مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #11  
قديم 31-07-2006, 01:53 PM
حمساوي الحرمين حمساوي الحرمين غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Feb 2006
المشاركات: 28
إفتراضي

تعس عبد الدرهم


تعس عبد الدينار

تعس المنافقون والمنافقات
  #12  
قديم 01-08-2006, 03:32 AM
حق وعدل حق وعدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
المشاركات: 138
إفتراضي

كل ما كتب الرجل كلام فارغ ولا حول ولا قوة إلا بالله،

النبي يقول الأئمة من قريش ويأتي عبد البشر ويقول قال بن حجر

رغم أن كلام بن حجر في السلطان المتغلب في خليفة المسلمين وليس الحاكم الذي وضعه الكفار في جزيرة العرب

وكل ما تفضل به كلام زبالة لا يجرؤ على مناقشته فالله المستعان.
  #13  
قديم 01-08-2006, 03:42 AM
حق وعدل حق وعدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
المشاركات: 138
إفتراضي

الباب الأول
مقدمة تاريخية


يحتل النظام السعودي مكانة متميزة في العالم الإسلامي وذلك لادعائه تطبيق الإسلام تطبيقا كاملاً، وتبنيه دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب ــ رحمه الله - بالإضافة إلى هيمنته على الحرمين الشريفين، والثروة النفطية الطائلة التي منّ الله بها على جزيرة العرب.

لذلك كان لابد من دراسة المملكة السعودية، كيانها ونظامها وشرعية حكامها دراسة دقيقة تغوص إلى أعماق الواقع وتستنير بشرع الله على النحو الذى تبرأ به الذمة أمام الله يوم القيامة، لوضع قاعدة صلبة ينطلق منها العمل الإسلامي المعاصر لإستئناف الحياة الإسلامية بإعادة الدولة الإسلامية، دولة خلافة النبوة، وتوحيد الأمة، وقيادتها لاستعادة مكان الصدارة بين الأمم كما فرض الله عليها ذلك.

أما بخصوص الدولة السعودية الأولى، وكذلك الثانية فقد انتهى أمرها بسقوطها، وأصبحت دراستها لاتهمنا إلا من الناحية التاريخية، لايضاح بعض الغموض من الناحية الشرعية الذي يكتنف نشأتها، ولعلنا نتطرق لذلك في إحدى الملاحق.

الدولة السعودية الثالثة:

أما الدولة السعودية الثالثة ــ دولة أل سعود الحالية ــ فقد أسسها عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركى آل سعود جزءً من المخطط البريطاني للمنطقة، الهادف إلى تحطيم الخلافة نهائياً، وابتلاع نصيب الأسد من تركة «الرجل المريض».

وقد حاول محمد جلال كشك في كتابه «السعوديون والحل الإسلامي» رفع عبد العزيز آل سعود إلى مراتب الأبطال وجعله مستقلاً حر القرار، إلا أن ما حواه الكتاب من وثائق ــ خصوصا في طبعته الأولى ــ يدين عبد العزيز يعمالة الانجليز أدانة قطعية لا تحتمل الجدال.

ولا يعني هذا أنه في نفس مستوى العمالة الساقطة التي كان يمارسها آل صباح، ولا في الوضع المقهور الذى كان يعاني منه ساسة مصر تحت الاستعمار الانجليزي المباشر. فالعمالة درجات ومراتب وأنواع. وقد أثبت محمد جلال كشك اثباتاً قطعياً تهافت عبد العزيز على صداقة الانجليز وتراميه تحت أقدامهم على نحو يثير الاشمئزاز.

دخل عبد العزيز الرياض أول مرة قائدًا لكتيبة كويتية في حملة نظمها الانجليز لتحجيم ابن رشيد ــ والي الدولة العثمانية ــ ولكن أهل الرياض رفضوه عميلاً للكويت والانجليز، وطردوه شر طردة، فعاد من العام القادم مع عصابة صغيرة من اتباعه متظاهرًا بالإستقلالية والعزيمة على تجديد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. فنجح في دخول الرياض ــ التي كانت تحت النفود العثماني ــ وأحكم سيطرته عليها في هذه المرة بسبب تأييد الرياض له، لما أظهرلهم من استقلالية وعزيمة على حمل الدعوة الإسلامية باجتهاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

وظل هذا ديدن عبد العزيز آل سعود طوال عمره: التظاهر بالاستقلالية، وهو أبعد مايكون عنها، وبالدين وهو أدهى مستغليه، وبالشعبية والشورى وهو من أقسى الطغاة وأشدهم وطأة.

وبدخول عبد العزيز الرياض، وانتزاعها من الدولة العثمانية، أصبح خارجاً منشقاً على خليفة المسلمين في اسطنبول، وبذلك يكون قد شق عصا المسلمين، وفرق كلمتهم، وسفك دمائهم.

وعلى كل حال فقد استمر عبد العزيز في حروبه التوسعية داخل الجزيرة وكذلك الإحساء، بعلم الإنجليز ومشورتهم وموافقتهم السكوتية، وإن كان هؤلاء حريصيين طوال تلك المدة على اظهار البرود وعدم التعاون معه لأسباب تتعلق بالموقف الدولي، ولتجنب الاحتكاك بالدولة العثمانية وحليفتها ألمانيا الامبراطورية إلى أن تحين الفرصة المناسبة، وتسمح لعبة توازن القوى العالمية لبريطانيا بتوجيه الضربة القاضية لذلك التحالف: إلى الدولة العثمانية عدوة العقيدة عبر القرون وحامية ديار المسلمين، وإلى المانيا الامبراطورية المنافس الاستعماري الجديد. واستمر عبد العزيز في تهالكه لأرضاء الانجليز وخطب ودهم .

ولكن فور نشوب الحرب العالمية الأولى زالت الأسباب الموجبة لتظاهر بريطانيا بالبرود تجاه عبد العزيز فقامت بمبادلته وداً بود، وتم توقيع معاهدة دارين (ويقال لها أيضا معاهدة القطيف)، في 18صفر 1334هـ، الموافق 26 ديسمبر 1915م، وهي معاهدة رضي فيها عبد العزيز بسيادة الكفار الإنجليز، ودخل تحت الحماية البريطانية وتنازل عن كل سيادة دولية لقاء ثمن بخس: ملك زائل ودراهم معدودة.

وهاك نص معاهدة الخيانة العظمى:


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ

(بسم الله الرحيم الرحيم)


الحكومة البريطانية السامية من جانبها وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود حاكم نجد والحسا والقطيف وجبيل والمدن والموانئ التي تتبعها، بالأصالة عن نفسه، ونيابة عن ورثته وخلفائه وقبائله.

حيث أن الطرفين لديهما الرغبة في توطيد وتقوية العلاقات الودية التي دامت بينهما وقتا طويلاً ورغبة في دعم مصالحهما المتبادلة، فقد اختارت الحكومة وعينت ليوتينانت ــ كولونيل سير بيرسى كوكس المقيم البريطاني في الخليج الفارسي مفوضا له كامل السلطات في توقيع معاهدة لهذا الغرض مع عبد العزيز بن عبد الرحمن ين فيصل آل سعود.

وقد اتفق المذكور الليوتينات ـ كولونيل سير بيرسي كوكس مع عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود المشار إليه فيما بعد "بابن سعود" وأقر المواد التالية:-

(1) تقر الحكومة البريطانية وتعترف بأن نجدًا والحسا والقطيف وجبيل وملحقاتها وأراضيها ـ التي سوف تبحث وتحدد فيما بعد ـ وموانئها على الشواطئ الخليج والفارسي، هي بلاد ابن سعود وأبائه من قبله وبناء عليه تعترف بابن سعود المذكور كحاكم مستقل لها، ورئيس مطلق لقبائلها، ومن بعده أولاده وخلفاؤه بالوراثة، ولكن اختيار شخص الحاكم يتم بتسمية الحاكم القائم لخليفته، ولكن بشرط ألا يكون شخصًا معادياً للحكومة البريطانية بحال من الأحوال، وعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بالنصوص المشار إليها في هذه المعاهدة.

(2) في حالة عدوان آية دولة أجنبية على أراضي بلاد بن سعود وخلفائه، دون الرجوع الى الحكومة البريطانية، وبدون اعطائها فرصة التشاور مع ابن سعود وتكوين فكرة عن الأمر، فإن الحكومة البريطانية سوف تقدم العون بالأسلوب وإلى المدى الذى ترى الحكومة البريطانية أنه الأكثر لحماية مصالحه وبلاده وذلك بعد التشاور مع ابن سعود.

(3) يوافق ابن سعود هنا ويتعهد بالامتناع عن الدخول في أية مراسلة أو اتفاق أو معاهدة مع أية أمة أو دولة أجنبية، وأكثر من ذلك، أن يطلع السلطات السياسية للحكومة البريطانية على أية محاولة من جانب أية دولة أخرى للتدخل في الأراضي المذكورة انفاً.

(4) يتعهد ابن سعود على وجه الإطلاق بأنه لن يمنح، أو يبيع، أويرهن، أو يؤجر، أو يتخلى، عن الأراضي المذكورة أو أي جزء منها، أو يعطي الامتيازات في تلك الأراضي لأية دولة أجنبية أو رعايا أية دولة أجنبية بدون موافقة الحكومة البريطانية، وأنه سوف يتبع نصائحها في ذلك دون تحفظ، بشرط أن لا تكون ضارة بمصالحه.

(5) يتعهد ابن سعود بأن يبقي الطرق مفتوحة داخل الأراضي إلى الأماكن المقدسة، وأن يحمى الحجاج في عبورهم لها حال ذهابهم إلى الأماكن المقدسة وعودتهم منها.

(6) يتعهد ابن سعود، كما فعل اباؤه من قبله، بالامتناع عن أي عدوان أو تدخل في أراضي الكويت والبحرين وشيوخ قطر وساحل عمان الذين هم تحت حماية الحكومة البريطانية وتربطهم معاهدات بالحكومة المذكورة، وسوف يجري تقرير حدود أراضيهم في المستقبل.

