سقط نظام صدام حسين ليكتشف العالم نوعين من ضحاياه الأول هم العراقيون من ضحايا قمعه اللامحدود وديكتاتوريته اللامتناهية واستبداده الشمولي وحروبه العبثية من الذين قدر عددهم حتى الآن أكثر من ربع مليون دفنوا أحياء في المقابر الجماعية فقط والتي تم اكتشافها حتى الآن في مختلف مناطق العراق وأكثر من ثلاثة أرباع المليون هم مفقودوا الأثر ممن لم يعثر العراقيون على أي اثر لهم سوى بعض الأسماء في عدد من سجلات أجهزة الأمن والاستخبارات والمدينة سيئة الصيت المسماة بالشعبة الخامسة في العاصمة بغداد.
أما النوع الثاني من ضحاياه فهم ممن يطلقون على أنفسهم زورا وكذبا وبهتانا بالمثقفين وجيش الإعلاميين والصحافيين المأجورين والمدجنين ممن باعوا أخرتهم بدنيا سيدهم ونموذجهم وولي نعمتهم الطاغية المقيت صدام حسين. هذا الجيش المهزوم من رجال الزور والكذب والخداع والتطبيل للظلم والظالم كانوا ضحايا الطمع واللؤم والأنانية وحب الدولار على حساب معاناة الآخرين كما كانوا ضحايا سياسات التزوير والتجهيل والتعمية التي مارسها المجرم صدام على مدى 53 عاما. أما الفرق بين الضحيتين فهو أن النوع الأول قتل مظلوما على يد أعتى طاغية ارعن عرفه تاريخ البشرية، أما النوع الثاني فقد قتل نفسه بنفسه ولذلك فهو قتل ظالما ولم يقتل مظلوما انه ظالم لنفسه أولا وظالم للنوع الأول من ضحايا النظام الديكتاتوري المنهار عندما سكت عن الظلم فشجعه وبرر للظالم فتمادى في غيه. كما إنهم ظلموا شعوبهم وأمتهم عندما اختاروا حب الدولار والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة على قول الحقائق وعندما ملؤا جيوبهم بالسحت الحرام على حساب معاناة الملايين من العراقيين وعلى حساب دماء النوع الأول من الضحايا. وستظل لعنة العراقيين وخاصة انهار الدماء والدموع التي حفرت بتضحيات ضحايا النظام وأيتامه من أبناء العراق الغيارى تلاحق هؤلاء الضحايا الظالمين الذين ظلوا على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمن يغمضوا عيونهم ويصموا آذانهم لطمس الحقائق المرعبة التي كان يعيشها العراق والعراقيون في ظل نظام صدام الشمولي المنهار فواصلوا التبرير والتزوير والخداع والغش والتحايل واللعب بالألفاظ حتى آخر لحظة تهاوى فيها الصنم الكبير في بغداد والذي كان يرمز لحقبة سوداء حكمت العراق وشعبه وكل ذلك من دون وازع أو حسيب أو رقيب لا من ضمير ولا من دين ناسين أو متناسين أن الله المنتقم الجبار قد يمهل ولكنه من المستحيل أن يهمن فانه للظالم وأعوانه بالمرصاد وان طال السرى. ضحايانا في الجنة وضحاياهم في النار.
ضحايانا رفعوا رؤوسهم ضاحكين شامخين ومستبشرين وضحاياهم طاطاوا رؤوسهم عبوسين مغمومين مهمومين. ضحايانا نفخر بهم وضحاياهم عار وشنار. ضحايانا أمل وضحاياهم يأس.
ضحايانا شمعة تشتعل لتضئ الدرب أمام الجيل الجديد من اجل بناء عراق جديد وضحاياهم رماد تذروه الرياح.
ضحايانا قدوة وأسوة وضحاياهم نماذج مخجلة يندى لها الجبين. ضحايانا . . أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.. وضحاياهم.. الساكت عن الحق شيطان اخرس.. ضحايانا.. سيد الشهداء عمي الحمزة ورجل قام أمام سلطان جائر فنهاه فقتله.. وضحاياهم.. الظالم والمعين على الظلم والساكت عن الظلم شركاء ثلاثة.. فالرحمة والغفران والرضوان وجنان الخلد لضحايانا واللعنة والخزي وسوء العذاب والعار والنار والفضيحة والمذلة لضحاياهم.
(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).