يتبع
....
..
وقال ابن حزم رحمه الله : لا إثم بعد الكفر أعظم من إثم من نهى عن جهاد الكفار وأمر بإسلام حريم المسلمين إليهم .
ألا وإن من هدي القرآن أن لا نهول من شأن الأعداء ولا نفخم أو نعظم من قوتهم بل نعدد نقاط ضعفهم ونهون من قوتهم لكي تقوى النفوس المؤمنة وتتشجع على منازلتهم والإثخان فيهم قال الله تعالى: ( إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور * وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور) وأما القعود عن الجهاد وتثبيط المسلمين عن منازلة الأعداء والدفاع عن الحرمات ونشر الأراجيف والتهويل من قوة الأعداء والتقليل من شأن المسلمين والشك بوعد الله بالنصر إنما هو من صفات أهل النفاق ومرضى القلوب قال الله تعالى: ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) فهذا شكهم بنصر الله ( وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ) وهذا تثبيطهم وتخذيلهم للمسلمين ( ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرار ) وهذا قعودهم عن الجهاد والتماسهم الأعذار ثم قال تعالى : ( ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا ) وهذا والله كحال منافقي زماننا هذا فعندما دخل عليهم العدو الأمريكي ثم سألهم الفتنة وهي الشرك كالديموقراطية والأحكام الوضعية آتوها وانقادوا لها بل بمجرد اقتراب الأمريكان والنصارى من حدود دول الأنظمة المارقة بل ومن قبل أن تقتحم أو تدخل بادروا إلى الفتنة والكفر وسنوا قوانين الوضعية وظاهروا الأمريكان على المسلمين وغيروا مناهج التعليم وباشروا ونادوا صراحة بتحريف وتغيير الدين الإسلامي تحت مسمى عجيب تحت مسمى يريدون به تغيير الحقائق تحت مسمى تغيير الخطاب الديني وسفكوا دماء المجاهدين الطاهرة والله لقد تعدوا حقوقهم والله لقد طغوا إذ سفكوا دماء المجاهدين هذه الدماء الطاهرة تقرباً إلى أسيادهم الأمريكان وتزلفا وجاهروا بمحاربة الإسلام وبارتكاب نواقضه وتمادوا في كل ذلك بكل وقاحة وصلف وجرأة وسخروا لحربهم تلك كل جيوشهم الأمنية من المباحث والمخابرات ونحوهم وجندوا الإعلام وأجهزته كلها ورواده من المرتدين والمنافقين لإتمام ذلك أخزاهم الله ثم قال تعالى: ( ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا * قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذاً لا تمتعون إلا قليلا * قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءً أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً) ثم ذكر الله تعالى القاعدين عن الجهاد المعوقين غيرهم عنه فقال تعالى: ( قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا * أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا ) وقال تعالى ( وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا * ولئن أصابكم فتح من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما ) فهم يبطئون أنفسهم ويبطئون غيرهم عن الجهاد فلا هم الذين نفروا ولا هم الذين كفوا أذاهم وتخذيلهم عن المسلمين .
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
وقال تعالى عن المعوقين المثبطين الذين ينشرون الأراجيف: ( وإن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ) .
هذا وقد انقسم أهل العلم والناس في التحريض إلى ثلاثة أقسام:
فالقسم الأول: الذين اتبعوا أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في التحريض على الجهاد في سبيل الله ولم يخافوا لوم اللائمين ولا ذم المنافقين لم يهابوا جور السلطان ولم يحابوا عبدة الصلبان بل قاموا بأمر الله خير قيام لم ينثنوا عن الصراط المستقيم ولم يحيدوا عن الحق بل صمدوا في وجه عواصف التهديد والوعيد كالجبال الشمخ فجزاهم الله عنا وعن المجاهدين وعن الإسلام والمسلمين كل خير.
وأما القسم الثاني: فهم الغالون المفرطون في التحريض وهم أولئك الذين يحرضون على قتل من لا يستحقون القتل أو يدعون إلى قتل معصومي الدم وهؤلاء كالخوارج ونحوهم.
