مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الإسلامي > الخيمة الإسلامية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #71  
قديم 20-07-2004, 03:12 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

الحديث الثاني عشر

مِن حُسْنِ إسلام المرء تركه ما لا يَعنيه


وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مِن حُسْنِ إسلام المرء تركه ما لا يَعنيه ) حديث حسن ، رواه الترمذي وغيره هكذا.
هذا الحديث -أيضا- من الأحاديث الأربعة التي قال فيها طائفة من أهل العلم -منهم ابن أبي زيد القيرواني المالكي المعروف-: إنه أحد أحاديث أربعة هي أصول الأدب في السنة؛ فهذا الحديث أصل من الأصول في الآداب، كما ذكرنا لكم في أول هذه الدروس أن النووي -رحمه الله- اختار هذه الأحاديث كلية في أبواب مختلفة، في كل باب أصل من الأصول فيه.
قال هنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) .
( من حسن إسلام المرء ) "من" هنا: تبعيضية، يعني: ترك ما لا يعني، وبعض ما يحصل به إحسان الإسلام.
بسم الله الرحمن الرحيم
( من حسن إسلام المرء ) من هنا تبعيضية ، يعني: أن ترك ما لا يعني: هو بعض ما يحصل به إحسان الإسلام ، وحسن الإسلام يعني : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) بعض ما به حُسْن إسلام المرء ترك ما لا يعني ، وهذا ظاهر من اللغة .
وقوله -عليه الصلاة والسلام- هنا : ( حسن إسلام المرء ) حسن الإسلام جاء هذا اللفظ ومشتقاته في أحاديث متعددة منها -مثلا- قول النبي -عليه الصلاة والسلام- : ( إذا أحسن أحدكم إسلامه كان له بكل حسنة يعملها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، وإذا عمل بالسيئة كانت السيئة بمثلها ) وله ألفاظ أُخَر ، فدل هذا وغيره على أن إحسان الإسلام مرتبة عظيمة ، وفيها فضل عظيم .
وإحسان الإسلام مما اختلف فيه أهل العلم : -
فقالت طائفة : إحسان الإسلام : أن يأتي بالواجبات ، وأن ينتهي عن المحرمات ، وهي مرتبة المقتصدين ، يعني: الذين جاءوا بقول الله -جل وعلا- : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ {32} سورة فاطر .. فالمقتصد هو : الذي يأتي بالواجبات ، ويترك المحرمات ، ويجعل مع الواجبات بعض النوافل ، فقالوا : المحسن لإسلامه هم أهل هذه الصفة ، يعني: الذين يأتون بالواجبات وبعض النوافل ، ويدعون المحرمات جميعا ، فمن كان كذلك فقد حسن إسلامه .

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #72  
قديم 20-07-2004, 03:13 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

