مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 30-01-2007, 06:02 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي الأقليات في الوطن العربي

الأقليات في الوطن العربي

كان هذا الموضوع ولا يزال من المواضيع التي يتجنب الكثير الحديث فيه، لحساسيته من ناحية ومن عدم رغبة الدول القائمة في الوطن العربي من السماح في الحديث فيه. فغدا من المواضيع المسكوت عنها، حتى عندما يٌراد الحديث فيه تخرج الكلمات متشنجة محتقنة تتصف إما بالتظلم والتشكي وعدم الرضا من طرف من يكتب من تلك الأقليات، أو الاستخفاف وروح العنجهية من كتاب ينافقون السلطات التي تحكمهم ..

وانتبهت الدوائر الإمبريالية الى تلك الحالة، فاعتبرتها من أهم النقاط التي تفتت بها جسم الأمة وتصنع من تلك الأقليات مشاكل أزلية لم تتناولها كثير من إدارات الدول العربية بروح عصرية مستفيدة من حالة التآخي القديمة التي استمرت عشرات القرون أو آلاف السنين ..

ورغم أنه لا يوجد دولة في العالم لا تخلو من نسيج مختلط من أقليات مختلفة، بما فيها الدول التي تلعب على وتر الأقليات من الدول الإمبريالية فالعروق والطوائف موجودة في أمريكا وأوروبا وآسيا وإفريقيا، إلا أن الأقليات في منطقتنا العربية والتي ترافقت مع ترهل وسوء إدارة في كل المجالات، إلا أن الدوائر الإمبريالية تسكت على مظاهر الفساد والترهل طالما أنها تخدم مصالحها، وتثير موضوع الأقليات بالتحديد.

وقد سببت ظاهرة الأقليات التي تم استغلالها خلال القرون السابقة، تشتيتا في جهود التقدم التقني والإداري والسياسي في منطقتنا العربية، كما تسببت في زهق الكثير من الأرواح ولا زالت وهي مرشحة للتزايد في أكثر من بقعة.

وبالرغم من ندرة المراجع واتسام المواضيع المكتوبة بالروح العنجهية فيما لو أخذت عن كتَاب عرب، والروح المتظلمة المتشككة في إمكانية التعايش مع العرب، فإننا سنحاول تسليط الضوء على تلك الظاهرة، بقدر الإمكان بما يتوفر من إمكانيات مرجعية نزيهة، ونمر عليها منذ دولة النبي صلوات الله عليه الى عصرنا الراهن، بشيء من التبسيط والإيجاز المدعوم بوقائع تاريخية..

في سبيل تعريف الأقلية :

تعددت التعريفات الاجتماعية والسياسية للأقلية، معتمدة المدخل الأنثروبولوجي والذي يهتم بمفهوم العرق Race والمجموعات الإثنية Ethnic Groups أي التركيز على التماثلات الثقافية وتاريخ الأعراق الرئيسية والسلالات وهذا المدخل قد ينجم عنه نظريات وتبريرات عنصرية مختلفة *1

أما المدخل الثاني وهو الاجتماعي، ويعالج العلاقات العرقية ووضعية الأقلية تجاه الأغلبية والتعصب والتحيز العنصري وأشكال الصراع وسبل حل المشكلة مثل الدمج والتذويب والتعددية والانفصالية و الديمقراطية التوافقية التي تخصص مقاعد معينة للأقلية ( لبنان، الأردن كمثال) .

الأقليات و العرقية

يشكل مفهوم العرق Race أو السلالة أو العنصر موقعا هاما في تحريك مسائل الأقلية، وفي بعض الأحيان يتطابق العرق مع الأقلية.. والعرق كلمة مطاطة مخاتلة ومضللة في كثير من الأحيان، لأنها مثقلة بالانحياز القيمي (Value Laden) وليست محايدة وثابتة. فقد تعطي المعنى حسب الحقبة التاريخية أو الإطار الثقافي أو الموقف السياسي*2

إن كان العرق يتحدد ببعض العوامل الوراثية، والسوسيولوجية فإنه لا علاقة له بموضوع الذكاء والتعاطي الذهني وتراكم المعرفة والأداء الحضاري، الذي تحدده عوامل أخرى ليست لها علاقة بموضوع العرق. بل تتدافع الحضارة التي تتحكم فيها قوة حضارية بارزة في عينة من الوقت، وتسير كالنهر الذي يرفد بمسيل روافد فرعية تغذي مجراه، أو يتفرع ليصب في فروع تأخذ نصيبها من زخم النهر الأساس.

هكذا كانت الحضارة العربية ورثت مسيل الحضارات التي سبقتها، من حضارات وادي النيل والرافدين والكنعانيين والحيثيين وحضارات جنوب الجزيرة العربية، لتأخذ شخصيتها النهائية في صدر الإسلام، وتعيد إنتاج مفردات ما سبقها من حضارات وفق الأسس الجديدة الإسلامية.

قضية الأقليات في الفكر السياسي الإسلامي

أقر الدين الإسلامي لأول مرة في التاريخ حق الشعوب الخاضعة لسلطانه في الحفاظ على معتقداتها وتقاليدها وطراز حياتها في زمن كان المبدأ السائد هو إكراه الرعايا على دين ملوكهم*3. وقد رأينا ذلك قبل الإسلام في قضية (أصحاب الأخدود) .. كما رأيناها، في محاكم التفتيش عند الأسبان بعدما طردوا العرب من الأندلس، حيث وصلت الضحايا الى الملايين..

