأمر على ما ذكر، بل القرآن ليس ظاهره تشبها، حاشا وكلا،
قال نعيم بن حماد الخزاعى شيخ البخارى: "من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها".
على أية حال: كانت هذه المرحلة مرحلة تعلم لمبادئ أهل السنة والجماعة عموما، ولعقيدتهم في الصفات خصوصا.
فكنت إذا ذهبت إلى عمان عند أخوالي أناقشهم في بعض ما تعلمته يعجزون عن مجاراتي، لأنهم لم يكونوا بدرجة عالية من الدراية بمذهبهم، وهذا زادني تثبيتا على ما أنا عليه.
ثم إنني ذهبت مرة لزيارة أحد طلاب العلم من أهل السنة والجماعة، فذكرت له قصتي، وبعض ما كان يجري بيني وبين أخوالي وغيرهم من أهلي
وقلت له: "أريد أن أذهب إلى الشيخ أحمد الخليلي"، لعلي أجد عنده شيئا زائدا
فنصحني ألا أذهب إليه، ولكني لم أقنع بكلامه، لأني كنت أرى أنه من تمام الإنصاف أن أسمع حججهم كاملة
ثم في نهاية المجلس أعارني كتابا نفيسا بعنوان: "إثبات علو الرحمن، من قول فرعون لهامان"، لأسامة القصاص، وهو كتاب نفيس في بابه، فزدت قناعة بما توصلت إليه من الحق، والحمد لله .

يتبــــــــــــــــــــــــع
__________________

  #342  
قديم 28-11-2006, 06:43 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile

تابـــــــــــــــع

ثم إنه لم يتيسر لي أن أذهب إلى الشيخ أحمد الخليلي – مفتي عمان -، ولكني كنت أقرأ بعض كتب الإباضية كلما ذهبت إلى عمان، وأذكر أني كنت إذا أمسكت بكتاب من كتبهم أقول قبل أن أفتحه: "اللهم إن كان الحق في هذا الكتاب فأرني إياه"، ولكني لم أكن أرى إلا ما يزيد ثقتي بصدق مذهب أهل السنة والجماعة.

كل ذلك كان وأنا في مرحلة الثانوية العامة، وما بعدها بقليل، وبعد مرحلة الثانوية العامة صرت على مفترق الطرق، إما أن أذهب إلى إحدى شركات الطيران لأدرس وأتخرج طيارا، وإما أن أذهب إلى الجامعة الإسلامية، ولله الحمد قبلت في الجامعة الإسلامية قبل استدعائي إلى معهد الطيران للدراسة، فلما بدأت بالجامعة ودخل حبها قلبي استدعيت للطيران، ولكن هيهات وقد تعلق القلب بالمدينة النبوية، ومسجدها، وجامعتها، فلم أبغ بذلك بدلا، ولله الحمد.

مع أن قلبي كان أميل إلى الذهاب للطيران قبل ذلك، بل كنت أعد ذهابي للجامعة الإسلامية لما ذهبت استغلال وقت فراغ قبل أن أحزم حقائبي وأتوجه إلى الطيران، ولكن أعان الله بكرمه، ولطف رحمته بأن نشبت بالجامعة، فلم أبغ بها بدلا، ولله الحمد والمنة.

وفي الجامعة الإسلامية حصل لي تحول كبير في حياتي
فهنالك عاشرت علماء أهل السنة، وتعلمت منهم، ونهلت من آدابهم، وكان أخي في الإمارات إذا أشكل عليه شيء كلمني في الهاتف
وسألت له العلماء عن إشكاله فكشفوه لي
وأذكر أن من أول الإشكالات التي عرضت علي هناك مسألة الحد وإثباتها لله – عز وجل -، فسألت عنها العلماء، فكان أول من سألت من أهل العلم الشيخ: (محمد أمان الجامي – رحمه الله-) وكان متخصصا في العقيدة
وكنا قد انتهينا لتونا من صلاة الفجر في المسجد النبوي الشريف، وكانت للشيخ حلقة في العقيدة بعد صلاة الفجر، فسألته قبل أن يجلس على كرسيه
قلت: "يا شيخ هل أهل السنة يثبتون الحد لله – عز وجل -؟"
فقال: "وما الذي تعنيه بالحد؟"
فارتبكت، فلما رأى مني الارتباك قال لي: "يا ولدي! اذهب وادرس العقيدة"
وأمرني أن أركز على الأصول وأن لا أهتم بالمسائل العارضة الآن
فانصرفت من عنده مهموما؛ لأني كنت أريد الجواب حالا، ولكني عرفت أن تلك الكلمة من الشيخ أراد بها أن يربيني، وخاصة لما رأى عدم فقهي للسؤال الذي سألت عنه، فما فائدة جواب لإنسان لا يدري معنى السؤال الذي يسأله؟
ولكني لم أدرك ذلك في حينه، فما زلت أفتش حتى علمت قاعدة أهل السنة في مثل هذا، وهو ما ذكره ابن أبي العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية (ص218، ط . المكتب الإسلامي، تخريج الألباني)
قال – عند شرحه لقول الطحاوي: "وتعالى عن الحدود والغايات"- : "أن الناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال:
فطائفة تنفيها، وطائفة تثبتها، وطائفة تفصل، وهم المتبعون للسلف، فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا تبين ما أثبت بها فهو ثابت، وما نفي بها فهو منفي
لأن المتأخرين قد صارت هذه الألفاظ في اصطلاحهم فيها إحمال وإبهام، كغيرها من الألفاظ الاصطلاحية، فليس كلهم يستعملها في نفس معناها اللغوي
ولهذا كان النفاة ينفون بها حقا وباطلا، ويذكرون عن مثبتيها مالا يقولون به
وبعض المثبتين لها يدخل لها معنى باطلا مخالفا لقول السلف، ولما دل عليه الكتاب والميزان،
ولم يرد نص من الكتاب ولا من السنة بنفيها ولا إثباتها، وليس لنا أن نصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه، ولا وصفه به رسوله نفيا ولا إثباتا، وإنما نحن متبعون لا مبتدعون
فالواجب أن يُنظر في هذا الباب – أعني باب الصفات – فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه، والألفاظ التي ورد بها النص يُعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني
وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها فلا تطلق حتى يُنظر في مقصود قائلها، فإن كان معنى صحيحا قبل، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص، دون الألفاظ المجملة، إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد، والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها، ونحو ذلك " اهـ كلامه رحمه الله.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – [مجموع الفتاوى (3/308)]:
"والسلف والأئمة الذين ذموا وبدعوا الكلام في الجوهر، والجسم، والعرض تضمن كلامهم ذم من يُدخل المعاني التي يقصدها هؤلاء بهذه الألفاظ في أصول الدين، في دلائله وفي مسائله نفيا وإثباتا،
فأما إذا عرف المعاني الصحيحة الثابتة بالكتاب والسنة، وعبر عنها لمن يفهم بهذه الألفاظ؛ ليتبين ما وافق الحق من معاني هؤلاء وما خالفه؛ فهذا عظيم المنفعة، وهو من الحكم بالكتاب بين الناس فيما اختلفوا فيه" اهـ كلامه – رحمه الله -.
فلفظة الحد كما ترى ليست من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، فيُستفصل فيها
فإن كان مراد قائلها حقا فإن الحق يقبل، ولكن الأولى التعبير به تعبيرا شرعيا، وإن كان مراد قائلها أمرا باطلا فإنها ترد، فإن أراد بالحد أن الله مستو على عرشه، بائن من خلقه، منفصل عنهم، كان كلامه حقا، وإن أراد بالحد أن الله محدود، وأنه محشور في مكان يحده، فهذا باطل ولا شك،
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا

وما أحسن ما نقله الذهبي في السير في ترجمة أبي القاسم التيمي [السير (20/85)] قال:
"سئل أبو القاسم التيمي - رحمه الله - هل يجوز أن يقال لله حد أو لا؟، وهل جرى هذا الخلاف في السلف؟
فأجاب: هذه مسألة أستعفي من الجواب عنها لغموضها وقلة وقوفي على غرض السائل منها، لكني أشير إلى بعض ما بلغني، تكلَّم أهل الحقائق في تفسير الحد بعبارات مختلفة محصولها:
أن حد كل شيء موضع بينونته عن غيره،
فإن كان غرض القائل ليس لله حد: (لا يحيط علم الحقائق به)، فهو مصيب، وإن كان غرضه بذلك: (لا يحيط علمه تعالى بنفسه)، فهو ضال، أو كان غرضه أن الله بذاته في كل مكان فهو أيضا ضال .
قلت [والقائل هو الذهبي]: الصواب الكف عن إطلاق ذلك؛ إذ لم يأت فيه نص، ولو فرضنا أن المعنى صحيح، فليس لنا أن نتفوه بشيء لم يأذن به الله خوفا من أن يدخل القلب شيء من البدعة، اللهم احفظ علينا إيماننا" اهـ .

وهذا كما ترى أمر واضح جلي، وحقا: "إنما شفاء العي السؤال".
وهكذا استمرت الفوائد تنهال علي من علماء أهل السنة في المدينة، ومن طلابها
وأذكر ذات مرة أني قابلت رجلا من أهل عمان إباضيا يصلي في المسجد النبوي الشريف،
فتعرفت عليه، وتعرف علي، فلما عرف أني سني جرى بيني وبينه حوار حول استواء الله على العرش، فقلت له: "يا أخي الكريم الاستواء بمعنى الارتفاع والعلو، كما قال تعالى: "وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون، لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه ..."، وقوله تعالى عن سفينة نوح: "واستوت على الجودي"، فالاستواء العلو والاستقرار، والله يقول في سبع مواضع من القرآن إنه استوى على العرش منها قوله تعالى: "الرحمن على العرش استوى"، وقوله: "... ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا"، ويثبت أنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض "يدبر الأمر من السماء إلى الأرض في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون"، وأذكر أني استوقفته عند هذه الآية، فقلت له تأمل سياق الآيات في سورة السجدة، وشدة وضوحها على استواء الله – عز وجل -، ففتحت معه المصحف – لأني لم أكن أحفظها – وقرأتها عليه، يقول تعالى: "الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون".
فقلت له: تأمل هذه الآيات كيف هي صريحة في إثبات علو الله، واستوائه على عرشه، ففي أولها أثبت لنفسه الاستواء على العرش، ثم أخبر أنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ثم أخبر أن الأمر يرفع إليه، فإن كانت هذه الآية يجوز أن يسلط عليها التأويل فليست هناك آية لا يمكن أن تأول، وعلى هذا يعود القرآن كله مؤولا، وعليه فلا يستفاد الهدى منه، بل يتوقف استفادة الهدى من القرآن على أقوال الناس من المشايخ المتبوعين
ثم الله قد وصف قرآنه بأنه مبين، كما قال تعالى: "والكتاب المبين"، وقال: "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر"، فالقرآن ميسر، والذي يقول: إن هذه الآيات على خلاف ظاهرها – مع أنها نص في علو الله، واستوائه – فهذا يزعم أن القرآن غير مبين.
واستطرادا هنا أقول: إن الشيخ أحمد الخليلي اشتد نكيره على عبد الرحيم الطحان لما قال: "لا قرآن بلا سنة"، مع أنه يقصد أن من أخذ القرآن وترك السنة فإنه يضل، وسياق كلامه كله في هذا المعنى، فأنكر الشيخ أحمد عليه، وساق في إنكاره عليه الآيتين التين ذكرت وأمثالها من الآيات التي تدل على أن القرآن فيه الهدى، وقوله حق لا مرية فيه
ولكن العجب أنه أيد قول الباحثة التي قدم لرسالتها الموسومة بـ "رؤية الله بين المثبتين والنافين" حيث تقول المؤلفة في (ص26):
"وقد يقول قائل: إنه إذا كان الله تعالى غير مستقر على العرش، وغير جسمه [هكذ ] فما معنى الآيات، والأحاديث التي جاءت في القرآن الكريم، وعلى لسان سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – والتي ظاهرها يوهم ذلك؟
ولعل أبلغ رد على هذا السؤال أن نقول: إن المقصود من ذكر هذه الآيات والأحاديث هو الامتحان، والاختبار، هل يفهمها الناس على حقيقتها فيقعون في تشبيه الله بالحوادث فيضلون بذلك، أو يفهمونها بما يتفق مع النصوص الصريحة الدالة على أن الله منزه عن صفات الحوادث، وأنه ليس كمثله شيء، ومع دلالة العقل السليم على أن الله وهو القديم الباقي لو اتصف بالحادث يكون حادثا، لأن الحادث له أول، والقديم لا أول له ..." الخ كلامها.
وهذا يدل على أن الإباضية يرون أن أكثر آيات القرآن يدل ظاهرها على الضلال، لأنك لا تكاد تمر على آية من آيات القرآن إلا وفيها صفة من صفات الله، بل القرآن كله كلام الله، فإذا كان أكثر أو كثير من آيات القرآن يدل ظاهرها على الضلال فهل يجوز أن يوصف مع هذا بأنه مبين؟
ثم إن كنا نحتاج إلى تأويل تلكم الآيات الكثيرة فمن يؤلها لنا؟
لا شك أنهم المشايخ – أعني مشائخ الإباضية – وعلى هذا فلا يؤخذ الهدى من القرآن، إنما يؤخذ من المشائخ، فلم ينكر الخليلي إذا على من قال: "لا قرآن بلا سنة"، وهو أحسن حالا ممن يدل كلامه على أنه (لا قرآن بلا قول المشائخ)؟.
كل هذا استطراد، ولنرجع إلى صاحبنا
فإني لما سقت له الآيات التي تدل على العلو، لم يجد لها مدفعا، قال لي "أنا لا أسلم بهذا الكلام، ولا أقول: إن الله فوق السماء"
قلت له: فأين الله؟
قال: "في كل مكان"
وهو يظن أن هذه عقيدة الإباضية، وليست كذلك، بل عقيدتهم أن الله ليس داخل العالم ولا خارجه، ولكنه اعتقدها لأنه يظن أنها عقيدة الآباء، وليس معه في ذلك دليل، وهذا من العجب!! أن يتعصب الإنسان لشيء لا دليل عليه، وهذا حال أكثر الإباضية، بل أكثر البشر إنما يتعصبون لما ألفوه، ولما أخذوه من آبائهم، وإن لم يكن معهم دليل


