تأبط شرا
مقدمة
تأبط شرا.. ما بين الحقيقة والخرافة والخيال
* الحقيقة
هو ثابت بن جابر الفهمي، من الشعراء الصعاليك، عاش في الحجاز، في المنطقة المحيطة بالطائف، وجمع عصابة للاغارة على بني خثعم وهذيل، والأزد.. شاع شعره في وصف الغيلان والجن.
* الخيال
مما روته كتب التاريخ عنه، انه خارق القوة، فان اتكأ على بعير اسقطه، او استوى على ظهر فرس اجهضها، وهو اسرع من الجياد الجامحة، ويسبق الظبي في عدوه، وان رمى رمحه، فانه كريح الشتاء، ورغم ان له الكثير من الحكايات الخرافية مع الجان والغيلان، الا ان الذين وصفوه، يرون انه هو الغول بعينه، فضفيرتاه تشبهان قرني الشيطان، وله عينان حمراواتان، تنبعث منهما اشعة كريهة تنذر الناظر اليهما بالموت، وفمه كفوهة بئر، اما انفه فانه يشبه رأس البعير.. مع هذه الاوصاف وغيرها من امارات القبح، فان (تأبط شرا) يعد واحدا ممن يعشقنه النساء، كما تجلى ذلك واضحا في اشعاره.
نادته امه يوما، وقالت له: «ايها الولد العاق، ها أنت ترى ما نحن فيه من شظف العيش، وانت لا هم لك الا ان تسابق الغزلان، لم لا تنطق ايها الخبيث؟!»، فيجيبها: «وماذا تريدين ان افعل، بعد ان جئت لك بكبش سمين، فاذا به ينقلب بين يديك الى ذئب مفترس؟! وسرقت لك ما يزن حمل بعير من التمر، فانقلب التمر حين رأى وجهك الى أفاع سامة!! فماذا افعل لك بعد ذلك يا امرأة؟!»، لكنها لا تعبأ بما قال وتصرخ فيه: «اسمع ايها الجلف.. ان في فلاة رحى بطان من ارض هذيل، إبل ترعى، فلو تربصت ببعضها ليلا».. فيصيح فيها مقاطعا: «انتِ اذاً تريدين لابنك ان يسرق اموال الناس؟!»، فتجيبه ساخرة: «ثكلتك امك، وهل لك صنعة اخرى غير السرقة التي ورثتها عن ابيك؟!»، فيجيبها: «واللات ما اسموك ام الاشرار عبثا!! وبئس الأم انت يا من تحرضين ولدك على فعل الشر!!»، فتقول له: «لا تجادلني، وانت لا عمل لك سوى مجالسة السراق كأبي خراش والشنفري.. هيا اذهب يا تأبط الى رحى بطان، وعد لأمك بلبن النياق».
* الخرافة
عندما شارف تأبط شرا على منطقة رحى بطان، وضع اذنه على الأرض، كي يسمع وقع اقدام النوق، ولكنه سمع ما لم يكن يتوقع، فصار من شدة هول الدهشة، يحدث نفسه: «ما هذا؟! ما هذه الاقدام الثقيلة الوقع، كأنها جبل يسير، وصوت اقدامه يأتيني عبر الرمال، مع ما يفصل بيننا بمسافة تبلغ عشرات الفراسخ؟! اي مخلوق هذا الذي يسير بهذه القوة؟».
