مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #11  
قديم 19-06-2006, 06:34 AM
Orkida Orkida غير متصل
رنـا
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2005
المشاركات: 4,254
Smile

اسمح لي أخي الفاضل بإقتباس آخر مشاركة لك


إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة ابن حوران
الطلائع تتخصص في إعاقة بعضها البعض :

تستبشر الجماعات المحبوسة في أساها و بؤسها ، خيرا ، عندما يأتيها خبر بأن طلائع فك أسرها ، و إطلاق طاقاتها ، قد تقدمت نحوها ، فتتحرك الآمال بالنفوس ، و يصبح الحراك في الجماعات يتناغم مع حراك القادم الجديد .. لكن قد يطول الانتظار للقادم ، وقد يكون ظل القادم إذا ما وصل أثقل من ظل البؤس السائد .. فتصبح الجماعات تترحم على بؤسها القديم من ويل بؤسها الجديد . وهذا ما يفسر دفع الشوق عند أبناء الأمة الى أعماق تاريخها ، حيث تبنى صور زاهية جميلة .. وقد لا تكون كذلك ، لكن الابتعاد عنها ، هو مرتع مريح من هول ما تعيشه تلك الجماعات .

لن نحاكم طلائع الماضي البعيد ، فهم أجدادنا ، فإن أصابوا ـ وما أكثر المرات التي أصابوا بها ـ فقد أورثونا مجدا و علما ، لا زلنا نحن إليه ، و إن أخطئوا فإننا ورثنا أخطائهم ، لا لنجعلها نقيصة عندهم ، فإن كان من سيدفع ثمن تلك الأخطاء ، فهم ( نحن ) .. و علينا التهوين من تلك الأخطاء ، والاستفادة من الكيفية التي تجعلنا لا نكرر الوقوع بها ..

أما محاكمتنا (لأحد) إن جاز تسميتها بذلك ، فهي محاكمة لطلائعنا الراهنة ، ليس بقصد الإساءة و الإقصاء لها ، بل بقصد صناعة مقتربات ، للتنسيق بين مسيرة تلك الطلائع (متحاذية) .. ولكن ما الذي سنحاكمه بتلك الطلائع ، هل نحاكم طبيعة خطابها ، أم نحاكم سلوك كل منها تجاه غيرها من الطلائع الأخرى .. سيقول قائل : أوليس السلوك الذي تمارسه أي طليعة ، يلتصق التصاقا عضويا بطبيعة الخطاب و شكله ؟

تتناحر الطلائع و تعيق بعضها البعض ، وتستنكف عن حوار بعضها البعض في أوقات يكون الحوار متيسرا و قابلا للحدوث .. وتضطر لمثل هذا الحوار عندما تتناقص قوتها ، ويبرز لها عامل يجبرها على الحوار ، لينتزع من كل طرف من أطراف الحوار (المفترض) ، مكاسب تزيد عن مكسب كل طرف ، بل تزيد عن مكاسب الأطراف مجتمعة .. تماما كمن يعطي لمحامي حصة أكثر من حصته(هو) في حق اختلف عليه ، ويأس من تحصيله ..

لقد بنت الطلائع في منطقتنا خطابها ، على مقارعة فريق محلي ، و نسجت تفاصيله الأدبية ، وفق حركة ذلك الفريق ، وكانت تزين خطابها بركائز ذهنية تتصل بعمق الموروث الحضاري لجمهور المخاطبين .

فكانت معظم الخطابات تكتب أو تعد على ضوء نشاط طليعة أخرى ، فالآخر بخطاب أي طليعة هو طليعة أخرى ، وتكتب البيانات و أدبيات أي طليعة ، على إثر تحرك أو صدور خطاب من تلك الطليعة ، فكانت خطابات الطلائع عبارة عن مساجلات فيما بينها ، ملها الجمهور ، الذي كان ينتظر توجها نحو المستقبل وفق خطاب يتلاءم مع مخزونه التراثي و إمكانية تحقيقه وفق قدرات المجتمع و تكيفها مع الظروف السياسية المحيطة ..


لقد كانت خطابات الطلائع ، بيانات أدبية ، ذات صبغة وجدانية ، تعتمد إثارة الهمم الطيبة ، وتهاجم غيرها من الطلائع . لقد كانت خالية من الصبغة السياسية المعاصرة المحترفة ، مما جعل انجذاب الجمهور نحوها ، انجذابا لحظيا ، لا يتمسك بها أو الدفاع عن تلك الطلائع إلا إذا كانت قد وصلت للحكم ، أو أنها كانت تعبر في عينة من الوقت عن إرهاصات المواطن ، فيتعاطف معها لحظيا ووقتيا ..

إن احتراف الطلائع وتمكنها من نبش خصائص بعضها البعض ، هي النتيجة الأكثر وضوحا والأكثر أثرا .. والتي نفرت الجمهور من التقرب لمؤازرة أي طليعة ، كما قدمت خدمة ذهبية للأنظمة الحاكمة ، لجعلها تبدو أنها أفضل حال من أي طليعة ، سيما وأن الخطاب السياسي الذي يكشف مساوئ تلك الأنظمة لا يصل بشكل واسع لجمهور أي قطر عربي ، بالقدر التي تصل به الخطابات التي تذكر مساوئ أي طليعة ..

فقط اقتبست ما خطته يداك أخي الفاضل،
مستحيل أن أجد أفضل من هذا الكلام بارك الله فيك،
وأعدته من شدة اعجابي بالعبارات فكل فقرة معبرة أكثر من الأخرى..
ودمت بألف ألف خير أخي الغالي ابن حوران وشكرا لك على هذا الموضوع الرائع.
  #12  
قديم 19-06-2006, 07:51 AM
*سهيل*اليماني* *سهيل*اليماني* غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,467
إفتراضي

تحية ملؤها حب النخب والطلائع في زمن ليس من وقتنا بضائع .. وفي حب الله لاتقان العمل وفن ازهار البدائع ..

الذي يقول .. (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا اخرجنا منها فان عدنا فانا ظالمون قال اخسئوا فيها ولاتكلمون )

فالحوار .... دل عليه زمن الرد .. بعد ان تنادوا يامالك ... بعد الف عام .. واثبته الرد ايضا .. وسقوا ماءا حميما فقطع امعائهم ..


جزت رؤوس الطلائع في حاضرنا من اعداء الطلائع .. ليس بمنظوري فالخير باق وعلى كل فان عندي كفاف الحال .. من الطلائع ... ولا اغلوا الا باتباع خيريه .. من المنقضي اجله .. فقط لأستنير من وجله .. واستدل في عمله .. ممن كان رمز للطلائع ..


الان الطلائع هم اصحاب سبع الصنايع .. السياسة عندهم انعكاسة كل مايصب به وردهم فيستزيد منه حسابهم .. الاخلاق والقيم .. يجب سلخها فهي من السياسة .. بل قداسة السياسة ..