يتبــــــــــــــــــــــــــــــع
__________________

  #343  
قديم 28-11-2006, 06:45 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile

تابـــــــــــــــــــــــــــع


وأذكر مرة أن أحد أخوال كان يظن أن أهل السنة يقولون: "إن الله في كل مكان"، وأن الإباضية يقولون: "إن الله فوق السماء"، فأنكر علي اعتقادي أن الله في كل مكان
فقلت له: "أهل السنة لا يعتقدون أن الله في كل مكان، بل يعتقدون أن الله فوق السماء"
فقال: "لا، أنتم تعتقدون أن الله في كل مكان"
قلت له: "نحن نرد هذه العقيدة"
فلما تأكد أننا نعتقد أن الله فوق السماء، وأن الإباضية لا يعتقدون ذلك غير عقيدته على الفور
وقال لي: "نعم الله في كل مكان، وهذا هو الحق"، قلت له: "قبل قليل كنت تقول خلاف هذا" قال: "كنت أظنها عقيدة الإباضية".
وهذا حال أكثر الناس، مجرد أن يعرف أن عقيدتهم كذا يسارع إلى الدفاع عنها من غير بينة، والله المستعان.
نعود إلى صاحبنا الإباضي
قال لي: "إن الله في كل مكان"
فقلت له: "هل تعتقد أن الله في الحمام؟!!" – تعالى الله عما يقول الله الظالمون علوا كبيرا - .
فسكت هنيهة ثم قال – كالمعترض على كلامي –: "إن لم يكن الله في الحمام فإني سأذهب إلى الحمام وأشرب الخمر".
فقلت له: "هداك الله، إن الله فوق سماواته، مستو على عرشه، ومع ذلك قريب من خلقه، يعلم كل ما يكون على الأرض، ولأجل هذا يقرن الله – عز وجل – دائما علوه بالعلم
قال تعالى: "الرحمن على العرش استوى، له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى"
وقال تعالى: "هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير"
ومثلها قوله تعالى: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم"، فقرن بين اسمه الظاهر وبين اسمه الباطن، وقد فسر النبي – صلى الله عليه وسلم – معنى الظاهر بقوله: "أنت الظاهر فليس فوقك شيء"، وفسر معنى الباطن بقوله: "أنت الباطن فليس دونك شيء"، أي فليس أقرب منك شيء، فالله قريب في علوه، بمعنى أنه يعلم كل شيء مع علوه".
فلما سمع هذا مني لم يحر الرجل جوابا، [طبعا أنا أسوق ما جرى بيني وبين الرجل بالمعنى، وإلا فهذه القصة قد مر عليها ما يقارب العشر سنين].
فقال لي: "أنا لا أعرف الرد عليك، ولكن معنا شيخ في الحملة لو تأتي وتكلمه"
فقلت له: "إنني مشغول والله، وكانت الأيام أيام امتحانات"
ومع إصراره خفت أن يظن أنني أتهرب فذهبت معه إلى مقر سكنه، وهناك التقيت بالشيخ المذكور، فبدأ الحديث وتكلم بكلام لا أذكره الآن، وأظنه كان يعظ القوم، ولكنه أثناء كلامه أنكر سنة المسح على الخفين إلا في السفر
فقلت له: قد ثبتت السنة في البخاري، ومسلم، وغيرهما، وأحاديث المسح متواترة، فجاوز الكلام عن هذه المسألة وأقحمنا في مسألة الصفات
فقلت له: "الرحمن على العرش استوى"
فقال: "استوى بمعنى استولى"
فقلت له: "هذا خلاف الظاهر، ولا يجوز تفسير الاستواء هنا بالاستيلاء، لأن الله قال: "ثم استوى على العرش"، والعطف بـ "ثم" يقتضي التعقيب مع التراخي، فيكون معنى هذا أن الله لم يكن مستوليا على العرش، ثم استولى عليه"
فقال لي: "إذا قلت إنه مستو على العرش لزم منه التحيز والجهة"
وكنت يومها ما زلت مبتدأ، وليست لي القوة العلمية الكافية، ولا الدراية بأساليب المناظرة، ولكني ولله الحمد جاوبته بما لدي من أصول سنية سلفية
فقلت له: "أنا لا أدري ما تقول، أنا أقول بما قال الله – عز وجل -، ولا أتدخل بعقلي في شيء من ذلك"
وهذه قاعدة نافعة جدا، ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في كتابه كشف الشبهات، حيث يقول: "جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل ومفصل
أما المجمل : فهو الأمر العظيم، والفائدة الكبيرة لمن عقلها ، وذلك قوله تعالى : " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله "
وقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله ، فاحذروهم "
مثال ذلك : إذا قال لك بعض المشركين: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، وأن الشفاعة حق، وأن الأنبياء لهم جاه عند الله، أو ذكر كلاما للنبي – صلى الله عليه وسلم – يستدل به على شيء من باطله ، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره
فجاوبه بقولك: إن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أن الله تعالى ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية ، وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء ، مع قولهم : " هؤلاء شفعاؤنا عند الله " ،
هذا أمر محكم بيّن لا يقدر أحد أن يغير معناه ، وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن أو كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – لا أعرف معناه ،
ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض ، وأن كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يخالف كلام الله .
وهذا كلام جيد سديد ، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله ، فلا تستهن به ، فإنه كما قال تعالى : " وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " . " اهـ كلامه رحمه الله .
فهداني الله ساعتها إلى الجواب المجمل ، مع أني ما كنت ساعتها مطلعا على كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى -
فلما أتاني بكلام مجمل لا أعرف معناه، رجعت إلى المحكم الذي معي، وهو أن الله تعالى لا يشبهه شيء، وأنه تعالى لا يلحقه النقص من وجه من الوجوه، وأنه أعلم بنفسه من غيره، وأنه يجب علينا أن نسلم للآيات والأحاديث الصحيحة، فالله قد أثبت لنفسه العلو، والاستواء في آيات كثيرة جدا، ونفى عن نفسه مشابهة خلقه، فمن فهم من بعض الآيات ما يوهم التشبيه، أو النقص فالخطأ منه لا من الآيات
فأنا أثبت ما أثبتته الآيات، وأتوقف فيما لا أعلم
فلما قال لي ذلك الشيخ: "إثبات العلو يلزم منه إثبات التحيز، والجهة"
قلت له: أنا لا أعلم ما تقول، ولكني أقول كما قال الله تعالى: "الرحمن على العرش استوى"، ونحو ذلك من الآيات التي تدل على الاستواء والعلو .
فلما رآني قد جاوبته بهذا الجواب استغل الموقف، وجعل يستطرد في الكلام في صفات الله – عز وجل – بكلام لا أذكره الآن، وظهر أمام الناس أنه المنتصر، وأني قد انقطعت حجتي، مع أني أعلم أنه يعارض القرآن الكريم برأيه، لأنه فهم من آيات العلو التشبيه، فأولها، ولو لم يفهم التشبيه ما أولها .
ثم دخل في مسائل كثيرة لا أذكرها، حتى تكلم في مسألة الصفات هل هي عين الذات أم غيرها، فقال: "الحق أنها عين الذات"، قال لي: "وما تقول فيها؟"
قلت: "الله أعلم"
قال: "الحق أن الصفات عين الذات"
ثم تكلم بكلام لم أفهمه ساعتها، ولكني دريت فيما بعد أنه كان يقرر نفي الصفات بناء على تلك القاعدة، وأقطع أن العوام الذين كانوا في المجلس لم يكونوا يفهمون أكثر كلامه، لأنه ما كان يتكلم بالآيات والأحاديث، إنما كان يتكلم بكلام أكثره فلسفي، ويظهر بذلك أنه منتصر، وأنه العالم المحرر .
ثم خرجت من عنده وأنا مهزوم أمام الحاضرين – ولم يكونوا كثرا -، ولكنهم فرحوا بشيخهم، ورأوني مهزوما
ولذلك نهى العلماء عن مثل هذه المناظرات، ووضعوا لها شروطا خاصة، منها: أن يكون عالما بمذهبه، عالما بمذهب الخصم، واضح البيان، وأن تكون المناظرة عند إمام يلزم الطرفين بالقول الحق، ويشهره، وأن يكون هذا الإمام الحاكم عالما باللغة، مريدا للحق .
إلى غير ذلك من الشروط في المناظرة، التي تطلب من مظانها .
فمن أخل بمثل هذه الشروط فإنه قد ينتج من فعله شر أكثر من الذي يريد من الخير .
والله أعلم
ثم لما انفض ذلك المجلس أصاب قلبي ما لا يعلمه إلا الله من الحزن والغم، لأني شعرت أن القوم غير صادقين في طلب الحق
الله أعلم أكان ذلك حقا أم لا، لكن شعوري بذلك سبب لي انقباضا وحزنا في صدري .

ثم بحثت في بعض المسائل التي جرى النقاش فيها ،
ومنها مسألة : هل الصفات عين الذات أم غيرها ؟
فعلمت أن هذه المسألة أراد بها الإباضية أن ينفوا الصفات عن الله – عز وجل - ،
فقالوا : الصفات الواردة في الكتاب والسنة لا يراد بها أن ذات الله متصفة بها ،
ولكن المراد أنها عين الذات ، أي نفسها ،
فمعنى قولهم : الصفات عين الذات ، أي الصفات هي الذات ،
وعليه فقدرة الله – عز وجل – هي الله ، وسمع الله هو الله ، وعلمه هو نفسه ،
كل ذلك لا فرق بينه ،
ومرادهم بهذا نفي جميع الصفات عن الله – عز وجل - ،

يتبــــــــــــــــــــــــــــــع
__________________

  #344  
قديم 28-11-2006, 06:46 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile

تابـــــــــــــــــــــــــــــــــــع


قال أبو مسلم البهلاني في كتابه نثار الجوهر (1/62)
[ ناقلا عن الخليلي أبي محمد سعيد بن خلفان ، ومقرا له ] :
" والأصل الذي ذهب إليه أصحابنا في هذا أن صفاته تعالى هي عين ذاته الأزلية ،
ولا ينكشف هذا إلا بتجريد الذات المقدسة عن الصفات بالكلية " اهـ المراد منه .

