كيف السبيل الى تحسين صورة المثقف العربي ؟؟
كيف السبيل الى تحسين صورة المثقف العربي ؟؟
كان العرب في كل مكان في أواسط القرن الماضي ، ينظرون للمثقف نظرة إعجاب ، بل نظرة اطمئنان . فالذين لم يكونوا على قدر كاف من الثقافة ، كان اذا مر بهم أحد المثقفين ، وهم جلوس في مقهى أو على قارعة الطريق ، فانهم يقفون إجلالا و احتراما له ، واضعين أيديهم على صدورهم يعبرون عما يكنون في أنفسهم تجاه ( الأستاذ) ، حيث كانوا يطلقون عليه تلك العبارة التي يحبها هو ويحبون أن يمنحوه إياها على أساس عمق النظرة المتفائلة له ..
وقد يكونوا على حق في هذه الصورة من التبجيل و التوقير لهذا المثقف ، كيف لا وهو يشرح لهم أخطار الإمبريالية و الصهيونية ، و مفاسد الحكومات العميلة ، و قرب تحرير فلسطين ، وتحقيق الوحدة العربية .. انه الأمل بالنسبة لهؤلاء البسطاء .. و عندما يعتقل ذلك المثقف لأسبوع أو أسبوعين أو شهر أو سنة .. فانه يصبح حديث أولئك البسطاء كبطل و شهيد ..
وما أن استلمت الأطياف المثقفة الحكم في بعض الدول العربية ، و قامت بنفس الأدوار التي كانت تقوم بها الحكومات التي كانت قبلها .. وما أن فقدت الأمة ما تبقى من فلسطين .. وما أن تعمقت صورة الدولة القطرية على أيدي أصناف شبيهة بتلك التي كان يبجلها و يوقرها البسطاء .. حتى اختلفت الصورة.
أما بتلك الدول التي لم يسعف مثقفيها الحظ باستلام الحكم ، فقد كان سقوطهم بانضمامهم الى الحكومات القائمة ، واحدا بعد الآخر .. فقد دب اليأس و الملل في نفوسهم بشكل مبكر ، حتى قبضوا ثمن تمثيلهم الاقتراب من الشعب ، بمنصب من لدن الحكومات التي كانوا يناصبونها العداء ( انتقادا ) ..
اذا مر هذا المثقف من أمام الجمع الذي كان يمر به أيام زمان ، فانه سيمر بسيارة ذات نوافذ ضد الرصاص و زجاج قاتم ، حتى لا يراه أحد .. وان مر سائرا على قدميه ، وهو احتمال نادر ، فان من كان يقف بوجهه سيشيح بوجهه عنه و يتبع ذلك بكلمة قاسية ان لم تكن ( بصقة ) ..
فكره الناس لأمثال هؤلاء ، أكثر من كرههم لرجال الدولة ، الذين رضوا لأنفسهم أن يكونوا كما هم .. أما المدعين و المتغيرين ، فان كرههم لأنهم أصبحوا رجال دولة و قبل كل ذلك لأنهم كاذبين ..
ان الخطاب الذي يبثه المثقفون العرب منذ أكثر من قرن ، وبمختلف الارتكازات الفكرية ، يمينا أو شمالا أو وسطا .. ما فتئ أن يفقد بريقه شيئا فشيئا حتى ، لم يعد بلا بريق فحسب ، بل أصبح مثيرا للاشمئزاز . لم يعود المثقف قائدا مقبولا ولا مرشدا مقبولا ، ولا حتى واعظا مقبولا ..
قد يكون السبب بالدرجة الأولى ، هو وردية أحلام المثقفين التي لا يتناسب لونها مع أحلام الكادحين ، ولم تربط يوما معهم برابط الا رابط ( كاذب ) .. فحزب العمال والفلاحين والجماهير الكادحة و صغار الكسبة و المثقفين الثوريين لم يحفظ من كل تلك المسميات الا كلمة واحدة ، وهي المثقفين و تنازل عن كل الأسماء بما فيها صفة الثوريين للمثقفين ..
ليس العيب بالفكر إطلاقا ، انما العيب بتمثل هذا الفكر في القائمين عليه ، فان المثقف الذي كان يعتبر نفسه عمود البيت ، نسي أنه يجب أن يربط بأوتاد البيت ، وان أراد المثقف ترميم صورته عليه مراعاة ما ذكر ، عله يكفر عن أخطاء قرن كامل ..
__________________
ابن حوران
|