وسنحاول في هذه المساهمة البسيطة أن نتوقف عند بعض النقاط التي من شأنها إيجاد قاعدة للتفكير في تلك المسألة التي أصبحت تقض مضاجع المجتمع العربي في أكثر من بقعة في أرجاء الوطن العربي، بعبث خارجي واستعداد داخلي قد يكون مشبوها أحيانا وقد يكون حقيقيا في أحيان أخرى.

المراجع:
*1ـ أزمة الأقليات في الوطن العربي/د حيدر ابراهيم علي/دار الفكر المعاصر/ ط1/ 2002/ ص 16
*2ـ المصدر السابق ص 28.
*3ـ الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية: من بداية الدولة النبوية وحتى نهاية الدولة العثمانية/ د كمال السعيد حبيب/مكتبة مدبولي/2002/ص17
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #2  
قديم 31-01-2007, 01:41 AM
محمد العاني محمد العاني غير متصل
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,514
إفتراضي

أخي و أستاذي الفاضل ابن حوران..
بوركت على المجهود الرائع الذي تبذله في مواضيعك.

ربّما عدم الحديث في هذا الموضوع سببه هو صعوبة التحدث بموضوعية بالنسبة للإنسان العربي. فكما تعلم أخي الكريم أن الإنسان العربي عاطفي أكثر من الإنسان الغربي. و بناءاً على ذلك لا يستطيع الإنسان العربي أن يحكم بموضوعية لأنه يتخذ موقفاً عاطفياً من كل شئ.
__________________


أنا عندي من الأسى جبلُ
يتمشى معي و ينتقلُ
أنا عندي و إن خبا أملُ
جذوةٌ في الفؤاد تشتعلُ
الرد مع إقتباس
  #3  
قديم 04-02-2007, 03:03 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

لقد أخجلتني أخي محمد في إطرائك لي

فإن كان لدي من بعض معرفة فالفضل يعود لمنبعكم
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #4  
قديم 04-02-2007, 03:04 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

اختلاط العروق البشرية :

يصنف علماء الأنثروبولوجي الجنس البشري الى ثلاث عروق أو عناصر رئيسية، هي: القوقازي و المغولي والزنجي .. أو الأبيض والأصفر والأسود*1، وهناك من يقول من العلماء بأن العرق هو مجموعة مُعَرَفَة اجتماعيا (Socially defined) ومميزة فيزيقيا، سواء وجدت تلك الفروق الفيزيقية أم لم توجد. ولكن هذا التصنيف يتحدد بعوامل سياسية على اجتماعية على ثقافية، فالعرق الذي يسمى (الإفرو ـ أمريكي) يتوقف عن أن يكون زنجيا (Negro) حين يغادر الولايات المتحدة.. فهو في جنوب إفريقيا (Colored) وفي نيجيريا ـ رغم تقارب اللون ـ يُعتبر أوروبيا أو أجنبيا.. وفي البرازيل يُدعى (يانكي) .

ويُحدد (كروجمان) في تلك المسألة ثلاثة احتمالات للحوار وهي:

1ـ الإقرار بوجود العرق في المجتمعات البشرية ..
2ـ إنكار وجود العرق في المجتمعات البشرية ..
3ـ وجود الأعراق بين البشر .. ولكن بلا أي أهمية تصنيفية ..

ولو سلمنا بالاحتمال الثالث وأحببنا أن نلتزم بتتبع تقرير (اليونسكو) الذي صدر في شكل بيان عام 1950 سُمي (بيان باريس) .. فإن البيان قد توصل لما يلي:

1 ـ أصل الإنسان واحد وينتسب كل الناس الى مجموعة واحدة هي الإنسان العاقل أو الناطق (Homo Sapiens)، وتناسل الجميع من هذا الأصل ثم تفرقوا وانقسموا الى مجموعات أثرت عليها عوامل بيئية مختلفة، أظهرت الفروقات الفيزيقية التي تميز الناس عن بعض بسهولة.

2ـ التشابه بين أبناء الجنس البشري أكبر من نقاط الاختلاف التي يثيرها البعض لغايات أيديولوجية ..

3ـ والعرق يعني هنا (جماعة من الناس تتميز بتكتلها، وصلاتها القرابية قربى توافق فيما بينها وتجعلها تتوارث عناصر فيزيقية متشابهة، قد تختفي مع الزمن بسبب عوامل جغرافية .. أو عزلة ثقافية قد تثبت وتستمر*2

4ـ ينفي التقرير وجود عرق يتحدد بمنطقة أو دين أو لغة أو وطن أو ثقافة، فليس هناك عرقا إنجليزيا نقيا ولا عربيا نقيا ولا مسلما أو يهودي أو مسيحي أو كردي أو هندي أو حتى أولئك الذين يتواجدون في جزر يُهيئ للبعض أن من فيها يكونون عرقا نقيا .. وذلك نتيجة الهجرات والمصاهرة والحروب وغيرها.. كما أن فكرة الدم النقي غير موجودة فكل أبناء البشرية يلتقون في مجموعات الدم الأربعة المعروفة ..