وهذا النص موجود في كتاب تمهيد قواعد الإيمان للخليلي نفسه في (1/195)
لكن سقط منه قوله : " هي عين ذاته الأزلية ،
ولا ينكشف هذا إلا بتجريد الذات المقدسة عن الصفات بالكلية " .

وفي تمهيد قواعد الإيمان (1/196) ما نصه :
" والحق الذي لا مرية فيه ما قاله أصحابنا من تجريد الصفات عن الذات المقدسة مع اتصافها بها ،
فقالوا : إنه يعلم بذاته ، ويقدر بنفسه ، وكذا في يسمع ، ويبصر ، ويقدر ،
ويشاء ، ويريد ، وغير هذا ،
فهو عالم بذاته ، وقدير بها ، وهكذا ،
وهو معنى قولهم في صفاته : إنها عين ذاته ،
فليس مرادهم به إلا سلب الصفات عن ذاته الكريمة مع اتصافها بها ،
بمعنى : أنه ليس ثم من صفة زائدة على ذاته المقدسة أبدا " اهـ كلامه ،
وقد نقله بنصه مقرا له أبو مسلم البهلاني في نثار الجوهر (1/63) .
وهذا الكلام – كما يرى القارئ الكريم – خطير جدا ، إذا معناه :
أن الله – عز وجل – ليست له صفة أزلية مطلقا ،
لا صفة القدرة ، ولا السمع ، ولا البصر ، ولا العلم ... الخ ،
إنما صفاته – جل وعلا – كلها وهمية اعتبارية ،
وقد نص على هذا الخليلي نفسه [ وهو طبعا غير المفتي ]
في كتابه آنف الذكر في (1/197) حيث يقول :
" لكن قولك : عليم بذاته فيه مزيد إيضاح ، وكشف للحقيقة ،
ودفع للأغاليط الوهمية من العقيدة الأشعرية في قولهم :
إنه تعالى يعلم بعلم ، ويقدر بقدرة ، وإثباتهم له صفات قديمة قائمة بذاته العظيمة ،
وبطلان هذا واضح بما سبق " . اهـ .

وأقول : بل كلامك هو الذي يتضح بطلانه بمجرد قراءته ،
فسبحان الله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى ،
لا كما يقوله المبطلون الذين يزعمون أنه ليست له صفات إطلاقا .

وأنقل هنا كلاما نفيسا لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -
في بيان عقيدة السلفيين أهل السنة والجماعة في هذه المسألة
حيث يقول – رحمه الله – [ الفتاوى (6/96) ] :
" فإنا لا نطلق على صفاته أنها غيره ، ولا أنها ليست غيره ،
على ما عليه أئمة السلف كالإمام أحمد بن حنبل وغيره " .

وقال – رحمه الله – في الجواب الصحيح (5/16) :
" وقد تنازع المثبتة : هل يقال : الصفات عين الذات ؟ ، أم يقال : ليست عين الذات ؟ ،
أم يقال : لا يقال هن غير الذات ولا يقال ليست غير الذات؟ ،
وتنازعوا في مسمى الغيرين : هل هما ما جاز مفارقة أحدهما الآخر مطلقا ؟ ،
أو ما جاز مفارقته بوجود أو زمان أو مكان ؟ ،
أو هما ما جاز العلم بأحدهما مع عدم العلم بالآخر ؟ ،
وغاية ذلك منازعات لفظية ، وكثير منهم فرق في الصفات اللازمة بين بعضها وبعض ،
فجعل بعضها زائدا على الذات ، وبعضها ليس بزائد على الذات ،
وكان الفرق بحسب ما يتصوره لا بحسب ما الأمر عليه في نفسه ،
فإذا أمكنهم تصور الذات بدون صفة قالوا : هذه زائدة ،
وإلا قالوا : ليست زائدة ،
وهذا يقتضي أنها زائدة على ما تصوروه هم من الذات
لا أنه في الخارج ذات مجردة عن تلك الصفة ، وصفة زائدة عليها ،
بل ليس إلا الذات المتصفة بتلك الصفات ،
ولكن يجب الفرق بين أن يقال : إن الصفات غير الذات ،
وبين أن يقال : إنها غير الله ، فإن اسم الله متناول لذاته المتصفة بصفاته ،
فإذا قال القائل : دعوت الله ، وعبدت الله ، فلم يدع ذاتا مجردة ، ولا صفات مجردة ،
بل دعا الذات المتصفة بصفاتها ، فاسمه تعالى يتناول ذلك ،
فليست صفاته خارجة عن مسمى اسمه ولا زائدة على ذلك ،
وإن قيل إنها زائدة على الذات المجردة ،
ومن ظن أنها زائدة على الذات المتصفة بصفاتها التي تدخل صفاتها في مسماها فقد غلط ،
ولكن الأذهان والألسنة تزلق في هذا الموضع كثيرا ،
فإذا قيل : الصفات مغايرة للذات ، لم يكن في هذا من المحذور ما في قولنا :
إن صفات الله غير الله ، فإن اسم الله يتناول صفاته ،
فإذا قيل : إنها غيره فُهم من ذلك أنها مباينة له ، وهذا باطل ،
ولهذا كان النفاة إذا ناظروا أئمة المسلمين
كما ناظروا الإمام حمد بن حنبل في محنته المشهورة
فقالوا له : " ما تقول في القرآن وكلام الله ؟ أهو الله أم غير الله ؟ "
عارضهم بالعلم
وقال لهم : " ما تقولون في علم الله ؟ أهو الله أم غير الله ؟ " ،
أجاب أيضا : " أن الرسل لم تنطق بواحد من الأمرين ،
فلا حجة لهم في كلام الله ورسوله ، فإن الله لم يقل لكلامه هو أنا ولا قال إنه غيري
حتى يقول القائل : إذا كان قد جعل كلامه غيره وسواه فقد أخبر أنه خالق لكل ما سواه " ،
فإن كان الاحتجاج بالسمع فلا حجة فيه ،
وإن كان الاحتجاج بالعقل فالمرجع في ذلك إلى المعاني لا إلى العبارات ،
فإن أراد المريد بقوله : هل كلامه وعلمه غيره أنه مباين له فليس هو غيرا له بهذا الاعتبار ،
وإن أراد بذلك أن نفس الكلام والعلم ليس هو العالم المتكلم فهو غير له بهذا الاعتبار ،
وإذا كان اللفظ مجملا لم يجز إطلاقه على الوجه الذي يُفهِم المعنى الفاسد ،
وأما الذين جعلوا الأعيان القائمة بأنفسها صفات
فهم هؤلاء المتفلسفة النفاة للصفات ومن أشبههم " اهـ كلامه – رحمه الله - .
وأنت ترى أن أهل السنة سلكوا في هذا مسلكا سليما واضحا ،
فإن قول الإباضية ومن وافقهم : " صفات الله – عز وجل – عين ذاته "
قول لم يرد في الكتاب ولا السنة ،
فأهل السنة يسلكون في هذا مسلك السلامة ، فيقولون :
نثبت لله ما أثبته لنفسه ، وننفي عنه ما نفاه عن نفسه ،
وما لم يرد في الكتاب والسنة نستفسر عن مراد قائله ،
فإن أراد حقا أثبتنا الحق ، وعبرنا عنه بالعبارة الشرعية ،
وإن أراد باطلا نفينا الباطل ،
وهذا قد سبق بيانه في هذه القصة في مسألة إثبات الحد لله – عز وجل –
ومسلك أهل السنة والجماعة في ذلك ، والله أعلم .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
__________________

  #345  
قديم 11-12-2006, 05:34 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile الــــــراقصــــــــــــة

الــــــراقصــــــــــــة




الساعة الرابعة عصرا،الوقت يمضي،والسائق في الخارج ينتظر

ألقت العباءة على كتفيها،وألقت بالغطاء على رأسها

لا بأس سوف أصلحها في السيارة..

ركبت السيارة،كشفت الغطاء عن وجهها،أصلحت من حال عباءتها

تأكدت من حقيبتها، الهاتف النقال، المال، عطرها..لم تنس شيئا

انطلقت السيارة بهدوء نحو صالون التجميل وتجولت هي بنظرها

وقفت السيارة، ارجع الينا الساعة الثانية عشرة

النساء كثير في الداخل، لا بأس فأنا عميلة دائمة ومميزة

لابد أن تراعي صاحبة الصالون هذا الأمر وإلا.. استقبال حافل

تبادلن الابتسامات، ذهب الخوف، لن نتأخر كثيرا..

هذا حمام زيتي انتظري ساعة.. مجلة أزياء

عرض لبعض التسريحات، قلبت الصفحات تنقلت بين المجلات المختلفة

مضت الساعة، ارتفع أذان المغرب، أسلمت نفسها لمصففة الشعر جففت شعرها

غاب الأذان ومضت الصلاة.. إزالة للشعر وتنظيف للبشرة

أنصتت لموسيقى هادئة، تحولت لأخذ حمام مائي

ارتفع الأذان، إنها صلاة العشاء، لم يتبق على الفرح سوى بضع ساعات

وضعت رأسها بين يدي المصففة، اختارت التسريحة، تناثر الشعر بين يديها

يودعها وداعا حزينا، ألقت نظرة إلى المرآة لم تعرف نفسها

ارتسمت ابتسامه على شفتيها، لن يسبقني أحد

تغيرت ملامحها، نظرت إلى الساعة إنها الواحدة، ألقت العباءة على كتفيها

وبحذر شديد وضعت الغطاء على رأسها..ركبت السيارة

إلى المنزل بسرعة لقد تأخرت

لبست فستانها، تعرت من حيائها، بدت بطنها، وسائر ظهرها

انكمش الفستان عن ركبتيها، دارت حول نفسها، لن يغلبني أحد..

العين ترقبها، الكل يتأملها، نظرات الإعجاب تحيط بها، تقترب منها

نظرات السخط تنفر منها، تغمض عينيها تقززا من حالها..

السفيهات يلاحقنها بالتعليقات الساخرة

رقصت على أنغام الموسيقى اهتز جسدها

تنوعت الأغاني وتنوع رقصها.. لم يسبقها أحد، ولم يغلبها أحد.. الكل يتابعها

الكل يتحدث عنه

من أين أتت بكل هذا؟؟ كيف تعلمت كل هذا؟؟ كيف حفظت الأغاني؟؟؟

والكل يعرف الإجابة

توقفت عن الرقص، سقطت على الأرض، ارتفع الصراخ

تدافع النساء إلى المسرح، نادوها فلم تجب، حركوها فلم تتحرك، ارتفع الصياح

حملوها، أحضروا الماء، مسحوا وجهها، بكت الأم والأخوات، ارتفع العويل

وعلا النياح.. تدخل الأب والأخ، اختلطت الأمور، تحول الفرح إلى حزن

والضحكات إلى بكاء، توقف كل شيء..ألبسوها...غطوا ما ظهر من جسدها

حضر الطبيب..أمسك بيدها..وضع سماعته على صدرها

أرخى رأسه قليلا..انطلقت الكلمات من شفتيه

لـــــــــقد ماتـــــــــت.. لقد مـــــــــاتـــــــــت

ارتفع النحيب..وجرت الدموع..ألقت الأم بجسدها على صغيرتها الجميلة

أخفى الأب وجهه بين يديه، الأخ يدافع عباراته، انتهى يا أمي

قامت الأم مذهولة صرخت، لقد تحركت، تحولت الأنظار نحوها

لقد جنت، لقد ماتت هكذا قال الطبيب

أسرع الأب والأخ والأخوات نحو الأم.. المشهد رهيب، والمنظر مؤلم

سقطت الأم على الأرض..الأخوات فقدن السيطرة على مشاعرهن..والأخ يصرخ..لا...لا..مستحيل....

