(فصل في التحذير عن مودة البخيل)
مودة البخيل جهل بلا تأويل
يستكثر القليلا ويحرم الخليلا
يبخل ان جدب عرا ولا يجود بالقرا
يمنع ذا الودادا موارد الامدادا
يقول لا ان سألا بخلا ويوليه القلا
يحرمه ما عنده ولا يراعي وده
ان رام منه قرضا رأى البعاد فرضا
يضن بالزهيد في الزمن الشديد
فصحبة الشحيح تمسك بالريح
لا تحسب المودة تحل منه عقدة
ان وجوه الحيلة في البخل مستحيلة
واسمع حديثاً عجبا قد نقلته الأدبا
في البخل عن مزبد مع ربرب لتهتدي .
-----------
(حكاية مزبد وربرب المدينة)
حكى اولوالأخبار وناقلو الآثار
عن غادة عطبول تلعب بالعقول
بطرفها الكحيل و خصرها النحيل
وخدها المورد وصدغها المزرد
وقدها القضيب وردفها الكثيب
وتعمر المغاني برنة الأغاني
كانت تسمى ربربا تحي النفوس طربا
وكانت الأشراف والسادة الظراف
يجمعهم مغناها ليسمعوا غناها
وكان مولاها فتى بكل ظرف نعثا
فاجتمعت جماعة للبسط والخلاعة
واستطردوا في النقل لذكر اهل البخل
فاتفقوا بأسرهم ان لم يروا في عصرهم
ولا رأوا فيما مضى من الزمان وانقضى
بل لا يكون ابدا شخصا على مزبدا
في بخله والشح وحرصه الملح
فقالت الفتاة لا الغادة
الا لايا اني لكم كفيلة بأخذه بالحيلة
حتى يجود بالذهب ويستقل ما وهب
فقال مولاها لها اشهد ارباب النهى
ان تخدعي مزبدا عليك حين ما بدا
لانثرن الذهبا عليك حتى يذهبا
قالت اذا جاء فلا تحجبه عني عجلا
وخل عنك الغيرة ولا تنفر طيرة
فقال اقسمت بمن حلاك بالخلق الحسن لارفعن الغيرة
ولو حباك ابره فأرسلوا رسولا يسأله الوصولا
فجاءهم عشية واحسن التحية
فأهلوا ورحبوا حتى اذا ما شربوا تساكروا
عن عمد وهوموا عن قصد كيما يروا ويسمعوا
لربرب ما تصنع فعندها رأتهم قد سكروا
وهوموا مالت الى مزبد بالبشر
والتودد واقبلت عليه مشيرة اليه
قالت ابا اسحق نعمت بالتلاق
كانني بنفسك اذ غرقت بانسك
تهوى بأن اغني سار الفريق عني
فقال زوجي طالق وخدمي عتائق
ان لم تكوني عارفة بالغيب او مكاشفة
فاستمعته وطرب ثم شقته وشرب
وخاطبته ثانية بلطفها مدانية
قالت ابا اسحاق يا سيد الرفاق
اني اظن قلبك يهوى جلوس قربك
لتلثم الخدودا وتقطف الورودا
فقال مالي صدقة وامرأتي مطلقة
ان لم تكوني في الورى ممن مضى
وغبرا عالمة بالغيب حقاً بغير ريب
فنهضت اليه وجلست لديه فضمها وقبلا
وقال نلت الأملا يا غرة الغواني ومنتهى الأماني
تفديك امي وابي وكل شاد مطرب
فحين ظنت انها قد اوسعته منّها قالت له الانرا لزلة
لن تغفرا من هؤلاء القوم في مثل هذا اليوم
يدعونني للطرب وكلهم يأنس بي
ولم يكن منهم فتى للبر بي ملتفتا
فيشتري ريحانا بدرهم مجانا
فهات انت درهما وفقهم تكرما
فقام منها ووثب وصاح يدعو من كثب
وقال مه اي زانية صليت ناراً انية
دنست علم الغيب منك بكل عيب
فضحك الأقوام من فعله وقاموا
وعملوا ان الخدع لم تجد في ذاك للكع
فأقبلت باللوم عليه بين القوم
فسبها واغضبا وسار عنهم مغضبا
فهذه الحكاية تكفي اولي الهداية
في شيمة البخيل ودائه الدخيل
------------
(فصل في التحذير من صحبة الكذاب)
صحابة الكذاب كلا مع السراب
يخلف ما يقول معلومه مجهول
يقرب البعيدا ويأمن الوعيدا
ويحلف الموعودا ولا يلين عودا
يمين في اليمين وليس بالأمين
وفي كلام الأدبا العلماء النجبا
لم يرفي القبائح وجملة الفضائح
كالكذب اوهى سببا ولا اضل مذهبا
ولا اعز طالبا ولا اذل صاحبا
يسلم من يعتصم به ومن يلتزم طلوعه
افول وفضله فضول غليله لا ينقع وخرقه
لا يرقع صاحبه مكذب وفي غد معذب
فجانب الكذابا واوله اجتنابا
فاسمع حديثاً عجبا في ذم من قد كذبا .