بينما السياسة ان تعيش حياة نعيمة الى حد ما اقله الامن ووجود قوت اليوم فانما استطعت ان تدل احد على سياستك ليعتز بها مذهبك والا فانت بحد ذاتك كنت امه .. تبعث وحدك .. ويأتي يوم القيامة من الانبياء من لايتبعه احد ..

يقول الشاعر .. وذلك بقصد الادب والاخلاق والتحلى بخفة الظل ايضا ..

لاصار ماتاخذ امورك سياسات
يصير عقلك والهبال متساوي

لانذهب بعيدا .. عن اسمى مقاصد الحي من الانسان .. والا فالميت لا هدف يرسمه .. وقد يصله بتمني حبه للطلائع .. ايضا ..

الحوار .. وقتي .. يتدرج .. حتى يكون مرتبطا بحياة الانسان ..

وقتي .. مثاله دعوة صديق لعشاء تقبله اوترده الدعوة عامه وصديقك الاخر يريد اقناعك وانت متردد .. ومثل مندوب يسوق بضاعته ..

والمرتبط بحياة الانسان هو مايكون دائما صادقا .. على اختلاف مقصده المأمول .. نوح عليه السلام .. ليس الشاهد مدة دعوته .. بل اني دعوتهم جهارا . ثم اني اعلنت لهم واسررت لهم اسرارا ... البشائر والنذائر .. بعدها .. رب لاتذر على الار ض من الكافرين ديارا .. انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولايلدوا الا فاجرا كفارا ..
ان الفائدة من دعوة نوح على قومه .. لتدل انه كان يدلهم على الخير وهو مبغضهم .. يبتسم لهم على حين لهب في جوفه .. يبرده حب الله له ..

الحكماء .. والنبلاء .. للانسانية .. كذلك .. العلماء .. ايضا .. وهكذا .. على اختلاف الاديان والعقائد ..

التحفيز .. والفاقة .. الضيق .. والكثرة تغلب الشجاعة .. ايضا ..

الضرورية والكماليه في الحاجات الانسانية ... كل ذلك أدي الى دعوة .. التخصص .. في مجال معين .. فلا طاقة للانسان .. وما اوتيتم من العلم الا قليلا ..

لياتي من تربع على عرش الطلائع .. واكتفى بالنهاية والتوقف عند حد السابقين .. فبدلا من ان يكون من الطلائع القادمين بالجديد ..

تجده اما يتحول الى تاجر طلائع .. مستضافا صحافا جديدا .. هيكلا عربيا جديدا .. مسليا للامة المحتضرة .. على نفقة العدو البلسمي الفتقي .. مكملا بعد هلوستهم الصحفية .. بامور أزلية قيامها اصلا كان خطئا .. فكيف ينبهر السذج بدمارها .. الا ان من دمرها كانوا هم الابطال .. لانهم غير سذج .. وكانوا يتميزون بالافعال لا بغيرها .. او على اقل حال محاربا لمن يريدون الاقتداء به ..

ان النقد ذهب .. فاذا ما انتقد الذهب ليس لجلاءه فقد ذهب نفعه عند من يمتلكه والا فهو ذهب لمن يقدره فتخسر الامه .. ليس بفعل ذلك الناقد .. وانما لحكمة الذهب فلا يكال مع الحديد .. لانه فريد .. فلا يرد الله سبحانه دعوة اشعث اغبر .. ولا يحب الناس كل منظر .. لوكان اللبس تاج من در .. واجتنبوا خضراء الدمن ..

( لم تقولون مالاتفعلون كبر مقتا عند الله ) .. وعار عليك اذا فعلت عظيم .. هل كل شئ تفعله يحرم التناصح فيه .. ابدا ..

فقد تدخن .. قد تقود سيارتك بعض الاحيان بسرعة خطرة .. قد تتلفظ بكلمات .. قد تكفر احيانا .. بتصديق كاهن .. قد تفتتن في حياتك .. وانما اذا بليتم فاستتروا .. انما الطلائع مانتخبت من المقاصد فسمت وقبلها الانسان بانسانيته .. ليس من دينه على اختلاف المناهج .. والسياسات .. واحبها .. وطلائع انتخابها في ختم الاديان ومعاملة القرأن وخلق محمد صلى الله عليه وسلم .. بشروا ولاتنفروا .. وامر بتحاورنا مع مايتفهمه الناس . فقد كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالخير وتنهون عن المنكر .. ليس بطريقة مقيده .. بل علم الله بايمانكم ومقاصدكم .. ليس باحتكاره على امر ديني .. بل كل خير .. ومن الخير ان تسعد طفلا .. ترشد خصما .. تنتقد هادفا .. تردد مقولة لشاعر شجاع .. اقول لها وقد طارت شعاعا .. لااظلم نفسي فاتركها لانه يختلف في دينه او مذهبه .. فانتقد كل شئ فيه .. لتكون طليعتي هلامية .. واهدافي غرامية .. واعتقاداتي هوائية ..


نعود الى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولفضله واتساع رحمته وتقديره وتفهمه بافكار من يتحاور معه ..

حتى ما سأله احد الصحابه عن الصلاة في آخر الزمان كيف تكون اوقاتها واليوم كشهر والشهر كسنه .. قال عليه الصلاة والسلام .. اقدروا له قدره ..

وادعى البعض التفرقة العنصرية في تقدير مقام البعض واحترامهم .. بينما هو العدل .. في انزال الناس منازلهم ..

ليعظم المحب خالقه ويذب عن كرامته وقداسته .. ( ولاتسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) .... فقط بتركه امورا .. قدرها بتوفيق الله له .. والسلامة مطلب الطلائع دائما ..

يتسارع الزمن وتتغير الحضارات وتتصارع المتناقضات .. بينما يبقى الماء هو سر الحياة . (لا الشمس ينـبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) ... في هذه الحياة .. سيلحق بالركب الردف .. والمنقطع .. وحسن اؤلئك رفيقا .. فقط بحبة .. بصدق .. بحكمة .. تلك هي السياسة ..

فلولاهم .. ما احتاج الشجاع النخب .. الى سياسة وحوار اصحاب التعاسة .. فاذا ماسأله عن السماء .. قال ... هي اصل الماء ..

فاذا ماسأل طالب مدرسه في رحلة يوم الثلاثاء .. كيف تكتب الهمزة على الالف ام السطر .. قال المدرس .. دع الجواب يوم الخميس افضل ..

فاذا ماقال اذكر ثلاث حيوانات برمائية .. قال الطفل البرئ .. الدفدع وامه واخته .. فظن السائل ان الطفل يعرف مقصده وكشف سره .. فيخافه ابد الدهر .. ليصدق قول الله .. ترهبون به عدو الله وعدوكم ..


