هيمنة بعض أنواع البيوع المحرمة مثل البيع على المكشوف أو الشراء والمتاجرة بالحد.
المناورات التي تتم في السوق لرفع سعر ورقة معينة ( سهماً كان أو سنداً ) وذلك لوجود ما يسمى بجماعات المضاربة على الصعود يتم تكوينها لشراء أكبر كمية من أسهم إحدى الشركات وتقوم بعدها بالمناورة لجذب أنظار جمهور المتعاملين والذي يعقبه عادة شراء هذه الأوراق بأسعار مرتفعة من أيدي المضاربين من جهة من يغرر بهم ويحتال عليهم فالسوق هي بين رابح وخاسر ولا بد.
وهنا تظهر إشكالية إنحراف السوق عن وظيفتها ومسارها وكيف أنها أضافت إلى وظيفتها الأساسية التي قامت من أجلها ودعت الحاجة والضرورة إلى وجودها وظائف جديدة ما كان لها أن تقوم بها لولا الرغبة المحمومة في الثراء السريع بأي طريق فتحول كثير من هذه الأسواق إلى ما يشبه أندية القمار. وليس أدل على ذلك من تخصيص بعض ردهات عددٍ من البورصات للمراهنة على تقلبات واتجاهات الأسعار. وأصبح أكثر من يتعامل فيها غرضه هو المضاربة على فروق الأسعار وليس الاستثمار النافع فأصبح الهدف من المساهمة هو مجرد رغبة في جني الأرباح السريعة من خلال المضاربة على فروق الأسعار وليس الاعتراض هنا على كون المضارب ( أو المساهم ) يسعى للحصول على الربح فهي غاية مشروعة. ولكن لا بد من أن تكون الوسيلة كذلك مشروعة أما إذا كانت الوسيلة مبنية على محرمات وشبهات فإن الغاية لا تبرر الوسيلة. ومن ثم فإن هذا المساهم ( المضارب ) ليس في الحقيقة إلا مجرد دائن عادي للشركة بل هو دائن عابر والسهم المشترى أو المباع في حقه ما هو إلا صورة شكلية تـنتقل بين أيدي المضاربين كلعب القمار وهذا النوع من المضاربين أوالمـــــساهمين ( وهم الأكثر عدداً ) يتسببون بطريقتهم هذه في مشاكل اقتصادية بدءاً من التضخم وإنتهاءً بانصراف الناس عن المشاريع الإنتاجية الفاعلة في الاقتصاد ركضاً وراء الأرباح التي يجنيها لهم المضاربون والسماسرة إضافة إلى تراكم المدخرات النقدية في أيدي قلة من الناس ولدى البنوك التي تضطر إلى استثمار هذه الأموال غالباً في الغرب لعدم وجود قنوات استثمارية جيدة في ظل وجود فجوة كبيرة بين المقدرة الاستيعابية للهياكل الاقتصادية والأصول المادية للاقتصاد من جهة وبين المقدرة التمويلية والتي تتمثل في مدخرات الأفراد المتزايدة. وتتضاعف هذه المشاكل في الدول التي تكون فيها السوق المالية ناشئة وضيقة وغير منظمة وليس عليها رقابة فاعلة ذات خبرة جيدة تتحاشى السلبيات وتهتم بالإيجابيات ويمكن أن نخلص مما سبق إلى النقاط الآتية:-
سوق الأوراق المالية نموذج غربي يشتمل على مجموعة من المصالح والمفاسد من وجهة نظر الشريعة الإسلامية فالأصل فيه المنع حتى يتم التأكد من خلوه مما فيه من المحرمات فلا بد من ضبطه بالضوابط الشرعية ومن ثم يمكن الإستفادة منه وتوجيهه الوجهة الاقتصادية السليمة بما يتوافق مع شريعتنا الإسلامية .
الفقهاء رحمهم الله بينهم خلاف أصلاً في جواز بيع الغائب وهي الصفة التي يتصف بها البيع في هذه السوق ولذلك فإن جواز إنتقال وبيع الحقوق داخل سوق الأسهم هو من باب المصلحة الراجحة في أهمية هذه الأسواق وإلا فإن هناك إشكالات فقهية من حيث إن هذه السوق تشتمل على بيع غائب وأنها بيع حقوق والحاجة والمصلحة كما يقول الفقهاء رحمهم الله تقدر بقدرها وتضبط بضوابطها لتتحقق المصلحة التي من أجلها احتمل بعض ما فيها من إشكالات ولئلا يفتح الباب على مصراعيه فتنقلب المصالح إلى مفاسد ويتحقق ضرر عام لا يدركه إلا أهل الخبرة المتخصصين في هذا الشأن.