وفجأة يظهر له من بين العجاج كائن بشع المنظر، ضخم الجثة، فيصيبه الارتباك، واذا بذلك الكائن يصدر صوتا انثويا رقيقا: «اقترب مني يا حبيبي..!! اقترب..!! فبعد قليل ستصبح زوجي». فيرد عليها تأبط بعد ان تمكن من السيطرة على اعصابه: «واللات ان ما سمعته عن خبث الغيلان لهو حقيقة واقعة.. انك تخدعين الرجال بهذا الصوت الوديع»! واذا بالكائن البشع يتحدث اليه بصوت غليظ كأنه الرعد: «ما دمت قد عرفت حقيقتي، فماذا جاء بك الى هنا يا تأبط؟ وكيف سولت لك نفسك ان تعتدي على ارضي؟»، فلم يجد تأبط شرا عذرا سوى القول انه مر فوق هذه الاراضي عن طريق المصادفة، فتصدر عن الكائن البشع ضحكة جلجلت اصداؤها في الفضاء، ثم يعقبها قوله: «كذبت..!! بل قل ان امك هي التي طلبت اليك ان تأتي الى هنا لتسرق ابل قيس عيلان، ولكنها دفعت ثمن تحريضها اياك على السرقة، ثم استخرجت جثة امه من وعاء، وألقت بها امامه، ها هي ام الاشرار جثة هامدة امامك..!! فيصرخ تأبط باكيا: «ويحك قتلت امي ايتها الغولة، فتهجم عليه قائلة: وسأمزقك بأنيابي يا تأبط، فيشتبك معها بعد ان تقمصه قوته الخارقة التي كثيرا ما يستدعيها عندما يتعرض لمعارك مع الجن والغيلان، وبينما كانت الغولة تصدر ضحكاتها، عاجلها تأبط بكسر انيابها، فقالت له وهي في قمة حنقها وغضبها: «ستكون هذه آخر ليلة من ليالي حياتك، سأمزقك إربا إربا ايها التأبط اللعين»، فيجيبها وهو يكمل تكسير انيابها: «بل انا الذي سأسلخ جلدك النتن واصنع منه اكبر خيمة في بلاد العرب، لأذل بك قبيلة الغيلان ايتها الخبيثة»!! فأجهز عليها، ثم حملها الى قبيلته منشدا هذه الأبيات:
ألا من مبلغ فتيان فهم *** بما لقيت عند رحى بطان
بأني قد لقيت الغول تهوى *** بسهب كالصحيفة صحصحان
فأضربها بلا دهش فخرّت *** صريعا لليدين وللجران
فلم انفك متكئا عليها لأنظر *** مصبحا ماذا أتاني اذا عينان
في رأس قبيح كرأس *** الهر مشقوق اللسان
* عاشقة تأبط شرا
وصفها بأنها جميلة كالوردة في خدرها، لولا ان بها شوك، فيروي قصته معها، يوم خرج مع صاحبه الشنفري الذي كان مثله عداء لا يشق له غبار، فتسللا معا في جوف الليل، حتى ظهرت لهما نيران لأناس يسمرون قرب قافلة لهم، فقال الشنفري: «علينا ان نسرق ما في هذه القافلة»، فيسأل تأبط عن السبيل الى ذلك، ورجال القافلة كثيرون؟! فيرسم له الشنفري الخطة، وهي كالتالي: «تقترب انت منهم، فيطمعون فيك، فاذا طاردوك، فطاولهم.. فاذا عدوا خلفك، استأسر لهم، فان اخذوك الى حيث القافلة ثم اوثقوك، بدوت لهم انا من بعيد، اعدوا امامهم، حتى يجدوا في طلبي، فأباعد بينهم وبين القافلة، فتحل انت وثاقك، وتسوق القافلة الى مخبأنا».. وفعل تأبط ما تم الاتفاق عليه، فاذا بدا لهم الشنفري، سألوا تأبط: اهذا صاحبك؟! فأجابهم: احذروه، فانه اسرع من يعدو في العرب، وما احسبكم تلحقون به!! فاجابه احدهم: لن يعجزنا ان نأتي به لنضمه اليك!! وبدأوا يطاردون الشنفري وهم على ظهور جيادهم، بينما هو يعدو عدوا، قد ابعد بهم مسافات طويلة عن قافلتهم. وفي هذه الاثناء فك تأبط شرا وثاقه، وساق القافلة الى حيث مخبأهما، وما ان ادخل الأبعر الى الكهف، حتى سمع صوتا نسائيا، فاستطلع الامر، واذا به امام شابة رائعة الجمال، لينة الاعطاف، يكاد بياض وجهها ينير ظلمة الكهف، ترجوه ان يتركها الى حال سبيلها بعد ان ظفر بغنيمته، فيقول لها: «اومن يظفر بمثلك يفعل ما تطلبين؟! واللات ما افرط فيك ابدا!»