تجلدا لأب أمسك بالأخ، وبلهجة حازمة أخرج الأخوات، وهن يحملن أمهن

حضر بعض النسوة من الأسرة.. نظرن إلى الميتة، ترقرقت الدموع

وضعت الكبيرة منهن يدها على رأسها وانطلقت منها كلمة:

فضيحة..فضيحة..أسرعت نحو الأب، يجب أن تستر عليها

أحضروا المغسلة هنا، ادفنوها بين الصلوات، إنها فضيحة

ماذا يقول الناس عنا..؟؟

أرخى الأب رأسه، نعم، نعم.. إنا لله وإنا إليه راجعون

جاءت المغسلة، جهزت سريرا لغسل، وضعت الأكفان والطيب، جهزت الماء

أين جثة المتوفاة..؟ سارت العمة أمامها، فتحت الباب

الفتاة على السرير مغطاة بغطاء سميك.. وبجانب السرير

وقفت الأم تكفكف دموعها

أمسكت بورقة الوفاة، الإسم......العمر:18عاما سبب الوفاة: سكته قلبية

شعرت بالحزن، نطقت الغطاء، تحول الحزن إلى غضب

لماذا تركتموها على هذا الوضع، قد تصلبت أعضاؤها، كيف نكفنها..؟؟؟

الحاضرات لم يستطعن الإجابة، سكتن قليلا

زاد حنق المغسلة بكلمات المواساة للجميع.. كشفت

انبعث صوت الأم ممزوجا بالبكاء ... لم تكن هكذا حينما ماتت

لقد اتخذت هذا الوضع بعد لحظات من موتها

لقد سقطت على المسرح وهي ترقص

حملناها جثة هامدة، حضرا لطبيب، كتب التقرير، أيقنت حينها بأنني قد فارقت ابنتي، لألقيت بجسدي عليها، انطرحت أقبلها.. وأبكي، شعرت بيدها اليمنى ترتفع، ويدها اليسرى تعود للوراء، أرعبني الموقف

صرخت حينها ثم سقطت على الأرض، لأجد نفسي في غرفتي

ومن حولي بناتي يبكين أختهن، ويبكين نهايتها المؤلمة

انتحبت بالبكاء، أنا السبب أنا من فرط في تربيتها، أنا من غشها

يا ويلي ويا ويلها من عذاب الله... يا ويل أباها ويا ويلنا جميعا....

كانت تحب الرقص والغناء، فماتت..، وستدفن في قبرها

يا رب ارحمها يا رب ارحمني يا رب اغفر لها...محاولات لإعادة جسدها إلى وضعه الطبيعي، الفشل كان النتيجة

بذلت المغسلة مجهودا جبارا في تكفينها

وفي لحظة هدوء وبعيدا عن العيون، نقلت الجنازة إلى المقبرة

وهناك صلى عليها الأب والأخ وبعض المقربين... نعم لقد دفنت وهي في وضع راقص...

ومن مات على شيء بعث عليه

اللهم أغفر لها وأرحمها يا أرحم الراحمين

اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة يا رب العالمين

والنجاة من النار يا رحمن يا رحيم

اللهم أسترنا في محيانا ومماتنا وجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات

اللهم آمين.

قصة واقعية
__________________

  #346  
قديم 13-12-2006, 05:10 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile لا مكـان للفـرح

لا مكـان للفـرح


التقينا فتكسرت بيننا الحدود، تآخينا في زمن الوفاء به مفقود

أحببته وكان حباً في الله نشأ وتربى في بيت من بيوت الله ..

كان صغيراً
ولا تسألني عنه الآن !!

ومضت الأيام سريعة
في كل يوم أتعلم منه، يتعلم مني، نبحث عمن يعلمنا ..

وفجأة ..
تغيرت الأوضاع في البلد، وازدادت سوءاً مع الأيام ..
فقرر أبوه الرحيل
تدخلت في الأمر، حاورت .. ناقشت .. جادلت، وبذلت الرأي مع العمل ..
وكان الرحيل هو القرار الأخير ..
ودعته وأنا أكفكف دموعي، ونشيجي يقتل كلمات الوداع، في صدري ..
وكان يوم الوداع يوماً حزيناً ..

رحل وكلماته في سمعي ..
عبدالله لا تنس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم).
هذه الكلمات كانت لي زاد ..
حثتني على طلب العلم ..
التحقت بعدة دروس ..
حملت أوراقي وأقلامي تتبعتها حيثما كانت ..
شعرت بالسعادة، وزيادة الإيمان ..
وتزداد سعادتي كلما تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدال على الخير كفاعله) .
وأقول هنيئاً له!!

وتمضي الأيام، لكنني لم أنساه، وكيف أنساه ؟!!
فقرآنٌ تلوناه، وكتابٌ قرأناه، ومسجدٌ سجدنا فيه لله، كل هذه تذكرني إياه ..

كم تذاكرنا زماناً يوم كنا سعـداء
بكتاب الله نتلـوه صباحاً ومساء

سهرت تلك الليلة، أمسكت القلم اكتب له رسالة ..
حدثته عن أخباري، وسألته عن أخباره ..
وركض القلم في يدي لا يتوقف، ومداده على الورق يسطر ..
يا ترى ماذا يسطر ؟
وهل القلم هو الذي يسطر ؟
أم أنها أحاسيس ومشاعر، سبقت الرسائل، بل سبقت كل ما هو جديد في عالم الاتصال ..
سطرت بيدي موعظة عن !!
هادم اللذات ..
ذكرته وعظته ..
وختمت رسالتي بتاريخ تلك الليلة، الثامن عشر من شهر شعبان ..
وأرسلت الرسالة مع أول مسافر ..
وبعدها أخذني التفكير، لماذا هذه الرسالة ؟
أهي موعظة .. أم رسالة ؟
لم أترك لنفسي فرصة للندم، فقد مضت الرسالة وهو الآن يقرأها ..

لم يكن من عادتي الذهاب إلى مسجد أويس القرني صباحاً ..
ولكنني وجدت نفسي وجهاً لوجه أمام المسجد ..
أوقفت سيارتي ..
سرت بخطواتٍ بطيئة ..
أرفع قدماً وأتمتم بينهما ..
فهذا الشارع مشيت فيه أنا ومحمد ..
وفي نهايته هناك دار محمد ..
نظرت إليها متأملاً، وكأنني استرجع الذكريات الجميلة ..
وأمام باب المسجد وقفت أتأمل زواياه، فهنا حلقتي وهناك حلقته ..
رآني الطلاب، ركضوا نحوي، وتنادى الجميع ( الأستاذ عبدالله ) ..
سلمت عليهم، مازحتهم وضحكت معهم ..
تجولت بنظري في جميع أرجاء المسجد، تساءلت في نفسي: أين سليمان ؟ مالي لا أراه في حلقته ..

بحثت عنه إنه يذكرني بالعزم والإصرار، والمسارعة إلى الخيرات ..
فهو لم يتجاوز السادسة عشر، وحج مع محمد ..
رغم اعتراض الجميع عليهما ..
لا زلت اذكرهما عندما انطلقا إلى منى ..
لم أرَ سليمان، وهممت أن أسأل عنه زملائه ..
وقبل أن أسأل، رأيته يأتي من بعيد ..
أنكرته، أنكرت حاله، اقبل نحوي، وكأن على ظهره حملٌ ثقيل، ألقى بنفسه على كتفي، أخفى نشيجه وأنينه، أرسل دموعه على صدري .. كأنه طفلٌ صغير، جذبته بقوة، واتجهت به إلى السيارة ..
سكتُ ولم اسأله، وسكت هو وظل يبكي ..

تركت لنفسي التفكير، يا ترى ماذا حدث له ؟
هل ذكرى محمد تؤرقه ؟
أم مصيبةٌ ألمت به ؟
أوقفت سيارتي عند مسجدي، طلبت منه النزول ..
رفض وكنت أظنه سيفرح ..
فأجبته لما أراد ..
قلت سأذهب إلى مكان يحبه ..
إلى مكان يحتضن ذكرى محمد ..
اتجهت نحو البحر ..
وكلما اقتربت من المكان، كلما زاد في البكاء ..
خفت وعدت أتسائل ما الذي حدث ؟
لقد ظننت أن هذا المكان سيجعله سعيداً ..
أوقفت السيارة، نزل متثاقلاً ..
ضحكت ضحكة االخائف القلق، وداعبته قائلاً :
أتتذكر هذا المكان جيداً ؟
فهمهم بكلماتٍ ممزوجة بالبكاء: ليتك اخترت غيره ..
فعادت ابتسامتي خوف وقلق ..
إذاً ما بالك تبكي ؟
قال جاءني العم حسين وقال: لقد حدث لمحمد حادث .. ولم يكمل من شدة البكاء ..
أخفى رأسه بين ركبته ..
أطبقت بيدي على كتفيه ..
هززته، حركته، صرخت به ..
مات
مات
مات
إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله
وصرخت به مرةً أخرى: قم .. قم ..
أرسلت العينان الدموع حارة ..
لقد مات محمد ..

حزمت أمتعتي، واتجهت نحو محطة النقل الجماعي ..
وفي أول رحلة صعدت متجهاً نحو قرية محمد ..
وصلت القرية ليلاً، كاد السائق أن يتخطى مدخل القرية ..
صرخت به توقف .. ها هو مدخل القرية ..
وقف، ولكن في أرض رملية ..
حاول الخروج لكنه لم يستطع ..
حاولت معه ولكن جميع المحاولات لم تنجح ..
طرقت باب دارٍ قريبة من الخط الرئيسي، وطلبت منه المساعدة ..
سألته عن والد محمد، لكنه لم يتعرف عليه ..
قلت: لقد مات ابنه في حادث سيارة، لكنه سكت ..
تسلل الفرح إلى قلبي، وشعرت أن الحادث إشاعة ..
ابتسمت لكن صوت طفل من داخل البيت انطلق ليحاصر آمالي التي انتعشت، ويئد أحلامي التي انبعثت من جديد، فيُذكر الأب الناسي، ويعيدني إلى دوامة الحزن ..

انطلق يصف لنا الطريق، وانطلقت دموعي تسيل على خدي ويخفيها الظلام ..
عاد الرجل إلى بيته، والسيارة لا زالت وسط الرمال ..
استجمعت قواي واستعنت بالله في دفعها حتى تمكن السائق من إخراجها، وسرنا على الوصف ..
وفي الطريق وجدنا رجل يعرفني وأعرفه، عانقني وعانقته، ثم صعد معنا السيارة، وراح يصف الطريق ..
اقتربنا من دار يتسلل من خلال جدارها المصنوع من القش ضوء خافت، أشار الرجل إليه قائلاً : ذاك دار والد محمد ..
أوقفنا السيارة وخرج الرجل ينادي، فخرج مجموعة لم أتبين أحداً منهم فقد كان الظلام ودموعي يحجبان النظر عني ..
قشعريرة سرت في جسدي، شعرت أن قدميي غير قادرتين على حملي، تملكتني رغبة شديدة في البكاء، حاولت كتمانه، نزلت من السيارة، ألقيت بجسدي بين أحضان والد محمد ولم استطع الكلام، راح يعزيني، أما أنا فقد كنت أحمد الله أن الظلام كان شديداً فلا يرى أحد دموعي ..
انتقلت من حضن إلى حضن، شعرت أثناء ذلك بحب عظيم ..
وشعرت من فرحهم الحزين بقدومي أن محمدا قد عاد إليهم ..
أما أنا فأيقنت بأني قد فقدت محمد !!

دخلت إلى الدار وهناك انبعث صوت حزين يخاطبنا من على بعد ..
عبدالله .. عبدالله .. مات محمد يا عبدالله ..
وقفت الكلمات في حلقي، ولم انطق، لكنها راحت تعزيني وتصبرني ..
الجميع يتحرك، فهذا يجهز سريراً لي، واخر يحضر الماء، الأب يدعوني لأجلس، يسألني عن أخباري، عن مدينتي، يريد أن ينتشلني من دوامة الحزن التي سكنت وجداني ..
قدموا لي الطعام، حاولت أن أتناوله لكن غصة الحزن تلفظه، حاولت ولكني لم استطع ..
أعلن الأب للجميع أن يتركوني لكي أنام، انصرفوا ووجهت بصري نحو السماء والتي زينتها النجوم وهمت مع الذكريات ..
شعرت بحركة في سريري، ألتفت وإذا علي الصغير يصعد بجانبي، يردد أبيات على سمعي :

صلوا علي صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعـل الله يرحمنـي

ويقول : لقد قلت لهم أن الأستاذ عبدالله سيأتي، احتضنته وقبلته وجلست استمع إليه ..
سلوت معه وهو يحدثني، مضى الليل، وارتفع صوت المؤذن يعلن عن صلاة الفجر ..
سألته : هل تعرف طريق المسجد ؟ نعم، كانت إجابته ..
انطلقت إلى المسجد وهو معي، وبعد الصلاة سألني : هل تريد أن ترى قبر محمد ؟ قلت له : نعم ..
سرنا حتى وصلنا قبر محمد، أشار إليه ..
وقفت أدعو له وبكيت بكاءً مراً، لم أشعر بمن حولي ..
عدنا إلى البيت وقد وعدني أن لا يخبر أحداً ببكائي، ووعدته ألا أخبر أحداً بأنه ذهب بي إلى قبر محمد ..
أشرقت الشمس، فأرسلت أشعتها الذهبية على كثبان الرمال الصفراء، فيظهر المكان يبث لي حديث الأمس عندما كان محمد يتنقل بين أرجاءه ..
فهذه حقيبته التي أودعها أوراقه ودفاتره ومذكراته ..
نثرتها بين يدي أقلب صفحات الماضي الجميل ..