والقول الثاني : إن إحسان الإسلام معناه : أن يكون على رتبة الإحسان في العبادة التي جاءت في حديث جبريل المعروف ( قال : فأخبرني عن الإحسان قال : أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) فالذي يحسن إسلامه هو الذي وصل إلى مرتبة الإحسان ، إما على درجتها الأولى : درجة المراقبة ، أو على كمالها وهو : درجة المشاهدة .
وهذا القول الثاني ظاهر في الكمال ، ولكنه ليس ظاهرا في كل المراتب ؛ ولهذا قالت طائفة -أيضا- من أهل العلم : إن إحسان الإسلام ليس مرتبة واحدة بل الناس مختلفون فيها ، فبقدر إحسان الإسلام يكون له الفضل والثواب الذي أعطيه من أحسن إسلامه .
فمثلا: في قوله -عليه الصلاة والسلام- : ( إذا أحسن أحدكم إسلامه كان له بكل حسنة يعملها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ) قالوا هنا : عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، عشر حسنات لكل من أحسن الإسلام ، يعني: لمن كان له الإسلام ، وحسن منه فإنه يبدأ من عشر أضعاف للحسنة يعني تكتب له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، هذا بحسب درجته في إحسان الإسلام .
فدل تنوع الثواب على تنوع الإحسان ، يعني أن درجة الإحسان تختلف ، وأهل إحسان الإسلام فيه متفاوتون لتفاوت الفضل والمرتبة والأجر على ذلك فقال : "إلى سبعمائة ضعف" ، فمن أسباب مزيدها إلى سبعمائة ضعف أن يكون إحسانه للإسلام عظيما ؛ ولهذا قال ابن عباس وغيره من المفسرين : إن الحسنة بعشر أمثالها لكل أحد . يعني: لكل مسلم في قوله -جل وعلا- في آخر الأنعام : مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ {160} قال : هذا لكل أحد ، أما من أحسن إسلامه فإنه في قول الله -جل وعلا- : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً {40}سورة النساء .. وهذا تقرير صحيح ، فإن الناس في إحسان الإسلام مراتب .
وهذه المسألة مشكلة ، يعني: لو راجعت في الشروح ، وكلام أهل العلم مشكلة ، لكن كلام أهل التحقيق الذين قرروا هذه المسألة بينوا أن إحسان الإسلام له مراتب ، يعني: ليس مرتبة واحدة ، وأن أهل المعصية ، يعني: من ظلم نفسه ، ليس من أهل إحسان الإسلام فقال : ( من حسن إسلام المرء ) يعني: هذا الفعل ، وهو ترك ما لا يعني من حسن إسلامه ، وهذا ظاهر في المرتبتين جميعا، فإن الذي يأتي الطاعات ، ويبتعد عن المحرمات فإنه منشغل بطاعة ربه عن أن يتكلف ما لا يعنيه.
وأما أهل الإحسان في مقام المراقبة ، أو ما هو أعظم منها ، وهو مشاهدة آثار العصمة والصفات في خليقة الله -جل وعلا- فهؤلاء منشغلون بإحسان العمل الظاهر والباطن عن أن يكون لهم هم فيما لا يعنيهم .
إذا تقرر هذا فما معنى قوله : ( ما لا يعنيه ) ؟ ما هو الذي يعني والذي لا يعني ؟ العناية في اللغة : شدة الاهتمام بالشيء ، أو الشيء المهم الذي يُهْتَم به ، والذي لا يعني وليس لي به عناية هو الشيء الذي لا ينفع المعتني به ، يعني: لا ينفع المتوجه إليه ، وليس له به مصلحة ، ومعلوم أن أمور الشرع المسلم له بها عناية ، وأن فقه الكتاب والسنة له به لكل مسلم به عناية ، يعني: فيشتد اهتمامه بها .
فإذاً الاهتمام بما فيه فقه للنصوص هذا مما يدل على حسن إسلام المرء ، قال : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) بالمفهوم أن من حسن إسلام المرء الاهتمام بما يعنيه ، ما لا يعني المرء المسلم من الأقوال التي ليس لها نفع له في دينه ، ولا في دنياه أو في آخرته أو في أولاه ، فإن تركها من حسن إسلام المرء ، وهذا عام يشمل ما يتصل بفضول العلوم التي لا تنفعه ، وبفضول المعاملات ، وبفضول العلاقات ، ونحو ذلك فتركه ما لا يعنيه في دينه فإنه هذا دليل حسن إسلامه.
يعني: دليل رغبته في الخير؛ لأن التوسع ، أو إتيان ما لا يعني في العلاقات ، أو في الأقوال أو في السمع … إلخ هذا زريعة لأن يرتكب شيئا محرما ، أو أن يفرط في واجب ، تفوته رتبة المقتصدين التي هي أقل رتب أهل حسن الإسلام.
أدخل الشراح أيضا وهذا واضح وبَيِّن ، وقد جاء في بعض الأحاديث أن مما لا يعني المرء الكلام أو السماع ، الكلام نطقا أو سماع الكلام ، يعني: أن من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه من الكلام ، سماعا أو نطقا ، وهذا ظاهر بين ؛ لأن اللسان هو مورد الزلل ، والأذن أيضا هي مورد الزلل ، فاللسان نطقا محاسب عليه العبد ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ {18}سورة ق .. وهذه الآية عامة ، فإن الملك يكتب كل شيء حتى الأشياء التي لا تؤاخذ بها .