، فتضحك بمرح ودلال قائلة: «ما احسبك الا اضعف الخلق!»، فيجيبها محتدا: «ليس لمثلي يقال هذا الكلام»، فتمد نحوه يدها، وترفعه من صدره الى اعلى ثم تلقي به الى الارض!! فحاول القيام وهو يتوعدها: «واللات ما ابقي عليك حية، وان كنت اجمل الجميلات؟!»، فترفعه من صدره ثانية ثم تلقي به الى الارض، ووضعت رجلها فوق جسمه، وتوجهت اليه بالحديث وهي ضاحكة، ومزهوة بنصرها عليه: «والآن ما تقول ايها الخبيث وانت تحت قدمي لا تملك حراكا؟!»، فيجيبها: «ويحك من اين لك هذه القوة؟!»، فتنشرح اساريرها لسؤاله: «حسن، ما دمت قد اقررت بأن هناك من هو اقوى منك، فاني اعفو عنك!!»، ويسألها تأبط: «كيف تركتني اسوق قافلة قومك، ولم تمنعيني من ذلك؟!»، تجيبه: «سمعت عن شجاعتك، واعجبت بك، فتركتك تفعل ما تفعل لأظفر بك».. فيجيبها بخذلان وأسى: «ظننت انني انا الذي ظفر بك، هيا.. اقتليني!! فلا احتمل ذلا بعد هذا الذل، امرأة تصرع تأبط شرا؟! اقتليني ويحك، ماذا تنتظرين؟». فتقول له: «هناك ما هو خير من قتلك، وهو ان تتزوجني، فوالله قد احببتك من كثرة ما سمعت عنك، تزوجني.. فلا يكون احد في ارض العرب، في شدة قوة اولادنا»!!
فتزوجها بعد ان شغف بها حبا، ورغم قبحه، صار الناس يضربون الامثال بجمال (براق) ولده الأول منها.
وقُتل تأبط شرا في بلاد هذيل، وألقيت جثته في غار يقال له (رخمان).
اضافة الى كتاب «اخبار تأبط شرا» للجلودي، فلسلمان داوود القراغوللي، وجبار جاسم كتاب «شعر تأبط شرا».
أخبار تأبط شراً ونسبه
نسبه ولقبه
هو ثابت بن جابر بن سفيان بن عميثل بن عدي بن كعب بن حزن.
وقيل: حرب بن تميم بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس عيلان بن مضر بن نزار.
وأمه امرأة يقال لها: أميمة، يقال: إنها من بني القين بطن من، فهم ولدت خمسة :
تأبط شراً، وريش بلغب، وريش نسر، وكعب جدر، ولا بواكي له وقيل: إنها ولدت سادساً اسمه عمرو.
تأبط شرا لقَب لُقِب به، ويعود سبب هذا اللقب الى حكاية تروى مفادها: قالت له أمه: كل اخوتك يأتيني بشيء اذا راح غيرك، فقال لها: سآتيك الليلة بشيء، ومضى فصاد افاعي كثيرة من اكبر ما قدر عليه، فلما راح أتى بهن في جراب متأبطا له، فألقاه بين يديها، ففتحته، فتساعين في بيتها، فوثبت، وخرجت، فقال لها نساء الحي: ماذا أتاك به ثابت؟ فقالت: أتاني بأفاع في جراب، قلن: وكيف حملها؟ قالت: تأبطها. قلن: لقد تأبط شرا، فلزمه تأبط شرا.
وقيلأنه كان رأى كبشاً في الصحراء فاحتمله تحت إبطه فجعل يبول عليه طول طريقه، فلما قرب من الحي ثقل عليه الكبش فلم يقله فرمى به فإذا هو الغول
فقال له قومه: ما تأبطت يا ثابت? قال: الغول، قالوا: لقد تأبطت شراً فسمي بذلك.
وقيل: بل قالت له أمه: كل إخوتك يأتيني بشيء إذا راح غيرك
فقال لها: سآتيك الليلة بشيء، ومضى فصاد أفاعي كثيرة من أكبر ما قدر عليه
فلما راح أتى بهن في جراب متأبطاً له فألقاه بين يديها ففتحته فتساعين في بيتها فوثبت، وخرجت
فقال لها نساء الحي: ماذا أتاك به ثابت?