وهذه رسائلي، بحثت فيها عن رسالتي الأخيرة، لكنني وجدت توقيعاً له على إحداها كتبه بخط يده ..(ما من رجلين تحابا في الله، إلا كان أحبهما إلى الله أشدهما حباً لصاحبه) حديث صحيح ..
ترقرقت دمعة في عيني وقلت: حتى في هذه سبقتني يا محمد .. وجدت رسائل كتبها لي، ولم يرسلها، جميعها تحثني على طلب العلم، تذكرني بعلماء الأمة ورحلتهم في طلب العلم، حشد فيها الكثير والكثير من القصص التي تشحذ الهمم ..
ووجدت بين الأوراق رسالة قد قطعت، فتحتها فإذا هي رسالتي الاخيرة ..
لم يقرأها فقد وصلت ومحمد في المستشفى ..


يتبـــــــــــــــــع
__________________

  #347  
قديم 13-12-2006, 05:14 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile


تابـــــــــــــــــــــــــــــع

لا مكـان للفـرح


ومن بين بقاياه دفتر كتب عليه :

أقوال الأئمة الثقاة في اثبات الصفات لرب الأرض والسموات، جمع فيه أقوال الأئمة الأعلام في إثبات صفات الله عزوجل (والتي لا يثبتها الأشاعرة والمعطلة)، يحتوي على مقدمة بعثها لأحد مدرسيه في المعهد العلمي ليبين له فيها منهج أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات لله عز وجل، بعد مناقشة حدثت بينهما في الصف ..
لفت نظري غرفة صغيرة من القش، لكنها لم تكتمل، تعجبت وزال العجب، عندما قالوا لي: بدأ محمد في بناءها ليخلو فيها بنفسه في رمضان ..

وقفت أتأمل المكان، سافرت إلى الماضي القريب، تذكرت كلماته :
هناك لا أجد الطعام فأصوم نهاري، ولا أجد ما يخفف حرارة الجو فأقوم ليلي ..
جسدي في الأرض أما روحي وعقلي فقد رحلا إلى البعيد، ولم أفق إلا على صوت حسن ابن عمة محمد يقول: السلام عليكم، رددت السلام ..
غمرني حسن بالمحبة وكأنه يعرفني منذ زمن بعيد، كان شاباً بسيطاً لم يغادر القرية من قبل ..
جلست معه فراح يحدثني عن محمد حديثاً عذباً جميلاً، أنصت له بكل جوارحي ..
كانت دموعه تغلبه أحياناً ويغلبها أحياناً أخرى، شعرت بأن حزنه على محمد عظيم، فقد تغيرت حياته من اللهو والعبث إلى الجد والالتزام والحرص على اتباع السنة، شعر مع محمد بحقيقة وجوده في الحياة، كان يأمل أن يغذ الخطى معه إلى الجنة، لكنه أضاء له الطريق ومضى هو ..
وصف محمداً، فكأنه يصف رجلاً من بقية السلف بعث فينا فترة من الزمن ثم رحل .. !!

وجدت ضالتي، هكذا قلت بعدما جلست مع حسن ..
في ظلام الليل، ذهب الجميع إلى فرشهم، وجلس حسن أمامي يحول بين وبينه الظلام ..
همست له : حسن كيف مات محمد ؟
سكت برهة وكأنه يمنع بكائه أن يفضحه وراح يتحدث ..
صلينا الفجر معاً وبعد الصلاة قررت أن أتأخر في الذهاب أما هو فقد كان متعجلاً، فارقني ودخل إلى داره، يوقظ النائمين ويمزح مع المستيقظين، جلس مع أمه وجدته تناول قطعاً من الخبز والحليب، كان وجهه يتهلل بالسرور، توجه نحو جده وأبيه منحهما الكثير من الحب والبر قبل أن يجمع أوراقه وأقلامه ويتوجه نحو الشارع الرئيسي ..
في الطريق نثر الابتسامة على كل من رآه ، وسابق الجميع بالسلام ..
التقى بمدرس التحفيظ في المدرسة الذي داعبه قائلاً : متى نزوجك يا محمد ؟
فأجاب : هناك .. هناك ويشير إلى الجنة ..
فقال : وهنا أيضاً ..
ولكن الإجابة هذه المرة كانت تعبر عن ألم دفين في قلب محمد، ومرارة عبرت عنها هذه الكلمات : باطن الأرض خير من ظاهرها ..

ومضى في الطريق يردد الأذكار حيناً، وحينا ينشد هذه الأبيات :

أخاف الموت والحشر العبادا **** فما عرفوا التواني والرقادا
وكان مسيرهـم لله دومـاً ***** وما يبغي الإله ومـا أرادا
فويـل للمفـرط إذ تمـادى ***** ولم يسرج لأخراه الجيـادا
وأهمل طاعة الرحمن حتى ***** حداها الله للعسرى فحـادا

وفي أثناء سيره التقى باثنين من رفقائه الذين قطعوا معه ما تبقى من الطريق ..
وعلى الشارع الرئيسي اجتمع عدد كبير من أبناء القرية ينتظرون سيارة تقلهم إلى المدينة ..
لم ينتظروا فقد توقفت سيارة نقل بضائع كبيرة ، قفزوا إليها في سرعة كبيرة ..
اختار محمد ورفقاؤه الجلوس في مؤخرة حوض السيارة وراحوا يتبادلون الأحاديث ..
مضت السيارة في الطريق والحديث يدور بين الجميع فمنهم من يضحك ومنهم من يبتسم، ومنهم من يتأمل، النشاط والحيوية، الصحة والشباب، والهمة العالية، والهموم المشتركة تجمع بينهم ..
وفجأة .. تنحرف السيارة يميناً في محاولة يائسة لتفادي الاصطدام بسيارة فقد سائقها التحكم فيها ..
ارتطام قوي، ارتفعت أجساد الطلاب في الهواء لتسقط على الأرض الخرسانية ..
انطلقت الصرخات ثم تبعتها الآهات والأنين ، وجرت الدماء على الأرض لتحكي فاجعة القرية الصغيرة في شبابها ..
سمعت الخبر فأسرعت نحو مكان الحادث ..
الآهات والأنين والبكاء تنبعث من المصابين ، أما السائق فقد قضى نحبه في الحال ..
بحثت بين الأجساد المتناثرة على الأرض عن محمد حتى وجدته ، يئن والدم ينزف من وجهه ورأسه ..
احتضنته بين يدي ورحت أصرخ إسعاف .. إسعاف .. محمد سيموت أدركوني ..
لحظات الانتظار كانت صعبة وحرجة ، أقبل والد محمد وأمه التي صعقت عندما رأت ابنها مضرجاً بدمائه ، يئن من شدة الألم ، لحظات ويالها من لحظات حزينة ..
بحثنا عن سيارة تنقله إلى المستشفى ..
تبرع صاحب سيارة نقل صغيرة وحمل محمد ومن كان في مثل حالته ، توجه نحو المدينة ، بدأ أنين محمد يخفت شيئاً فشيئاً حتى سكت ودخل في غيبوبة ..
وصلنا المستشفى بادرنا بنقله إلى الطوارئ ، تجمع الناس ينتظرون بينما الأطباء مع المصابين في الداخل ..
انتظرنا ساعات وكأنها أيام نتابع بالنظرات الداخل والخارج نسأل كل واحد ، نظن أن الجميع أطباء ، وأن الجميع لديهم الإجابة على أسئلتنا ..
خرج الطبيب سألناه عن محمد ، اطرق برأسه نحو الأرض ، وضعت الأم يدها على صدرها ، وفغر الأب فاه واتسعت عيناه ، وهمست أنا بصوت لايسمعه أحد : هل مات .. ؟
تحدث الطبيب فأنصتنا : لن تتضح حالته إلا بعد مضي ثلاثة أيام ، إن شاء الله تمضي لا نملك له الآن إلا الدعاء ..
ارتفعت الأكف إلى السماء ، ولهجت الألسن بالدعاء : اللهم اشفه ..
وضع محمد على السرير جثة هامدة ، آثار الارتطام على وجهه ورأسه ، لكنه يبدو كأنه نائم ..
الأم تجلس بجانبه تقبله بين لحظة وأخرى ، دمعتها لا تتوقف ، ولسانها لا يفتر ، تدعو له فهو بكرها وحبيبها وسندها ، لكم مازحها وداعبها ، وهاهي الآن لا تملك له ما يدفع عنه الألم ..
أما الأب فظل يصارع الدموع والبكاء ، يصبر الأم وكلما غلبته العبرات خرج قليلاً ثم عاد ..
وقفت أشاهد هذه المناظر وقلبي يتقطع آسىً وحسرة ..
تمضي الدقائق وكأنها ساعات وأنا أترقب وأدعو الله أن تمضي هذه الأيام الثلاثة حتى يتجاوز مرحلة الخطر ..
وفي تلك اللحظات التي سكن الحزن قلوبنا وبدت آثاره على وجوهنا ، كان وجه محمد مبتسماً يتهلل كأنه مذهبة يشع منه نور الإيمان ، كان في غيبوبة لا يشعر بأحد ، لكن يديه تتحرك ، نعم تتحرك ، فتارة تراه كأنه يقلب صفحات من كتاب ، وتارة أخرى كأنه يتوضأ للصلاة ، كانت حركة يده مثار دهشة الحاضرين ، لكنني لم استغربها فهكذا كان في حال صحته ، إما أن يقرأ ، وإما أن يكتب ، أو يتوضأ ويصلي ..
مضى اليوم الأول واليوم الثاني ولا زال محمد في غيبوبته، الحالة مستقرة هكذا يقول الأطباء، الآمال بدأت تكبر لدينا بأن يمضي اليوم الثالث ويتجاوز مرحلة الخطر، ليعود إلينا، ليمنحنا الحياة الجميلة والطيبة ..
بعد محاولات عديدة وبعد أن ظهر الإعياء على أم محمد قررت وبعد إصرار الجميع عليها أن تعود إلى القرية في اليوم الثالث، لم يبق في الغرفة معه أحد غيري، تلاشت آثار الحادث وبدا وجهه جميلاً يشع منه النور والطهر، أما يده فلا زالت في حركتها التي تظهر بين وقت وآخر ..
وعند الساعة الثانية عشر بدأت أنفاسه تتصاعد، صدره يرتفع وينخفض، فرحت قلت : سيفيق الآن إن شاء الله، حضر الطبيب، راح يقيس الضغط وضربات القلب، تغير وجهه بدت عليه علامات الانزعاج، ارتدت فرحتي خوفاً وقلقاً، لم أشاهد مثل هذه الحالة من قبل، صمت ورحت أراقب الموقف ..
رفع سبابته إلى السماء ثم وضع اليد اليمنى على اليسرى على صدره، توقفت الأنفاس، سكن الصدر وشخص البصر، وضعت يدي على ساقيه الباردتين، أغمض الطبيب عيناه، ووضع الغطاء على وجهه ..
لقد انسلت روحه في هدوء وفارقت جسده ..
مات محمد ..

توقف حسن عن الحديث لحظات

أما أنا فقد انهمرت من عيني الدموع كانت باردة غسلت أحزاني وآلامي، إنها دموع الفرح، هنيئاً له هذه الخاتمة الحسنة، هنيئاً لتلك السبابة التي ارتفعت في الرخاء توحد الله، فارتفعت في الشدة وفي اللحظات الحاسمة ..