لقد وجد علماء الأنثروبولوجي أن فكرة العرق لا يمكن تتبعها حتى في أضيق المناطق .. ولا يمكن تتبع نشأة العرق بناء على أي محدد، فاستبدل بعض العلماء مصطلح العرق واستعملوا بدلا منه (مجموعة إثنية Ethnic Group)
وهنا تم الدخول بتعريف للمجموعة الإثنية حيث أخضع التعريف الى أسس اجتماعية تقوم على تماثلات ثقافية بين جماعات أو أعداد من الناس، وهذا لا ينفي أن تكون أحيانا هذه المجموعة الإثنية المعينة ذات خصائص جسمية و جينية (موروثة) .. ولكن التصنيف اعتمد أصلا المسألة الثقافية المشتركة، أي العادات والتقاليد والدين واللغة وهي خصائص موضوعية ومستقلة .

الرق والأقليات :

لم يكن الرق قديما .. بل وجد بعد تطور الحياة والحضارة والزراعة، فكان الأسرى في القدم يأكلهم من يأسرهم لندرة الغذاء، وأحيانا يقتلونهم ولا يأكلوهم، ولكن بعد أن ظهرت الزراعة والقروض والحروب .. كان من يعجز عن تسديد دينه في عينة من الوقت يؤخذ هو وأسرته كرقيق للدائن، وقد نهى الإسلام عن الربا لأنه في أحد نتائجه كان يقود الى الاستعباد في النهاية .. حيث كان من يستلف طنا من القمح مثلا، عليه تسديده مضاعفا في الموسم القادم وإن لم يأت موسم قادم يصبح أربعة أطنان في الموسم الذي يليه وإن لم يأت موسم فيه غلال في المرة الثالثة يصبح ثمانية أضعاف، وبعدها كان يحق للدائن أن يستولي على الرجل وأبناءه وبناته وزوجته أو زوجاته حسب العقد الذي كُتب به العقد، ويبيعهم بأسواق العبيد .. أو يحتفظ بهم وهذا الشكل كان له تشريع واضح عند البابليين ووجدت عشرات المواد في شرائع (حمورابي ) تنظم ذلك *3

وقد انتشر الرق بأشكال مختلفة وأسماء مختلفة بعد الإسلام، فقد أحضر العباسيون من الزنج ليقوموا على سياسة الخيول وكسح السباخ من تحتها، ويقال تم إحضار ما يقارب الثلاثة ملايين من إفريقيا ووضعوا في خدمة السادة، ولكنهم كانوا أحيانا يثورون (ثورة الزنج) في عهد المعتصم .. وما بعده ..

ثم كان هناك المماليك .. الذين كانوا أحيانا يصلوا الى أعلى مصاف السادة فاختلطت الأعراق بين المواطنين في الدولة الإسلامية وانتشرت في بقاع كثيرة من بلادنا، وبقي أثرها الاجتماعي (الإثني ) الى يومنا هذا ..

وكما هي الحال عندما يتزلف ويتقرب الكثير من الرعايا الى سادة القوم في حال انتصارهم، فيفرح من يقال له (مولى ) فلان .. لأن فلان ذائع الصيت .. أو كما يحاول أحدنا أن يقدم نفسه على أنه ابن عم فلان الوزير أو الكاتب أو الحاكم، أو اللاعب أو غيره .. وهو في الحقيقة لن يكون قريبه بدرجة كافية، فقد يرتبط به بالنسب بالجد العاشر! .. فإن الاستنكاف عن معرفة المجرمين أو الخائبين يكون سمة تملص الناس عندما يواجههم الناس بقربهم من فلان سيء الصيت .. فإنه يهز رأسه أنه لا صلة له بذلك الخائب ..

وهكذا تتملص الكثير من المجموعات التي سكنت الوطن العربي وتعايشت مع العرب، بالابتعاد عن انتمائها للعرب المترعين (بخيبتهم ) هذه الأيام .. بل ويجاهر البعض بالسخرية من العرب و شتمهم ليلا ونهارا وأمام المشاهدين بالتلفزيون وعلى صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية وغيرها..


المراجع:

*1ـ مفهوم العرق في كتاب الأنثروبولوجيا : ولستون كروجمان/تحرير (رالف لنتون) / ترجمة عبد الملك الناشف/بيروت 1967/ص 79
*2ـ العنصرية والأعراق / ممدوح حقي / بيروت 1961/ ص 99.. يدرج فيها المؤلف بيان اليونسكو
*3ـ شريعة حمورابي / عباس العبودي/ جامعة الموصل/1990/ص250
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #5  
قديم 10-02-2007, 12:04 AM
xalid xalid غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 113
إفتراضي

الم يخلقنا الله بشرا .. وان ادم -عليه السلام- هو اب للبشرية اذن فان كافة البشر هم اخوة لاب واحد الا اذا اراد-- اخر--ان يكون من اصل اخر -فله ان يختار-ليس لعربي على اعجمى فضل- الا بالتقوى وما يقدمه من خير واحسان لبنى جلدته من بنى البشر ..لماذا تنظر الاكثرية بفوقية الى الاقلية .. ليرفع ابن الاقلية صوته معاتبا واحيانا رافضا؟؟
ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء ..
يا اخى ما انا فحمة ولا انت فرقد
الرد مع إقتباس
  #6  
قديم 10-02-2007, 06:24 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

ألستم من اعتبرتم هذه أحسن الأقوال ؟؟

اذا رايت شيئا فلا تعجل بالحديث حتى تقرا ماوراء رؤياك
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #7  
قديم 03-05-2007, 04:35 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

التراتب الاجتماعي ومسألة الأقليات

التراتب الاجتماعي Stratification Social مصطلح شائع في علم الاجتماع، ويعني فيما يعنيه موقع وعلاقة الفرد بالمجموعة أو المجموعة بالمجتمع وتسلمها مواقع سلطوية أو إدارية أو اكتسابها مكانة مرموقة في سلم الترتيب الاجتماعي ..