لولا اني اقدرك بصدق واحترام وهيبة مقدار .. لما كان كذلك القدر من المكتوب .. والله اعلم بالصواب .. الهادي لخير جواب ..

آخر تعديل بواسطة *سهيل*اليماني* ، 19-06-2006 الساعة 08:37 AM.
  #13  
قديم 22-06-2006, 05:09 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

خرائط مشوشة لأهداف غير واضحة ..

تنتشر بين فترة وفترة في أماكن مختلفة من بلادنا ، حمى البحث عن الكنوز الأثرية ، فيتكون لها تراث مصطنع و أدب مصطنع و رواة آنيين ( حكواتية ) يسردون القصة تلو القصة ، عن رموز الاستدلال على الكنوز .. وتجد هناك من يجلس يستمع لهؤلاء ( الحكواتية ) ، فاغرا فاه ، هائما بأحلام ( أميبية ) لا حدود لها .. فيغتر ( الحكواتي ) بعمق تأثيره على جمهور المستمعين ، ويسترسل ، ساردا قصة وراء قصة ، واحدة سمعها منذ مدة ، فأجرى عليها تحسينا و إضافات ، وواحدة قد يؤلفها للتو ، طالما هناك من يستمع ..

وتظهر على ضوء ذلك النشاط المحموم ، عصابات تتاجر بخرائط الكنوز ، وتقدم للهواة ، خدمات ( طبعا بثمن ) .. كأن يحضروا لهم بخورا خاصا ، لفك رصد الكنز ، أو يحضروا شيخا ، تم استحداثه منذ وقت ليس ببعيد .. وإنهم سيجدون زبونا لكل سلعة من تلك السلع ..

قد يتعب هواة البحث عن الكنوز ، فيأتي جواب النصابين ، أنه قد يكون أخطأنا في قياس المسافة ، فلم يكن علينا أن نحفر هنا ، بل كان علينا أن نحفر على مسافة كذا ، وعندما ينهون الحفر في المكان الجديد ، سيأتي العذر ، بأننا فهمنا إشارة الأفعى على الخريطة بشكل خاطئ ، فلم يكن علينا اتباع رأسها .. بل ذيلها ..

هذه الصورة ، قد نجدها عند أتباع السياسة من طلائعنا ، فخرائطهم غير واضحة ، وأهدافهم غير محددة ، فيكثر التفسير في فك رموز كل خريطة ، وتختلف وجهات السفر في كل مرة . عندما يعرف أحدنا أنه سيسافر الى فرنسا (مثلا ) فإنه سيستخرج تأشيرة ( فيزا ) لفرنسا .. ولا يستخرجها لتايلاند ..

يتوهم البعض أنهم على علم كامل بتاريخ الأمة ، مع أن معلوماتهم قد لا تتعدى ، اجتهاد من قرءوا له من كتاب ، وقد تكون القراءة مستعجلة ، أو يكون الكاتب منحازا لتفسير دون آخر ، وقد يضاف على تلك القراءات غير المتأنية رغبة ( شهوة) القارئ ، في ترسيخ اعتقاد سابق تكون لديه عن تلك الأمة .. ومع ذلك فإن تلك القراءات ستكون خط انطلاق لسعي هذا الطليعي أو ذاك ..

وقد يطلع أحد المثقفين ، على تجربة دولة أو حضارة أجنبية ، فتكون احتقاناته ، وشعوره بالعدمية عاملان مهمان في التبشير بما اطلع عليه .. وقد يبارك اندفاعه في التبشير ، باحث عن أنصار ، فيغض النظر عن سوء فهمه ، طمعا في كسبه الى صفه ..

لو راقب أحدنا ذبابة ، وهو في وقت قيلولة ، لرأى أنها بعد أن شبعت ، تدور في دوائر لا تزيد نصف أقطارها عن متر ، وتكاد لا تمل من هذا الدوران المستمر ، وعندما يتأمل في تلك الظاهرة عله يجد تفسيرا لها ، فسيغلبه النعاس ولا يفيق من غفوته إلا على إزعاج الذبابة نفسها ، أتراها كانت تراقب حالته لتنقض عليه ؟

في السياسة ، وليس في أدناها ( طلب الأمن والقوت ) ، فهي إن كانت تلك هي أهداف السياسة ، فالسحالي هي أفضل من يفهم بالسياسة .. بل إن أهداف السياسة ، هي حشد طاقات المخاطبين في الخطاب السياسي ، وجعلهم يؤمنون بجدوى الخطاب ، إذا كان في النهاية ، يوفر لهم العيش الكريم ، وعدم الشعور بانتقاص قيمة الفرد والمجتمع محليا و دوليا ..

إن كان هذا هو العنوان ، فعلى صاحب الخطاب ( الطليعي ) ، فردا كان أو متكلما باسم مجموعته ، أن يتيقن بأن من سيخاطبهم ، قد لا يتفقون معه ، وقد لا يعاونوه ، وقد يعارضوه ، فإن افترض غير ذلك ، فإنه بلا شك مآله للفشل والاضمحلال ، وإن افترض ذلك ، فعليه أن يتدرب على تقريب المسافات بينه وبين من يتعايش معهم ، سواء كان هو في الحكم أو في المعارضة ، فتقريب المسافات بين أدوات التقدم ( الشعب ) هو أسمى أهداف السياسة ..

خلال مائة عام ، لم يبق مواطن في بلادنا ما كون فكرة عن أي طليعة أو نخبة ، فأصبح الفرد ( ذكرا كان أو أنثى ) له وجهة نظر في كل ما جرى لتلك الأمة .. فلو عملت جهة استبيانا ووزعته على عموم العرب ، وذكرت لهم كم تعطي لنفسك من عشرة نقاط قريبا من تلك الفصائل ، وذكر له في الاستبيان عشرين جهة ، فقد يعطي للفئة ( أ) 9 نقاط و يعطي للفئة ( ب) 3 نقاط الى ينتهي الى العشرين .. ولو جمعنا كل أوراق الاستبيان ، لما وجدنا ورقتين متطابقتان تطابقا كاملا ..

هل نتوقف عن البحث وعن التخاطب و الحوار ، ونتصلب عند حد ، قد لا يوافقنا عليه الآخرون ؟ .. أم نبحث عن صيغ ، تقرب بين فئات الشعب ، وطلائعه لنبعث في خطابنا الحياة ؟

إن التشبث بالمواقف الى مالانهاية ، هو أس مشاكلنا .. وعلى الطلائع أن تحذر الأحكام المسبقة ، و أن تحذر الاستناد الى مفاهيم تراها هي أساسية ، ويراها غيرها خلاف ذلك ..