عاد حسن يتحدث : حضر القرية جمع غفير من المدن المجاورة للصلاة عليه وإتباع جنازته، خيم الحزن على الوجوه، وجرت الدموع وهي تودع شاباً أجمعت القلوب على محبته ..
مضى محمد بعد أن أضاء لنا الطريق، بعد أن صار حديثاً باسماً في المجالس ..
مضى لكن رسالته قد بلغت القلوب ..
لم أشعر كيف انتهى المجلس بيننا ؟

هناك بدأنا ..
ومن هنا سأبدأ وحيداً ..
يتردد بين جوانحي كلماته العذبة : عبدالله .. عبدالله .. طلب العلم فريضة على كل مسلم ..
وفي الجنة بإذن الله نلتقي ..

اللهم أجمعنا في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك إخواناً على سررٍ متقابلين ..
أغمضت عيني .. ونمت قريراً ..

أيها الأحبة ..
هذه قصتي مع محمد رحمه الله ..
ولي رجاء بأن تدعو لمحمد وللكاتب ..

قصة حقيقة منقولة
__________________

  #348  
قديم 14-12-2006, 04:48 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile أم وأبنتها في قبضة الهيئـة

أم وأبنتها في قبضة الهيئـة



شكرا لك أيها الشيخ، ينطق بها لساني كلما جاءت ليلة خميس ...
وتهمس بها نبضات قلبي كلما سمعت هدير البحر ...وكلما وقفت على ساحله ...
شكراً لك ... لقد أنقذت أسرتي من التدمير ... وحياتي من الهلاك...

شكراً لك أيها الشيخ الكريم ... فلن أنساك ولن أنسى تلك الليلة ...

حيث كان الموعد، عشت فيها لحظات من الترقب، الخوف، القلق، مكثت في غرفتي أراقب أمي التي تستعد للخروج وهي تضع اللمسات الأخيرة على وجهها ...
ها هي تقف أمام المرآة تتفقد شعرها، تتأكد من فستانها، تبدو هذه الليلة أجمل من كل ليلة، اختارت حقيبتها، وضعت عباءتها على كتفها، إنها تناديني، أسرعت نحوها، حاولت أن ابدو طبيعية، لم تتأملني كثيراً

كانت تنظر إلى ساعتها وهي تتحدث معي ...
قالت : أبوك لن يعود هذه الليلة ...
طرت من الفرحة، أسرعت لكي أضمها وأقبلها، نهرتني، ابتعدي عني لقد تعبت في عمل كل هذا، تأسفت لها ...
فرحتي لم تثر فضولها، فقد كانت مستعجلة جداً، وكنت أكثر استعجالاً منها ...
أغلقت الباب وراءها وهي تقول: أخوك سيعود بعد قليل، مسكينة أمي أخي ذهب في رحلة مع أصدقائه ولن يعود الليلة ...
أسرعت نحو غرفة أمي، بدأت أقلدها في كل شيء، نظرت إلى المرآة، صففت شعري، ولبست فستاناً جميلاً، اخترت حقيبة جذابة، وخرجت من البيت ...

وهناك على شاطئ البحر جمعتنا لحظات من اللهو والغفلة، نخوض في المعاصي، نمارس الحب الزائف

يصفني بالأدب والحياء فأغمض عيني وأرخي رأسي إلى الأرض، يا له من كاذب فلو كان صادقاً ما خرجت معه، ثم يصف جمالي ورقتي، اقترب مني أكثر مد يده لتلامس يدي، شعرت بقشعريرة سرت في جسدي، حاولت إبعاد يده، أمسكها بقوة ...

صوت قادم من ورائي، السلام عليكم، انتصب واقفاً، تصبب العرق منه

رفعت رأسي نحوه، تحولت تلك النظرات الناعسة والعيون الذابلة إلى عيون خائفة، شعرت بالخوف الشديد

همس لي لقد وقعنا إنها الهيئة ...

تعثرت الكلمات في فمي، أسقط في يدي، استسلمت للأمر الواقع ...
ركبت في سيارة وبها مجموعة من النسوة، شعرت حينها بأنني مجرمة خطيرة، مجرمة في حق نفسي، في حق أمي وأبي، في حق أسرتي، تصورت والدي قد اسود وجهه، وأمي تبكي بلوعة وحسرة، شعرت بأخي قد نكس رأسه بين شباب الحي، سمعت حينها همسات الجيران النساء والرجال وحتى الأطفال: "لقد أمسكت بها الهيئة مع عشيقها على البحر"، "إنها حامل وأسقطت الجنين"، "لم يحسنوا تربيتها" ...
رأيت زنزانة كئيبة أقبع خلفها وقد حُكم عليّ بالسجن ...
تذكرت حينها غضب الله وسخطه، تذكرت نار جهنم ...
جرت الدموع على خدي، بكيت بحرقة ...

صرخات في داخلي تتوالى تزيد من ألمي وحزني: أبي، أمي، أخي انتم السبب، أين أنتم عني

لماذا تركتموني للذئاب ؟ ...
ياليتني مت قبل هذا ...
أظلمت الدنيا في عيني، فلم أر شيئاً ، الوقت يمضي بسرعة كبيرة، تمنيت حينها لو أن الزمن يتوقف، أغمضت عيني وفتحتها، ثم أغمضتها وفتحتها، وفي كل مرة أجد نفسي أمام الحقيقة المرة، لقد تم القبض عليّ مع رجل أجنبي، وهذا يعني السجن، عاودت البكاء من جديد ....

وصلت السيارة إلى مقر الهيئة، نزل الجميع، يمشين وكأنهن يسقن إلى الموت

فتح الشرطي الباب، وليته لم يفتحه، وقفت ولم أتحرك، صرخ بي ادخلي، ود حينها أن يقول ليّ أيتها الفاجرة لكنه أمسك بها، وربما نطق بها قلبه، انخرطت في بكاءٍ رهيب كدت أن أسقط، ارحمني قليلاً، أقبل مجموعة من النسوة، أمسكن بيدي وأدخلني إلى الغرفة، رحن يصبرنني، وكلما رفعت رأسي وتأملت النساء عاودتني نوبة البكاء مرة أخرى، أشفق النساء لحالي، ورحن يذكرنني بأن الله غفور رحيم، وأن كل البشر يخطئون ويتوبون ولكن بكائي يزداد مع الوقت، همت واحدة منهن أن تكشف غطاء وجهي الذي التصق به من كثرة الدموع، أمسكت به بقوة، قالت: ارتاحي يا ابنتي، لا يوجد رجال هنا، رفضت فانصاعت لرغبتي وعادت إلى مكانها ....
بدأ النساء يكتبن أرقام الهواتف لاستدعاء أولياء أمورهن ...

طرقت على الباب، فجاء الشرطي، طلبت منه الالتقاء بالشيخ

ذهب قليلاً ثم عاد وفتح الباب، سار وسرت وراءه، جلست في الغرفة انتظر، جاء الشيخ شعرت بالخوف، أصابتني نوبة بكاء رهيبة ...

قال الشيخ : هوني عليك يا ابنتي، ماذا حدث لك ؟
ابنتي أنا ! الشيخ يناديني : يا ابنتي .. وأنا ...
انطلق حينها لساني وقلت : يا شيخ أنا داخلة على الله ثم عليك، استر عليّ ...
تعجب الشيخ مني وقال : ما الذي حدث ؟
استعجم لساني ولم استطع أن انطق، شعرت بغصة في حلقي

وبكل صعوبة نطقت : أمي في الغرفة معي يا شيخ ...
تغير وجهه وبدا عليه الحزن، أطرق برأسه نحو الأرض، ثم قام يمشي في الغرفة ...
سمعته يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون، الأم وابنتها، أين الأب، أين الأخ، لا حول ولا قوة إلا بالله

على من نتصل على الأب أو على الأخ، لا حول ولا قوة إلا بالله ...

حاولت الوقوف لكن قدماي لم تستطيعا حملي، رحت أتوسل إليه بكلماتٍ متقطعة، أنا نادمة على ما حدث، أرجوك لا تفضحني وأمي، الفضيحة تعني دمار أٍسرة، وضياع الأم والابن وأنا، كل شيء سيدمر، أرجوك ياشيخ ...
سكت لحظة ثم خرج، وعدت أنا إلى البكاء ...

وبعد لحظات دخلت أمي، ألقيت بنفسي بين أحضانها، بكينا سوياً

رفعت رأسي نحوها : أمي اقتليني يا أمي أنا استحق ذلك، وأخفيت رأسي في صدرها ...
قالت : بل أنا التي استحق القتل، سامحيني يا ابنتي لقد أطعت الشيطان وسرت مع شهوات نفسي

وتركتك للفراغ الذي قادك إلى هنا حيث الفضيحة والعار، يالله، إنها مصيبة لن يتحملها أبوك، يا ألهي لقد خسرت كل شيء، كل شيء ...
ثم شهقت شهقة ظننت أن روحها ستخرج معها، هوى جسدها نحو الأرض، أسندتها بيدي، وصرخت أمي لا تموتي يا أمي، أحتاج إليك يا أمي، أجلستها على الكرسي، انهمرت الدموع مني بغزارة، لحظات لم أعد أرى شيء، بعدها شعرت، بيدها تربت على رأسي، رفعت رأسي نحوها، كانت ترمقني بعينين حزينتين، ظلت صامتة ...
طرق الشيخ على الباب ثم دخل، وبهدوء جلس يعظنا ويخوفنا بالله عز وجل، أوصى أمي بالعناية ببيتها وزوجها وأبنائها ...
أوصاني بطاعة أمي وتقديرها، وأن الذنب الذي وقعت فيه لا يعني عدم طاعتها واحترامها، وأن المؤمنة تخطئ فإذا تابت قبل الله توبتها ...

الحمدلله أن الجرة لم تكسر، وليس كل مرة تسلم الجرة ...
سألني هل يرضى ذلك الشاب لأخته أن تخرج مع شاب أجنبي عنها ؟
وهل يرضى شاب بأن يتزوج من فتاة تخرج معه ؟
شعرت بكلمة : لا .. تنبعث من قلبي، وشعرت بصدق الشيخ وحكمته ...
هدأت نفسي، شعرت بعدها بالندم على تفريطي، وحمدت الله أن الهيئة قبضت عليّ قبل أن تكسر الجرة، وأفقد عفتي مع ذلك الشاب المخادع ...
عدنا إلى البيت بقلوب منكسرة، لجأت أمي إلى الصلاة، قامت تبكي وتصلي، وبين لحظة وأخرى، تحضنني وتقبلني، لقد شعرت بحنانها وحبها، شعرت بشفقتها ورقتها، شعرت بأن ليّ أم ولأول مرة منذ زمنٍ بعيد ...

تغيرت أمي كثيراً وتغيرت أنا، حتى والدي تغير ولم يعد يخرج من البيت كثيراً

أخي أيضاً تغير، عاد الحب إلى البيت وعادت الآلفة والمودة بيننا جميعاً ...
وظلت كلمات الشيخ : الحمد لله إن الجرة هذه المرة لم تكسر، وليس كل مرة تسلم الجرة أرددها مع نفسي وأحياناً أشدو بها ...

وها أنا ذا مع زوجي في مملكتي الصغيرة مع ابنتي التي أتمنى أن أرعاها وأحافظ عليها

ولن أنسى ما حييت أن أعلمها أن تدعو في كل صلاة للشيخ الذي أنقذ حياة أمها من الغرق في البحر، في ليلة خميس ...