-----------
(حكاية الفتى البغدادي مع الأمير المهلبي)
روى اولو الأخبار وناقلو الآثار
عن حدث ذي ادب وخلق مهذب
ليسكن في بغداد في نعمه تلادي
فارق يوماً والده وطرفه وتالده
وحل ارض البصرة بلوعة وحسرة
فظل فيها حائرا يكابد الفواقرا
ولم يزل ذا فحص يسأل كل شخص
عمن بها من نازل وفاضل مشاكل
فوصفوا نديما ذا أدب كريما ينادم المهلب
وهو امير العرب فأمه وقصده وحين حل معهده
عرّفه بأمره وحلوه ومره
فقال انت تصلح بل خير من يستملح
لصحبة الأمير السيد الخطير
ان كنت ممن يصبر لخصلة يستنكر
فقال اي خصلة فيه تنافي وصله
فقال هذا رجل لا يعتريه الملل
من افتراه الكذب في حزن وطرب
فان اردت طوله فصدقن قوله
في كل ما يختلق ويفتري وينطق
حتى تنال نائله ولا ترى غوائله
قال الفتى سأفعل ذاك ولست اجهل
فذهب النديم وهو به زعيم
فعرف الأميرا بفضله كثرا حتى دعاه
فحضر وسره عند النظر فراشه
في الحال بكسوة ومال فلازم الملازمة
للأنس والمنادمة ولم يزل يصدقه
في كل افك يخلقه فقال يوماً
وافترى بهتاً وكذبا منكرا
لي عادة مستحسنة افعلها كل سنة
اطبخ للحجاج من لحم الدجاج
في فرد قدر نزلا يكفي الجميع اكلا
فحار ذلك الفتى من قوله وبهتا
وقال ليت شعري ما قدر هذا القدر
هل هي بين زمزم ام هي بحر القلزم
ام هي في الفضاء بادية الدهناء
فغضب الأمير وغاضه النكير
فقال ردوا صلته
منه وقدوا خلعته
واخرجوه الآنا عنا فلا يرانا
فندم الأديب وساءه التكذيب
وعاود النديما لعذره مقيما
وقال منذ دهري لم اشتعل بسكر
فغالني الشراب وحاق بي العذاب
وقلت ما لا اعقل والهفو قد يحتمل
فسل لي الاغضاءوالعفو والرضاء
قال النديم اني ارضيه بالتأني
بشرط ان تنيبا وتترك التكذيبا
فراجع الأميرا واستوهب التقصيرا
واستأنف الانعاما عليه والاكراما
فعاد للمنادمة باللطف والملائمة
فكان كلما كذب وقال افكا وانتذب
صدقه واقسما بكونه مسلما
حتى جرى في خبر ذكر كلاب عبقر
ووصفها بالصغر وخلقها المختصر
قال الأمير وابتكر ليس العيان كالخبر
قد كان منذ مدة لدي منها عدة
اضعها في مكحلة للهزل والخزعبلة
وكان عندي مسخرة اكحل منها بصره
فكانت الكلاب في عينه تنساب
وهي على مجونه تنبح في جفونه
فقام ذلك الفتى يقول لا عشت متى
صدقت هذا الكذبا شاء الأمير او ابى
ورد ما كساه به وما حباه
وراح يعدو عاريا من البلاء ناجيا
-----------
(فصل في التحذير من صحبة الاشرار)
وصحبة الأشرار اعظم في الأضرار
من خدعة الأعداء ومن عضال الداء
يقبحون الحسنا ودأبهم قول الخنا
شأنهم النميمة والشيم الذميمة
اذا أردت تصنع خيراً بشخص منعوا
الغل فيهم والحسد والشر حبل
من مسد ان منعوا ما طلبوا تنمروا
وكلبوا واعرضوا إعراضا ومزقوا الأعراضا
ليس لهم صلاح حرامهم مباح
لا يتقون قبحا ولا يعون نصحا
يغرون بالقبيح والضرو التبريح
كلامهم افحاش وأنفسهم ايحاش
الخير منهم وان والشرّ منهم
دان شيطانهم مطاع ودينهم مضاع
لا يرقبون الا ولا يرون خلا
اخلاصهم مداهنة وودهم مشاحنة
صلاحهم فساد رواجهم كساد
عزيزهم ذليل صحيحهم
عليل ضياؤهم ظلام وعذرهم
ملام تقريبهم تبعيد ووعدهم وعيد
اذا سألت ضنوا او منحوك منوا
وان عدلت مالوا وان سألت قالوا
ربحهم خسران وشكرهم كفران
شرابهم سراب وعذبهم عذاب
وفاقهم نفاق انجاحهم اخفاق
وفاؤهم محال وخصبهم امحال
ودادهم خداع وسرهم مذاع
اذعانهم لجاج معينهم اجاج
وليس فيهم عار من ادراع العار
البعد عنهم خير والقرب منهم
ضير فاحذرهم كل الحذر
لحاك لاح او عذر واسمع مقال الناصح
سمع اللبيب الراجح
وقال ارباب الحكم العالمين بالأمم
ان شئت ان تصاحبا من الأنام صاحبا
من حالة تريدها او حاجة تفيدها
فان اشار ناصحا بالخير كان صالحا
فأوله الصداقة ولا تخف شقاقه
فالخير فيه طبع واصله والفرع
وان اشار مغريا بالشر كان مغويا
فاجتنب اصطحابه واوجب اجتنابه
فالشيم الردية اضحت له سجية
هذا وقد تم الرجز بعون ربي ونجز
وهاكها احكاما احكمتها احكاما
كدرر البحور عى نحور الحور
تشنف المسامعا وتطرب المجامعا
تفحم كل ناظم وصادع وباغم
والحمد لله على ابلاغه المؤملا
ثم الصلاة ابدا على النبي احمدا
وآله الأطهار وصحبه الأبرار
ماطار طير وشذى ولاح فجر وبدى
تمت بحمد الله ,,,