ويبدو أن تلك المسائل لا ثبات فيها ولا قانون دائم يحكمها في كل الظروف والأزمنة والأمكنة .. فتوزيع الأدوار في المجتمع وبروز مكانة الفرد أو المجموعة محكوم بعوامل أبرزها العاملين بشكلهما التالي :

1ـ هوية الفرد أو المجموعة وموقعها في محيطها الضيق .. فأبناء عشيرة قليلة العدد في قرية أو بادية لم تكن لهم السيادة في العهود السابقة، ولن تكون لهم في الوقت الراهن، حتى لو تم اعتماد الانتخابات كأسلوب لتناقل السلطة بين أفراد المجتمع، فمرشح الأسرة أو العائلة قليلة الأفراد، حتى لو كان مخترعا أو يحفظ كل كتب مكتبات العالم عن ظهر قلب، لن يفوز على مرشح ابن العشيرة الأكثر عددا .. وإن تساوى المرشحان في الهوية الوطنية والقومية والطائفية أو المذهبية ..

هذه الحالة، لن تكون منتشرة في أوساط المدن الواسعة، أو الدول التي تعتمد نظام التعددية الحزبية والمدعومة بالمال ضمن الضوابط الليبرالية المعروفة.

لن يثير أحد مشكلة أبناء العشائر الصغيرة، على أنهم في مظلمة لن يتمكنوا يوما من تبوء مكانة اجتماعية أو سياسية مرموقة، وهم في واقع الحال، في وضع أسوأ بكثير مما هم عليه أبناء الأقليات العرقية، الذين يحظون بمقعد أو عدة مقاعد حسب (كوتة) تحددها تطور القوانين ..

2ـ هوية الأقلية المهنية، وطمس الأهمية لمنتسبيها:

هذه المسألة لها علاقة بالجانب الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وهي ما تساهم في تحديد مكانة الفرد، بغض النظر عن ديانته و قوميته. فقد نجد صانعا للأعواد (جمع عود .. آلة موسيقية) اكتسب مهارته من خلال طفرة أو صدفة في قرية نائية وفقيرة، ولكنه لم يستطع إثارة انتباه سكان القرية الفقراء، الذين لم يضعوا مسألة مهنته بين أولوياتهم .. ولكنه لو انتقل الى مدينة كبيرة لها نشاطها الثقافي والاقتصادي أو وجد أصلا فيها، فإن ندرة حرفته ستكسبه شهرة ومكانة مرموقة بغض النظر عن ديانته و قوميته وصغر أسرته ..

في حين لن تسعف الكثرة جمهرة العمال غير المهرة، في مجتمع صناعي أو إقطاعي، تنحصر المراتب العليا فيه بين طبقة متسلطة بعينها، ليخرج من تلك الكثرة شخصيات لها مكانتها ودورها ..

يبرز هنا مصطلحان في هذه القضية، في الوسط الاجتماعي الأوسع البعيد (مرحليا) عن السلطة والمراتب العليا وهما: التعصب وعدم التسامح العرقي..

التعصب Prejudice : وقد عرفه بعض علماء الاجتماع على أنه (( اتجاه عاطفي غير مرن، أو استعداد أو تهيؤ مسبق لاستجابة معينة بطريقة ما، تجاه من الناس))*1. وتأسيسا على هذا التعريف فإن صورة تتكون عن مجموعة عرقية أو أمة، لدى المتعصب، فيصبح من خلال تلك الصورة ينظر الى كل العرق أو سكان البلد أو أبناء مجموعة كأنهم شخص واحد يملكون الصفات التي تكونت بمخيلته رغم اختلاف هؤلاء الأشخاص فيما بينهم وهذا السلوك يتحول حسب رأي (والتر ليبمان) الى النمطية (Stereotype) .. وهنا لن تكون الأحكام حول المجموعة العرقية مسبقة فحسب، بل مسبقة وخاطئة..

أما عدم التسامح Intolerance : فهو برأي (Cox) مصدره العوامل الاقتصادية.. وهو يرى أن النظر الى اليهود (مثلا) من باب عدم التسامح، في حين يرى أن النظر الى الزنوج من باب التعصب .. وبرأيه أن المجتمع الأوسع يقصد في سلوكه المتسم بعدم التسامح الى دفع الأقلية للاندماج الكامل بالمجتمع الأوسع وضبط حركتهم، دون القصد من ذلك إنهاء وجودهم .. وهذا ما يحدث في الوقت الحاضر مع الجاليات الإسلامية والعربية في فرنسا.. فخطاب أكثر المرشحين تطرفا نحو اليمين للرئاسة (سركوزي) لا يختلف كثيرا عن غيره، فكل خطاباتهم لا تخلو من عدم التسامح .. بل تصل في بعض الأحيان الى حد التعصب العنصري ..

