الشباب العربي : بين الإدمان والتصدعات الأسرية
الشباب العربي : بين الإدمان والتصدعات الأسرية
أخذت ظاهرة الإدمان في العقود الأخيرة تتعاظم داخل مجتمعاتنا العربية بشكل مهول وخطير جدا، إلى درجة أن تفشي هذا الوباء الفتاك أضحى يشكل في الآن نفسه خاطرا إجراميا في حق عدد كبير من الشباب الطائش والغير واع بدرجة خطورة هذه الآفة الجرثومية التي بدأ شريانها يتسرب بشكل مهول و فضيع وسط شرائح عريضة من الشباب العربي
ولعل العوامل المساعدة على تفاقم هذه الظاهرة الوبائية كما يرى البعض" ينبغي" البحث عنها على صعيد
التفكك البنيوي الذي يجرى يوميا في ( المدينة ) والذي تتجلى عاقبته في تكوين أنا ضعيف غير قار ويتخبط بشكل مطرد في مشاكل نفسية ووجودية عويصة تدفعه إلى اللجوء إلى المخدرات وذلك من أجل الهروب من مشاكله الذاتية و المجتمعية هنا يتبين لنا على أن من بين الأسباب الجوهرية التي تدفع الشباب إلى تعاطي المخدرات تكمن في ما يترتب عن أزماته النفسية المعقدة والصعبة والتي في الأغلب ما تكون أزمات مرتبطة ارتباطا وثيقا بصدمات أسرية. وعلى حد تعبير " كولي " فإن الأسرة هي الجماعة الأولى التي يستمد الفرد أول الأمر قيمه واتجاهاته لذلك، فإن الجو النفسي ونوع العلاقات والتفاعلات النفسية والاجتماعية التي تسود بين أفرادها من العوامل الإنسانية في تطبيع سلوك الفرد أشد من تأثير أي جماعة أخرى. وذلك لآن العلاقات بين أفراد الأسرة علاقات مباشرة تتسم بالحرارة والدفء.
قس على هذا أيضا جانب المراهقة وما تتسم به من عدم الاستقرار وحدة الانفعالات منذ ابتدائها، وبالتالي فإن الآباء لا يستطيعون في هذا الإطار التأقلم مع هذه التحولات الفيزيولوجية للأبناء خاصة السيكولوجية منها علما أنهم يعملونهم نفس المعاملة التي اعتادوا عليها وهي أنهم أطفال ناقصو الإدراك والمعرفة قليلو الخبرة بالحياة يخافون عليهم من كل شيء معتقدين بذلك أنهم يبدون لهم عواطفهم هذا من جهة
من جهة ثانية فقد حاولت كتابات متعددة مناقشة هذا الموضوع من مختلف جوانبه الايجابية والسلبية فيما يخص وضع الشباب ومستقبله ويتضح من هذه الكتابات بأن رد تصورات العائلة نحو الشباب إلى استبقائهم تحت الحضانة أو المحافظة على تملك الشباب وهذا النمط يقلب الوضع بين الشباب والكبار رأسا على عقب ويشيد الصراعات ويجعل التذمر يحل محل التفاهم والتباعد محل التقارب ويتصدى كل طرف لصب الاتهامات على الأخر الكبار يرمون الشباب بالعقوق والتهور.. والشباب يرون في الكبار جيلا فاته الركب ولا يفهم العصر " عصر الشباب ".
وينبغي أيضا النظر إلى هذه الأسباب النفسية من خلال مدى علاقتها بالعوامل الاجتماعية المحايثة لها وذلك في مجال ظروف الحياة الشاقة ووضاعة السكن والبطالة وعدم الاستقرار ووظائف الشغل وقلة الترفيه وانعدام التكوين...كلها عوامل وأسباب مركبة فيما بينها تعد بمثابة أرضية سانحة في جعل الشباب يشعرون باليأس والإحباط الذي يولد لديهم العوامل المهيئة لتعاطي المخدرات التي توقظ فيهم روح العنف والمغامرة وعدم المبالاة.
وعبر هذه المراحل الحياتية المتقلبة والمتباينة والمركبة التي تحمل معها شحنات تؤثر في سلوك الشباب اتجاه الأخر.
وعليه فإن محاولات الوقاية من الإدمان والانحراف لدى الشباب يجب أن تتوجه منطقيا إلى العوامل المسببة لهذه الآفة كخيار لا مندوحة عنه إذا ما أردنا اجتثاث هذا الوباء.
وبما أنه ليس من المتوقع أن يصل أي مجتمع من المجتمعات إلى الحد الذي يمكن فيه أن يقضي على الفقر، وأن يوفر تربية مثلى للجميع وأن يهيئ فرصا للعمل لكل فرد وان يقضي على عوامل انعدام العدالة الاجتماعية فإننا يمكن بالتالي أن نتنبأ بأن الإدمان عند الشباب سيظل حاضرا معنا فترة طويلة من الزمان وإزاء هذا الوضع فإن ما يمكن لمجتمعاتنا العربية عمله هو محاولة الوقاية من الإدمان بقدر الإمكان.
وفي هذا السياق فان التوجيه عن طريق الوعظ والإرشاد لم يبق له فعالية بالنسبة للأفراد على اختلاف سنهم وبالأخص بالنسبة للشباب بل إن التصرفات المباشرة والقدوة هي الوسيلة الأساسية للتوجيه واكتساب السلوك القويم ويمكن للآباء في ظل هذا التصور بلوغ أهدافهم في مساعدة أبنائهم الشباب عن طريق مد يد العون في إطار المعاملة العقلانية بحيث يكون شعار التفاهم هو سيد الموقف وذلك عن طريق الأخذ والرد ومعالجة الأمور بشكل توافقي وهو من غير شك سيسفر عن تحقيق الوحدة الأسرية بهدف التقليل من الخلافات والصراعات وتعزيز التفاهم والاطمئنان في النفوس.
|