محل العقد في أسواق الأوراق المالية ( الأسهم وغيرها ) على اختلاف درجات كفاءاتها يشوبها غرر فاحش فالبيانات المنشورة لا ترفع عنه الغرر الفاحش ولا تدرء عنه الخطر وليس باستطاعة أحد أن يزعم تطابق العلم بالصفة مع العلم بالحس في هذه البيوع، إذ الغرر فيها غرر مؤثر لا تدعوا إليه حاجة، فالحاجة كما عرفها السيوطي رحمه الله : هي أن يصل المرء إلى حالة بحيث لو لم يتناول الممنوع يكون في جهد ومشقة ولكنه لا يهلك. أي أنه يؤدي إلى فوات مصلحة من المصالح المعتبرة شرعاً، وكذلك لا بد أن تكون الحاجة التي تجعل الغرر غير مؤثر متعينة، فلا يمكن الوصول إليها من طريق آخر لا غرر فيه ومن ثم فلا بد أن تقدر الحاجة بقدرها، إذ إن ما جاز للحاجة يقتصر فيه على ما يزيل الحاجة فقط. فيكف وقد انقلبت المصالح المرجوة في هذه الأسواق إلى مفاسد ظاهرة أشبه ما تكون بمنتديات القمار المبنية على الحظ والغرر والغش والاحتيال، علماً بأنه يمكن تنظيمها وضبطها وفق الضوابط الشرعية بما يمنع ذلك الغرر الفاحش. فالتعامل في هذه الأسواق على حالتها الراهنة محفوف بالمخاطر والأضرار المستقبلية خاصة مع اشتداد سعار المضاربات وعوامل الانهيار وتقلبات الأسعار المصاحبة للدورات الاقتصادية وتدهور الأسعار مع أزمات الكساد وشيوع البطالة، فتنشيط التداول وسرعة دوران أوراق الشركات يتم عن طريق مجموعات المضاربة الكبار الذين يتحكمون في السوق ويعقدون اتفاقات خاصة مع بعض الشركات التي يرغبون في زيادة أسعار أسهمها وبالمقابل يكسرون أسعار أسهم شركات أخرى بما يملكون من سيطرة مالية احتكارية على السوق ولهذا فهم يتلاعبون بأسعار الأسهم كما يفعل لاعبو اليانصيب بما قد يؤدي هذا الأسلوب إلى أضرار اقتصادية لا تحمد عقباها على المستوى الكلي للمجتمع.
السوق بحالته الراهنة يحتوي على مخالفات شرعية أخرى كما في احتكار المعلومات والتحكم فيها إضافة إلى ما يحصل من خداع وكذب وغش وتسريب لمعلومات خاطئة داخل السوق مما يفوت المصالح المرجوة ويجلب المفاسد، فلقد أخبرني من أثق به ممن تعامل في هذه السوق بأن هناك اتفاقات سرية تعقد بين بعض كبار المضاربين وبعض الشركات لرفع قيمة أسهمها أضعاف أضعاف ما هي عليه حقيقة ليزداد سهمها صعوداً فيشتري هؤلاء أسهمها لإغراء الآخرين بذلك ممن لا يملكون هذه المعلومات الخادعة والتي تقف وراء اللعبة ثم يقوم هؤلاء المضاربون بعد فترة وجيزة وقبل إكتشاف اللعبة ببيع أكبر كمية ممكنة من الأسهم لجني الأرباح ومقاسمتها مع تلك الشركة المتآمرة وفي هذا ما فيه من الاحتيال والكذب والإضرار بالغير بل بالمجتمع كاملاً فهذه السوق لها تأثير كبير على الاقتصاد الكلي ولا يفقه هؤلاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ( من غشنا فليس منا ) والحديث الآخر : ( لا يحل لأحد باع بيعاً فيه عيب إلا بينه ).
وبناءً على ما سبق فإنني لا أنصح بالتعامل في هذه السوق بحالتها الراهنة فهي شبهات بعضها فوق بعض وإنني آمل من أهل العلم الشرعي وأصحاب الخبرة الاقتصادية والمالية إعادة النظر في الآليات التي تدار بها السوق لإيجاد مخرج شرعي وفني اقتصادي يحقق المصالح المعتبرة باتقاء الشبهات صوناً لدينه وحذراً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به ) ومهما كثرت الأرباح في مثل هذه الأسواق الشبهاتية فلا بركة فيها وإنما البركة تكون في الحلال وإن كان قليلاً ولذلك فإنني اقترح ما يلي لإصلاح الآلية التي تدار بها السوق في المملكة ودول الخليج وغيرها من بلاد العالم الإسلامي :-
تكوين رقابة شرعية وفنية اقتصادية مالية لها قوة فاعلة وسلطة مؤثرة لتحديد الضوابط والمعايير التي من شأنها أن تحد من الغرر والجهالة وسواها من المحاذير الشرعية والاقتصادية وتطبيق هذه المعايير بدقة ويكون لهذه الرقابة الحق في منع دخول أي شركة تتعامل في سلعة محرمة أو تقترض بالربا ولو كان يسيراً ولها كذلك منع كل أسلوب غير شرعي يؤدي إلى إحداث تلاعب وغش داخل السوق.