(7) اتفقت الحكومة البريطانية وابن سعود على ابرام معاهدة أخرى أكثر تفصيلا بخصوص المسائل التي تهم البلدين.

وقعت في 18صفر 1334م ، الموافق 26 ديسمبر 1915م

عبد العزيز آل سعود ( وقع وختم )

ب. ز. كوكس- ليفتنات كولونيل

المقيم البريطاني في الخليج الفارسي ( توقيع)

شملفورد

نائب الملك والحاكم العام في الهند ( توقيع)

اعتمد هذه المعاهدة نائب الملك والحاكم العام في الهند في سملا، في الثامن عشر من يوليو عام ألف وتسعمائة وستة عشر.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ


يظهر ورع عبد العزيز وتقواه في تصدير هذه المعاهدة بالبسملة، ولاشك أنه أرغم الإنجليز «الكفار» على قبولها!

وقد حاول محمد جلال كشك في كتابه المذكور آنفاً ابراز المعاذير لعبد العزيز على هذه الخيانة العظمى، واظهار عبقريته (!!)، وابداعه في المفاوضات التي أدت إليها، أما نحن فنشهد ونقطع أن الله جامع الناس ليوم لاريب فيه، ونترك المجادلة والمعاذير لذلك اليوم الذى تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون. أجارنا الله واياكم من خزى الدنيا وعذاب الآخرة انه جواد كريم.

ومن لطيف تقدير الله أن يسَّر مؤخراً كشف المزيد من الحقائق المبرهنة على علاقة عبد العزيز الوثيقة بالإنجليز عندما أقر طلال بن عبد العزيز آل سعود، ولد عبد العزيز نفسه، بأن أباه كان يستلم خمسة آلاف جنيه من بريطانيا شهرياً، لدعم خزينته المقفرة قبل بدء العهد النفطي الغني، وأقر أنه لا يعتقد أن بريطانيا كانت تعمل ذلك لوجه الله، أو لاعتبارات إنسانية أو أحلاقية، وإنما لضمان وحماية مصالحها.

وجاء منه هذا الإقرار، طائعا مختاراً، وعلناً جهاراً على رؤوس الأشهاد، وباستماع وشهادة الملايين من مشاهدي قناة «الجزيرة» الفضائية، التي استضافته لعدة حلقات من برنامجها: «شاهد على العصر» وذلك في الحلقة الأولى بتاريخ يوم الثلاثاء 9/9/1421 هـ، الوافق 5/12/2000م؛ وتجد هذا في أرشيف «الجزيرة»، أو عبر موقعها الإلكتروني في الشبكة العالمية:

http://www.aljazeera.net/programs/century_witness/ articles/2000/12/12-5-4.htm
  #14  
قديم 01-08-2006, 03:43 AM
حق وعدل حق وعدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
المشاركات: 138
إفتراضي

طبعاً حاول «الجرو» طلال الدفاع عن والده «الكلب» عبد العزيز مصنفاً عمله على أنه «دهاء» سياسي، وحسن إدراك لموازين القوى، وأنه لم يقدم للإنجليز أي خدمة تكون في نفس الوقت خيانة لدينه وأمته ووطنه. نعم: من حقه أن يجادل، أما نحن فنشهد ونقطع، مراراً وتكراراً، أن الله جامع الناس ليوم لاريب فيه، ونترك المجادلة والمعاذير لذلك اليوم الذى تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.

انتهت الحرب الأولى وشاركت فيها عصابة الخيانة والتآمر وهم: الشريف حسين، وأولاده، وعبد العزيز، وآل الصباح، مع بريطانيا في قتل الاتراك المسلمين، والقضاء على دولة الخلافة، وتمكين الكفار من رقاب المسلمين، وقد تم لهم ذلك كله.

وقد تولى كبر تلك الجريمة الشريف حسين، واقتصر دور عبد العزيز على المراقبة والتردد الحذر والحياد الفعال. كما اشتهر بشن الحملات اللفظية على الاتراك إلى الحد الذى استاء منه كثير من الناس، كاستياء أهل الكويت من تصريحاته تلك أثناء زيارته عام 1916م للكويت.

بعد نهاية الحرب، وهزيمة الدولة العثمانية، وأفول نجمها كلية، عادت الشجاعة إلى (أسد الجزيرة) فوالى حملاته على ابن رشيد حتى أحكم سيطرته على نجد.

أما غزو الحجاز الذى يطبل له آل سعود ويزمرون، ويصفونه بأنه عمل «توحيدي» عظيم، فلم يكن لاخلاص عبد العزيز وابداعه، ولكن بموافقة بريطانيا وبتشجيع منها، وذلك لأن الشريف حسين بدأ عشية الحرب الأولى يدرك فداحة غلطته في التحالف مع الانجليز، ومحاربته لتركيا، فبدأت مواقفه في التغير، وعلاقته مع أبناءه فيصل وعبد الله في التدهور، وكان لا يكف عن الشكوى من عمالتهما المطلقة للإنجليز.

وما أن هدمت الخلافة في عام 1924م حتى كان الشريف منازعاً وعدواً للإنجليز، فأوعز الإنجليز إلى عميلهم الخبيث حافظ وهبه مستشار الملك عبد العزيز آنذاك بتوجيه الضربة القاضية إليه، ولكن عبد العزيز ظل مترددا خائفاً حتى أعلنت بريطانيا رسميا وعلى رؤوس الاشهاد في الصحافة الإنجليزية وقوفها على الحياد بين النزاع بين عبد العزيز والشريف حسين.

فكان غزو الحجاز، فمذبحة الطائف، فحصار جدة الطويل الذى احسنت بريطانيا استغلاله لتسوية الحدود بين العراق والاردن، واقتطاع معان والعقبة من الحجاز، وألحاقها بالأردن. ثم كانت دعوة المؤتمر الإسلامي مخططا بريطانياً عبقرياً لنقل السلطة في الحجاز إلى عبد العزيز بموافقة العالم الإسلامي، فتظاهرت بعدم الرغبة، واوعزت لعملائها في الهند بارسال البرقيات التهديدية إليها لمنعها من وضع جدة تحت الحماية (كأن المسلمين في الهند لهم كبير أهمية أو وزن أو خطورة!؟) وإلى الملك فؤاد باعلان نفسه ملك على الحجاز إلى آخر تفاصيل تلك التمثيلية المؤسفة، وإن كانت محبوكة وحسنة الاخراج.

ثم كانت البيعة لعبد العزيز (وضعها عشرون من أهل جدة وثلاثون من أهل مكة) ملكاً للحجاز ولم ينس المبايعون طبعاً أن يضيفوا الأكليشية التقليدية (على كتاب الله وسنة رسوله)، حتى ولو كانت البيعة «ملكا وراثياً» على الحجاز مناقضة تمام المناقضة لكتاب الله وسنة رسوله.

والجدير بالذكر أن اجتياح الحجاز من قبل عبد العزيز لا يختلف في شئ عن اجتياح صدام للكويت، من حيث عدم انسجامه مع «القانون» الدولي، ولكن بريطانيا، سيدة الدنيا آنذاك، أذنت ورضت، في حين أن أمريكا، سيدة الدنيا هذه الأيام، لم تأذن وتدخلت. فما أسهل تحول «الحق» إلى «باطل»، وبالعكس، إذا وافق أهواء الدول الكبرى، وبالأخص الدولة الأولى في العالم!

على كل حال استقرت الأمور لبريطانيا ــ سيدة البحار ــ في بلاد المسلمين ولعبد العزيز بن عبد الرحمن نائباً عنها في جزيرة العرب، سيداً للبادية، وسيفاً يلوح به أمام محاولات ايطاليا للوصول الى نقطة الإرتكاز في الجزيرة العربية بواسطة أمام اليمن، ولكن عبد العزيز نجح في أفشال تلك المخططات وازال الدولة الادريسية من الوجود، وابتلع أراضيها كما فعل بالحجاز من قبل، في خطوة «توحيدية» عبقرية أخرى، كما يؤكد عملاء آل سعود.

في تلك الأثناء بدأ خطر «الإخوان» في إزدياد وظهر أن الصدام بينهم وعبد العزيز واقع لا محالة بالرغم من محاولات عبد العزيز للمراوغة وتجنب الصراع.

و«الإخوان» هو الاسم الذي اختاره أولئك الرجال الأشداء الذين نذروا أنفسه للجهاد في سبيل الله من المنتمين إلى قبائل نجد البدوية، وبالأخص إلى عتيبة ومطير، ثم قحطان وحرب وسبيع والدواسر، للتعبير عن اجتماعهم على الأخوة الإسلامية، وتبنيهم النداء الحربي: (أنا أخو من أطاع الله!)، بدلاً من النداءات القبلية في الحرب التي كان يتنادى بها آباؤهم.


أدركت بريطانيا خطر «الإخوان» فشكلت ادارة خاصة ضمن استخباراتها في العراق لرصد الاخوان وحركتهم، وكما أدركت أن تأخير الصدام فيه خطر شديد على مصالحها لأنه سينتهى حتماً بزيادة قوة الإخوان، وزيادة احتمال سقوط عبد العزيز ونشوء تهديد مباشر لكيانات الاردن والعراق، لذلك قررت بريطانيا القيام بسلسلة من الاعمال الاستفزازية للتعجيل بالصدام: فإن انتصر عبد العزيز فبها ونعمت، وإن كانت الأخرى فحصار الإخوان الذين لم تتح لهم الفرصة لتوسيع قاعدتهم الشعبية، واستكمال استعداداتهم للثورة، المنهكين بعد قتال عبد العزيز واسقاطه، أيسر وأسهل. فليست أعمال الاستفزاز البريطانية تستهدف اسقاط عبد العزيزــ كماتوهم محمد جلال كشك بسذاجة متناهية، أو زعمه، بمكر، عمداً لإضفاء الاستقلالية والأهمية على عبد العزيز ــ ولكنها تستهدف تسهيل القضاء على حركة الإخوان في أسرع فرصة وبأقل كلفة، وحماية مصالح بريطانيا. وما عبد العزيز ولا غير عبد العزيز الا أحجار على رقعة الشطرنج البريطانية وليس لرضائه على بريطانيا أو سخطه عليها أي قيمة في الصراع العالمي على مراكز النفود والمستعمرات!!