.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #73  
قديم 20-07-2004, 03:14 PM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

قال بعض السلف: يكتب حتى أنين المريض ، يعني: حتى ما لا يؤاخذ به فإنه يكتبه ، وهذا هو الراجح في أنه يكتب كل شيء ، ولا تختص كتابته بما فيه الثواب والعقاب ، وذلك لدليلين :
الأول : أن قوله: "من قول" هذه نكرة في سياق النفي ، وسبقتها من ، وهذا يدل على التنصيص الصريح في العموم يعني: الذي لا يتخلف معه شيء من أفراده ألبته ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ ) فأي قول لفظ فإنه يكتب .
الدليل الثاني : أن تقسيم ما يكتبه الملك إلى أنه يكتب ما فيه الثواب والعقاب ، هذا يُحتاج له ، أن يُثبت أن الملك الذي يكتب عنده التمييز في الأعمال ما بين ما فيه الثواب ، وما لا ثواب فيه ، والتمييز في النيات وأعمال القلب والأقوال التي تصدر عن أعمال القلوب ... وإلخ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان : وهذا لا دليل عليه ، يعني: أن الملك يعلم ما يثاب عليه من الأقوال ، وما لا يثاب عليه ، وإنما الملك كاتب ، كما قال -جل وعلا- : أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ {80}سورة الزخرف ( كِرَاماً كَاتِبِينَ {11}إلخ سورة الإنفطار . دل هذا على أن ترك ما لا يعني في الأقوال في القول لفظا أو سماعا أن هذا مما تعظم به درجة العبد .
( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً {114}سورة النساء .. فلهذا يظهر من الحديث عند كثيرين أن المراد به -كما ذكرت- القول أو السماع ، فيدخل فيه إذن البحث عن أحوال لا تخصك ، أو لا تعنيك في دينك ، أو الحرص على معرفة الأخبار ، أخبار فلان ، وأيش عمل ، وأيش سوَّى وقال وفعل ، وخبره مع فلان ، وأيش عندك من الأخبار ، وأيش قال فلان ، والناس أيش عملوا ، ونحو ذلك .
فالاهتمام بهذه الأشياء بما لا يعني هذا مخالف لما يدل عليه حسن الإسلام ، فمن أدلة حسن الإسلام ترك ما لا يعني من فضول الأقوال ، وفضول ما يسمع .
فإذاً هذا الحديث من أحاديث الآداب العظيمة فينبغي لنا -وجوبا- أن نحرص على حسن الإسلام ؛ لأن فيه من الفضل العظيم ما فيه ، ومن حسن الإسلام أن نترك ما لا يعني من الكلام أو السماع ، الكلام ، الأسئلة التي ليس لها داع ، يأتي يستفصل وتارة مع من هو أكبر منه ، أو من قد يحرج باستفصاله ، وتدقيق في الأسئلة ، تجميع الأخبار عن الناس ، وهذا فعل ، وهذا ترك ، وهذا ذهب ، وهذا جاء ... إلخ .
والتحدث بها ، وتوسيع ذلك هذا كله مذموم ، ويسلب عن العبد حسن الإسلام إذا غلب عليه ، ولهذا نقول : في هذا الحديث وصية عظيمة في هذا الأدب العظيم من المصطفى -عليه الصلاة والسلام- فإن من حسن إسلام المرء أن يترك ما لا يعنيه ، ما لا يعنيه في دينه ، ما لا يعنيه في أمر دنياه ، ما لا يعنيه من الأقوال ، ومما يسمع أو مما لا يسمع ، وأشباه ذلك .
فإن في هذا الأثر الصالح له في صلاح قلبه ، وصلاح عمله ، والناس يؤتون من كثرة ما يسمعون أو يتكلمون ، ولهذا قال بعض السلف في أناس يكثرون الكلام والحديث مع بعضهم قال : هؤلاء خف عليهم العمل ، فأكثروا الكلام ، وهذا مذموم أن نكثر الكلام بلا عمل ، نجلس مجالس طويلة ساعة ، ساعتين ، ثلاث في كلام مكرر ، وضار لا نفع فيه والواجبات لو تأملها كثيرة ، تجد أنه يتوسع في مباح ، وربما كان معه بعض الحرام في الأقوال والأعمال ويترك واجبات كثيرة ، وهذا ليس من صفة طلاب العلم ، فطالب العلم يتحرى أن يكون عمله دائما فيما فيه نفع له ، يعني فيما يعنيه مما أمر به في الشريعة أو حُث عليه ، وأن يترك ما لا يعنيه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .
هذا الحديث قال عنه النووي في آخره : حديث حسن رواه الترمذي وغيره هكذا ، وتحسينه من جهة كثرة طرقه ، من كثرة شواهده .
والراجح عند علماء العلل أنه مرسل ، فقد قال أحمد ويحيى بن معين وجماعة : إن الصواب فيه أنه مرسل ، ولكن له شواهد كثيرة قريبة من لفظه ؛ ولهذا حسنه النووي -رحمه الله- وقال : حديث حسن ، رواه الترمذي وغيره هكذا ، فالصواب أنه حسن لغيره لشواهده.