إن توجهنا الى ذلك بالفعل ، عندها نستطيع أن نرسم أهدافنا ، ونستطيع وضع الخرائط الخاصة التي توصل لتلك الأهداف ..
__________________
ابن حوران
  #14  
قديم 26-06-2006, 07:20 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

غياب الاحتراف السياسي وراء الكثير من المآسي :

لولا رحمة الله لعباده بالموت لهم عند عمر محدد ، لتفاقمت صعوبات الحياة حتى قتلتهم بأسوأ الصور وهم أحياء !

لنتصور أن هناك من يعيش ألف عام هذه الأيام ، ويكون هذا العمر ، غير استثنائيا ، بل لأغلب الناس ، فلا يستطيع أحدنا أن يبيع قطعة من عقار ، لأن مالكها الأول قبل ألف عام لا يزال على قيد الحياة ، ولا يستطيع أحدنا يخطب لنفسه أو لولده من أي مكان ، لأن كبير العائلة الذي (الجد الخامس عشر ) لا يزال على قيد الحياة .. وهو سيجد مبررا لرفض خطبة أي فتاة ، لأنه بهذا العمر المديد ، سيعثر على سبب يجعله لا يوافق على تلك الخطبة ، فإن سألته لماذا ؟ سيجيبك أنه عندما كان يقف مع صلاح الدين الأيوبي ، مر جد هذه الفتاة ولم يطرح السلام !

لكن رحمة الله قد وفرت علينا هذا العناء ، إضافة لكونها تخفف المزاحمة في العيش و السكن والتنافس على مصادر المياه الخ .. لكن بقي شيء هام جدا وهو مخزون الذاكرة الذي ينتقل من جيل الى جيل و من جد الى والد الى ابن !

لو تفحص أي محاور منا محاوره ، فسيجد نقطة في سجله تجعله يلاقي مبررا لرفض ما يطرح هذا المحاور ، فقد تجد له موقفا أكد اقترابه من الخط السياسي الفلاني أو الدولة الفلانية ، وهذا يكفي لرفض ما يطرح ، أو يجعل ما يطرحه في باب المشكوك فيه وفي نوايا ذلك الطرح ..

لا تقتصر تلك الظاهرة على المتحاورين من أبناء حي أو مدينة أو مهنة أو قطر أو قارة .. بل تتعداها الى كل بقاع الأرض .. وكلما اتسعت دائرة تصنيف المحاور ، كلما تيسر إيجاد السبب لرفضه ..

هذا يقود لوصف النشاط الذهني أو الأيديولوجي ، الذي يقوم به المثقفون والذين ينسبوا إما للطلائع أو النخب ، فنشاطهم أقرب ل ( الهربدة ) منه للعمل السياسي .. إن الطلائع والنخب ، مصانع متحركة ومتجددة لاختراع الأعداء ، وتنصيب آخرين نناصبهم العداء في كل صباح ومساء ..

ننظر بعين الحسد ، الى أعداءنا ، على الكيفية التي يقنصون فيها عملاءهم أو أصدقائهم من بيننا ، في حين ننظر بعين القرف الى أنفسنا ، على الكيفية التي لا نتوقف بها عن تفريخ أعداءنا من بيننا ، في حين نسقط من حسابنا التوجه الى الخارج لإيجاد أنصار لنا في قضايانا ..

لقد فقدنا الكثير ممن اعتنق الإسلام في إفريقيا ، نتيجة لعدم معاونتهم في التمسك بدينهم ، والوقوف صامدين أمام حملات التنصير .. هذا من زاوية دينية بحتة .. كما فقدنا أنصارنا ممن كانوا يقفون الى جانب قضايانا في معاداة الصهيونية ، فنفس الذين صوتوا الى جانب قرار (اعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية ) .. هم أنفسهم من ألغى القرار في الأمم المتحدة ..

إن الحجَار الذي يقف أمام صخرة صلبة ، يقف متمعنا بها قبل ضربها بأدواته البدائية ، فيختار نقاطا للطرق عليها بفأسه أو ( إسفينه ) أو مطرقته ، إنه بفطرته ومهاراته التي تكونت لديه ، عرف أين يجب أن يضرب ، ومن أين عليه أن يبدأ ..

هذه سياسة ، معرفة فن تفتيت الكتل العدوة ، ومعرفة تجميع الكتل الصديقة ، ومن لم يتدرب على القفز عن حبل ارتفاعه قدم ، لن يتسابق في الدورات الأولمبية ليأخذ ميدالية في القفز العالي ..

لا تكفي الجعجعة و الكلام الفضفاض و طروحات إثارة الهمم الطيبة ، بل يحتاج التحرك الى معرفة تحشيد الأصدقاء و الأخوان ، والتعامل مع قضايا التصنيع و الزراعة والبيئة و تناقل السلطة ، والحفاظ على الهوية الوطنية ..

يفشل السياسيون الذين يستلموا الحكم بأي طريقة ، وهم من الضحالة السياسية بمكان ، يفشلوا في إقناع من يحكمون بالالتفاف حولهم ، ويفشلون في تحقيق برامجهم ( المفقودة أصلا ) ..

فمحترف سياسة الحكم ( أي من في الحكم ) .. لا يظهر فجأة ، بل عليه أن يكون محترفا للسياسة وهو خارج الحكم ..
__________________
ابن حوران
  #15  
قديم 30-06-2006, 03:25 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

علاقات الطلائع مع الدولة :

تختلف الطلائع في بلادنا ، في العصر الراهن ،عن تلك التي ظهرت على مر التاريخ في بلادنا و بلاد العالم ، أو عن تلك التي ظهرت في العالم خلال القرن الماضي .. وذلك في عدة مظاهر ، وحتى ندخل في الحديث عن تلك المظاهر ، يجب أن ننتهي من التقرير بأن الطلائع تستحق اسمها كذلك ، عندما يتحول برنامجها النظري الى إجراء عملي ، فتأخذ سمة الحركة و التقدم في تحقيق ذلك البرنامج ، وهي باستمرار تأخذ الانحياز الى جانب الشعب ، وبعكسه ستفقد سمتها ( الطليعية ) لتتحول الى نخب ، أو جمعيات ثقافية مهمتها التنظير ، وفهرسة أخطاء من في الحكم و تحليل تلك الأخطاء ..

فتسبق الطلائع جموع الناس ، و تتقدم أمامهم بقوة في الخطى نحو أهدافها ، وقد تتفوق عليهم بفهم ما تقوم به ، ولكنها لا تتخلف عن التحرك والمضي في العمل على الوصول لتحقيق تلك الأهداف .. و بإمكاننا على ضوء هذا الفهم لمهمة الطلائع ، أن نعتبر حركة الانتشار الإسلامي قد تمت بفعل إيمان وتحرك طلائع من أوائل من اعتنق الإسلام وتحرك في قيادة المؤمنين في تحقيق أهدافهم ، كما أنهم في حركتهم الصاعدة كانوا يكسبون المزيد من المؤيدين و الأنصار لتزيد بهم قوتهم ..