ووقع المقدور، وتم تدمير الإخوان، وضاعت فرصة أخرى لرفع رايات الجهاد، وقصم ظهر الكفر، وابعاد بريطانيا سيدة البحارــ العاجزة برياً ــ عن دار الإسلام.

وبالرغم من تآمر عبد العزيز مع الانجليز وعدم مبالاته بالإسلام، إلا إذا كان خادماً لهواه ومقصوده الاسمى وهو طلب الدنيا والملك لنفسه، الا أنه حتى القضاء على الإخوان لم يجسر على اظهار الكفر البواح، ولم يكن يظهر ميوله القومية العنصرية الخبيثة النتنة (التي اظهرها محمد جلال كشك ـ ذو الميول القومية ــ بجلاء، وكال لها الثناء!) لم يكن يظهر تلك الميول الا في أضيق الحدود، وعلى نحو خبيث ماكر، لا يظهر منه تعارضها مع الإسلام.

ولكن بعد القضاء على الإخوان، بدأ العد التنازلي نحو ازالة النظام الشرعي في البلاد، أى ازالة سيادة الإسلام، وادخال أنظمة الكفر البواح.

في/12جمادى الأولى / 1351هــ الموافق /10 9 / 1932م اجتمع لفيف من كبار شخصيات الحجاز بإيعاز من عبد العزيز ــ بطبيعة الحال ــ فرفعوا إلى «جلالته» مطالب «المواطنين» بإعلان الوحدة بين مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملاحقاتها نهائيا وتغيير اسمها إلى المملكة العربية السعودية. واستجاب عبد العزيز ــ كعادته! ــ لمطالب الشعب، فاصدر مرسوماً باعتماد التسمية المقترحة وبتكليف مجلس الوكلاء بالشروع في وضع نظام أساسي للمملكة، ونظام لتوارث العرش ونظام لتشكيلات الحكومة.

ولكن أعضاء المجلس ــ العصاة!! ــ اكتفوا في أجتماعهم يوم السادس عشر من محرم 1352هـ الموافق11مايو1933 بمبايعة سعود بن عبد العزيز ولياً للعهد.

ولكنهم كانوا في غاية الطاعة في المسارعة بوضع نظام التابعية القائم على اساس العنصرية القبلية وتمزيق المسلمين إلى أمم متعددة، ودول متعددة، وهو نظام كفري يناقض، في اساسه وجملته وتفصيله، نظام التابعية في الدولة الاسلامية الذى اشرنا إليه في السابق، والذي فصلنا بعض أحكامه في الملحق. وبذلك يكون الكفر البواح قد ظهر، وخرج نظام الدولة عن كونه نظاما اسلاميا، ثم تتابعت نظم المحاكم التجارية والعمل والعمال والمصارف والمحاكم المصرفيه وقوانين الرشوة والتزوير والقضاء المتعلق بها... وغيرها مما لا يعد ولايحصى من النظم التي زادت نظام الكفر رسوخا ونظام الإسلام بعدًا عن التطبيق والواقع، حتى أصبح مجهولاً للغالبية العظمى من الناس، بعيدًا عن تصورهم مشابهًا لعالم الخيالات والأوهام.
  #15  
قديم 01-08-2006, 03:43 AM
حق وعدل حق وعدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
المشاركات: 138
إفتراضي

ويجادل أنصار مشروعية النظام السعودي بأنه أحسن النظم الموجودة وأكثرها تطبيقًا للإسلام فهو أفضل بكثير من غيره، وأن كان الجميع يقرون بكثرة الفسق والانحراف في هذه الدولة خصوصا ًمن جانب الحكام.

هذا هو القول السائد عند الجمهور من جهلة المشايخ، وفسقة علماء السلاطين، ومعهم بداهة اكثر عوام المسلمين في داخل السعودية وخارجها.

ويتضح بطلان هذه المجادلات اذا علمنا أن كل ما يناقض المقطوع به من الإسلام هو كفر ولا جدال، سواءاً كان عقيدة أوشريعة سواء كان في مسألة واحدة أومسائل متعددة. فسب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا كفر، وفاعل ذلك متلفظ بكلمة الكفر ولا جدال، فإن كان مختاراً عالماً كفر وترتب على ذلك أحكام الكفر في الدنيا والآخرة وإن كان مختاراً جاهلاً أعلم وأقيمت عليه الحجة، وترتب على ذلك أحكام الكفر في الدنيا والآخرة، وإن كان مكرهاً وقلبه مطمئن بالإيمان لم يترتب على ذلك شىء من أحكام الكفر في الدنيا والآخرة، وفي جميع الأحوال يبقى التلفظ بسب النبي من كلام الكفر، والتلفظ بالكفر.

كذلك النظام الذي يستبيح الزنا ويأذن ببيوت البغاء فهو نظام كفر، أما الذى سن هذا النظام فهو مشرك كافر لأنه منازع لحق الربوبية، وأما من طبقه بأن حكم بهذا النظام فهو كافر مرتد، خارج عن الملة الإسلامية إن أعتقد أنه غير ملزم بحكم الإسلام في تحريم الزنا، أو أن حكم الإسلام ناقص، أو أن نظامه المبتدع هذا مساوي لنظام الإسلام في تحقيق مصالح العباد.

وينطبق مثل هذا تماماً على النظام الذى يسمح بالربا ويرخص ويحمى البنوك و المصالح الربوية. أما إن كان يطبقه وهو يعتقد حرمة الزنا والربا لكنه يظن أنه لا يستطيع تطبيق نظام الإسلام لفساد الاوضاع الإجتماعية، أو خشية تدخل الدول الأجنبية، أو غير ذلك من الظنون، فهو كافر ظالم فاسق. وقالت قلة من العلماء أن كفره ذلك كفر عملي، أي أنه كافر بكفر دون كفر، أو بكفر ليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، لا يخرج من الملة، ولكن الصحيح أنه كفر أكبر يخرج من الملة، ويحبط العمل، وقد أشبعنا هذه المسألة بحثاً في كتابنا: «كتاب التوحيد: أصل الإسلام، وحقيقة التوحيد»، فلتراجع!

وبغض النظر عن معتقد من سن النظام أو من يطبقه فأن النظام الذى يرخص للبغاء ويرخص ويحمى البنوك يبقى في جميع الأحوال نظام كفر، من حيث هو نظام مجرد، يناقض الإسلام كل المناقضة.

ووجود عقيدة كفر واحدة، أو تشريع كفر واحد، يكفي لجعل نظام الدولة نظام كفر، ودارها دار كفر، وهو مسقط لشرعيتها كلية، لأنه لا يجوز قطعاً الايمان ببعض كتاب والكفر ببعض، والأمر بالنسبة للنظم مثله بالنسبة للأفراد فكما أن الفرد يكفر إذا اعتقد عقيدة كفر واحدة بغض النظرعن معتقداته الأخرى، فكذلك ذلك.

ولقد أصبح النظام السعودي منذ انشاء المملكة العربية السعودية، وبعد سن نظام التابعية الكفري الخبيث، نظام كفر ولا جدال.

أما من الناحية الارتباط الدولي فقد بقى عبد العزيز على ارتباطه ببريطانيا حتى خرجت امريكا من عزلتها اثناء الحرب العالمية الثانية وظهر بما لا شك فيه أنها ستخلف بريطانيا في سيادة الدنيا، فسارع عبد العزيز إلى خطب ودها والترامي في أحضانها وبقى الحال كذلك الى قرب نهاية عهد ابنه الملك سعود بن عبد العزيز.

غير أن تبني أمريكا للنظم الثورية خصوصا نظام عبد الناصر، وعملها الجاد نحو تصفية بريطانيا وفرنسا وعملائهما في العالم الإسلامي، وتفكيرها جدياً في تصفية النظام السعودي الإقطاعي الذي عفى عليه الزمن ــ حسب وجهة نظرها ــ كل ذلك دفع الملك فيصل الى الرجوع إلى أحضان بريطانيا، والسير في مخططاتها، وتبني دعوة التضامن الاسلامي، وانشاء رابطة العالم الإسلامي لضرب القومية العربية وعبد الناصر، أي لضرب امريكا وعملائها، ولكن امريكا استطاعت في النهاية قتله واعادة إحكام القبضة على النظام السعودي.

ويمكن القول أن الأسرة السعودية، باستثناء عبدالله بن عبد العزيز و ابناء فيصل مع نفر قليل من بقية أجنحة الأسرة، متهالكون في العمالة لأمريكا، مخلصون لها، غير مدركين أنها تعد لهم «الذبح» إن آجلاً أو عاجلاً.

هذا «الذبح» قد اقترب الآن جداً، لا سيما بعد ظهور الكثير من المعلومات المؤكدة، والقرائن القوية، على مشاركة بعض أجنحة آل سعود في ما تسميه أمريكا بـ«الإرهاب»، بعد ضربة الحادي عشر من سبتمبر 2001م، التي صفعت الكرامة الأمريكية، وزلزلت ثقة الأمريكيين بأنفسهم، وشككتهم في أمنهم الذي كانوا يعتقدونه متحققاً مطلقاً في بلدهم، وأنهم بعيدون عن أي متناول، ولن تصل إليهم أي يد.

نعم: لقد أفقدت الصفعة أمريكا صوابها وتوازنها فلم يعد لها هاجس إلا تحقيق حلم «الأمن الأمريكي المطلق»، فهجمت لافتراس أفغانستان، وألغت اتفاقية «الحد من الأسلحة الاستراتيجي» من جانب واحد، وبدأت برامج تطوير سريعة للصواريخ المضادة للصواريخ، وأسلحة «حرب النجوم» الأخرى، وبدأت الدوائر الصهيونية تدق طبول الحرب على العراق في وتيرة تتزايد يوماً بعد يوم، والدوائر العلمانية الليبرالية و«الأصولية الإنجيلية» تعد لدق طبول الحرب على «آل سعود» وعلى «الوهابية»، مذهب دولتهم الرسمي!