تطور التعصب :

في الأحداث الحادة، يتم استغلال بذور التعصب الكامنة في المجتمع وتغذيتها، بفتح شلالات الإعلام المحرك لها في ظرف يمكن المحركين من استثمارها بشكل سريع لتحقيق أهداف وضعت في مخططات من يريد التحريك .. ثم تشتعل حمى المنافسة في تزويد تلك الحالة بوقود يطور من تصعيدها، حتى يصبح التحريض واضحا للعيان .. لتبدأ المجموعات العرقية في النهاية بمهاجمة غيرها، كما حدث في المدن البريطانية إثر تفجيرات لندن، عندما هاجمت مجموعات متعصبة إنجليزية، أحياء المسلمين. وكما يحدث في العراق الآن عند بعض المجموعات.

وتعود أسباب تطور التعصب في مجملها الى نواح اقتصادية وسياسية واجتماعية، وتكون الأسباب الأساسية مموهة وغير واضحة، فيبحث المحركون لاستثمار التعصب عن كبش فداء يبرر تحركهم الغامض في كثير من الأحيان، ويجدونه في قالب التعصب ..



هوامش:
1ـSimpson, G.E. and Yinger نيويورك/ هاربر 1972/ص 14
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #8  
قديم 20-06-2007, 03:46 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

التمايز في الوطن العربي وتاريخ ظهوره

مع بداية ظهور الإسلام، ومع بوادر الدعوة منذ لحظاتها الأولى، استقطب الإسلام الأقليات والمستضعفين من ملونين وغيرهم في مجتمع مكة والمدينة، في حين استكبر الملأ الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أسياد المكان، واستنكروا مساواة العبيد مع الأسياد .. والآية 13 من سورة الحجرات { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} وكما يذكر الله عز وجل في الآية 70 من سورة الإسراء على تكريم بني آدم على باقي المخلوقات { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا} .. كما أن الرسول صلوات الله عليه، قد قرر نظرة المساواة بين المسلمين والناس، فقال: الناس سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين غربي ولا عجمي إلا بالتقوى .. وما ورد على لسان الصحابة من أقوال تؤكد إيمانهم بالنظرة السماوية تجاه الناس فقد روي أن عمر بن الخطاب قد استمع الى شكوى مصري تسابق مع ابن عمرو بن العاص فسبقه، فقال له ابن عمرو ابن العاص: أتسبق ابن الأكرمين وضربه بالسوط.. فطلب ابن الخطاب عمرو ابن العاص وابنه والمصري وناول المصري سوطا وقال له اضرب ابن الأكرمين .. وأتبع أمره بالقول (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟)* 1

إلا أن النزاهة في التعامل مع الأقليات والتي كانت أجواء حداثة الرسالة السماوية تجعلها أقرب الى العدل بل و (القسط)*2 تجاه أبناء الأقليات، قد تأثرت بتطور الدولة وأداءها، وتأثر هذا الأداء بالعصبية، وقد نوه عن تلك المسألة ابن خلدون في مقدمته إذ قال (إن كل أمر تُحمَل عليه الكافة، فلا بد له من العصبية) ويستشهد بالحديث (ما بعث الله نبيا إلا في متعة من قومه)*3.. ويشرح ابن خلدون تلك المسألة (العصبية) فيقول أنها أساس الملك، وقد ألهم الله رسوله في التعامل مع تلك المسألة بقدرة قيادية هائلة، عندما كان يكرم رؤساء العشائر ويغدق عليهم بالعطاء وهم في طريقهم الى الإيمان الكامل (المؤلفة قلوبهم) وقد نجح هذا النهج، ففي معركة القادسية كان عدد الجنود من جيش المسلمين حوالي 33 ألف جندي، مقابل 120 ألف من الفرس، وجيوش المسلمين في معركة اليرموك تقل عنها في معركة القادسية من حيث العدد، مقابل 400ألف من جنود هرقل .. وقد انتصر المسلمون في المعركتين، لانضوائهم تحت (الديني) مع مراعاة لظروف تجميعهم (الاجتماعي) وفق نظرة سوقية عسكرية واعية ..

أوضاع غير المسلمين

يتجنب كثير من الكتاب والمفكرين الإسلاميين، الذين (يؤدلجوا) الدين سياسيا من استخدام مصطلح الأقليات، بل يميلون الى استخدام مصطلح (التعدد)، كما يفعل (وجيه كوثراني) و (فهمي هويدي) مثلا*4.. ويحاول هؤلاء الكتاب من وضع كلمة أقلية بين قوسين، وكأنهم مجبرين على استخدامها..

وبغض النظر عن التسمية، فإن الإسلام واجه منذ البداية مشاكل رفض تتعلق بالواقع الإثني، ونستطيع تصنيف تلك الإثنيات على طريقة الشهرستاني في كتابه (الملل والنِحَل) *5، حيث قسم الناس في بداية كتابه الى أهل الديانات والملل، وأهل الأهواء والنحل .. فأهل الديانات مثل النصارى والمجوس واليهود والمسلمين، وأهل الأهواء والآراء مثل : الفلاسفة، والدهرية، والصابئة وعبدة الكواكب والأوثان، والبراهمة .. هذا بعد أن مهد لتصنيف الناس حسب عروقهم، فهذا هندي وهذا عربي وهذا فارسي الخ ..

