بين أمريكا والتتار .. تأمل
للشيخ ناصر بن حمد الفهد
الحمد لله الذي أتم نعمته و أكمل الدين ، و شرع الجهاد رحمة للعالمين ،
وجعل
العزة لمن أطاعه من المؤمنين ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره وإن
هملجت
بهم البراذين ، القائل (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما
كان من
المشركين) ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له : كلمة قامت بها
الأرض
والسماوات ، وفطر الله عليها جميع المخلوقات ، وعليها أسست الملة ، ونصبت
القبلة ، و لأجلها جردت سيوف الجهاد ، وهي محض حق الله على جميع العباد ،
وهي
كلمة الإسلام ، ومفتاح دار السلام ، وبها انقسم الناس إلى مسلمين وكفار ،
وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والبوار ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛
أرسله الله بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد وحده ولا يشرك به ، وجعل رزقه
تحت
ظل رمحه ، بعثه بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله وسراجاً منيراً ، صلى
الله
عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد :
فقد تأملت في تاريخ الإسلام طويلاً ، وقلبت صفحاته ، ونظرت في حال أعداء
الإسلام ، وحروبهم له ، من الصليبيين ، و الوثنيين ، في المشرق ، و في
المغرب ،
لأكثر من عشرة قرون ، فلم أر لهم عدواً : أعدى ، ولا أخبث ، ولا أنكى ، من
(أمريكا) ، وبقراءة التاريخ يظهر إن من أعظم الهجمات التي تعرض لها
المسلمون
قديماً هجمات التتار في القرن السابع ، ومع ما حصل للمسلمين منهم من بلاء
؛ فإن
ذلك لا يقاس أبداً بما حصل للمسلمين من (العدو الأمريكي) اليوم:
1- فإن التتار هاجموا مشرق بلاد المسلمين ، أما هؤلاء فهاجموا جميع بلدان
المسلمين في المشرق والمغرب ، بطريق مباشر وغير مباشر ، ولو علموا بوجود
بلاد
إسلامية تحكم بالإسلام تحت المحيطات لخاضوها من أجل القضاء عليهم .
2- ولئن قضى التتار على حكم المسلمين في المشرق ، فإن كثيراً منهم دخل في
الإسلام بعد ذلك ، وبقيت دول المسلمين تحكم بالإسلام في وسط العالم
الإسلامي
ومغربه ، وأما هؤلاء فقد قضوا على حكم الإسلام (مادياً) و (معنوياً) في
المشرق
والمغرب ، بل قضوا ويحاولون القضاء على من (يحلم) بتحكيم الإسلام .
3- ولئن قتل التتار آلافاً من المسلمين في هجمتهم حتى بلغوا المليون أو
أكثر في
بغداد ، فإن ضحايا (أمريكا) من أطفال العراق فقط تتضاءل عندها جرائم
التتار
كلها ، دعك من باقي ضحاياهم في بلاد المسلمين الأخرى .
4- ولئن كانت (أعنف) هجمات التتار هي (العسكرية) ، فإنها (أيسر) هجمات
أمريكا ،
فإن حروبها العسكرية للمسلمين - على خبثها - تتضاءل أمام فسادها وإفسادها
في
البلاد الإسلامية ونشرها للخبث والمجون والإلحاد والعلمانية وحمايتها لذلك
،
وغير هذه الأمور ؛ مما قتله للعقائد في نفوس المسلمين أعظم من قتل أسلحتها
لأجسادهم ، وهذا مما لا يستطيع أن يصفه قلم.
5- ولئن اكتفى التتار بالخيرات الظاهرة في بلاد المشرق ، فإن هؤلاء لم
يكتفوا
بخيرات جهة دون أخرى ، بل نهبوا خيرات بلاد المسلمين وثرواتها الظاهرة
والباطنة
، حتى صاروا يستأثرون بنصف ثروات العالم.
وكل من يتابع وضع المسلمين اليوم يعلم أكثر من هذا ، ولو لم يكن بيننا
وبينهم
اختلاف في الدين يحملنا على معاداتهم وبغضهم والبراءة منهم ، لكانت
أفاعيلهم
هذه تكفي في ذلك ، ولولم يكن عند الإنسان دين يحمله على بغضهم وعداوتهم
فإن
(الشهامة) و (الرجولة) و (الأنفة) تجعله يأنف من استجدائهم والخضوع لهم
وطلب
التعايش معهم ، بعد أن بلغ بهم الطغيان حداً لا يتصوره عقل ، فلم يسلم من
شرهم
مصر ، ولم تخل من خبثهم أرض ، وبعد أن فتكوا بالمسلمين في كل مكان ، ويكفي
من
هذا ما يفعلونه اليوم في إخواننا المسلمين من الأسرى في (كوبا) ، وقد كانت
العرب في جاهليتها الجهلاء تأنف من الركون إلى العدو ولو كان أقوى منهم ،
فكان
شعارهم : (مت كريماً ، ولا تعش ذليلاً ) ، وقصص حروبهم الجاهلية تدل على
هذا ،
ويقول شاعرهم :
حـكّمْ سيُوفَكَ في رقابِ العُذَّلِ وإذا نـزلتَ بدار ذلٍَّ فارحلِ
وإذا بُليتَ بظالمٍ كُنْ ظـالمـاً وإذا لقيت ذوي الجهالة ِ فاجهلِ
واختَرْ لِنَفْسِكَ منْزلاً تعْلو بـهِ أَوْ مُتْ كريماً تَحْتَ ظلِّ
القَسْطَلِ
لا تـسقـني ماءَ الحياة ِبـذلة ٍ بل فاسقني بالعزَّ كأسَ الحنظـلِ
مـاءُ الحـياة ِ بذلة ٍ كجهنم وجـهنم بـالـعزَّ أطيبُ منزلِ[1]
ولما شاور الرسول صلى الله عليه وسلم السعدين في إعطاء غطفان (وهم مشركون)
ثلث
ثمار المدينة ليصدهم عنها – كما ورد في كتب السيرة بسند مرسل – قال له سعد
بن
معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله ، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك
بالله
وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها
ثمرة
إلا قرى أو بيعاً ، أ فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه
نعطيهم أموالنا؟! والله ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلا السيف.
مركز فلوجة للإعلام الجهادي
هيئة الدعم الإعلامي للمجاهدين