وأما القسم الثالث: وهو مقصودي من هذه الكلمات فهم المفرطون بالتحريض الناكصون عنه الهاربون منه بل هم المناقضون له المخالفون لأمر الله به الواقفون بوجهه بفتاواهم وأقلامهم وألسنتهم وتنظيرهم وبكل ما أوتوا من قوة وبلاغة فخذلوا عن الجهاد الواجب بالإجماع وعطلوا شعيرة من أعظم شعائر الدين بل عطلوا ذروة سنام الإسلام وهم صنفان
فالصنف الأول: هم الغلاة من المثبطين غير المتأولين من عملاء الحكومات العميلة الذين انبروا للشباب الصادقين المحبين للجهاد يثبطونهم عن الغزو والذب عن أراضي المسلمين ويخوفونهم الأمريكان وحلفاءهم ويرهبونهم من قوتهم فهم عون للغزاة الصليبين وبوق من أبواقهم وجند من جنودهم وكأنهم حين يخوفون المسلمين من العدو يتكلمون بلسان الشيطان قال الله تعالى: ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه) أي يخوفكم من أولياءه (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين) لقد تنكر هؤلاء المثبطون من المنتسبين إلى العلم لما أوجبه الله عليهم من تبيين الحق والصدع به والتحريض على الجهاد إن هؤلاء المثبطين ما هم إلا حجر عثرة أمام انتصار الإسلام وعقبة كئود أمام عودة الخلافة الراشدة وما هم إلا وحل آسن من أوحال الذلة وثمرة فاسدة من ثمار الهزيمة جبناء أينما حلوا وأينما ارتحلوا يحسبون كل صيحة عليهم صاروا بصف الصليبين الغزاة وإلى جانب المنافقين الطغاة ومن عجيب فعالهم وصريح نفاقهم أنك تجد هؤلاء المثبطين مرضى القلوب يتباكون على ما يصيب الصليبين من الأمريكان وحلفائهم ويتفانون في الدفاع عنهم ويتسابقون إلى إصدار الفتاوى في تحريم دمائهم وادعاء ذميتهم وعصمة دمائهم بينما لم يذرفوا ولو دمعة واحدة على إخوانهم في الدين الذين يقتلون في كل مكان بل إن منهم من أباح دماء المسلمين وأجاز مطاردتهم واعتقالهم وتسليمهم للكفار ولم يعدل هؤلاء المخذلون بعدل القرآن ولكن حالهم كحال المشركين الذين أنكروا القتل في الأشهر الحرم وسكتوا ورضوا عما هو أعظم منه من الكفر وصد الناس عن سبيل الله كما قال تعالى: ( يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل) فحال هؤلاء المثبطين يشبه تماماً حال المشركين الذين أنكروا القتل في الشهر الحرام ولكنهم سكتوا عما هو أعظم منه فعدل القرآن أن الله ذكر أن القتل في الشهر الحرام كبير ولكن الكفر والصد عن سبيل الله وإخراج المسلمين من أرضهم أكبر من القتل في الأشهر الحرم فهؤلاء المخذلون يزنون بميزان المشركين ويحكمون بحكمهم فيعظمون أخطاء مصطنعة ومدعاة على بعض المجاهدين ويسكتون عن جرائم الأمريكان وكفرهم كالديموقراطية وصدهم عن الإسلام فالله حسيبهم وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وأما الصنف الثاني من المثبطين فهم خليط من المتأولين وضعاف الإيمان والمتشككين والخائفين وأصحاب الترف والنعيم والذين ألفوا الذلة والمسكنة والذين قاسوا أحوال المجاهدين في أرض العزة على أحوالهم في أرض الاستضعاف وظنوا أن المجاهدين لا ينصرون ولا ينتصرون وما علموا أن طغاة الغرب وطواغيت الشرق تخشاهم وترهبهم إن هذا الصنف من المثبطين الذين يصدون عن سبيل الله ويرهبون الناس من قوة أعداء الإسلام من الأمريكان وحلفائهم إنما يعيشون حالة من الانهزامية والخور والرعب الذي جعلهم يصدرون الفتاوى المثبطة التي تمهد لأعداء الله في الاستيلاء على أراضي المسلمين وتسهل عليهم فرض طاغوتهم المسمى بالديموقراطية على الشعوب الإسلامية كما في أفغانستان والعراق وغيرها فلكم أعجبت هذه الفتاوى الغزاة الصليبين ولكم فرحوا وسروا بها والله ولكم انشرحت صدورهم لها بالله عليكم ألا يشعر الكفار المحاربون بالطمأنينة والسعادة حين يرون من يصدرون هذه الفتاوى وهم يصدون المجاهدين عن الإثخان فيهم وقتلهم وإرواء الأرض من دمائهم بلى والله هل يرهب الكفار اليوم هؤلاء المثبطين أم هل يرونهم خطراً على كفرهم وعدوانهم لا والله بل إنهم يرونهم حصناً لهم من غارات المجاهدين وعوناً لهم على إتمام مخططاتهم ومشاريعهم والله إن مجاهداً واحداً من الذين يسمون بالمتسللين أو الذين يسمون بالإرهابيين لهو أشد رهبة في صدور الغزاة الصليبين من ألف من مثل هؤلاء المرجفين
وكم رجل يعد بألف رجل وكم ألف تمر بلا عداد
وإن مما يحزننا أن بعض هؤلاء المثبطين من هذا الصنف هم من الذين كانوا سبباً في الصحوة الجهادية ورواداً في تجديد فريضة الجهاد قد كان بعضهم في التحريض صولات وجولات فهؤلاء بسبب تغيرهم ثم تفريطهم في باب الجهاد وإرجافهم للمسلمين ابتعد عنهم وجفاهم الكثير من الشباب الصادقين وما ذاك إلا بسبب خلطهم الحق بالباطل والنور بالظلمات في دعوتهم وفتاواهم فأضروا بدعوتهم وإمامتهم في الدين فانفض عنهم المجاهدون الذين كانوا لهم بعد الله سنداً قوياً وركناً شديدا ولم يعودوا ينصتون لا لدعوتهم ولا لعلمهم
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما
يتبع
.....
..