ولو سرنا على تقسيم الشهرستاني، لخرج اليوم علينا كميات هائلة ممن تنطبق عليهم صفة الأقلية، وستكون عندها الأحزاب والنقابات وحتى الطوائف الدينية وأصحاب الطرق أقليات .. وعندها سيضيع جهدنا ويتشتت في إعطاء الموضوع حقه، وقد لا يرغب القارئ بالغوص بتلك التفاصيل، بل إنه يقبل أن يطلع على الكيفية التي كانت الحكومات الإسلامية تتعامل فيها مع أقليات قومية، وقد لا تكون أقليات بل تكون هي الغالبية في مناطقها كأكراد شمال العراق، والأمازيغ في الأقطار المغاربية، والزنج في جنوب السودان وموريتانيا، وأقليات أخرى هاجرت الى منطقتنا في ظروف شتى كالأرمن والشركس وغيرهم .. وإن مررنا على كل ذلك فإننا قد نؤسس للنظرة المستقبلية التي تساعد في التمهيد لوضع تصورات في الكيفية التي يجب مناقشة بها موضوع الأقليات، بما يقود لمناقشة وضع الأوطان بطرح يقبل به كل من يعيش في تلك الأوطان ..

لنمر سريعا على الكيفية التي تعاملت به دولة صدر الإسلام مع موضوع الأقليات:

أولا: المواطنة وقضية الأقليات في الفكر السياسي الإسلامي :

أ ـ حرية التدين والعقيدة:

وهذا يعني عدم إكراه غير المسلمين على اعتناق الدين الإسلامي، وتركهم ببناء كنائسهم والقيام بممارسة شعائرهم الدينية. وهنا علينا أن نتذكر، كيف ميزت الإدارة الإسلامية بين الأمصار التي فتحت عنوة (بالقوة) والأمصار التي بناها المسلمون، ولم يكن لها وجود كالبصرة والكوفة والفسطاط وبغداد و واسط والقيروان .. ويمكن إرجاع المعايير التي قام هذا التقسيم على أساسها*6:

1ـ الأمن القومي للمجتمع المسلم، حيث يفترض أن الدول التي فتحت عنوة هي أكثر تهديدا للأمن القومي للدولة المسلمة.. فالاحتياطات واجبة.

2ـ الأمصار التي فُتحت صلحا يتم ضبط هذه المسألة من خلال الشروط التي يتفق عليها الطرفان. وبشكل عام فإنه يجوز لأهلها تجديد ما تهدم من معابدهم، وبعد أخذ إذن الدولة إذا أريد بناء الجديد من المعابد.

3ـ في البلاد التي مصرها المسلمون، حيث لا يسكنها سواهم، وتقام فيها شعائرهم كالجمعة والجماعة، لا يجوز بناء المعابد غير الإسلامية فيها.

ب ـ تكافؤ دماء المسلم وغير المسلم في القصاص والدية:

الجمهور يستندون الى الحديث المشهور( لا يُقتَل مسلم بكافر) فيمنعون أن يُقتص لغير المسلم من المسلم إذا قتله.. والأحناف يخالفون الجمهور في ذلك ويذهبون الى أنه يُقتص للمُعاهِد غير المسلم من المسلم.. لقول الرسول صلوات الله عليه (من قَتَل مُعاهدا لم يُرَح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما) .. والعلماء مجمعون على أن قتل الذمي كبيرة من كبائر المحرمات لهذا الوعيد، والأحناف والنخعي وابن أبي ليلى وعثمان البتي يقولون باستوائهما في عصمة الدم المؤبد .. فقد قتل النبي مسلما بمعاهد وقال (أنا أكرم من وفى بذمته، وأمر علي رضي الله عنه بقتل رجل من المسلمين قتل رجلا من أهل الذمة، وقامت عليه البينة فجاء أخوه فعفا عنه .. فقال علي: من كان على ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا.. وفي رواية أخرى : إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا*7

ج ـ واجبات أهل الذمة :

منذ حروب الردة، التي خاضها الخليفة أبو بكر الصديق رضوان الله عليه، ضد من امتنع عن أداء الزكاة مرددا قوله الشهير (إنما أنا مُتَبِع ولست بمبتدع)*8، وقد كانت تلك الحروب مع مسلمين غير ملتزمين بدفع الزكاة. وإن الجزية كانت تؤخذ من أجل حماية حقوق المواطنين غير المسلمين، والذين لم يٌطلب منهم حمل السلاح والدفاع عن البلاد .. وتتعدد اتجاهات الفقه الإسلامي بالنسبة لتكييف الجزية، فهناك آراء ثلاثة في هذا الشأن:

1ـ الرأي الأول يذهب الى أن الجزية هي أجرة السكن بأمان في الديار الإسلامية وهم الشافعية ( راجع ابن القيم : أحكام أهل الذمة ص 22ـ24)

2ـ الرأي الثاني: يذهب الى أن الجزية عقوبة على كفرهم ويمثله الحنابلة (راجع الماوردي : الأحكام السلطانية والولايات الدينية ص 144) .