تصحيح مسار آلية عمل السوق بحيث تحقق السوق العناصر الآتية :-
o أن تكون المعلومات المالية متاحة للجميع وبتكلفة صفرية. فلو توفرت المعلومات عن الشركات بصورتها الصحيحة للجميع لأدى ذلك إلى تخفيض درجة حمى سعار المضاربات وجني الأرباح بالطرق غير المشروعة ولتحققت المنافع الاقتصادية التي من أجلها قام السوق.
o ألا يكون بوسع أحد المضاربين في السوق السيطرة على حركات الأسعار أو جعلها عرضة للتلاعب والمناورة والخداع.
o أن يسود السوق ما يقرب من التوازن الدائم بحيث تتجه القيمة السوقية نحو القيمة الذاتية.
o الإهتمام بالسوق الأولية والتركيز عليها لا سيما وأنها لا تـزال سوقاً ناشئة في عدد من الدول الإسلامية إضافة أننا بحاجة إلى كثير من المشاريع الإنتاجية ذات الوحدات الكبيرة لنتحول من سوق استهلاكية إلى سوق إنتاجية مصدرة ولذلك فلا بد للدول الإسلامية أن تهتم بذلك وتسهل إجراءات قيام الشركات النافعة في جميع المجالات الصناعية والزراعية والخدماتية التي تجلب الخير والرخاء وتوجد منافع حقيقية للبلاد والعباد وتحقق العدالة في فتح باب المساهمة لجميع أفراد المجتمع.
o تحديد ضوابط في السوق الثانوية وذلك للحد من عقد صفقات ربحية بقصد المتاجرة ورغبة في الثراء السريع دون اهتمام بما يؤدي ذلك إليه من أضرار اقتصادية مستقبلية لحساب فئة محدودة وهذا يستدعي توسيع قاعدة السوق الأولية والإهتمام بها ودعمها ليتجه الأفراد إلى الإنتاج الحقيقي بدلاً مما يحصل الآن. إذ بلغتني حالات كثيرة تم فيها بيع أصول إنتاجية بل باع بعض الأفراد أصوله المادية الضرورية من بيت وسيارة وأعظم من ذلك أن البعض الآخر صار يقترض أو يشتري أصلاً إنتاجياً بالتقسيط ويبيعه نقداً للدخول في مضاربات سوق الأسهم دون قرار مدروس ومعرفة جيدة بما يحتوي عليه سوق الأسهم من محاذير شرعية ومخاطر اقتصادية والأسوء من ذلك كله أن طائفة من الناس أهملوا وظائفهم وأعمالهم سعياً وراء الكسب السريع وسراب الأرباح المتصاعدة يدفعهم إلى كل ذلك الدعاية القوية التي يقوم بها المضاربون من خلال السماسرة مقابل عمولة محددة لهم ولم يدر بخلد هؤلاء المتعجلين أنه ربما كانت هذه الأرباح في لحظة ما جزءاً من رأسماله الذي ربما يخسره في صفقة لاحقة واحدة.
o تسهيل فتح قنوات استثمارية متنوعة لاستيعاب الفائض النقدي لدى الأفراد بحيث تكون هذه القنوات منضبطة بضوابط شرعية وقواعد نظامية بعيداً عن التعقيد أو مضارَّة من يسعى لإيجاد منفعة اقتصادية أو أصلاً إنتاجياً يستفيد منه ويفيد البلاد وفي هذا جمع للمصالح ودفع للمفاسد وتحقيق لرفاهية الأفراد وبناء مستقبل واعد بالخير.
o نشر الثقافة الصحيحة الاستثمارية من الجهة الشرعية والاقتصادية والنظامية من خلال المنابر الإعلامية والقنوات التعليمية وغير ذلك من وسائل التوعية العامة حتى يتحقق المقصد الشرعي من حفظ أموال الناس وقبل ذلك سلامة دينهم وهذا بلا شك هو من القيام بواجب الأمانة التي حملها الله الراعي تجاه الرعية لإصلاح دينهم ودنياهم. قال الإمام الشافعي رحمه الله ( منزلة الوالي من الرعية بمنزلة والي اليتيم ).