أما عن فساد آل سعود، فلا حاجة لنا هنا في إطالة الكلام عنه، وعن عهرهم ودنسهم، وخمورهم ومخدراتهم ولواطهم، ونهبهم لمئات الألاف من الملايين من أموال المسلمين، وخيانتهم لوطنهم بل وتعريضهم «الملك»، الذي يحرصون عليه، ويكفرون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويحاربون الإسلام والمسلمين من أجل المحافظة عليه، وتعريضهم الدولة للخطر والفناء، بسرقتهم الاموال المخصصة للدفاع. هذه السرقات، وإن كانت معلومة للمخلصين من حملة الدعوة الإسلامية منذ زمن بعيد، قد ظهرت للعيان عند انهيار هذه الأسرة وتراميها بدون قيد أو شرط تحت اقدام امريكا وقبولها بالإستعمار الامريكي المباشر أثناء أزمة الخليج الأخيرة فيما يسمَّى بحرب «تحرير الكويت».
  #16  
قديم 01-08-2006, 03:46 AM
حق وعدل حق وعدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
المشاركات: 138
إفتراضي

الباب الثاني
مقدمات شرعية


الحكم الشرعي لا يمكن معرفته إلا بفهمين: معرفة الواقع ومعرفة حكم الله تعالى فيه، كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (ولايتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم: أحدهما:فهم الواقع فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والإمارات والعلامات، حتى يحيط به علماً، والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر) (إعلام الموقعين 1/87 - 88)، وكما قال ابن تيمية عندما سئل عن حكم التتار، فبيّن أن الحكم الشرعي مبني على أصلين أحدهما: المعرفة بحالهم، والثاني: معرفة حكم الله في أمثالهم (مجموعة الفتاوى 28/544). وكذا قال الشاطبي في الموافقات (ج4/165) فله كلام رائع راجعه هناك، ولقد كنانظن أن إحجام طلبة العلم وأهله عن إصدار الحكم الشرعي في حق النظام السعودي هو بسبب عدم معرفتهم بالشق الأول (فهم الواقع) وذلك بسبب تلبيس النظام عليهم، بتزوير حقيقته وطمسها بمجموعة من المحسّنات الظاهرة، فكان دورنا منصبّاً في كشف هذه الممارسات والسياسات التي يجهلها طلبة العلم، وقد أجمع العلماء على وجوب كشف المنافقين والمبتدعين، أنظر فتاوى ابن تيمية (28/233). وقد سئل الإمام أحمد: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف، فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل، (السابق). ومع أن مجتمع الجزيرة العربية قد كثر فيه طلبة العلم إلا أن انشغالهم بالعلم وطلبه أبعدهم عن معرفة الواقع وحقيقته، وهذا قد يقع من طلبة العلم وأهله كما نبّه جماعة من السلف والعلماء على ذلك، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في مواطن من الفتاوى، إلا أننا اكتشفنا أن كثيراً من أهل العلم وطلبته قد أحجموا عن تنزيل حكم الله تعالى على هذا الواقع، وأسباب هذا الإحجام متفاوتة، فهناك مجموعة منهم رضيت لنفسها مقام التقليد، حيث تنتظر من غيرها هذا التنزيل لتكون التالية، لا السابقة في هذه الفضيلة، وهناك من يخاف الأثر المترتب على هذا التنزيل، ويزعم أن نشر حكم الله تعالى في النظام سيؤدي إلى فتنة لا تدرى نتائجها، وكأن هذا الصنف ظن أن معرفة حكم الله تعالى «شر» فلابدّ من ستره وتغييبه، وفي هؤلاء يقول محمد بن وضاح رحمه الله تعالى في كتابه «البدع والنهي عنها»، (ص59): (إنما هلكت بنو إسرائيل على أيدي قرائهم وفقهائهم، وستهلك هذه الأمة على أيدي قرائها وفقهائها) أهـ. وحكم الله تعالى فيه النجاة والسعادة حقيقة.

يقول العلامة الشيخ الإمام سعد بن حمد بن عتيق، رحمه الله، كما هو في «الدرر السنية»: [فلو اقتتلت البادية والحاضرة، حتى يذهبوا، لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتاً، يحكم بخلاف شريعة الإسلام، التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم!]، وقد صدق، قدس الله سره، فإنه ما خلق الخلق إلا للعبودية، التي هي التذلل والخضوع والطاعة والاتباع لأحكام الشرع المنزل، فإذا ظهر الكفر البواح، ولم تعد كلمة الله هي العليا، وحكم الطاغوت، فزوالهم، بل زوال الدنيا كلها، أهون من الرضا بذلك، الذي هو الكفر المؤدي إلى اللعنة الأبدية، والنار السرمدية. أما الأكل، والشرب، والنكاح، ورغد العيش الدنيوي فإنما خلقت له البهائم!

وقال في موضع آخر: [فلو ذهبت دنياك كلها، لما جاز لك المحاكمة إلى الطاغوت لأجلها، ولو اضطرك مضطر، وخيرك بين أن تحاكم إلى الطاغوت، أو أن تبذل دنياك، لوجب عليك البذل، ولم يجز لك المحاكمة إلى الطاغوت، والله أعلم]، وقال في موضع ثالث راداً على من زعم أنه يتحاكم إلى الطاغوت خوفاً من أن يعتدي بعض الناس على بعض، وأن يقتل بعضهم بعضاً (أي خشية «الفتنة» على حد تعبير ابن باز، وأضرابه): [يظهر فساد هذه الشبهة الشيطانية بتقرير ثلاثة مقامات، المقام الأول: أن الفساد الواقع في الأرض، من قتل النفوس، ونهب الأموال إنما هو بسبب إضاعة أوامر الله، وارتكاب نواهيه، كما قال تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} ... إلخ].

والجدير بالذكر أن الشيخ سعد بن عتيق، رحمه الله، كان، كعامة المشيخة النجدية، مغتراً بالملك عبد العزيز آل سعود، طاغوت الجزيرة الأسبق، في أول الأمر، غير أن الثقات أخبرونا: أنه ما مات حتى تبين له عمالة عبد العزيز للكفار، وتبديله للشرائع، فندم على نصرته له في مواجهة «الإخوان»، وتبرأ منه، ويقال أنه كتب رسالة قيمة (ما زالت مخطوطة طبعاً) في تكفيره، ولكنها لم تقع لنا مع طول البحث. وهذا هو حال العلماء، ورثة الأنبياء، بحق: الرجوع إلى الحق عند بيانه، فرحمه الله رحمة واسعة، ورفع درجته في الصديقين!

وعلى ضوء هذا فإننا نجد أننا ملزمون بالحديث بشكل تفصيلي عن حقيقة النظام، وحكم الله تعالى فيه، وأين هو في دين الله تعالى؟ وما هو موقف الأمة منه وكيف تتعامل معه؟ أي ملزمون بالحديث عن كلا الشقين: الواقع، والشرع.

وقبل الشروع في هذه الأمور، لابدّ من تحديد بعض الثوابت والمقدمات حتى لا يلتبس الحال أو تفهم الأمور على غير محلها، هذه المقدمات هي:

أولاً: أننا لا نقبل حكماً ولا اعتقاداً إلا بدليل شرعي، والدليل الشرعي عندنا هو الكتاب والسنة، وهما ميسران للذكر بلسان عربي مبين، حفظ ونقل لنا نقل التواتر، وما عداه فليس بحجة في ذاته، بل هو محتاج بنفسه إلى دليل. وكل ما هو خارج الكتاب والسنة فهو رأي، والرأي يخطئ ويصيب، ويؤخذ منه ويرد عليه، وعلى الرغم من أن هذا الكلام يبدو أمراً لا جدال حوله، إلا أنه في الحقيقة في عداد المهجور رغم ترداد العلماء له بألسنتهم، وترى كثيراً منهم يرفع شعار [كل ما هو خارج النص فهو رأي والرأي ليس بملزم]. ثم تجدهم عند التطبيق يتعاملون مع آراء أهل الفتوى والقضاء وكأنها دين يجب التزامه، ويعتبرون الخروج على هذه الآراء معصية، بل معصية كبيرة، بل تراهم يضربون بأدلة الشرع عرض الحائط، ويستدلون بحجج واهية داحضة، وشبهات شيطانية خاسئة، كقولهم: [نحن أحسن من غيرنا]، أو كقولهم: [لا تعكروا علينا الأمن والأمان ورغد العيش]، وهذا يلجئهم إلى تصيد الأقوال الساقطة الشاذة التي لا تمت إلى الدليل الشرعي بصلة، وذلك لتبرير أفعال النظام السعودي، وغيره، وإسباغ الشرعية عليه بطريقة لا تقبل من طالب علم فضلاً عن العلماء، كموقف بعضهم من الربا المستعر المنتشر في البلاد، طولاً وعرضاَ، وغريب أمر هؤلاء يتمسكون بالنصوص الشرعية في قضايا الحيض والنفاس وزكاة الفطر، ويعرضون عن الحكم الشرعي في قضايا كالجبال في السياسة والحكم والقضاء، هذه القضايا التي تمسّ الأمة بأجمعها!

ثانياً: أن الحكم على النظام ليس حكماً على أفراده ورجاله، ولكنه حكم على النظام كله، كنظام حكم، وذلك بغض النظر عن أفراد وأعيان كل واحد فيه، وقد يعود الحكم العام على بعض أفراده، ولكن هذا لا يلزم أن يعود على جميع أفراده، وهذا أمر معروف لدى طلبة العلم (أنظر مجموع الفتاوى 28/505). فنحن ها هنا لا نتكلم عن أفراد وشخوص، ولكننا نتكلم عن حكم النظام وموقعه من الإسلام، فلا يعترض على كلامنا بوجود بعض أهل الاستقامة فيه، ثمّ لا يقال بعد ذلك ما حكم فلان أو غيره من رجال النظام، لأننا نتحدث عن هذا الكيان كله، ومقدار قربه وبعده عن الشريعة، أي أننا نتكلم عن النظام بوصفه «شخصية معنوية».