إنتهى شرح الحديث الثاني عشر

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #74  
قديم 02-08-2004, 09:42 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

الحديث الثالث عشر

لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه

وعن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ) رواه البخاري ومسلم.

هذا حديث أنس رضي الله عنه وهو الحديث الثالث عشر من هذه الأحاديث النووية .
قال : عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) .
"لا يؤمن أحدكم" : هذه الكلمة تدل على أن ما بعدها مأمور به في الشريعة ، إما أمر إيجاب أو أمر استحباب ، ونفي الإيمان هنا قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان -كما أحضرنيه بعض الأخوة- : ( لا يؤمن أحدكم ) إن هذا نفي لكمال الإيمان الواجب ، فإذا نُفِي الإيمان بفعل دل على وجوبه ، يعني: على وجوب ما نفي الإيمان لأجله.
( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) دل على أن محبة المرء لأخيه ما يحب لنفسه واجبة ، قال : لأن نفي الإيمان لا يكون لنفي شيء مستحب ، فمن ترك مستحبا لا ينفي عنه الإيمان ، فنفي الإيمان دال على أن هذا الأمر واجب ، فيكون إذاً نفي الإيمان نفي لكماله الواجب ، فيدل على أن الأمر المذكور ، والمعلق به النفي يدل على أنه واجب .
إذا تقرر هذا فقوله هنا : ( لا يؤمن أحدكم حتى ... ) له نظائر كثيرة في الشريعة يعني: في السنة : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين ) ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ( لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ) وهكذا إذا تقرر ذلك فإن نفي الإيمان فيها على باب واحد ، وهو أنه ينفي كمال الإيمان الواجب .
ثم قوله -عليه الصلاة والسلام- : ( حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) هذا يشمل الاعتقاد والقول والعمل ، يعني: يشمل جميع الأعمال الصالحة من الأقوال والاعتقادات والأفعال ، فقوله : ( حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) يشمل أن يحب لأخيه أن يعتقد الاعتقاد الحسن كاعتقاده ، وهذا واجب ، ويشمل أن يحب لأخيه أن يكون مصليا كفعله .
فلو أحب لأخيه أن يكون على غير الهداية فإنه ارتكب محرما فانتفى عنه كمال الإيمان الواجب ، لو أحب أن يكون فلان من الناس على غير الاعتقاد الصحيح الموافق للسنة ، يعني: على اعتقاد بدعي فإنه كذلك ينفي عنه كمال الإيمان الواجب ، وهكذا في سائر العبادات ، وفي سائر أنواع اجتناب المحرمات ، فإذا أحب لنفسه أن يترك الرشوة ، وأحب لأخيه أن يقع في الرشوة حتى يبرز هو كان منفيا عنه كمال الإيمان الواجب ، وهكذا في نظائرهما .

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #75  
قديم 02-08-2004, 09:45 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

وقد جاء في النسائي -يعني: في سنن النسائي- وفي غيره تقييد ما يحب هنا بما هو معلوم ، وهو قوله : ( حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ) وهذا ظاهر غير بين ، ولكن التنصيص عليه واضح .
أما أمور الدنيا فإن محبة الخير لأخيه كما يحب لنفسه هذا مستحب ؛ لأن الإيثار بها مستحب ، وليس بواجب ، فيحب لأخيه أن يكون ذا مال مثل ما يحب لنفسه هذا مستحب ، يحب لأخيه أن يكون ذا وجاهة مثل ما له هذا مستحب ،
يعني: لو فرط فيه لم يكن منفيا عنه ، لم يكن كمال الإيمان الواجب منفيا عنه ؛ لأن هذه الأفعال مستحبة ، فإذا صار المقام هنا على درجتين ، إذا كان ما يحبه لنفسه متعلقا بأمور الدين فهذا واجب أن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه ، وهذا هو الذي تسلط نفي الإيمان عليه .

( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
يعني: من أمور الدين أو من الأمور التي يرغب فيها الشارع وأمر بها أمر إيجاب أو أمر استحباب وكذلك ما نهى عنه الشارع ، فيحب لأخيه أن ينتهي عن المحرمات ويحب لأخيه أن يأتي الواجبات ، هذا لو لم يحب لأنتفى عنه كمال الإيمان الواجب ، أما أمور الدنيا -كما ذكرنا- فإنها على الاستحباب يحب لأخيه أن يكون ذا سعة في الرزق فهذا مستحب ، يحب أن يكون لأخيه مثل ما له من الجاه مثلا أو من المال أو من حسن الترتيب أو من الكتب أو… إلخ فهذا كله راجع إلى الاستحباب.