وإن أردنا إسقاط نفس الحالة على حركة المغول و التتار والصليبيين ، وكذلك فإن حروب توحيد و إنشاء الصين الحديثة تعتبر امتدادا لتلك المجموعات ، فإننا لا نكون مغالين في تصنيف أول من آمن بأفكار تلك الحركات و سار من خلفه المؤيدين و الأنصار ، هم بدون أدنى شك طلائع ، اختمرت في رؤوسهم عقيدة ما ، وحولوا ذلك الإيمان لحركة منظمة ، في حالة صعود مستمر ..

إذن يتضح لنا أن في النماذج السابقة ، أن الطليعة تكتسب أهميتها و تحل بها القوة ، من خلال اختمار عقيدة قوية تؤمن بها ، تكون واضحة ، ومفهومة وقابلة لتجعل من المؤيدين والأنصار ، تابعين لها بإخلاص وتفان .. ولا بد لها من تنصيب ( آخر ) لتحرك نفسها وجماهيرها نحوه لتنهيه و تستخلص منه مطالبها ..

في الخطاب العربي الحديث ، لم يكن التشويش في وضوح الخطاب ، هو العامل الوحيد الذي جعل الطلائع تنثني دون تحقيق أهدافها ، غير الواضحة أصلا ، بل كان اختيار (الآخر ) ، عاملا إضافيا وقاتلا ، في تقزيم تلك الحركات الطلائعية ، وتحويلها لنخب حاكمة( بعد استلامها الحكم ) أو تشكل خط دفاع ثان للحكم ، بعد تكييف مطالبها ، ووقوفها الى جانب الحكم أو وقوفها في حالة مهادنة دائمة مع ذلك الحكم ، مما دفع بمؤيديها وأنصارها الابتعاد عنها ، وتركها في وضع مكشوف أمام الجماهير والحكم في آن واحد ..

فالطليعة التي تتسلح بالفكر القومي ، تعيش واقع قطري أكثر وضوحا مما في مخيلتها النظرية ، وتتعامل مع قوانينه ودساتيره ، وتكرس جهدها في أدبياتها بالتبشير بدولة (الوحدة) .. في حين تأخذ ترخيصها من دوائر الدولة القطرية ، والقبول بشروط الترخيص .. فتعيش حالة من الانفصام بأكثر من ثنائية ، ثنائية تعاملها مع المشاكل الحياتية اليومية والقوانين القطرية ، والتي لا توليها اهتماما كبيرا لا في أدبياتها ولا في تدريب كوادرها على النظر في تلك المشاكل ، وخطابها النظري الحالم بشكل (طوباوي) في وحدة , فتخسر نظرة تعاون الدولة معها من أجل تطورها ، وتخسر الجماهير التي لا ترى وضوحا في رؤية تلك الطلائع لحل مشاكلها ..

والثنائية الثانية ، تلك العقلية الفروسية الثورية التي تؤمن بتوحيد أقطار الوطن العربي ، بواسطة القوة ، والتي تبدو فقط من خلال الشعارات ، وطرف تلك الثنائية (الضعيف الخانع ) المتمثل بالوقوف أمام دوائر الدولة لأخذ ترخيص باعتصام أو مسيرة صامتة !

أما الطلائع ذات الفكر (الخطاب ) الأممي ، سواء تلك التي تدعو لرجوع الخلافة الإسلامية ، أو تلك التي تنادي بأممية شيوعية عالمية ، فإنها اختارت بخطابها صورا وردية منتقاة من التاريخ ، وأسقطت كل الشوائب التي علقت بها أو أرادت أن تسقطها ، مركزة على الصورة المثلى في الخطاب ، ولا تفتأ تردد ضرورة التزام خطها ، كمخرج مما نحن فيه . تلك الفئات (الطليعية ) لن تناقش كيفية التعامل مع ربع سكان الهند المسلمين ، والذين يساوي عددهم سكان العرب مجتمعين ، وإن أردت فحص مكونات تلك الطلائع لرأيت الخلاف فيما بين طوائفها يفوق الخلاف بينها و بين الليبراليين أو القوميين أو الشيوعيين ..

لقد تفوقت الشيوعية في نظرتها الأممية على النظرة الإسلامية (وضوحا ) رغم غياب الجانب العملي في النظرتين .. فكلاهما تتعامل مع أمم ( إسلامية ) أو غيرها .. وأسقطت كلتا النظرتين أن لكل أمة خصائصها تتعلق بأكثر من جانب ، وهما ( الجهتان ) .. لو أرادا تطوير خطابهما للزم عليهما مراعاة تلك الخصوصية ..

فقد رأينا كيف كانت الفروق بين النظرة لديكتاتورية البروليتاريا في دول غرب أوروبا التي أسقطت ( تباعا ) ، الالتزام بها كمعطى أيديولوجي محوري ، ورأينا كيف أن يوغسلافيا والصين لم تكن على وفاق كامل مع الاتحاد السوفييتي .. بل ورأينا كيف أن العناصر غير السلوفينية في الاتحاد السوفييتي ، قد اصطفت مع (جيش هتلر ) الغازي وتعاونت معه .. ورأينا كيف أن الماركسيين في كل من ألمانيا و فرنسا ، قد حاربوا بعض في الحرب الفرنسية الألمانية ..

كما رأينا كيف أن المسلمين في إندونيسيا والسنغال وتركيا وإيران لهم همومهم الخاصة التي تختلف عن بعضها ..

تبقى مسألة خاصة بنا (كعرب ) ناطقين باللغة العربية ونفهم ما تعنيه مفرداتها جيدا .. نلحظ حتى الملحدين في تلك الأمة لم يرتدوا عن دينهم الإسلامي ، بل يعودون في نهاية أيامهم لدينهم .. في حين ، من يراقب ما يحدث لمسلمين إفريقيا ، عندما استعملوا أدوات لغوية غير ( العربية ) .. فقد ارتد القسم الكبير منهم عن الإسلام ، فالقرآن نزل بلغة العرب ، ومن لم يفهم لغة العرب ، لن يفهم القرآن فهما كافيا ..

وهنا لا بد من التأكيد أن الأقليات أو الإثنيات التي تعيش داخل الوطن العربي منذ الأزل ، وقد تشكل الأغلبية في بعض الأقطار ، كالأمازيغ في بلدان المغرب ، لكنهم طالما يحسنون التكلم في العربية ، فإنه لم يسجل حالات ترك الدين في مناطقهم والارتداد عن الإسلام .. فهم عرب و إن كانوا غير عرب ، لأنهم تعاملوا مع اللغة باحتراف و رفدوا علوم اللغة والفقه بجهد خالد ..