3ـ الرأي الثالث: يذهب الى أن الجزية هي بدل الدفاع عن أهل الذمة، وهو رأي الأحناف ..

يتبع


هوامش
ـــ
*1ـ http://sahab.net/forums/showthread.php?t=324046
*2ـ القسط هو إحقاق العدل مع إرضاء الطرف الآخر ..
*3ـ مقدمة ابن خلدون/ الدار التونسية 1984/ ص 208
*4ـ مشروع النهوض العربي/ بيروت/دار الطليعة 1995/ص 134.. كما يمكن ملاحظة ذلك في مجلة المنهاج /مركز غدير للدراسات الإسلامية/عدد10/ صيف 1998.. ويمكن ملاحظة ذلك في كتابات فهمي هويدي في (حقوق الإنسان في الإسلام) مقالات المؤتمر السادس للفكر الإسلامي/طهران 1988
*5ـ الملل والنحل/ محمد عبد الكريم الشهرستاني/ تحقيق: محمد بن فتح الله بدران/ مكتبة الأنجلو المصرية/ 1956/ص 20
*6ـ الأقليات والسياسة في الخبرة الإسلامية: من بداية الدولة النبوية وحتى نهاية الدولة العثمانية 621ـ 1908م/ د كمال السعيد حبيب/ مكتبة مدبولي/ 2002/القاهرة/ ص 80ـ 86
*7ـ غير المسلمين في المجتمع المسلم/ يوسف القرضاوي ص 12
*8ـ الأمة والدولة في سياسـة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين/ د نزار عبد اللطيف الحديثي/دار الحرية للطباعة/ بغداد1987/ ص 186
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
  #9  
قديم 15-08-2007, 04:42 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي


الحريات و الأقليات :


لو دخل شخصان الى ديوان يجلس فيه مجموعة من الرجال، فلم ينتبه من كان في الديوان للرجل الأول ولم يرحبوا به أو يقفوا بوجهه .. ولكنهم قاموا ورحبوا بالرجل الثاني الذي دخل المكان بعده بقليل، وأكرموا الرجل الثاني في إفساح صدر المكان له.. فإن الرجل الأول الذي لم يتلق أي ترحيب سيكون أمام خيارين: إما أن يسكت و يعترف بضآلة أهميته، أو أنه يعترض بصوت عال أو يخرج احتجاجا على موقف من في الديوان .. فإن سكت، فإنه لن ينسى هذا الموقف طيلة حياته، وسيتحين الفرص للتعبير عن استياءه بانتقام بأي شكل، وإن مات قبل أن ينتقم فإن تلك الحادثة ستنتقل الى أبنائه ليعاودوا التأسيس عليها بما يترجم عدم رضاهم عن الجماعة ..

هذا المثل يندرج تحت موضوع التراتب الاجتماعي الذي مررنا عليه .. لكن التعبير عن عدم الرضا، يندرج تحت باب القدرة على المطالبة بفرض الاعتبار، لكن، هل هناك شيء مثل هذه الأبواب، بمعنى آخر: هل يقوم الأشخاص في مكان ما بالمطالبة باحترامهم من قبل الآخرين؟ .. إن الناس في كل بقاع الأرض تحترم من يمتلك خصال الاحترام .. وقد تكون تلك الخصال مزيفة بكاملها إذا أخضعناها للمنطق، فقد يتولى زمام أمور بقعة ما سواء كانت سياسية أو إدارية أو اقتصادية رجال حقراء ضمن المنطق العام لمفاهيم القدرة والكفاءة والوجاهة الحقيقية، ولكن جموع الناس ستحترمهم وفق معطيات الضرورة، أو تمثل احترامهم ظاهريا .. وتتناولهم بأقسى أنواع الصفات السيئة في منأى عن الظاهر وإذا قدر لهؤلاء الناس الذين ضمروا السوء وعدم الاحترام لمن أجبروا أنفسهم على احترامهم، فإنهم سيخرجون كل ما في دواخلهم للتعبير عن عدم احترامهم.

هذا الشأن يرتبط بالظرف السياسي، في لحظة معينة، ولا أظن أن هذا الأمر سيقتصر على أبناء الأقليات، بل يتجاوزه الى كل شرائح المجتمع بما فيهم الأكثرية بأفرادها ورموزها ومفاصلها. لكن سيبدو الأمر واضحا بصورة أكبر عند أبناء الأقليات، لأسباب معروفة: أولها تلك التي ترتبط بالعنوان كونهم (أقلية) .. وبالمناسبة فإننا لم نجد بتاريخ الدولة العربية أو الإسلامية مصطلحا يشير الى الأقلية بهذا الاسم. فلم تسمى الفئات التي لا تتوافق مع الأكثرية في دينها أو عرقها باسم (الأقلية) .. بل كانت تسمى بأسماء تنبه الكتاب العرب المعاصرون في استخدامها ك (أهل الذمة)، حيث أن وقعها على أذن السامع أو عين القارئ أشد أذى من مصطلح (الأقلية). هذا إذا استثنينا بعض الكتاب الإسلاميين الذين يستخدمون مثل هذا المصطلح.