قصة واقعية
__________________

  #349  
قديم 17-12-2006, 05:33 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile الكنيسة تدلني على الإسلام

الكنيسة تدلني على الإسلام


إن الرب واحـد

كفراشة صغيرة تتنقل بين الفصول الدراسية, تحتضن كتبها ودفاترها، كأم تحتضن طفلها الرضيع، تمنحها حبها وحنانها، تحمل بين جنبيها فرحاً يشع بريقه من عينيها، ويرتسم سناه على شفتيها ..
أحبتها القلوب لما حوته من خصال رائعة .. أدب جم .. فطنة وذكاء ..
وشغف قي طلب العلم يفوق قريناتها من المسلمات .. أو اللائي أسلمن حديثاً من بلدها الفلبين .. بل الكثير من المسلمات في بلدي ...
استحوذت على اهتمامي، أخذت أراقبها، وأتحين الفرصة المناسبة للجلوس معها ...
لم تكن هناك فرصة لكي أتحدث إليها، فهي تستغل اللحظات التي تمضيها معنا في الدراسة والمراجعة ومناقشة المعلمات فيما يشكل عليها ...
كدت أن أفقد الأمل في الجلوس معها، فقد قررت وقرر معها الداعيات في المكتب بأن تحصل على دروس مكثفة ودورات شرعية متقدمة، لكي تصبح داعية لهذا الدين بين فتيات بلدها العاملات في المستشفيات وفي المنازل اللائي يتخبطن في ظلمات الكفر ...
وأخيراً قررت أن أقتحم حياتها، أن اقتطع جزء من وقتها، أن أعرف سرها، سر شغفها بالعلم الشرعي وخاصة التوحيد
سر حرصها على أن تكون داعية لهذا الدين فيما قريناتها يكتفين بتعلم أحكام الشريعة التي هنّ بحاجة ماسة لها ...
أقبلت تتعثر في خطواتها، ارتسمت على وجهها علامات الحياء، جلست أمامي، بعد أن ألقت السلام بطريقة صحيحة جعلتني أزداد إعجاباً بها ..
لم أعرف كيف أبدأ معها؟ ..
تسابقت الاسئلة ..
كيف أسلمت؟ ولماذا؟
لماذا تحرصين على تعلم اللغة العربية؟
المعلمات يتحدثن عن شغفك بدراسة التوحيد ..
أطرقت برأسها .. ثم قالت :
ولدت في الفلبين لأبوين نصرانيين متعصبين للكنيسة الكاثوليكية ..
وقبل أن أبلغ الخامسة تقدما بي إلى الكنيسة .. قدماني هدية للرب .. أعيش بين جدرانها .. يتولى رعايتي وتربيتي الراهبات ..
وهناك فارقتهما وفارقت منزلي .. لأعيش في قصرٍ كبير .. تحيط به حديقة كبيرة .. في عيش رغد .. وحياة ناعمة مترفة .. ترعانا أيدي الراهبات .. وتباركني نظرات الرهبان ..
يتردد في سمعي .. غداً تصبحين منصرة .. غداً تطوفين العالم تحملين رسالة الرب .. تنقذين العالم من الجوع والجهل والفقر .. تنشرين السلام .. ليباركك الرب ..
هكذا ونشأت طفلة صغيرة تنعم بالحب والحنان في أحضان الكنيسة ..
عيسى يمنحها الحب .. يمنحها الطعام والشراب .. يقدم لها الألعاب .. إنه الرب الذي لا ينسانا .. يموت لنحيا .. يجوع لنشبع .. يشقى لنسعد ..
وهكذا تمكن حب الكنيسة في قلبي
صرت أردد معهم : إن الله ثالث ثلاثة .. أشير كما يشيرون .. وأنطق بما ينطقون ..
وعندما بلغت سن الدراسة .. بدأت اتعلم مبادئ النصرانية ..
ومضت الأيام .. بين قاعات الدراسة وأحضان الكنيسة .. اقترب من الحلم .. ويقترب مني .. ويزداد ارتباطي وتعلقي بالكنيسة ..
انتهيت من دراستي .. وبلغت الثامنة عشر ..
التحقت بالدراسة الجامعية ..
ثلاث سنوات من البحث والدراسة ..
تعمقت في دراسة اللاهوت .. أظهرت الكثير من الجد والاجتهاد ..
الدراسة الجامعية جعلتني أبحث بنفسي .. لم أعد أتلقى العلم من القسيسين والرهبان فقط
اتجهت للقراءة والبحث في جميع إصحاحات الكتب المقدسة والمتوفرة في الجامعة ..
قرأءت العديد من كتب الإنجيل .. تناقضات .. اختلافات .. عبارات لا تليق بالرب .. وصف يخدش الحياء .. العذراء .. الرب .. الابن .. قصص لا تليق بالإنسان العادي .. فكيف يوصف بها الرب .. انتابتني الحيرة والشك .. طردتها .. حاربتها .. كيف أشك في ديني وعقيدتي .. صرخت .. لا .. لا .. لا يمكن ..
الحب للرب والكنيسة لا زالا يسيطران على قلبي .. يجريان في دمي .. لا أملك أمامهما إلا التسليم والانقياد ..
"لم يبق على تحقيق الحلم سوى أشهر معدودة أنتهي فيها من دراسة اللاهوت
أسافر بعدها إلى إيطاليا .. لأعود منصرة تحمل رسالة الرب إلى العالم" ..
بهذه الكلمات قضيت على الصراع بداخلي ..
إلى أن جاءت اللحظة والتي كانت نقطة التحول في حياتي .. زلزلت كل قناعاتي .. هزت كياني
تلك اللحظة التي وقعت فيها عيني على آية في الكتاب المقدس تقول: "إن الرب واحد"
توقفت عند هذه الآية .. أعدت قراءتها .. قلبت الكتاب بين يديّ .. إنه أصح كتب الإنجيل .. لم يكن كتاباً دسه أحد الناقمين على النصرانية ..
تأكدت من العنوان .. إنه إحد الكتب المقررة في دراسة اللاهوت ..
تحول اليقين إلى شك .. والإيمان الذي جرى في دمي بل نما مع جسدي إلى أسئلة حائرة لم أجد لها حل ..
"إن الرب واحد" هكذا يصرح الإنجيل ..
من أُصدق إصحاحات الكتاب المقدس أم ما حفظته ويحفظه القسيسين والرهبان؟!
هل الرب واحد أم أنه ثالث ثلاثة؟
من أين أتت عقيدة التثليث؟
هذه الاسئلة أذهبت النوم من عيني .. حاصرتني الهموم ..
قرأت الآية أكثر من مرة: إن الرب واحد ..
عدت من جديد أقلب صفحات الكتاب .. العبارة تتكرر ..
أغمضت عيني وفتحتها .. لم يتغير شيء ..
الضجيج في داخلي يهتف بي ليلاً ونهاراً .. من أصدق؟ ..
وهل يمكن أن يكون المعنى واحد؟
الآية صريحة .. إنها تهدم العقيدة التي اعتقدها .. ويعتقدها النصارى .. والتي هي أساس النصرانية .. من أين جاءت عقيدة التثليث؟!..
حملت الكتاب المقدس .. مضيت إلى أكبر القساوسة .. إنه أستاذي .. لابد أن أجد الإجابة لديه .. سوف يجلو عني أحزاني .. سوف يعيد الإيمان والطمأنينة إلى صدري ..
جلست بين يديه .. نظر إلى عيني .. ونظر إلى الكتاب في يدي ..
أطرقت برأسي إلى الأرض، وانطلقت الاسئلة من شفتي ..شعرت بالراحة والسكينة وأنا أتحدث .. أما هو فقد التزم الصمت ..
رفعت رأسي .. نظرت إلى عينيه ..لقد ذهب منها ذلك العطف .. وانطلقت منها نظرة مخيفة .. اضطربت .. فزعت .. تملكني الخوف منها ..
وقف على قدمية ..
يجب عليكِ أن تؤمني بما نقوله لك .. وأن لا تفكري فيما قرأتِ ..
قالها بغضب .. ثم ذهب وتركني ..
لم يترك لي فرصة الكلام .. تركني للحيرة والشك ..
ردة فعله كانت بالنسبة لي صدمة لا تقل عن صدمتي بالآية التي قرأتها ..
لم استطع أن أصدق ..
هل القسيس لا يملك الإجابة؟ ..
أم أنه لا توجد إجابة على هذا السؤال؟ ..
مستحيل .. أن يكون الثلاثة واحد .. والواحد ثلاثة ..
"لا تفكري" .. بسهولة قالها .. فهل ألغي عقلي وتفكيري في فهم ما أنا أومن به منذ كنت طفلة صغيرة؟ ..
عدت أقرأ في الكتاب المقدس .. العبارة تتكرر ..
إن الرب واحد ..
زاد الصراع في داخلي .. لم اعد قادرة على التفكير .. توقفت عن القراءة ..
تقدمت بعدها إلى الكنيسة باعتذار عن السفر إلى إيطاليا ..
تحررت من قيود الكنيسة .. ابتعدت عنها ..
تركت الدراسة الجامعية ..
قررت البحث عن الحقيقة ..
وجدت رغبة في السفر .. السفر سيتيح لي البحث عن الحقيقة .. سيتيح لي التعرف على العالم ..
لابد أن هناك من يجيب على أسئلتي واستفساراتي ..
تقدمت إلى إحدى مكاتب العمل في بلدي ..حيث أحصل على المال، وامنح نفسي فرصة البحث عن الحقيقة ..
تقدمت بطلب للعمل .. لم أجد سوى العمل كخادمة في إحد المنازل.. لم اتردد .. في أن أكون خادمة بعد أن كنت في طريقي لأن أكون منصرة .. لعلي أعثر على الإجابة الشافية هناك ..
سافرت إلى الأردن .. وهناك تركت الذهاب إلى الكنيسة .. وانشغلت بالعمل ..
عمل .. نوم .. ثم عمل .. ثم نوم .. كالليل والنهار يحدثان كل يوم لا شيء يتغير ..
مضت الأيام تغيرت حياتي .. الكنيسة .. الكتاب المقدس .. عقيدة التثليث .. أصبحت من الماضي ..
إتقان العمل .. الحصول على الراتب .. هو ما أشغل به وقتي ..
ثناء ربة البيت يسعدني ..
الترابط بين أفراد الأسرة .. الحب والمودة .. الاجتماع .. شوق بعضهم لبعض .. رعاية الوالدين للأبناء .. طاعة الأبناء .. مظاهر كثيرة .. جعلتني أحب هذه الأسرة .. جعلتني أنسى ما جئت لأجله ..
شعرت برغبة كبيرة في خدمة هذه الأسرة .. بذلت جهداً أكبر ..
إخلاصي في عملي .. جعل ربة البيت تهتم بي .. ثناؤها امتد أمام جاراتها وصديقاتها .. تعرفت على الكثير منهن ..
وكلما أغلقت باب غرفتي لأنام .. تضطرم نار الحيرة والشك في صدري .. أعيش صراعاً شديداً مع نفسي .. اتململ في سريري .. أحاول النوم .. فلا استطيع ..
هل الرب واحد أم ثالث ثلاثة؟! ..
هل ديني وعقيدتي هي الحق؟!..
هل هناك دينٌ آخر هو الدين الحق؟!..
قررت أن أذهب إلى الكنيسة .. أن ادعو الله فيها ..
وهناك تحول الشك والحيرة إلى دعاء وبكاء .. وتضرع بين يديّ الرب الذي لا أعرف اسمه
لم ادعو عيسى ولا روح القدس .. لم ادعو الأب ولا الابن .. نسيت كل العبارات التي كنا ندعو بها .. انطلق الدعوات من قلبي .. تسقيها دموعي التي تساقطت على خدي ..
يارب .. إنك تعلم أنني ما جئت إلى هذه البلاد إلا لأتعرف على الحقيقة ..
يارب .. إن نار الشك والحيرة تمزقني كل يوم .. بل كل لحظة ..
يارب .. لا ملجأ لي إلا أنت .. ولا معين إلا أنت ..
يارب .. إن كنت تعلم أن ديني وعقيدتي هي الحق فأشرح صدري لها
وإن كنت تعلم أن هناك دين آخر هو الحق فيسره لي .. وأهدني إليه ..
خرجت من الكنيسة .. عدت إلى المنزل بقلبٍ غير القلب الذي ذهبت به ..
لم أعد أفكر بالأمر .. ذهب ما كنت أجده من حيرة وقلق ..
أيقنت أنني سأجد الإجابة .. شعور قوي بداخلي يقول لي: لقد استجاب الله دعائك .. ستجدين الإجابة ..
وفي يوم لن أنساه .. كنت أنظف المنزل فوقع بين يديّ كتابٌ صغير .. وباللغة الفلبينية .. يتحدث عن التوحيد .. شعرت أنه وضع من أجلي ..
عدت به إلى غرفتي .. بدأت أقرأ وأقرأ .. شاركت كل جوارحي في القراءة .. ومع كل صفحة بل سطر من الكتاب .. كانت نيران الشك والحيرة تنطفئ ..
ونور الحقيقة يضيء صدري .. إن الله واحد .. إن الله واحد لا شريك له .. لا يُعبد سواه .. ولا يُدعى غيره ..
صرخت : لقد وجدت الحقيقة .. لقد استجاب الله دعائي ..
إنه الإسلام .. إنه الدين الحق ..
أسرعت إلى المذياع .. أنصت إلى إذاعة القرآن الكريم ..
أحسست براحة وانشراح في الصدر .. رغم عدم معرفتي باللغة العربية ..
أقبلت على القراءة .. تعرفت على الإسلام .. زاد يقيني بأنه الدين الحق .. بأنه الدين الوحيد القادر على أن يجيب عن اسئلتي .. الذي يعيد لي الطمأنينة ويُذهب عني الحيرة والشك ..
أشهد أن لا إله إلا الله .. نطق بها قلبي ولساني وكل جوارحي .. حتى دموعي التي تسارعت على خدي أعلنت الفرح .. لقد وجدت الحقيقة ..
عدت إلى بلدي الفلبين .. بعد انتهاء مدة خدمتي في ذلك المنزل المبارك ..
وهناك تقدمت بطلب للعمل في السعودية .. ليتسنى لي رؤية المسجد الحرام والمسجد النبوي .. وكان لي ما طلبت .. بل رزقني الله بربة بيت رائعة .. منحتني الحب والعطف .. أخذت بيديّ إلى مكتب دعوة الجاليات بحي السلامة .. لأتعلم القرآن الكريم والسنة النبوية ..
التقيت بالداعيات المسلمات من الفلبين .. أقبلت على الدراسة .. ودراسة اللغة العربية ..
وجدت لذة الإيمان .. مع تلاوة القرآن الكريم .. وكلما قرأت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم زدت شوقاً وحباً له ..
وكلما تذكرت بلدي .. أمي .. أبي .. أخواني .. فتيات بلدي .. شعرت بالحزن يستولي على حياتي ..
أحسست بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقي ..
يجب أن أنقذهم من النار في الدنيا قبل الآخرة ..
إنهم يحتاجون إلى دعاة مخلصين ..
ويجب أن أكون أنا واحدة منهم .. يجب أن أتعلم وأتعلم ..
لقد تغير الحلم من منصرة تدعو إلى عقيدة باطلة ودين منسوخ .. إلى مسلمة تدعو إلى الدين الحق .. (إن الدين عند الله الإسلام) ..
أنا فخورة بديني وإن كنت خادمة .. فهذه المهنة قادتني إلى الهداية ونور الإسلام ..
إنني على يقين أن الله سيعوضني خيراً مما تركت ..
ترقرق الدمع في عينيها .. سكتت لحظة .. ثم أخذت تردد :
الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله ..
قمت إليها .. وضعت يديّ على كتفها ..همست لها :
باب من حقق التوحيد دخل الجنة ..
ابتسمت ثم قالت :
من كان آخر كلامه من الدنيا : لا إله إلا الله دخل الجنة ..