لقد ارتاحت الدول القطرية ، من كون تلك الطلائع مرتبكة ، فبدت الدول القطرية القائمة متفوقة بخبراتها وتوازن خطابها ، على كل أطياف الطلائع مجتمعين .. وأضافت على تلك الميزة ، ميزة أخرى وهي أنها هي التي بيدها المال والتعيينات و الإعلام والقوانين التي تخدم ديمومتها !

منذ أكثر من ربع قرن ، اقتصر نشاط الطلائع العربية ، على ردات فعل هزيلة ، إزاء الأحداث العظيمة ، اعتصام ، بيان استنكار ، مسيرة صامتة ، كتابة في جريدة تصدر خارج الوطن العربي لمهاجر عربي ، أمن عدم ملاحقته ..

لو التفتت الطلائع لحالات البطالة ، والفساد ، والبيئة ، وتنسيق العمل فيما بينها ، وتنظيم انتخابات ، وتطوير قوانين تلك الانتخابات ، والمديونيات الخارجية ، وكيفية صرف أموال البلاد ، بجهد قريب من جهدها النظري الآخر ، لكسبت جماهيرها بشرف وارتقت بخطابها نحو ما تطرحه الآن ..
__________________
ابن حوران
  #16  
قديم 05-07-2006, 06:25 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الطلائع و الجماهير :

الطليعة و الجماهير و الأيديولوجية والاحتراف السياسي والانضباط ، هي الشروط الأساسية لتكوين الجماعات المنظمة الفعالة في عمل التغيير في أي بلد وأي وقت ..

فلو كانت الأفكار وحدها لها تلك الأهمية ، لكانت الكتب هي من تقود العالم ، ولو كانت الطلائع تسكن في جزيرة نائية وتحفظ كل مؤلفات العلوم السياسية والاجتماعية ، وانقطعت عن الجماهير ، لكن فعلها كفعل المملحة الضائعة ، يحتاجها الناس في تمليح طعامهم ، فلا يجدونها .

يلف الغرور كثيرا من الشباب العربي ، عندما يعتقد أنه ألم في مناحي علوم السياسة أو الفقه أو الدين ، فيكيف سلوكه العام مع الجماهير وفق ذلك الغرور ، فيختار أصدقاءه من المريدين والموافقين على ما يعتقد ، ويصبح هؤلاء الأصدقاء ، قبلة هامة له ، فيلتقي بهم يوميا ليتحدثوا و ليفصلوا حديثهم ، ويعرجوا على طرح مشاكل الناس ، فيتناولوهم بشيء من السخرية ، وشيء من التعالي ، في حين كان الإدعاء في تبني مشاكل تلك الجماهير ..

تتزايد لقاءات الطلائع فيما بينها ، وتكثر الأحاديث فيما بينها ، ويتبادل أعضائها عناوين لكتب صدرت حديثا في بلد قريب أو بعيد ، وتتم ( المثاقفة ) فيما بين تلك الطلائع ، ويصبح ديدنهم التكيف مع ما عرض عليهم من معلومات جديدة ، فيتبارون في القراءات الجديدة ، فتصبح عادة القراءة ، هي الهدف النهائي ، وتبتعد الطلائع شيئا فشيئا عن دورها القيادي ، فتغدو وكأنها تقود نفسها فحسب ، ويصبح تطوير المعلومات و تطوير مستوى اللغة في الحديث هو الهدف الواجب الانتباه له .

تنسى الجماهير وجود تلك (الزمر ) المسماة (طلائع ) ، ولم تكن قد تعرفت عليها أصلا ، وتتماطى قدرات تلك الطلائع الثقافية ، فيكتب بعضهم في الصحف المحلية ، أو في صحف تنشر خارج بلده .. تأتي كلمات الإعجاب من بعض أفراد الطليعة نفسها ، أو من أفراد ينتمون لطلائع مختلفة ، يتزايد الشعور ب (قرارة النفس ) لدى هذا الطليعي الكاتب ، ويصبح وفيا لمن امتدحه ، ومتناسيا للجمهور الذي لم يحسن الاطلاع على ما كتب ، نتيجة عدم رصد الجمهور لإبداعات هذا الطليعي ، أو كون الجمهور لم يتعود على التعامل مع تلك اللغة التي كتب بها موضوع ( الطليعي) واستهجان مفرداتها ..

يتذاكر أفراد الطليعة فيما بينهم ، ويؤكدوا شعورهم بالخيبة ، نتيجة صدود الجماهير عنهم ، ويحملوا الجماهير المسؤولية لعدم تأييدهم والالتفاف حولهم ، فتنمو لديهم مشاعر الكراهية تجاه تلك الجماهير ..

إن طليعة تكره جمهورها ، أو الشعب الذي تعمل داخله ، هي طليعة فاشلة لا تستحق لقب (طليعة ) على الإطلاق . فلا يجوز أن تدعي طليعة أن نذرت نفسها لخدمة شعب تكرهه ..

تتحول الكتابات و المناقشات الصادرة من الطلائع ، سواء كانت أعمال أدبية ، أشعار أو خواطر أو تحليلات سياسية ، للهجوم على الأمة ، بأنها أمة متخلفة ، وشعب جاهل ، وعندها تصبح الطليعة عامل إضافي من عوامل تخلف الأمة .

حتى تخرج الطليعة من واقعها المرير ، عليها التعلم كيفية العيش بين الناس وكيفية إيصال خطابها بلا تعقيد لهؤلاء الناس ، فمن يصيح من مكان بعيد لن يضمن أن هناك من يسمع نداءه .
__________________
ابن حوران
  #17  
قديم 10-07-2006, 04:20 PM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الطليعة و القوى الخارجية :

عندما تنزوي الطليعة و تتقوقع على نفسها ، فإنها لا تبقى كذلك ، بل يدب بها أشكال جديدة من الأمراض .. فبعد أن خذلت الجماهير ، و اعتقدت أن الجماهير هي التي خذلتها ، تستنزف مع ذاتها قدرتها على اجترار خطابها المتجمد ، وتبدأ بالتشرذم فيما بينها .. وبالرغم من أن أعدادها من القلة بمكان لدرجة أنها في بعض الأحيان لا تقبل القسمة ، فإنها تنقسم مع ذلك بصمت كبير ، ولا أحد يلحظ انقسامها لا لأن أفرادها يتكتمون على ما هم فيه ، بل لأنه لم يبق من يتابع أخبارها ، لزوال دورها ..