ويتفرع عن هذا مسألة الإيثار ،
والإيثار منقسم إلى قسمين : إيثار بالقرب ، وإيثار بأمور الدنيا ...،
أما الإيثار بالقرب فإنه مكروه لأنه يخالف ما أمرنا به من المسابقة في الخيرات والمسارعة في أبواب الطاعات ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {21} سورة الحديد وقوله تعالى ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ {133}سورة آل عمران فالمسارعة والمسابقة تقتضي أن كل باب من أبواب الخير يسارع إليه المسلم ويسبق أخاه إليه وقوله تعالى ( خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ {26}سورة المطففين .

والقسم الثاني الإيثار في أمور الدنيا يعني: في الطعام في الملبس في المركب في التصدر في مجلس أو ما أشبه ذلك فهذا مستحب أن يؤثر أخاه في أمور الدنيا كما قال -جل وعلا- في وصف خاصة المؤمنين : ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {9}سورة الحشر ‏فدلت الآية على أن الإيثار بأمور الدنيا من صفات المؤمنين وهذا يدل على استحبابه ،
صلة هذا بالحديث ، قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) يحب للأخ ما يحب للنفس ، قد يقتضي هذا أن يقدمه ، فهل إذا كان في أمور الدنيا يقدمه على ما ذكرنا ؟
إن الإيثار بالقرب مكروه ، الإيثار في أمور الدنيا مستحب فحبه لأخيه ما يحب لنفسه من أمور الدنيا مستحب هنا أيضا ، يستحب أن يقدم أخاه على نفسه في أمور الدنيا .

هذا خلاصة ما في الحديث من البحث ، وبهذا يظهر ضابط قوله : ( لا يؤمن أحدكم ) وما يتصل بها من الفعل ( حتى يحب لأخيه ) ( حتى أكون أحب إليه من ولده ، ووالده والناس أجمعين ) إن هذا أمر مطلوب شرعا ، ( من لا يأمن جاره بوائقه ) إلخ .

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد

إنتهى شرح الحديث الثالث عشر

تحياتي

__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #76  
قديم 16-08-2004, 04:15 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فكثر السؤال بعد ( الدرس السابق ) عن معنى "الإيثار بالقُرَب" ، وأنا ظننت أنها واضحة عند الجميع فنقررها لمن لم تتضح له .
الإيثار بالقرب معناه : أن المسألة إذا كانت قربة إلى الله -جل وعلا- فإن الإيثار -إيثار أخيك- بها مكروه ؛ لأن هذا ينافي المسابقة التي ذكرنا لكم أدلتها والمسارعة في الخيرات والمنافسة .
فمثلا: أن يكون هناك فرجة في الصف الأول ، أو مكان متقدم خلف الإمام فتقف أنت وأخوك المسلم فتقول له : تقدم ، تفضل ، فيقول لك : لا ، تقدم فتقول : تقدم ، فمثل هذا لا ينبغي ؛ لأنه مكروه بل ينبغي المسارعة في تحصيل هذه القربة ، وهي فضيلة الصف الأول .
مثلا: أتى رجل محتاج إلى مبلغ من المال يسد عوزه ، خمسين ، مائة ريال ، أكثر ، فأنت مقتدر وأخوك أيضا المسلم مقتدر فتقول له : ساعده أنا معطيك الفرصة ، تفضل ساعده ، وهذا يقول : لا أنت تفضل من باب المحبة ، يعني: أن كل واحد يقدم أخاه ، فمثل هذا -أيضا- مكروه لا ينبغي ؛ لأن في هذا الباب المسارعة والمسابقة في الخيرات .
كذلك من جهة القراءة ، قراءة العلم على الأشياخ ، وأخذ الفرص لنيل الطاعات ، والجهاد وأشباه هذا ، فمثل هذه المسائل تسمى قُرَبا يعني طاعات ، فالإيثار في الطاعات يعني: بالقرب لا ينبغي ، مكروه ؛ لأنه كما ذكرنا ينافي الأمر بالمسارعة والمسابقة ، والتنافس في الخير .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #77  
قديم 16-08-2004, 04:17 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

الحديث الرابع عشر

لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة ) رواه البخاري ومسلم .