قصة من الواقع
__________________

  #350  
قديم 20-12-2006, 04:37 AM
النسري النسري غير متصل
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2004
الإقامة: الأردن
المشاركات: 2,917
إرسال رسالة عبر ICQ إلى النسري
Smile فضيحة الكاهن قادتني للإسـلام

فضيحة الكاهن قادتني للإسـلام



أين أبي يا أمي ؟

سؤال بريء من طفلٍ صغير، يسمع الأطفال ينطقون بكلمة بابا، وهو لا ينطق بها ...

إنه السؤال الذي لن يجد له إجابة يوماً ما ...

ويكبر الصغير، ويصبح السؤال في طي النسيان، فالذين لا آباء لهم كثير في بلده ...

فالأمر طبيعي، أنت نتاج لقاء عاطفي بين ذكر وأنثى، جمعتهما الفاحشة ولذة المعصية، رحل الذكر وبقيت أنت في رحم الأنثى لتخرج إلى الدنيا بلا أب ...

الكثير من الأطفال في بلدي بلجيكا يولدون بلا أب، والقليل لهم آباء

وربما يكونوا ليسوا آبائهم، هكذا سمعت أصدقائي يقولون ...

وها هو الطفل الصغير يبلغ سن الخامسة عشر ...

ويتبدل السؤال : أين أبي ؟ إلى سؤالٍ آخر ، بل اسئلةٍ كثيرة ...

من الذي خلقني ؟ ...

لماذا خلقت ؟

من خلق هذه المخلوقات ؟

إلى أين أمضي ؟

ماذا بعد الموت ؟

توالت الاسئلة، لم تجد الأم الإجابة ...

أمسكت بصغيرها، توجهت به إلى الكنيسة ...

ساورها أمل في أن يكون ابنها قسيساً يوماً ما ...

وبدأ الصغير يداوم على الحضور مع أمه إلى الكنيسة كل يوم أحد ...

تكررت المواعظ على سمعه، إنها حياة جديدة ...

الرذائل .. الفواحش .. إنها قبيحة، إنها تغضب الرب ...


هكذا كان القسيس يعظ الناس، يحذرهم ويخوفهم ...

توقفت الاسئلة، لم يجد الإجابات التي تشفي صدره، بل زاد الغموض في حياته ...

لكن الحياة الجديدة، والتغير الذي حدث له، جعله يسكن قليلاً ...

تعلق قلبه بالقسيس، تمناه أباً له، فحديثه عن الفواحش كان يجدد له ذكرى السؤال: أين أبي ؟ ...

وتمضي الأيام ...

ولا زال يوم الأحد يعني له يوم الطهر والنقاء، إنه يوم المواعظ، والجلوس بين يديّ القسيس، وهو يتلو آيات الأنجيل المحرفة ...

وتطلع الشمس ذات تحمل خبراً شنيعاً، وحادثة رهيبة، هزت كيان الشاب

هدمت كل المواعظ التي سمعها، نسفت كل المعتقدات التي اعتقدها ...

لقد جاءت الفضيحة لتعري القسيس، وتكشف عن حقيقته ...

لقد كان يتاجر بأعراض الأطفال، يقودهم إلى الفاحشة والرذيلة ...

أين مواعظه ؟ أين دموعه ؟ أين بكاؤه ؟ أين غضبه ؟ ...

الفواحش .. الرذائل، تغضب الرب ...

هجر الناس الكنيسة، فالنور الذي كان يضيء لهم الطريق، لم يكن سوى مجرم خبيث سرق كلمات ومواعظ، وراح يخدع بها الناس ...

عادت الأسئلة وعاد الحزن يجثم على صدره ...

راح يبحث عن السعادة الحقيقية ...

عالم المخدرات، عالم جديد، لحظات يغيب فيها عن العالم، يضجك يبكي، ليس مهماً ما يحدث، إنه يبحث عن السعادة ...

وفي الحقيقة إنه يهرب من الضنك الذي يسطر على قلبه إلى الشقاء ...

يغيب عن الدنيا حين يتجرعها، ويعود فيهرب، فالهم والغم والحزن لم يفارقوا صدره، يعود ليتجرع المخدرات ليغيب عن الواقع ...

المخدرات أنهكته، تحولت إلى ألم لا يفارقه، انحدر في سلوكٍ بهيمي، لم يعد يشعر بإنسانيته

ظلام أطبق على بصره، أفاق وراح يبحث عن العلاج ...

كان شجاعاً وذكياً وصل إلى العلاج من المخدرات ...

لكن معاناته لم تفارقه، قلبه يحمل حزنه القديم، وحزناً جديداً على من يتعاطى المخدرات ...

انضم إلى جمعية لمكافحة المخدرات، عمل بجد و تفان، شعر بالسعادة كلما مد يداً لينتشل غريقاً يتخبط في دركات الشقاء ...

لكن السعادة تزول وتعود الاسئلة تتجاذبه من جديد ...

هل وجدت السعادة ...

لماذا يشقى هؤلاء بالمخدرات ...

لقد أنقذته، ولكن أين الطريق إلى الراحة والسكينة ؟...

وعاد يبحث من جديد ...

الرياضة الروحية، تمنحك السعادة ...

تخلص من أحزانك وآلامك النفسية والجسدية، شاركنا في الرياضة الروحية، رياضة اليوغا، لتعيش السعادة والسكينة والراحة ...

كلمات سال لها لعابه، ركض نحوها ...

إنها جماعة بوذية قدمت من بلاد الهند، إنها دين جديد ...

جرب، ربما تجد السعادة ...

أندفع في تلك الرياضات الشاقة، تحول إلى روح تحلق في السماء، شقي جسده

وغابت روحه في عالم من الأوهام والخيالات ...

حياة جديدة أنغمس فيها، تخلى عن كل شيء ...

لكن اللحظات التي يفيق فيها، تحمل العذاب الأليم ...

إنه لم يجد إجابات عن أسئلته ...

لم يجد السعادة ...

لكنه الهروب من الواقع ...

وتمضي الأيام، السكر ذاب في فمه والطعم الذي وجده في تلك الطقوس الوثنية عاد مراً

والسآمة التي فر منها أطبقت على صدره، والأسئلة عادت من جديد ...

هل أنت مقتنع بحياتك ؟

هل وجدت الإجابة ؟

انتقل إلى مدينة جدة، كانت فرصة للبحث عن حياة جديدة، فرصة للتغيير ...

تنقل بين طرقاتها، تأمل أسواقها، صوت الآذان لحظة تغيير تشمل كل شيء في المدينة، يتحول لحظتها الضجيج إلى سكون ...

وقريباً من سكنه الجديد، وفي طريقه الذي يسلكه، جذبته كلمات كُتبت على لوحة كبيرة

المكتب الدعوي بجدة، طرح السؤال على رفقاءه ...

- إنه مكتب يهتم بتعريف الجاليات والناطقين بغير اللغة العربية بالإسلام، من المسلمين وغير المسلمين على حدٍ سواء ...

تذكر الأسئلة، تذكر الحيرة التي يتخبط بين ظلماتها ...

عادت الهموم تجثم على صدره، وتزداد الأسئلة كلما مر بذلك المكتب الدعوي، قادته قدماه نحوه، وقف يتأمل الكتب ...

مضت الدقائق وهو واقف يتأمل، استغرق في التفكير، لم يشعر بمن حوله

صوت قادم من وراءه ..

- تفضل بالدخول، وأشرق وجهه بابتسامة

- هل تسمحون بالدخول لغير المسلمين

- نعم .. فالمكتب يستقبل الجميع

تقدم خطوات مع الشاب، تجول بين الكتب ...

- هل يوجد كتب باللغة الفرنسية

- نعم .. هذا كتاب : إنه الحق للدكتور عبدالمجيد الزنداني

- هل يمكنني قراءته

- إنه هدية

- شكراً لك

- وهذا أيضاً ترجمة للقرآن الكريم

حمل الكتابين وخرج من مقر المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بحي السلامة ...

همته العالية، وحزنه العميق، بالإضافة إلى الأسئلة التي حولت حياته إلى ضيق ونكد، جعلته يقبل على الكتب بشراهة ...

تساقطت الأسئلة سؤال بعد آخر ...

ومع كل إجابة، يسمع هتافاً بين جنبيه وجدتها ...

عاد إلى بلجيكا يحمل الكتابين، وأرقام بعض المسلمين حتى يتصل بهم ...

واصل القراءة، إلى أن جاء ذلك اليوم، وتلك اللحظة، والتي شعر فيها بأنه لابد وأن يتخذ القرار الصحيح، لابد وأن يسلم ...

نطق بالشهادتين، وأعلن إسلامه بين المسلمين ...

السكينة، الطمأنينة، السعادة، شعر بها تتسلل إلى جسده، وهو ينطق : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فجرى الدمع على خديه ...

ومن تلك اللحظة، تغيرت حياته، وتغير اسمه إلى الحسين بن علي ...

لم ينس عبدالعزيز، قرر الحج وزيارته، وكان له ما أراد ..

لقد وجدت الحق يا عبدالعزيز، هكذا نطق، وهكذا نطقت جوارحه، ودموعه ...



قصة من الواقع

__________________

 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م