لقد بان العجز العربي خلال قرن من الزمان، أمام أبناء العرب ومن يتعايش معهم من أبناء القوميات الأخرى، والديانات والملل الأخرى على نفس البقعة أو البقاع العربية .. فاستكثر أبناء تلك (الإثنيات) على أنفسهم أن يقترنوا بالعرب، بل أصبحوا هما إضافيا يضاف لهموم العرب، واستغلوا حالة الضعف والهوان أسوأ استغلال للغمز والنيل من القومية العربية، ملتقين بذلك من حيث لا يدروا ـ غالبا ـ أو يدروا ـ أحيانا ـ مع أعداء الأمة في معاونتها على الإجهاز على الأمة ..

مقاربة الحرية

لم يكن لفظ (الحرية) في التاريخ العربي والإسلامي القديم، إلا نقيضا للعبودية، فكانت ترد في القرآن الكريم (تحرير رقبة)، حيث تكون كفارة من ذنب عظيم كالقتل غير العمد، فتكون الكفارة تخليص إنسان من العبودية، و (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) .. وهو تعبير ضد العبودية .. لكن استخدام اللفظ جاء في أدبيات العثمانيين بعد حملة نابليون بونابرت على مصر، عندما خاطب أهل مصر باسم (الجمهورية الفرنسية القائمة على الحرية والمساواة والإخاء).. وقد استخدمها (رفاعة الطهطاوي) في ترجمته للدستور الفرنسي*1 وقد أشار الى انعدام مقابل لها في التراث الفكري والسياسي عموما لذلك يكتب الطهطاوي ( وما يسمونه الحرية ويرغبون فيه هو عين ما يطلق عندنا العدل والإنصاف. وذلك لأن معنى الحكم بالحرية هو إقامة التساوي في الأحكام والقوانين بحيث لا يجور الحاكم على الإنسان، بل القوانين هي المحكمة المعتبرة)*2

يقول الدكتور حيدر ابراهيم علي في كتابه الموسوم ب (أزمة الأقليات في الوطن العربي) : الوعي بوضعية الأقلية في الحالة العربية ـ الإسلامية هو أشبه بالمياه الجوفية: موجود وغير مرئي، ولكن عند الحاجة يمكن التنقيب والحفر لإظهاره. *3 من يتمعن هذا القول سيعترف لصاحبه بالتوفيق في اختياره، فالمشكل موجود في كل العصور وفي كل الدول، كوجود المياه الجوفية، ولكن من ينقب عليه هو من يريد استثماره في وقت تنضب موارد المياه الأخرى، أو في وقت يراد فيه استثمار الكثير من المياه لإحداث فيضان يقضي على الحياة في بقعة ما..

فبحجة الحريات ترتفع أصوات هنا وهناك في أطراف الوطن العربي على وجه الخصوص، العراق، السودان، دول المغرب العربي، ولا يستثنى قلب الوطن العربي من ذلك فلا مصر تسلم من تلك الحملة و لا لبنان ولا أي دولة ..

حقا أن الحريات ليست موجودة لتلك الجماعات والأعراق، ولكنها ليست موجودة أيضا للعرب أنفسهم، فالهم سواء لدى عموم الموطنين. ومن يدري فإن استثمار تلك الظاهرة العادلة (الحرمان من الحريات) ستكون عاملا إضافيا لتوحيد شرائح التكوين الكاملة لسكان الوطن العربي وإعطائها سببا للنهوض!

يخلص كثير من الكتاب العرب في هذا الخصوص الى (أن بناء مجتمع عربي معاصر يمتلك القدرة والاقتدار مهمة مستحيلة، إلا إذا استطاع الفكر العربي المعاصر أن يبلور صيغة عصرية جديدة قومية أو (إقليمية) قادرة على استيعاب كل الفئات الاجتماعية والطائفية والقبلية على امتداد وطننا الكبير)*4

وعلى رأي الباحثة العربية (منى مكرم عبيد) ( إن التعصب نتاج لفعل استبداد سياسي يتم في غياب الديمقراطية وتنتهي بالقول : أن أهم المشاكل التي تتجسم فيها إشكاليات الفكر العربي المعاصر هي مشاكل بنيوية فكرية واجتماعية في مقدمتها:
1ـ ظاهرة التطرف الديني والتعصب المذهبي الى درجة القتل والقتال.
2ـ مشكلة الأقليات في البلدان العربية التي فيها أقليات ..*5


هوامش
ـــ
*1ـ الفكر الإسلامي المعاصر/ قيس خزعل العزاوي/ بيروت/ دار الرازي 1992 / صفحة 96
*2ـ تخليص الإبريز/ أورده احمد السماوي في (الاستبداد والحرية في فكر النهضة) / اللاذقية/ دار حوار/1989/ صفحة 42
*3ـ أزمة الأقليات في الوطن العربي/ حيدر ابراهيم علي/دار الفكر/بيروت/ 2002/ صفحة 91
*4ـ إشكالية الهوية والانتماء/ علي أسعد وطفة/ مجلة المستقبل العربي/ بيروت/ عدد282/آب/أغسطس 2002/ صفحة 106
*5ـ مداخلة للباحثة وردت في مجلة (عالم الفكر ) في شهري 1و6 من عام 1998/ في مناقشة أزمة الفكر في الوطن العربي.. تعقيبا على بحث علي الدين هلال.
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م