هذا الحديث حديث ابن مسعود رضي الله عنه فيه ذكر ما به يحل دم المرء المسلم ، فإنه تقدم لنا قول النبي صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإن فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله سبحانه ) .

فهذا الحديث فيه أن دم المسلم معصوم ، وأنه إذا شهد لا إله إلا الله ، وأقام الصلاة وآتى الزكاة ، يعني: أدى حقوق التوحيد فإنه معصوم الدم ، وحرام المال ، هذا الحديث حديث ابن مسعود فيه الأحوال التي يباح بها دم المسلم الموحد ، الذي شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأتى بحقوق ذلك
فقال -عليه الصلاة والسلام- : ( لا يحل دم امرئ مسلم ... )
وقوله : "لا يحل" يعني: يحرم ، وهو كبيرة من الكبائر أن يباح دم مسلم بغير حق ؛ ولهذا ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال : ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض ) فجعل ضرب المسلم أخاه المسلم ، وقتله بغير حق من خصال أهل الكفر .
وثبت عنه أيضا -عليه الصلاة والسلام- أنه قال : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ، قالوا : يا رسول الله ! هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه ) وهذا يدل على أن من سعى في قتل المسلم ، وأتى بالأسباب التي بها يقتل المسلم فإنه في النار ، قال : ( فالقاتل والمقتول في النار ) وهذا لا ينافي عدم المؤاخذة ، مؤاخذة المسلم بهمه .
وما جاء في الحديث ( إذا هم عبدي بالسيئة فلا تكتبوها عليه ) والحديث الآخر -أيضا- الذي في الصحيح ( إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ، ما لم تعمل أو تتكلم ) ؛ لأن هذا الحديث الذي هو ( القاتل والمقتول في النار ) المقتول وإن لم يفعل فهو في النار ؛ لأنه قد سعى في الأسباب ، وعدم الحصول لم يكن لإرادته عدم الحصول ، وإنما لتخلف ذلك عنه بأمر قدري ، فيدل هذا على أن من سعى في أسباب القتل ، أو في أسباب المحرم ، وتمكن منها لكن تخلفت عنه لسبب ليس إليه فإنه يعتبر كفاعلها من جهة الإثم ، بل إن الذي يرضى بالذنب كالذي فعله يعني: من جهة الإثم وهذا ظاهر من الأدلة .
فقوله -عليه الصلاة والسلام- هنا : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ) يدل على تعظيم حرمة دم المرء المسلم ، وقوله : ( دم امرئ مسلم ) هنا قال : مسلم ، والمقصود بالمسلم هو : الذي حقق الإسلام ، يعني: أصبح مسلما على الحقيقة ، لا على الدعوة ، يعني: من شهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأتى بالتوحيد .

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #78  
قديم 16-08-2004, 04:18 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