ومعلوم أن الطوائف الحاكمة تعامل في دين الله تعالى معاملة عامة بحسب ما اجتمعت عليه، بغض النظر عن أفرادها (أنظر الأحكام السلطانية للماوردي ص55، 56، والفتاوى لشيخ الإسلام 28/349).

ثالثاً: حكم الله تعالى في نازلة من النوازل لا يؤخذ من دليل واحد، وقد وجد غيره، فلا بدّ من إعمال الأدلة الواردة في المسألة جميعها، والذين يأخذون ببعض النصوص دون غيرها هم أهل البدع، وأغلب أهل البدع أخذوا بعض النصوص وردوا الباقي، كما هو شأن الجبرية والخوارج، وأما أهل السنة حقاً فهم أهل الهدى، وسبيلهم إعمال النصوص جميعاً دون إهمال لواحد منها، وذلك بعد ثبوت صحتها، ونقول هذا الأمر لما نرى من تجاهل البعض لبعض الأحاديث النبوية الشريفة في سعيهم الشديد للدفاع عن النظام والحكام. فلماذا توضع الأيدي على حديث: «لتأطرنه على الحق أطراً، ولتقصرنه على الحق قصراً»، لحجبه ومنع اطلاع الناس عليه، على طريقة «الحبر» اليهودي الذي وضع يده على آية الرجم في التوراة. ولماذا يعرض عن أحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذه الأحاديث النبوية نصوص يوافق بعضها بعضاً، ولابد من استحضارها في مجال البحث عن موقف المسلم من الحاكم، كائناً من كان هذا الحاكم.

رابعاً: دين الله تعالى، دين شامل، لا يخرج عن هيمنته شيء من شؤون الدنيا والآخرة، فرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي علمنا كيفية الأكل والشرب بل ما هو أدق منهما، لا يعقل أن يترك للناس ما هو من عظائم الأمور كشؤون السياسة والحكم، فيتلاعب بها الحكام تحت دعوى الضرورة السياسية، أو تحت دعوى المصلحة الموهومة. ولذلك من اعتقد أن للحاكم الحق في إصدار التشريعات والقوانين التي تخالف دين الله تعالى، ثم أوجب على الناس التزامها هو بلا شك كافر مرتد، كما قرر أهل العلم، قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى: [إن هؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم وجوب الطاعة من دون الله كلهم كفار مرتدون عن الإسلام، كيف لا؟ وهم يحلون ما حرم الله، ويحرمون ما أحل الله، ويسعون في الأرض فساداً بقولهم وفعلهم وتأييدهم، ومن جادل عنهم أو أنكر على من كفّرهم، أو زعم أن فعلهم هذا لوكان باطلاً فلا يخرجهم إلى الكفر، فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق لأنه لا يصح دين الإسلام إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم]، (الرسائل الشخصية ص188). ولذلك يجب عرض كل شؤون الحكم والقضاء وأنظمة الاقتصاد والعلاقات الخارجية والشؤون الداخلية على الشرع، ولا يخرج عن الشرع شيء منها ومن ادعى أن شيئاً من ذلك هو بيد الحاكم، ولا سلطان للشرع عليه، فهو كافر ملعون، خارج من الملّة.

خامساً: إن معرفة حكم الله تعالى في النظام والحكم هو أمر واجب، لما يترتب عليه من قضايا هي من صميم الإيمان والتوحيد، أما ما يترتب على ذلك من أحكام عملية فهذا باب آخر يتعلق بالقدرة والإعداد واستكمال الشروط وانتفاء الموانع، لكن يلزم وجوب بيان حقائق الإسلام جميعها، وأركان التوحيد كلها، حتى تتميز الصفوف ولا تشتبه المفاهيم والرايات، فالبيان هو عهد الله إلينا: {لتبيننّه للناس ولا تكتمونه}، ومحاولة كتم الحق فيما يتعلق بأهم مسائل الدين تحت أي دعوى مسألة مرفوضة، كمحاولة الإرهاب الفكري الذي يمارسه بعض الشيوخ والعلماء بقولهم إن كشف حقائق الحكام يؤدي إلى الخروج والفتنة، فهذا أمر مرفوض، لأن الفتنة العظمى هي كتم الحق وتزويره وليس بيانه.

بعد هذه الثوابت والمقدمات نقول: إن معرفة حكم الله تعالى في الحكم والنظام مناطها ومرجعها إلى معرفة قيام الحكم بالواجبات التي فرضها الله عليه، فالإمامة إنما شرعت في الإسلام لتحقيق مقاصد شرعية ضرورية ومهمة. هذه الواجبات والمقاصد هي التي نريد أن نستعرضها ثم نتعرف على أداء النظام السعودي لنرى قربه وبعده عن هذه الواجبات والمقاصد، فهل النظام حقاً قام بما أمره الله به؟ أم أنه تتبع هذه الأوامر فنقضها الواحدة تلو الأخرى، وأتى على ضدها رعاية وصيانة وحماية ؟

إن مقاصد الشريعة لا تتحقق إلا بتطبيق الحكم الشرعي، ورأس الحكم الشرعي هو إقامة الحكم بما أنزل الله ونبذ ما سواه، ثم قيام النظام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة العدل في الأحكام والقضاء، وإقامة شعائر الإسلام الظاهرة ورعايتها، والتعامل مع رعيته وغيرهم على أساس الحكم الشرعي، وحفظ المال العام، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم أجمع وغيرها مما هو مذكور في كتب السياسة الشرعية.
  #17  
قديم 01-08-2006, 03:49 AM
حق وعدل حق وعدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
المشاركات: 138
إفتراضي

قبل أن نُقوّم حقيقة النظام السعودي نُقدّم بعض القواعد الهامة في هذا الجانب:

أولاً: وجوب الحكم بما أنزل الله ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، بل معلوم من الدين بالضرورة، قال تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيماً} (النساء؛ 4:105) . قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : [ليس لأحد أن يحكم بين أحد من خلق الله لا بين المسلمين ولا الكفار ولا غير ذلك إلا بحكم الله ورسوله، ومن ابتغى غير ذلك تناوله قوله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}، وقوله تعالى : {فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليماً}]، مجموع الفتاوى (35/407 - 408). وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: [وتحكيم شرع الله وحده دون كل ما سواه، شقيق عبادة الله وحده دون ما سواه، إذ مضمون الشهادتين أن الله هو المعبود وحده لا شريك له، وأن يكون رسوله هو المتبع المحكم ما جاء به فقط. ولا جُردت سيوف الجهاد إلا من أجل ذلك والقيام به فعلاً وتركاً وتحكيماً عند النزاع] عن فتاوى الشيخ (12/251).

ثانياً: ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن التحاكم إلى غير ما أنزل الله تحاكم إلى الطاغوت. وأن سن التشريعات المخالفة لحكم الله، أياً كان اسمها، هو من الكفر البواح. قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: [فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر] عن منهاج السنة النبوية (3/22)، وقال: [والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه، أو حرّم الحلال المجمع عليه، أو بدّل الشرع المجمع عليه، كان مرتداً]، (مجموع الفتاوي 3/267)، وقال ابن القيم رحمه الله: [من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء عن الرسول فقد حكم بالطاغوت وتحاكم إليه، وقد أمرنا سبحانه باجتناب الطاغوت قال سبحانه: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها}، فالاحتكام إلى شريعة الطاغوت هو نوع من أنواع العبادة التي أمر الله بهجرها واجتنابها]، (إعلام الموقعين ج1 ص49) . وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ: [من دعا إلى تحكيم غير الله ورسوله فقد ترك ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ورغب عنه وجعل لله شريكاً في الطاعة وخالف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمره الله تعالى به في قوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك}، وقوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليماً}]. (فتح المجيد ص392). ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في تفسير هذه الآية: [وقد نفى الله الإيمان عمن أراد التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من المنافقين كما قال تعالى: {ألم تر إلى الذين آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً}] (رسالة تحكيم القوانين).

ثالثاً: الالتزام بحكم الله يقتضي هيمنة الشرع على كل نظام وقانون وهيئة ومحكمة ومؤسسة. وإقرار أي قانون مخالف للشرع حتى لو كان فرعياً أو صغيراً هو من الحكم بغير ما أنزل الله، ويترتب عليه ما يترتب على ذلك. قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى: [كل بدعة - وإن قلّت - تشريع زائد أو ناقص، أو تغيير للأصل الصحيح، وكل ذلك قد يكون ملحقاً بما هو مشروع، فيكون قادحاً في المشروع، ولو فعل أحد مثل هذا في نفس الشريعة عامداً لكفر، إذ الزيادة والنقصان فيها أو التغيير - قل أو كثر - كفر، فلا فرق بين ما قلّ أو كثر]، (الاعتصام 2/61). قال الجصاص: [إن من ردّ شيئاً من أوامر الله تعالى، أو أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو خارج من الإسلام، سواء ردّه من جهة الشك فيه، أو من جهة ترك القبول والامتناع عن التسليم]، (أحكام القرآن 2/214). وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رسالته إلى أمير الرياض: [واعتبار شيء من القوانين للحكم بها، ولو في أقل القليل، لا شك أنه عدم رضاً بحكم الله ورسوله، ونسبة حكم الله ورسوله إلى النقص، وعدم القيام بالكفاية في حل النزاع وإيصال الحقوق إلى أربابها، وحكم القوانين إلى الكمال وكفاية الناس في حل مشاكلهم، واعتقاد هذا كفر ناقل عن الملة. والأمر كبير مهم وليس من الأمور الاجتهادية[، (مجموع فتاوى الشيخ، راجع الملحق!) .

رابعاً: سن القوانين والأنظمة واللوائح الوضعية، وإقامة المحاكم أو الهيئات التي تحكم بها، هو لاشك من الحكم بغير ما أنزل الله، ويترتب عليه ما يترتب على ذلك، قال تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون؟! ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: [ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناه عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيره، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد هواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله هليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر، يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير] أ.هـ.

ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: [إن من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين، على قلب محمد صلى الله عيه وسلم ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين]. ويقول العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في «أضواء البيان»: [تحكيم النظام المخالف لتشريع خالق السموات والأرض في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم كفر بخالق السموات والأرض ،وتمرد على نظام السماء، الذي وضعه من خلق الخلائق كلها، وهو أعلم بمصالحها، سبحانه وتعالى أن يكون معه مشرع آخر علواً كبيراً {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}، {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالا، قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون}] أضواء البيان (4/84). ويقول الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله في تعليقاته على كتاب التوحيد في شأن مُحَكِّم القوانين الوضعية: [فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها، ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله، ولا ينفعه أي اسم تسمى به، ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها]، من فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد، هامش ص (3/396). ويقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحكيم القوانين الوضعية: [فهذا الفعل إعراض عن حكم الله، ورغبة عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة، على اختلافهم، في تكفير القائل به والداعي إليه] عمدة التفسير (4/157).
  #18  
قديم 01-08-2006, 03:49 AM
حق وعدل حق وعدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
المشاركات: 138
إفتراضي

قبل أن نُقوّم حقيقة النظام السعودي نُقدّم بعض القواعد الهامة في هذا الجانب:

أولاً: وجوب الحكم بما أنزل الله ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، بل معلوم من الدين بالضرورة، قال تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيماً} (النساء؛ 4:105) . قال ابن تيمية رحمه الله تعالى : [ليس لأحد أن يحكم بين أحد من خلق الله لا بين المسلمين ولا الكفار ولا غير ذلك إلا بحكم الله ورسوله، ومن ابتغى غير ذلك تناوله قوله تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}، وقوله تعالى : {فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليماً}]، مجموع الفتاوى (35/407 - 408). وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: [وتحكيم شرع الله وحده دون كل ما سواه، شقيق عبادة الله وحده دون ما سواه، إذ مضمون الشهادتين أن الله هو المعبود وحده لا شريك له، وأن يكون رسوله هو المتبع المحكم ما جاء به فقط. ولا جُردت سيوف الجهاد إلا من أجل ذلك والقيام به فعلاً وتركاً وتحكيماً عند النزاع] عن فتاوى الشيخ (12/251).

ثانياً: ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن التحاكم إلى غير ما أنزل الله تحاكم إلى الطاغوت. وأن سن التشريعات المخالفة لحكم الله، أياً كان اسمها، هو من الكفر البواح. قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: [فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر] عن منهاج السنة النبوية (3/22)، وقال: [والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه، أو حرّم الحلال المجمع عليه، أو بدّل الشرع المجمع عليه، كان مرتداً]، (مجموع الفتاوي 3/267)، وقال ابن القيم رحمه الله: [من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء عن الرسول فقد حكم بالطاغوت وتحاكم إليه، وقد أمرنا سبحانه باجتناب الطاغوت قال سبحانه: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها}، فالاحتكام إلى شريعة الطاغوت هو نوع من أنواع العبادة التي أمر الله بهجرها واجتنابها]، (إعلام الموقعين ج1 ص49) . وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ: [من دعا إلى تحكيم غير الله ورسوله فقد ترك ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ورغب عنه وجعل لله شريكاً في الطاعة وخالف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمره الله تعالى به في قوله: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله، ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك}، وقوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليماً}]. (فتح المجيد ص392). ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في تفسير هذه الآية: [وقد نفى الله الإيمان عمن أراد التحاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من المنافقين كما قال تعالى: {ألم تر إلى الذين آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً}] (رسالة تحكيم القوانين).

ثالثاً: الالتزام بحكم الله يقتضي هيمنة الشرع على كل نظام وقانون وهيئة ومحكمة ومؤسسة. وإقرار أي قانون مخالف للشرع حتى لو كان فرعياً أو صغيراً هو من الحكم بغير ما أنزل الله، ويترتب عليه ما يترتب على ذلك. قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى: [كل بدعة - وإن قلّت - تشريع زائد أو ناقص، أو تغيير للأصل الصحيح، وكل ذلك قد يكون ملحقاً بما هو مشروع، فيكون قادحاً في المشروع، ولو فعل أحد مثل هذا في نفس الشريعة عامداً لكفر، إذ الزيادة والنقصان فيها أو التغيير - قل أو كثر - كفر، فلا فرق بين ما قلّ أو كثر]، (الاعتصام 2/61). قال الجصاص: [إن من ردّ شيئاً من أوامر الله تعالى، أو أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو خارج من الإسلام، سواء ردّه من جهة الشك فيه، أو من جهة ترك القبول والامتناع عن التسليم]، (أحكام القرآن 2/214). وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رسالته إلى أمير الرياض: [واعتبار شيء من القوانين للحكم بها، ولو في أقل القليل، لا شك أنه عدم رضاً بحكم الله ورسوله، ونسبة حكم الله ورسوله إلى النقص، وعدم القيام بالكفاية في حل النزاع وإيصال الحقوق إلى أربابها، وحكم القوانين إلى الكمال وكفاية الناس في حل مشاكلهم، واعتقاد هذا كفر ناقل عن الملة. والأمر كبير مهم وليس من الأمور الاجتهادية[، (مجموع فتاوى الشيخ، راجع الملحق!) .

رابعاً: سن القوانين والأنظمة واللوائح الوضعية، وإقامة المحاكم أو الهيئات التي تحكم بها، هو لاشك من الحكم بغير ما أنزل الله، ويترتب عليه ما يترتب على ذلك، قال تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون؟! ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}، يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: [ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناه عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيره، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد هواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله هليه وسلم، فمن فعل ذلك فهو كافر، يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير] أ.هـ.

ويقول الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: [إن من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين، على قلب محمد صلى الله عيه وسلم ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحكم به بين العالمين والرد إليه عند تنازع المتنازعين]. ويقول العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في «أضواء البيان»: [تحكيم النظام المخالف لتشريع خالق السموات والأرض في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم كفر بخالق السموات والأرض ،وتمرد على نظام السماء، الذي وضعه من خلق الخلائق كلها، وهو أعلم بمصالحها، سبحانه وتعالى أن يكون معه مشرع آخر علواً كبيراً {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}، {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالا، قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون}] أضواء البيان (4/84). ويقول الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله في تعليقاته على كتاب التوحيد في شأن مُحَكِّم القوانين الوضعية: [فهو بلا شك كافر مرتد إذا أصر عليها، ولم يرجع إلى الحكم بما أنزل الله، ولا ينفعه أي اسم تسمى به، ولا أي عمل من ظواهر أعمال الصلاة والصيام والحج ونحوها]، من فتح المجيد، شرح كتاب التوحيد، هامش ص (3/396). ويقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحكيم القوانين الوضعية: [فهذا الفعل إعراض عن حكم الله، ورغبة عن دينه، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة، على اختلافهم، في تكفير القائل به والداعي إليه] عمدة التفسير (4/157).
  #19  
قديم 01-08-2006, 03:49 AM
حق وعدل حق وعدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
المشاركات: 138
إفتراضي

خامساً: إن هناك فرقاً كبيراً بين من يقصّر حيناً، ويتجاوز حينا،ً ويظلم حيناً آخر، لجهل، أو لمحاباة، أو لهوى، وبين من يسن الأنظمة ويجعلها تشريعاً ملزماً للناس ويؤسس لها المحاكم والهيئات والمجالس. ومن الضروري التفريق بين الصنفين لأن الصنف الأول رغم أنه جريمة كبيرة، إثمها عظيم، فقد لا يكون كفراً أكبر ناقلاً عن الملة، أما الثاني فهو بلا شك كفر أكبر ناقل عن الملة. قال الشيخ محمد بن إبراهيم في الصنف الأول: [أما الكفر الذي لا ينقل عن الملة، والذي ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما بأنه كفر دون كفر، وقوله أيضاً: «ليس بالكفرالذي تذهبون»، فذلك مثل أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله، مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق، واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى، وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملّة، فإنه معصية عظمى أكبر من الكبائر كالزنا وشرب الخمر والسرقة وغيرها، فإن معصية سماها الله في كتابه كفرا، أعظم من معصية لم يسمّها الله كفراً]، (الرسالة ص8). وقال في وصف الصنف الثاني: [وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ورسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعداداً وإمداداً، وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً، وحكماً وإلزاماً ومراجع ومستندات، فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع ومستندات، مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي والقانون الأمريكي والقانون البريطاني، وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة، وغير ذلك، فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيّأة مكملة، مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم الكتاب والسنة، من أحكام ذلك القانون، وتلزم به، وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم، فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة لشهادة أن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة]، (الرسالة ص 7).

سادساً: مجرد زعم الحاكم أو النظام أنه يحكم بالإسلام ويطبق الشريعة لا يُغني شيئاً إذا كان يحتكم إلى غير شرع الله، قال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أمروا أن يكفروا به، ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً}. وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ في تفسير هذه الآية: [فمن خالف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل الله، أو طلب ذلك اتباعاً لما يهواه ويريده، فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه، وإن زعم أنه مؤمن، فإن الله تعالى أنكر على من أراد ذلك وأكذبهم في زعمهم الإيمان لما في ضمن قوله: {يزعمون} من نفي إيمانهم، فإن يزعمون إنما يُقال غالباً لمن ادعى دعوى هو فيها كاذب لمخالفته لموجبها وعمله بما ينافيها، يحقق هذا قوله: {وقد أمروا أن يكفروا به} لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد، كما في آية البقرة، فإذا لم يحصل هذا الركن لم يكن موحداً والتوحيد هو أساس الإيمان الذي تصلح به جميع الأعمال، وتفسد بعدمه، كما أن ذلك بيّنٌ في قوله تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى}، وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به]، فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص 393). وقال الشيخ محمد بن إبراهيم في تفسيرها: [فإن قوله عز وجل: {يزعمون} تكذيب لهم فيما ادعوه من الإيمان، فإنه لا يجتمع التحاكم إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع الإيمان في قلب عبد أصلاً بل أحدهما ينافي الآخر، والطاغوت مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، فكل من حكم بغير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، أو حاكم إلى غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فقد حكم بالطاغوت وحاكم إليه]، (رسالة تحكيم القوانين).

