نجــــــــــــــــــــــــــــــــد
ساحرة الألباب وقصيدة العشق الذي لا يبلى
نشرت المقالة في صحيفة الجزيرة عدد الاثنين 7/3/1428
وذلك في صفحة مدارات شعبية
* كتب - علي المفضي:
رغم تاريخها المليء بالعطش والجوع والفقر، وطقسها الجاف وقلة الموارد وفرص العمل
إلا بعض البقع المتباعدة من الخضرة وإمكانات الحياة المحدودة
لكن لها سحراً لا يقاوم وعشقاً يتخلل المسام
وهوى أعصى على المرء من بلوغ المستحيل
ولو كان ذلك العشق قد اقتصر على أبنائها لقيل إنه حب الأوطان الذي لا ينتظر ما يبرره
يقول عبدالله بن الدمينة:
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد ... لقد زادني مسراك وجداً على وجد
رعى الله من نجد أناساً أحبهم ... فلو نقضوا عهدي حفظت لهم ودي
سقى الله نجداً والمقيم بأرضها ... سحابا غواد خاليات من الرعد
إذا هتفت ورقاء في رونق الضحى ... على غصن بان أو غصون من الرند
بكيت كما يبكي الوليد ولم أكن ... جليداً وأبديت الذي لم أكن أبدي
وإذا أمعنا النظر في الشعر الذي تناول ( نجداً )
وجدنا أن أغلبه كان يتوجد حسرة على بعد هذه الفاتنة العجيبة.
فها هو ابن الدمينة يبين لنا في مكان آخر من قصيدته
ما دعاه إلى هذا البكاء المر:
وقد زعموا أن المحب إذا دنا ... يمل وأن البعد يشفي من الوجد
بكلٍّ تداوينا فلم يشف ما بنا ... ألا إن قرب الدار خير من البعد
ألا إن قرب الدار ليس بنافع ... إذا كان من تهواه ليس بذي ود
أما الشاعر / طاهر زمخشري
الذي عرف عنه رقة العبارة والقلب والوجد وندى الشعر والشعور
فقد تناول (نجداً) بطريقته حين قال:
ألا يا صبا نجد سلمت فلم يزل ... نداك بما يعطيه أحلى من الشهد
أشم عرارا فيك يذكي مشاعري ... ويرقص إحساسي ويقضي على سهدي
وأنسامك الجذلى تشيع لطافة ... تناغم أنفاس الأزاهر والورد
إنها ( نجـــــــــــــد )
وطن السحر الخفي الذي أشك أحياناً أنه قد بُث في ذرات هوائها ومكونات مائها
وإلا كيف أبرر هيام أجنبي أو أجنبية ممن وطئت أقدامهما أرضاً يتحدث عنها بما يشبه الشعر الذي لو أفرغ في أذن عذراء لشفت وهامت وتسامقت غروراً وتيهاً على صويحباتها
وأما / عبدالله بن ماجد بن هذال
حينما أجبرته الظروف على الرحيل عن الساحرة ( نجد )، فقد قال:
يا نجد لاجاك الحيا صيحي لنا ... وشبي لنا بدار المقوقي نار
يا نجد لاجاك الحيا وصي لنا ... لازان وقتك وارسلي عمار
حلفت انا يا نجد ما ارخصك عندي ... مير الدهر والوقت فينا جار
سبع سنين ما لمع فيك بارق ... مات الحلال ويبست الأشجار
فرغم أنه رحل منها هرباً من الجوع والعطش
إلا أن غيرها لا يغني عنها..
ها هو / خالد الفيصل
يثبت ما ذهبنا إليه في قصائده عن قاتلة الناس عشقاً ووجداً ( نجد ).
سريت ليل الهوى لين انبلج نوره ... امشي على الجدي وتسامرني القمرا
وإلى أين يتجه وهو المحاط بالماء والخضرة والجمال ليستبدلها بماذا..؟
أيعقل أنه يبحث عن عكس ما ينعم به من مكان؟ لِمَ لا؟
إنه هوى القلوب.
طعس وغدير وقمر ونجوم منثورة ... وأنفاس نجد بها جرح الدهر يبرا
إن المبرر قوي، والدافع ملح، والهوى له سلطانه.
يا نجد الاحباب لك حدر القمر صورة ... طفلة هلال وبنت أربع عشر بدرا
حبيبتي نجد عيني فيك معذورة ... معشوقة القلب فيها للنظر سحرا
فضة شعاع القمر في نجد مسحورة ... من شاف لمعة قمر في خدة سمرا
قال الأجداد في مثلهم الشعبي
أيام القحط والجفاف والفاقة والفقر المتغلغل والمتصل بين الأرض والإنسان
عن سابق علم وتجربة ودراية:
(نجد تالد ولا تغذى).
ولأن إنباتها وإقبال الربيع فيها من الندرة، بحيث يكون مادة للشعر
قال شاعرها:
ما مثل نجد الى عطت بالمقابيل ... الله يرفع بالمعزة رجاله
وهنا وقفات
تغني عن كل إسهاب حول الحديث عن (نجد)، وهي مقطوعات عذبة ندية
للشاعر الراحل / محمد الأحمد السديري:
في وسط نجد اتبع هوى كل نسناس ... واطرب لشوف طيورها وتغريدة
اعشق ليالي نجد لو أنها ادماس ... وأيامها عندي جنان سعيدة
شمي لعشب رياضا يقعد الراس ... وما فات من ساعات عمري يعيده
وله أيضـــــــــــــــاً:
الى هب الهوى يزداد وجدي ... على شانه يجي من يم نجدي
وله أيضـــــــــــــــاً:
أنا من نجد يكفيني هواها ... ويبري لوعتي شربي لماها
وأيضـــــــــــــــاً:
ان كان بي عذروب حبي لاهل نجد ... احبها واحــب شــمة هــواها
احبها يوم انها درة المجد ... دار تمكن بالضماير غلاها
دار غلاها باجد مهجتي بجد ... دار لنا دار ظلالي سماها
وقفة من أبيات لي:
والله لو خيرت عن نجد ما اختار ... ومنين دار مثلها في غلاها
في مدحها تورق بالأسماع الأشعار ... والشعر ما يلحق مداه لمداها
تحياتي