أما المشرك -الشرك الأكبر- والمبتدع -البدعة المكفرة المخرجة من الدين- وأشباه ذلك فلا يدخلوا في وصف الإسلام في هذا الحديث ، ولا في غيره ؛ لأن المسلم هو من حقق الإسلام بتحقيق التوحيد يعني: بإتيانه بالشهادتين ومقتضى ذلك ، وكونه لم يرتكب مكفرا ، ولا شركا أكبر ..
قال : ( إلا بإحدى ثلاث ) وهذا استثناء أو يسمى حصرا ؛ لأنه استثناء بعد النفي .
والاستثناء بعد النفي يدل على الحصر ، وقوله -عليه الصلاة والسلام- في أولها : "لا يحل" أتى على النفي ، ومجيء النفي يدل على النهي ، بل مجيء النفي أبلغ من مجرد النهي ، يعني: كأنه صار حقيقة ماضية ، أنه لا يحل ، بحيث إن النهي عنه قد تقرر ، وإنما ينفي وجوده في الشريعة أصلا ، وله نظائر كقوله : لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ {79} الواقعة ، وأشباه ذلك مما يعدل فيه من النهي إلى النفي للمبالغة في النهي ، وهذه قاعدة معروفة في اللغة وفي أصول الفقه .
قال : ( إلا بإحدى ثلاث ) هذه الثلاث أصول ، قال فيها : الثيب الزاني ، والزاني له حالات : إما أن يكون ثيبا ، يعني: أنه قد ذاق العسيلة من قبل ، يعني: أنه سبق له أن أحصن -أن تزوج- بعقد شرعي صحيح ، فهذا يقال له : ثيب ، إذا كان كذلك فإنه لا يكون ثيبا بزنا ، ولا يكون ثيبا بعقد فاسد باطل ، ولا يكون ثيبا بعقد متعة ، متعة زواج وأشباه ذلك ، لا يكون محصنا ثيبا في الشريعة إلا إذا تزوج ، نكح نكاحا صحيحا مستوفيا للشروط .
فالثيب إذا زنى فإنه يحل دمه ، وقد كان فيما أنزل ونسخ لفظه وبقى حكمه قوله -جل وعلا- : "والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم"، وفيما بقي لفظا وحكما قول الله -جل وعلا- : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ {2}سورة النور ، فدلت الآية على عموم أن الزاني يجلد مائة ، ودلت الآية التي نسخ لفظها وبقي حكمها أنه يرجم .
وكذلك السنة دلت على الرجم ، ودلت أيضا على الجمع بين الجلد والرجم ؛ ولهذا اختلف العلماء في الزاني الثيب هل يجمع له بين الجلد والرجم ؟ يعني: هل يجلد أولا ثم يرجم ؟ أم يكتفى فيه بالرجم ؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- رجم أو أمر برجم ماعز والغامدية ، وأمر برجم اليهودي واليهودية ، وأشباه ذلك في حوادث تدل على أن الرجم فعل من غير جلد .
وقد قال بعض أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم كعلي رضي الله عنه إنه يجلد ثم يرجم، كما ثبت في صحيح البخاري -رحمه الله- ( أن عليا جلد زانيا ثيبا ثم رجمه فقال : جلدته بكتاب الله ورجمته بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) يريد رضي الله عنه أنه جلده بعموم قوله -جل وعلا- : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ {2}سورة النور ، لأن الآية ليس فيها تفصيل هل هو محصن أم غير محصن ؟ هل هو ثيب أم بكر ؟

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #79  
قديم 16-08-2004, 04:19 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

والسنة فيها الرجم ، فدل هذا عنده رضي الله عنه على الجمع بين الجلد والرجم ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وكثير من أهل العلم على الاكتفاء بالرجم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بالرجم في حوادث كثيرة ، أو في حوادث متعددة ، حيث رجم ماعزا والغامدية ، واليهودي واليهودية دون جلد -كما هو معروف- .
فقال بعضهم : الجمع بين الجلد والرجم راجع إلى الإمام فيما يراه من جهة كثرة النكال ، والمبالغة فيه .
المقصود من هذا : أن الثيب إذا زنى ، وتحققت شروط الزنا كاملة ، بما هو معروف بشهادة أربعة ، أو باعترافه على نفسه اعترافا محققا ، لا يرجع فيه أنه يرجم ، وذلك حتى يموت ، قال هنا : ( الثيب الزاني ) يعني: يحل دمه ، يحل دم الثيب إذا زنى ، قال : ( والنفس بالنفس ) النفس بالنفس هذه كما قال -جل وعلا- في القرآن : ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ) الآية 178 سورة البقرة ، الآية فدل ذلك على أن النفس تقتل بالنفس ، فإذا اعتدى أحد على نفس معصومة فإنه يقتل ، إذا كان اعتداؤه بالقتل عمدا .
ثم نظر أهل العلم في قوله : ( النفس بالنفس ) هل هذا عام لا تخصيص فيه ؟ أو هو عام مخصوص ؟ أو هو مقيد في أقوال لهم ؟
والذي عليه جهور أهل العلم أن قوله : ( النفس بالنفس ) هذا يقيد بأن النفس تكون مكافئة للنفس بدلالة السنة على ذلك ، كما قال -جل وعلا- : ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {45}‏ سورة المائدة ، وقال -جل وعلا- أيضا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ {178} سورة البقرة.
والسنة دلت على أن المسلم لا يقتل بكافر ، وعلى أن الحر لا يقتل بعبد ، حتى في القصاص في الأطراف بين الحر والعبد لا توجد المكافأة وهكذا .
فإذن لا بد من وجود المكافأة من جهة الدين ، ومن جهة الحرية فقوله -عليه الصلاة والسلام- هنا : "النفس بالنفس" يعني فيما دلت عليه الآية -آية البقرة- ودلت عليه مواضعها من السنة أن النفس المكافئة للنفس .