بل إن مفتي آل سعود الحالي، عبد العزيز بن باز يقول بصراحة، في كلام متين: [وكل دولة لا تحكم بشرع الله، ولا تنصاع لحكم الله، فهي دولة جاهلية، كافرة، ظالمة، فاسدة، بنص هذه الآيات المحكمات، يجب على أهل الإسلام بغضها، ومعاداتها في الله! وتحرم عليهم مودتها، وموالاتها، حتى تؤمن بالله وحده، وتحكم شريعته] اهـ من (نقد القومية العربية). ونحن لا نستشهد بكلام مفتي آل سعود لأنه حجة عندنا، فهو ليس كذلك: فليس هو بحجة، ولا هو بثقة، ولا مأمون، ولا كرامة، ولا لنتكثر به، هو وأمثاله من فقهاء السلاطين، لا كثَّرهم الله، ولكن لنقيم عليه الحجة أمام عامة الناس من نص لفظه، وإقراره على نفسه! فهل كان ما قاله حقاً في حق البائس جمال عبد الناصر، ثم انقلب باطلاً، لا يمكن تطبيقه على آل سعود، الزنادقة الفاجرين؟!

ومن هذا المنطلق نتوجه لنرى حال الحكم السعودي: هل جعل السيادة للشرع في الأنظمة والسياسات واقتصرت مخالفاته على بعض التقصير والتجاوز وبعض المظالم أما لجهل أو لمحباة أو لهوى، كما وقع لكثير من خلفاء المسلمين في التاريخ الإسلامي، أم أن الأصل في حكم آل سعود الحالي هو تعطيل سيادة الشرع وتحكيم القوانين والأنظمة غير الشرعية وحصر المحاكم الشرعية فيما يحال إليها من الحكام ثم تخويل الحكام وأمراء المناطق حق تعطيل الأحكام التي تصدرها تلك المحاكم أو إلغاءها. والمتأمل بدقة للواقع التشريعي وأحوال القوانين والأنظمة في المملكة لا يسعه إلا أن يخرج باستنتاج أكيد: أن واقع المملكة ينطبق تماماً، وبلا جدال على الحالة الثانية. ولكن الدولة تتهرب من كلمة تشريعات وقوانين وتستخدم بدلاً من ذلك عبارات أنظمة ولوائح، وتعليمات، وأوامر، ومراسيم، وهي في حقيقتها تشريعات كاملة بما تحويه كلمة تشريع من معنى، ففيها نصوص بالإيجاب، ونصوص بالمنع، ونصوص بالعقوبات، ونصوص بإباحة الحرام، وتحريم الحلال، والذي يدعي أنها مجرد أنظمة إجرائية ليس لديه من علم الشريعة ولا القانون شروى نقير.

من هذه الأنظمة: نظام الأوراق التجارية ونظام الشركات، ونظام العمل والعمال، ونظام مراقبة البنوك، ونظام الجنسية العربية السعودية (وهو نظام عنصري ملعون، وهو من أخبثها وأنتنها)، ونظام المطبوعات والنشر، ونظام المؤسسات الصحفية، ونظام الأحكام العامة للتعرفة الجمركية، ونظام الجيش العربي السعودي، ونظام العلم الوطني، وغيرها من القوانين والتشريعات، وغير ذلك مما سيأتي تفصيله فيما بعد.

والمتأمل لهذه الأنظمة يكتشف أن الإسلام في وادٍ وحكم آل سعود في واد آخر، فمصادر تشريع هذه الأنظمة كما تجد في مقدمة كل نظام منها أنها مستنبطة من مصادر غربية أو مجموعة من عدة مصادر قد تكون الشريعة من بينها. وتصل الوقاحة في بعض الأحيان أن تعتبر الشريعة مصدراً احتياطياً للتشريع كما في نظام هيئة تسوية المنازعات لدول مجلس الخليج العربي، وكما في المادة (185) من نظام العمل والعمال، كما نصت هذه الأنظمة على كل أشكال التشريع: فنظام الجيش العربي السعودي، ونظام الأوراق التجارية، ونظام مكافحة الرشوة، وغيرها كثير، فيها عدد كبير من العقوبات لا يمت للإسلام بصلة، ونظام الأوراق التجارية، ونظام الشركات وغيره، يحوي أشكالاً من فض المنازعات وأنماط الصلح المخالفة للشريعة جملة وتفصيلا، ونظام مراقبة البنوك يبيح بلا تحفظ جميع الأنشطة الربوية التي حرمت بالدليل القاطع من الكتاب والسنة، ويعتبرها محمية من قبل الدولة، بل لقد ورد فيه نصوص مخالفةً للشرع من جميع الوجوه، وأعطت الملك حق الربوبية الكامل، بلا تحفظ! تقول المادة (27) من نظام المحاكمات العسكرية: «ولصاحب الولاية (الملك) وحده حق تنفيذ الأحكام أو توقيفها أو استبدال حكم بحكم فيها». وسعياً لإمضاء هذه التشريعات والقوانين المسماة أنظمة فقد شكلت الدولة محاكم غير شرعية أسمتها لجاناً وهيئات ودواوين ومجالس ويشترط في أعضاء هذه المحاكم أن يكونوا متقنين لما ورد في تلك الأنظمة والقوانين لا أن يكونوا شرعيين.

وقد تقصّى أحد الباحثين هذه المحاكم فوجدها أكثر من ثلاثين لجنة أو هيئة كلها تمارس دوراً قضائياً مناهضاً للشرع، ومنها على سبيل المثال هيئة فض المنازعات المصرفية، والمحاكم التجارية، وديوان المحاكم العسكرية، وغيرها كثير. وهكذا فالمحاكم الشرعية عملياً محصورة في شؤون محدودة ومع ذلك فهي نفسها لا تسلم من هيمنة القوانين غير الشرعية فالقضاة الشرعيون ملزمون بالتزام تعميمات مجلس الوزراء، والوزارات المختصة، والإمارات، والبلديات، حتى لو خالفت تلك التعليمات الشرع. وأحكام القضاة المخالفة لتلك التعليمات أو للأنظمة المذكورة أعلاه غير نافذة أبداً، بل إن القاضي نفسه لا يمكن أن ينظر في كثير من القضايا إلا (حسب النظام) والنظام هو تصنيف القضايا بما يضمن حصار الشرع في حدود معينة وإطلاق يد القانون الوضعي في مساحات كبيرة. فهذا هو الواقع إذن: السيادة ليست للشرع والهيمنة ليست للإسلام، والقوانين والتشريعات غير الإسلامية، والمخالفة للشرع، قد سرت في معظم أنظمة الدولة، والقضاة الشرعيون محاصرون في دوائر صغيرة لا يستطيعون تجاوزها. فكيف يمكن أن يدعي مدعٍ أن هذه الدولة تطبق الشريعة أو تحكم بالإسلام، وكيف يشك طالب حق أن الاحتكام إلى تلك التشريعات احتكام إلى الطاغوت؟! ولعلنا أثبتنا هنا أن هذه المظاهرة للشرع ليست تجاوزاً عن هوى أو رغبة في الجبروت والظلم مع هيمنة الشرع، بل هي ترسيخ لغير شرع الله، وحصار لشرع الله، ولكن هل يمكن أن يكون ذلك جهلاً أو غفلة؟

والإجابة على ذلك سهلة وقصيرة وهي أن الحجة في العلم قد قامت على الحكام بلا شك ولا جدال فلقد وقف العلماء من أمثال الشيخ بن عتيق، والشيخ بن سعدي، والمفتي السابق الشيخ محمد بن إبراهيم رحمهم الله جميعاً في وجه تلك التشريعات بشكل صريح ودوّنت مراسلات الشيخ محمد بن إبراهيم في إنكار تلك القوانين والأنظمة والتحذير منها واحداً واحداً ( كما أثبتنا جزءاً يسيراً من ذلك في الملحق). وبدلاً من أن يرتدع آل سعود ويعملوا بنصيحة الشيخ محمد بن إبراهيم فقد منعوا، بالقوانين نفسها، وبأمر ملكي طبع وتوزيع مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم حتى لا يفتضح هذا الكفر والنفاق، وحديثاً قدم العلماء لهم النصيحة مرة أخرى بشكل منهجي ومركز في «مذكرة النصيحة» بطريقة لا تدع مجالاً لهم أن يدعوا الجهل وسوء الفهم فالحجة كما نراها قامت عليهم قطعاً بلا جدل.

وعلى كل حال فوجود العذر بالجهل، لا يغير من حقيقة الكفر البواح في حد ذاته! فالكفر يبقى كفراً بغض النظر عن عذر فاعله أو عدم عذره. وهذ ا العذر أو عدمه إنما يؤثر على أحكام الفرد المعني في الدنيا أو في الآخرة أو في كليهما، لكنه لا يؤثر أبداً في الحكم على النظام بوصفه نظام، أو على الدولة بوصفها شخصية معنوية.

ولا نظن أحداً من أهل العدل يجادل بعد هذا الاستعراض أن الحكم السعودي يحكم بغير ما أنزل الله، وأن تلك الشعيرة العظيمة، التي هي أم الشعائر، ولب التوحيد، معطّلة. والإثم في تعطيلها يقع على الأمة كلها، لأن ذلك من فروض الكفاية، والأمة مسؤولة بعد ذلك أن تسعى بما أوتيت من قدرة واستطاعة أن تقيم هذه الشعيرة حتى تسلم من الإثم، وتؤدي حق الله عليها.

وأخيراً نحذر الذين يدافعون عن النظام بدعوى زعمه تطبيق الإسلام ويستميتون في ذلك أنهم في خطر عظيم، قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}، [من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم فقد اتخذهم أرباباً]، حاشية (كتاب التوحيد ص 146) .