تلحظ الدوائر الاستخباراتية العالمية تلك الظاهرة ، من خلال مجساتها الممتدة بأشكال مختلفة كجمعيات خيرية ، أو مراكز دراسات ، أو غيرها ، فتحاول استثمارها على أحسن وجه ، فلديها الآن أشخاصا يتمتعون بثقافة متطورة عن دهماء الشعب ، ولديهم بعض الأسرار التي لا تخلو من فائدة ، ولديهم شعور بالإحباط ، فلماذا لا تجرب إنعاش طموحاتهم التي فشلت في مجال ما ؟

إنها تنتقي الأشخاص الذين يحملون أحلاما برجوازية ، ولكن إمكاناتهم تمنعهم من السلوك البرجوازي ، أو تنتقي الأشخاص الذين فشلوا في ( التماهي ) مع ركب الحكم ، أو تنتقي الأشخاص الذين اقتربوا من الوصول لمصاف رجال الحكم وأحسوا في عينة من الوقت بأنهم أكثر جدارة ممن هم في الحكم ، ولا يعني أنهم يختلفون مع من هم في الحكم .

إن استعداد تلك العينات التي دب بها اليأس للخروج مما هي فيه ، سيجعلهم صيدا سهلا للقوى الخارجية ، التي تنظم لهم لقاءات محلية في بلادهم والالتقاء بعينات حالمة ولكنها ارتبطت مع الدوائر الخارجية ، وتوكلت بمهام محلية لتفكيك الطليعة أو الطلائع ، أو استثمار ( سكرابها ) ..

فتكون اللقاءات الساهرة ، التي تنعش حالة قبول اليائسين وتلذذهم بفكرة أن ينخرطوا في الأجواء الجديدة ، ويتم التعرف عليهم عن قرب ، ويتم إجراء مزيد من الاختبارات اللازمة لتوظيفهم بالمشروع القادم ..

وقد تساعد أجواء البلاد ، في التعجيل في (إنضاج ) وضعهم ما قبل الانخراط في العمل الخارجي ، وذلك يتم من خلال :

1 ـ كثرة الحديث عن أمثال هؤلاء من قبل الدولة و أبواقها ، مما يحسسهم بجو من التهديد المبطن الذي يحفزهم لطلب الخروج من البلاد .
2 ـ مصادفة أن يكون هناك أذى لأمثال هؤلاء من أجهزة الدولة ، فيقوم أحدهم من باب الاحتياط أن يفكر بالهجرة أو الخروج ، مستشعرا خطرا قد يكون وهميا أو حقيقيا ..
3 ـ وصول إشارات من الخارج ممن يشبه وضعهم وضع هؤلاء ، وقد تكون تلك الإشارات أتت بالتنسيق مع الدوائر الخارجية عن قصد ..

يتم مغادرة البلاد ، بشكل طبيعي أحيانا ، وشكل غير طبيعي ، برشوة أو تزوير وثائق ، والحالة الأخيرة تعجل من تصنيف هؤلاء ضمن اللاجئين السياسيين .

يتم في الخارج اللقاء بأصناف من أبناء بلد المهاجر ويكونوا ضمن الأصناف التالية :

1 ـ صنف يترحم على حكم ما قبل الحكم الذي خرج في عهده ، وقد يكون فقد أملاكا أو مركزا سلطويا أو أنه أصبح مطلوبا بحكم التغيير السياسي .

2 ـ صنف الهاربين من التجنيد أو المطلوبين لجنح مدنية أو غيرها ..

3 ـ صنف قد يكون معارضا ، كسمة دائمة ، مهما تغيرت أنواع الحكومات ، واستمرأ وضعه بالخارج ، وفلسف وجوده هناك على هامش تلك الحالة ..

هنا يبدأ تكييف وضع المهاجر الجديد مع كل هؤلاء ، فيما لو كانوا يأتمرون بأمر جهة واحدة .. فلا بد من تغيير شعاراته ، والتي قد يكون أحدها معارضته فيما مضى للدولة التي أصبح بضيافتها ..

إن الجهات الخارجية في وضع كهذا ، يصبح كوضع تجنيد (الحشاشين ) الذين ظهروا بالقرون الوسطى ، أو في أحسن الأحوال كفرق ( الإنكشاريين ) .. ولكن ليس لخدمة بلادهم ، بل لخدمة أعداء بلادهم .
__________________
ابن حوران
  #18  
قديم 18-07-2006, 06:41 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

الأزمات المتفاقمة للنخب والطلائع هل لها طابع أزلي ؟

قد يتساءل من يقرأ هذا الكلام ، وإن كان أمر التسليم به كمصنف ثابت لما هو قائم ، يأخذ طابعا نسبيا ، يعتمد على هوية القارئ و حجم الثوابت التي يؤمن بها ، منطلقا من تكوين عقائدي معين ، يجعل إيمانه بتطور الأحداث يختلف عما قرأ ..

وإن حدث أن تهادن القارئ مع ما قرأ ، فإن سؤالا أو مجموعة من الأسئلة ستبرز متتابعة ، أو على دفعة واحدة . وهي هل سيطول هذا الوضع ؟ ومن يضمن أنه لن يطول ؟ وكيف السبيل الى الخلاص مما نحن فيه ؟ وغير ذلك من أسئلة تتحاذى مع هذه المحاور المتعلقة بالنخب و الطلائع .. أي قيادات التغيير في بلادنا ..

لن أدعي ، كما أعتقد أن ليس هناك من يدعي بوجود ( وصفة ) واضحة المعالم متدرجة الخطوات ، تستطيع كسب المؤيدين والأنصار حولها ، وقادرة أن تحول هؤلاء المؤيدين الى قوة تزيل من حولها كل عوامل الإعاقة ، تباعا و تسهل تحقيق برنامجها ( على فرض وضوح البرنامج ) .

لكن الإيمان بالتغيير ، والذي لا ينبع من تراكم الآلام والأماني ، بل يعتمد على استقراء ظواهر طبيعية أو بشرية حدثت منذ زمن وتسلسلت في تكرارها لدعم فرضيات الاستقراء نفسه ، سيرشدنا الى تلمس البحث عن الخطوات الأولى ، وعندها ستظهر معالم الطريق ، ويحدث السير الى الأمام .. وستكون النماذج العالمية و ما تشكل لنا من تهديد محفزا إضافيا للإسراع في السير ، وعدم الإلتهاء عما نجده في طريقنا من سفاسف تعيق من سيرنا ..

في انتشار الأمراض ، كظاهرة طبيعية ، يظهر جيل من الميكروبات ، يفتك بخلايا الجسم ، فتقوم الأجسام المضادة ( خلايا المناعة ) في عملها باستبسال ، وقد تنجح بعملها ، وقد تفقد منها الكثير نتيجة الاقتتال مع الميكروبات .. لكن ما يتبقى منها ، سيكون بمواصفات أقوى من الجيل الأول من خلايا المناعة ..

بالمقابل ، فإن الميكروبات التي تم وقف زحفها بالاستعانة مع بعض المضادات الحيوية ، ستعاود الكرة بالهجوم ، ولكن بجيل يتقدم عما قبله في القوة والتحايل على المضادات الحيوية .. وتستمر العملية حتى تصبح المضادات الحيوية غير مؤثرة في وقف الميكروب ، فيتم اختراع جيل جديد من المضادات الحيوية وهكذا إنها دورة ( دياليكتيكية جدلية ) في الطبيعة .