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
  #80  
قديم 16-08-2004, 04:21 AM
الصورة الرمزية لـ الوافـــــي
الوافـــــي الوافـــــي غير متصل
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2003
الإقامة: saudia
المشاركات: 24,409
إفتراضي

أما قتل كل نفس بكل نفس فهذا خلاف السنة ، وذهب أبو حنيفة الإمام المعروف -رحمه الله- وأصحابه إلى أن المسلم يقتل بالكافر لعموم الآية ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {45}‏ سورة المائدة ، ولعموم الحديث ، وعلى أن الحر يقتل بالعبد ، والجمهور على إعمال الأحاديث الأُخَر في هذا الباب من أن النفس بالنفس تقيد بما جاء في الأحاديث ، فيكون هذا من العام المخصوص .
قال : ( والتارك لدينه المفارق للجماعة ) .
"التارك لدينه" فسرت بتفسيرين :
الأول : التارك لدينه يعني : المرتد الذي ترك دينه كله فارتد عن الدين ، فيباح دمه .
والتفسير الثاني : أن التارك للدين هو : من ترك بعض الدين ، مما فيه مفارقة للجماعة ، يعني: ترك بعض أمر الدين ، مما فيه المفارقة للجماعة ، قالوا : ولهذا عطف ( المفارق للجماعة ) على ( التارك لدينه ) فقال : ( والتارك لدينه المفارق للجماعة ) فجعل مفارقة الجماعة عطفا لبيان ترك الدين ، فدل هذا على أن إباحة الدم في ترك الدين يكون بترك الجماعة ، وترك الجماعة يراد بها ترك الجماعة التي اجتمعت على الدين الحق بمفارقته للدين ، وتركه للدين بما يكفره .
والثاني : يعني: مفارق للجماعة ، جماعة الدين أو الاجتماع في الدين، والثاني : أن المفارقة للجماعة يعني بالخروج على الإمام ، أو البغي ، فيكون المفارقة للجماعة المقصود بها الاجتماع بالأبدان .
وهنا تكلم العلماء في كثير من المسائل التي تدخل تحت ترك الدين ، فجعلوا باب الردة فيه ، أو باب حكم المرتد فيه مسائل كثيرة ، فيها يخرج المرء من الدين ، ويكون مرتدا بذلك ، فكل مسألة حكم العلماء فيها على أنها من أسباب الردة ، أو بها يرتد المسلم ، فإنه بعد اكتمال الشروط ، وانتفاء الموانع يحل دمه ، يعني: يحل دم المرتد ، وكذلك المفارق للجماعة بالأبدان يحل دمه لقوله -عليه الصلاة والسلام- : ( من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم فاقتلوه كائنا من كان ) .
فدل هذا على أن ترك الجماعة ، ومفارقة الجماعة يحصل بترك الدين ، بالردة عن الدين ، وبمفارقة الاجتماع على الإمام ، وهذا ظاهر بين في تعلية ترك الدين بمفارقة الجماعة ، ولهذا جعل أهل العلم في ترك الدين هذا كل المسائل التي يقتل بها .
إذا تقرر هذا فإن إحلال الدم هذا متوجه إلى الامام -إمام المسلمين- فإنه لا يجوز لأحد أن يستبيح دم أحد ؛ لأنه عنده قد أتى بشيء من هذه الثلاث . فإذا قال : أنا رأيت هذا يزني رأيته بعيني فاستبحت دمه لذلك فإنه يقتل ، ولا يجوز له ؛ لأن الله -جل وعلا- جعل ثبوت الزنا منوطا بشهادة أربع .
ولو شهد ثلاثة من أعظم المسلمين صلاحا على حصول الزنا ، وأنهم رأوا ذلك بأعينهم لَدُرِئَ الحدُّ ، ولأقيم على هؤلاء الصلحاء حد القذف ؛ لأنهم قذفوه ، ولم يكمل أربعة من الشهداء ، كما هو بين لكم في أوائل سورة النور .
كذلك من قال : هذا ارتد عن دينه فأنا أقيم عليه الحد وأقتله ، وأبيح دمه لأجل هذا الحديث فإن هذا افتئات وتعد ، ولا يباح له أن يفعل ذلك ، ودمه لا يحل لكل أحد .

.. يتبع ..
__________________


للتواصل .. ( alwafi_248@hotmail.com )

{ موضوعات أدرجها الوافـــــي }
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م