والآن نتحدث عن التمكين للإسلام ورفع شعائره كواجب من واجبات الدولة الشرعية، ونصيب النظام السعودي من هذا الواجب الشرعي.
  #20  
قديم 01-08-2006, 03:50 AM
حق وعدل حق وعدل غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2006
المشاركات: 138
إفتراضي

قبل أن نقوّم أداء النظام في هذا الجانب نشير إلى التأصيل الشرعي العام لهذه القضية:

أولاً: لقد ثبت بالكتاب والسنة أن التمكين للإسلام، ورفع كلمة الله، وإقامة شعائر الإسلام وإظهارها، واجب شرعي على من تولى أمر المسلمين قال تعالى: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}، (الحج؛ 22:41). نقل القرطبي عن الضحاك في تفسير هذه الآية قوله: [هو شرط شرطه الله عز وجل على من آتاه الله الملك]، (تفسير القرطبي 7/73). وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: [جميع الولايات مقصودها أن يكون الدين كله لله، فإنه سبحانه إنما خلق الخلق لذلك، وذلك هو الخير والبر والتقوى]، (المجموعة الكاملة 9/42). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها]، (السياسة الشرعية 139). وقال إمام الحرمين الجويني: [الغرض - من الإمامة - استيفاء قواعد الإسلام طوعاً أو كرهاً والمقصد الدين]، (غياث الأمم 138). وقال الماوردي رحمه الله: [الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا]، (الأحكام السلطانية 5). وهكذا فإن الغرض الأول الذي شرعت من أجله الإمامة هو تحقيق الدين على مستوى المجتمع والدولة.

ثانياً: ثبت بالكتاب والسنة أن رفع شعائر الإسلام، والتمكين لدين الله لا يتحصل إلا بقيام الولاة بالأمر بالمعروف، كل معروف، والنهي عن المنكر، كل منكر، ولذا صار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعناه الشامل واجباً منوطاً بولي الأمر إذا قصّر فيه قصّر عن شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وإذا نقضه نقض مقصود الإمامة في الإسلام، قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}، (آل عمران؛ 3:110) وقال: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ،ونهوا عن المنكر}، (الحج؛ 22:41)، وقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر}، (التوبة؛ 9:71)، والإمام وكيل أو نائب عن الأمة في تحقيق عهد المؤمنين مع الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية على ذلك بشكل واضح وصريح فقال: [جميع الولايات الإسلامية إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]، (الحسبة في الإسلام 6). وقد كرر ابن القيم نفس عبارة الشيخ ابن تيمية تقريباً في كتابه الطرق الحكمية في السياسة الشرعية بقوله: [وجميع الولايات الإسلامية مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]، (الطرق الحكمية 246). وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: [ومما يجب على ولي الأمر: تفقد الناس من الوقوع فيما نهى الله عنه ورسوله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن بإزالة أسبابها، وكذلك بخس الكيل والميزان، والربا]، (الرسائل والمسائل 2/11) . قال شيخ الإسلام في حديثه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: [هذا واجب على كل مسلم قادر وهو فرض على الكفاية، يصير فرض عين على القادر الذي لم يتم به غيره، والقدرة هو السلطان والولاية، فذوو السلطان أقدر من غيرهم، وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم]، (الحسبة في الإسلام 6).

ثالثاً: ثبت بالكتاب والسنة كذلك أن تعطيل هذه الشعائر وإنعاش الباطل، وإضعاف الحق سبب في الهلاك والدمار والعذاب الدنيوي، فضلاً عن الإثم المترتب على ذلك، قال تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً}، (الإسراء؛ 17:16). قال القرطبي في تفسيرها «وقيل أمّرنا: جعلناهم أمراء لأن العرب تقول: أمير غير مأمور أي غير مؤمر، فإذا أراد (الله) إهلاك قرية مع تحقيق وعده على ما قال تعالى أمر مترفيها بالفسق والظلم فحق عليها القول بالتدمير]، (تفسير القرطبي 1/230). وقد تظافرت الأحاديث النبوية في هذا المعنى فمنها ما رواه الترمذي وأبو داود عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما وقع النقص في بني إسرائيل، كان الرجل منهم يرى أخاه يقع على الذنب، فينهاه عنه، فإذا كان الغد، لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ونزل فيهم القرآن فقال: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانو يعتدون}، (المائدة؛ 5:78)، وقرأ حتى بلغ: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون}، (المائدة؛ 5: 78-81)».

وعند الترمذي وأبي داود كذلك عن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه قال: قال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (يا أيها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم، لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}، (المائدة؛ 5: 105)، وإنما سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب» وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيّروا ولا يغيّرون، إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب»). وعند أبي داود عن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي، يقدرون على أن يغيّروا عليه ولا يغيّرون، إلا أصابهم الله منه بعقاب قبل أن يموتوا». وعند الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «والذي نفسي بيده: لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجيب لكم».

فهذه الأدلة، وغيرها كثير، دليل قاطع على أن تقصير الأمة متمثلة في نوابها، وعلى رأسهم الحاكم، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب مباشر في حلول العذاب الدنيوي فضلاً عن الإثم والسيئات، فكيف إذا كان الحال أكثر من مجرد تقصير، بل أمر بالمنكر ونهي عن المعروف وإشاعة للفاحشة ودفاع عن الباطل، وحرب للدعوة؟!

رابعاً: نص العلماء على أن الطائفة الممتنعة التي تصر على تعطيل الشرائع الثابتة، أو استحلال الحرام الثابت الذي لا عذر لأحد فيه، فإنها تعامل معاملة مانعي الزكاة الذين قاتلهم أبو بكر رضي الله عنه ليس لإنكارهم النبوة، ولا القرآن، ولا حتى لتركهم الصلاة، بل لمجرد تعطيل تلك الشعائر الثابتة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [وأيما طائفة ممتنعة انتسبت إلى الإسلام وامتنعت عن بعض شرائعه الظاهرة المتواترة فإنه يجب جهادها باتفاق المسلمين حتى يكون الدين كله لله]، (السياسة الشرعية ص108). ويقول في موضع آخر: [فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج، أو التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا، أو عن نكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها، التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها، وإن كانت مقرة بها]، (الفتاوى ج28 ص503). وتأمل قوله: [أو التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا]، وأين يقع الربا في ذلك، وتأمل قوله كذلك: [وإن كانت مقرة بها]، فلا يكفي الإقرار بل لابد من التطبيق.

وبعد هذا الاستعراض لما يفرضه الإسلام على الدولة من إقامة الشعائر، والتمكين للدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخطر تعطيل ذلك على المجتمع، دعنا نرى إنجاز النظام السعودي في هذا الجانب ونقوّمه من هذا المنطلق، ونرجو من إخواننا الذين يحرصون على إصابة الحق في معتقدهم وعملهم، أن يتأملوا الأمر بحنكة وفطنة ويتخلوا عن السذاجات والتبسّط وخداع النفس ويقبلوا بحقائق الأمور ولا تغرهم الدعاوى والافتراءات.

حين ننظر إلى النظام السعودي الحالي بهذه الطريقة نخرج باستنتاج غريب مؤدّاه أن ذلك النظام لم يقصر في ذلك الواجب الشرعي الذي من أجله شرعت الإمامة في الإسلام، بل نقضه نقضاً، وعمل على خلافه، ولقد تبين أن تعامل النظام مع قضية التمكين لدين الله في الأرض، وإظهار الشعائر، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبارة عن خطة كاملة واستراتيجية عريضة، مؤداها مسخ المجتمع في جزيرة العرب، وبتر الأمة عن إرثها الإسلامي العظيم، وتحويل المسلمين إلى مجرد أفراد من المسلمين كل دينه بينه وبين ربه، ونزع الجانب الاجتماعي، وجانب الدولة عن الإسلام على الأقل من الناحية العملية. ودعنا نستعرض بعض النماذج لواقع الشعائر الإسلامية في النظام السعودي الحالي:

النموذج الأول: شعيرة الجهاد، والحد الأدنى منها الذي تعتبر بعده معطلةً تعطيلاً كاملاً هو حماية البيضة وتحصين الثغور، حتى يكون المسلمون في أمن على دينهم وأنفسهم وأموالهم وأعراضهم. قال الماوردي في تعداده لمسؤوليات الإمام: [الثالث: حماية البيضة، والذب عن الحريم، لتتصرف الناس في المعايش وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال]، (الأحكام السلطانية ص16). وقال إمام الحرمين: [وأما اعتناء الإمام بسد الثغور فهو من أهم الأمور وذلك بأن يحصن أساس الحصون والقلاع - إلى قوله - ويرتب على كل ثغر من الرجال ما يليق به]، (غياث الأمم ص156). ومن المعلوم من الدين بالضرورة وجوب الجهاد وتحقيق أدنى درجاته بما ذكره ولاشك أن الإضعاف المتعمد للجيش، وانكشاف البلد أمام الأعداء، والاعتماد الكامل في حماية البلاد على أعداء الإسلام، بل جعل الاعتماد على هؤلاء، والاحتماء بهم أمراً عادياً، والاعتراف به صراحة أمام الناس، وعقد المعاهدات من أجله هو تعطيل صريح ونقض كامل لأدنى مراتب تلك الشعيرة العظيمة. وعندما انكشفت تلك الجريمة النكراء في حرب الخليج الثانية، توقع بعض محسني الظن أن الوضع سيصلح، لكن الذي حدث هو التأكيد على هذا الواقع، من خلال بقاء قوات «الحماية» في بلاد المسلمين، والتوقيع على مزيد من المعاهدات في ذلك. ولا نزيد تعليقاً على اعتقادنا اعتبار هذا الوضع مما ينطبق عليه كلام ابن تيمية في وصف الطوائف الممتنعة، حيث اعتبر رحمه الله مجرد التوقف عن جباية الجزية من تعطيل الشعائر فكيف بما ذكرناه.
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م