فقالت: أتاني بأفاع في جراب
قلن: وكيف حملها? قالت: تأبطها، قلن: لقد تأبط شراً فلزمه تأبط شراً.
وحدث علي بن الحسن بن عبد الأعلى عن أبي محلم بمثل هذه الحكاية وزاد فيها:
أن أمه قالت له في زمن الكمأة: ألا ترى غلمان الحي يجتنون لأهليهم الكمأة فيروحون بها?
فقال أعطيني جرابك، حتى أجتني لك فيه فأعطته فملأه لها أفاعي وذكر باقي الخبر مثل ما تقدم.
ويحكى انه كان أعدى ذي رجلين وذي ساقين وذي عينين، وكان اذا جاع لم تقم له قائمة، فكان ينظر الى الظباء فينتقي اسمنها، ثم يجري خلفها فلا تفوته حتى يأخذها، فيذبحها بسيفه، ثم يشويها ويأكلها، ولبيان عدوه السريع يحكى ان تأبط شرا وعمرو بن براق والشنفري غزوا بجيلة فلم يظفروا منهم بغرة، وثاروا اليهم فأسروا عمرا، وكتفوه، وافلتهم الآخران عدوا، فلم يقدروا عليهما، فلما علما ان ابن براق قد اسر قال تأبط شرا لصاحبه: امض فكن قريبا من عمرو، فاني سأتراءى لهم واطمعهم في نفسي حتى يتباعدوا عنه، فاذا فعلوا ذلك فحل كتافه وانجوا، ففعل ما امره به، واقبل تأبط شرا، حتى تراءى لبجيلة، فما رأوه طمعوا فيه، فطلبوه، وجعل يطمعهم في نفسه، ويعدو عدوا خفيفا يقرب فيه، ويسألهم تخفيف الفدية واعطاءه الامان حتى يستأسر لهم، وهم يجيبونه الى ذلك، ويطلبونه وهو يحضر احضارا خفيفا، ولا يتباعد، حتى علا تلعة اشرف منها على صاحبيه، فاذا هما قد نجوا، ففطنت لهما بجيلة، فألحقتهما طلبا ففاتاهم، فقال: يا معشر بجيلة أأعجبكم عدو بن براق اليوم، والله لأعدون لكم عدواً انسيكم به عدوه، ثم عدا عدوا شديدا.
قيل لقي تأبط شرآ رجلآ من ثقيف يقال لة:ابو وهب،وكان جبانآ اهوج وعلية حلة جيدة،فقال ابو وهب لتأبط شرآ:بم تغلب الرجال يا ثابت،وانت كما أرى-دميم ضئيل؟
قال:باسمى،انما اقول ساعة ما ألقى الرجل:انا تأبط شرآ،فيخلع قلبة حتى انال منة ما اردت،
فقال لة الثقفي أقط؟قال:قط،
قال:فهل لك ان تبعني اسمك؟
قال:نعم،قال:فبم تبتاعة؟
قال:بهذة الحلة وبكنيتك،
قال له:افعل،ففعل،
وقال تأبط شرآ:لك اسمي ولي كنيتك وأخذ حلتة واعطاه كساء بالي
ثم انصرف،وقال يخاطب زوجة الثقفي
ألا هل اتا الحسناء ان حليلها *** تأبط شرآ واكتنيت أبا وهب
فهبة تسمى باسمي وسميت باسمة *** فأين لة صبري على معظم الخطب
وأين لة بأس كبأسي وسورتي *** وأين لة في كل فادحة قلبي
ومما ذكر أنه إنما جاءها بالغول يحتج بكثرة أشعاره في هذا المعنى فإنه يصف لقاءه إياها في شعره كثيراً
فمن ذلك قوله:
فأصبحت الغول لي جارة *** فيا جارتا لك ما أهـولا
فطالبتها بضعها فالتـوت *** علي وحاولت أن أفعـلا
فمن كان يسأل عن جارتي *** فإن لها باللوى مـنـزلا