شقة مفروشة
ـ 1 ـ
هذي البلاد شقة مفروشة ..
يملكها شخص يسمى عنترة
يسكر طول الليل عند بابها
ويجمع الإيجار من سكانها
و يطلب الزواج من نسوانها
و يطلق النار على الأشجار ،
ـ 2 ـ
عنترة يقيم في ثيابها
في ربطة الخبز ، وفي زجاجة الكولا ..
و في أحلامنا المحتضرة ..
في عربات الخسِّ ، و البطيخ
في الباصات ، في محطة القطار ،
في جمارك المطار ، في طوابع البريد
في ملاعب الفوتبول ،
و في مطاعم البيتزا ،
و في كل فئات العملة المزورة
و الأطفال .. و العيون .. و الأثداء
و الضفائر المعطرة ...
هذي البلاد كلها مزرعة شخصية لعنترة
سماؤها ، نساؤها
حقولها المخضوضرة
كل البنايات هنا يسكن فيها عنترة ...
كل الشبابيك عليها صور لعنترة
كل الميادين هنا .. تحمل اسم عنترة ..
ـ 3 ـ
مدينة مهجورة مُهَجَّرَة
لم يبق فيها فأرة أة نملة ..
أو جدول .. أو شجرة ..
لا شيء فيها يدهش السياح
إلا الصورة الرسمية المقررة
للجنرال عنترة ..
في غرفة الجلوس .. في الحمام ..
في المرحاض ..
في ميلاده السعيد ..
في ختنه المجيد ..
في قصوره الشامخة ، البادخة ، المُسَوَّرَة
ـ 4 ـ
ما من جديد في حياة هذه المدينة المستعمرة
فحزننا مكرر .. و موتنا مكرر
و نكهة القهوة في شفاهنا مكررة
فمنذ أن ولدنا ونحن محبوسون في زجاجة الثقافة المدورة
و اللغة المدورة
و منذ دخلنا المدرسة
و نحن إلا سيرة ذاتية واحدة
تخبرنا عن عضلات عنترة ..
ومكرومات عنترة .. و معجزات عنترة ..
و لا نرى في كل دور السينما إلا شريطا عربيا مُضْجِراً
يلعب فيه عنترة
ـ 5 ـ
لا شيء في إذاعة الصباح ، تهتم به .
فالخبر الأول فيها ، خبر عن عنترة
و الخبر الأخير فيها ، خبر عن عنترة
لا شيء في البرنامج الثاني سوى :
عزف على القانون من مؤلفات عنترة
ولوحة زيتية من خربشات عنترة
و باقة من أردأ الشعر بصوت عنترة
هذي بلاد يمنح المثقفون صوتهم
لسيد المثقفين عنترة ..
يجملون قبحه ، يؤرخون عصره ، وينشرون فكره
و يقرعون الطبل في حروبه المظفرة ..
ـ 6 ـ
لا نجم فوق شاشة التلفاز
إلا عنترة
بقده المياس ، أو ضحكته المعبرة
يوما بزي الدوق و الأمير
يوما بزي الكادح الفقير
يوما بزي الواحد القدير
يوما على طائرة سَمْتِيَّةٍ
يوما على دبابة روسية
يوما علة مجنزرة
يوما على أضلاعنا المكسرة ! !
..
ـ 7 ـ
لا أحد يجرؤ أن يقول : ( لا )
للجنرال عنترة
لا أحد يجرؤ أن يسأل أهل العلم في المدينة
هل وجد الخالق قبل عنترة ؟
أم وجد الخالق بعد عنترة ؟
إن الخيارات هنا محدودة
بين دخول السجن ..
أو بين دخول المقبرة ! ! .
ـ 8 ـ
لا شيء في مدينة المليون تابوت سوى
تلاوة القرآن ، و السُرادق الكبير ، و الجنائز المنتظرة
لا شيء .. إلا رجل يبيع في حقيبة
تذاكر الدخول للقبر .. يسمى عنترة ...
ـ 9 ـ
عنترة العبسي .. لا يتركنا دقيقة واحدة
فمرة يأكل من طعامنا ..
و مرة .. يشرب من شرابنا
و مرة .. يندس في فراشنا
و مرة يزورنا مسلحا
ليقبض الإيجار عن بلادنا المستأجرة ! ! .
ـ 10 ـ
هل ممكن ؟
هل ممكن ؟
أن يستقيل الله من سمائه
و أن تموت الشمس
و النجوم ..
و البحار ...
و الغابات ..
و الرسول .. و الملائكة ..
و لا يموت عنترة ؟ ؟
نزار قباني