عند اللصوص و خبراتهم في السرقات ، عندما أصبحت الأبواب المغلقة بأقفال محكمة ، تمنعهم من اقتحام الأمكنة التي يريدون سرقتها ، تم تطوير أجهزة الإنذار ، فتطورت خبرات اللصوص في التحايل عليها .. وهكذا (جدلية ).

في بداية القرن العشرين عندما بدأ استقلال صوري لبعض الأقطار العربية ، وحل في مواقع قياداتها ، نخب ورثت بالتراضي مع المستعمرين ، تلك المواقع ، انتبهت جماعات لتضرر مصالحها ، فتصارعت مع النخب الحاكمة أحيانا و تصالحت معها أحيانا أخرى ، نمت في كل مرحلة قدرات التمسك بالحكم عند النخب الحاكمة ، ونمت بالمقابل قدرات التعامل مع تلك النخب من قبل من يعارضها ، وإن كانت المسافات بين هذين النمطين من النمو متفاوتة .

لم تكن حماس أو حزب الله موجودتان قبل ربع قرن ، لكنهما وجدتا نتيجة تطور من الأعمال السياسية ونتائجها .. وكان قبلها في الجزائر عندما انخرطت أطياف متباينة عقائديا في حرب تحرير الجزائر ، فسكتت عن الخلافات في الرؤى فيما بينها لحين التحرير ( وهو سلوك نبيل ) .. لكن الخلافات التي سكت عنها عادت وظهرت لتفرق من اتحد في حرب التحرير ..

لكن انطلاقا من النظرية العلمية ، فإنه في النهاية سيجد كل الفرقاء في أي مكان أسلوبا للتعايش مع بعض ، إذا آمنوا أن هذا الأسلوب هو البديل عن تصفية و إنهاء الفريق الآخر ..

من هنا نجد أن الوضع الراهن ، مليء بأجواء ( حبلى ) في إنتاج أجيال من الطلائع و النخب ، تكون على شبه قطيعة مع ماضيها الذي فرقها ، وتبحث عن مستقبل يوحدها .. وأظنها ستصل في نهاية المطاف لما تريد مجتمعة .
__________________
ابن حوران
  #19  
قديم 25-07-2006, 05:52 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

السمنة تعيق الوثوب :

تصاب الكوادر الطليعية أو النخبوية ، بحالات شبيهة بالسمنة عند البشر ، وكما هي السمنة تعيق صاحبها عن السير الطويل ، وتجعله أكثر ميلا للخمول وطلبا الراحة ، وتجعله غير قادر على التكيف مع أي طارئ ، ليثب أو يقفز أو يهرول ليناور في الهرب إذا ما تعرض المكان الذي يطيل المكوث فيه ، للحريق فإن الحريق سيطوله و لا شك ، وسيكون دهنه السائح وقودا جديدا للحريق .

لكن كيف تتكون تلك السمنة في أجسام الكوادر الطليعية و النخبوية ؟ .

عندما يتعود شخص على تناول وجبات أحبها ، و أكثر من تناولها فإن مكوناتها ستتحول وفق دورة كريب (Krib Cycle) التي تحول معظم النشويات الى دهون ، تتركز في منطقة العجز و أسفل المعدة ، فيختفي جانب الرشاقة في الجسم . وتلك الصورة نجدها ( الآن ) في الأرياف العربية ، حيث يكثر استهلاك الخبز والحبوب . وعندما كانت تلك العادة يتم التغلب عليها ، من خلال أعمال الفلاحة القاسية ، فكانت تلك الشحوم تحرق أولا بأول .. ويحافظ أصحابها على رشاقتهم .

لقد استمرأت الكوادر الطليعية والنخبوية ، تناول وجباتها الأيديولوجية من صنف واحد ، ولم تستطع تصريفه وفق حركة سياسية اقتصادية شعبية ، لتحرقه أولا بأول ، فكان هذا النمط من الوجبات يملأ كروشها و يهدل أجسامها ، لكن دون أن يمدها بالقدرة على الانطلاق في تنفيذ برامجها ، التي لم تعد ( أصلا ) .

لذلك نجدها ، تتسم بالزهق و الاستخفاف بالآخر ، وعدم الاستماع لأي خطاب جديد ، وعدم الاستعداد حتى لخوض نقاش أو حوار ، نافع أو ضار ، لقد هلكتها الدهون التي تكدست في أجسامها .. وستصبح بلا شك عرضة لأمراض كثر من (سكري ) وارتفاع ضغط الدم ، وقلة الخصوبة والإنجاب .. الخ

لقد أصبح من السهل على الجمهور ، تصنيف المنتمين لتلك الفئات ، ثم بات التعود على وجودهم كظاهرة ، مثلها مثل ارتفاع الحرارة أو الرطوبة بالجو ، يتخلص الفرد منها بأخذ حمام بارد أو يمسح عرقه بمنديل ، لكنه لن يكف عن التضجر والتأفف من تلك الظواهر الطبيعية ..

إن الجمهور لا يكن ودا كبيرا لتلك الفئات ، ولن يأسف عليها إذا ما احترقت ، ولم يعد يرجو منها نفعا ، أو انطلاقة جديدة ، لأن السمنة ستمنعها من السير بخطى تؤهلها لتجعلها تقود بجدارة ..
__________________
ابن حوران
  #20  
قديم 29-07-2006, 03:57 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

هل تحتاج الجماهير الى نخب و طلائع أم أنها استغنت عنها ؟

يتفوق الأفراد المثقفون سواء كانوا جزءا من الطلائع أو النخب على غيرهم من الناس ، بالقدرة على التعبير عما يفكرون به ، فلذلك تجدهم يتصدرون الدواوين و منصات الخطابة ، ويدونون و يكتبون ، وكأنهم قد حصلوا على تفويض مطلق من كل الناس ..

في حين تخون قدرة التعبير الكثير من المواطنين ، حتى الكثرة من المتعلمين منهم في تبيان آراءهم ، والدفاع عما يجول في خاطرهم ، وهذا مما يجعل النخب و الطلائع في وضع تنظر فيه الى الناس على أنهم ( بلوك) من الدهماء الجهلة ..

يسير الآلاف من المتظاهرين ، في المسيرات المصرح بها من الدولة ، أو التي تخرج دون تصريح ، فينبري من يهتف بينهم هتافات معظمها أعدت في السابق لمناسبات تختلف عما هي عليه في المسيرة الراهنة أو الاعتصام الراهن . ويحس كثير من السائرين الذين يشاركوا في المسيرة أن أصواتهم لا تخرج أو أنها تخرج ولكن بشكل همهمات وتمتمات غير واضحة ، ويحسون أمام أنفسهم بحرج بليغ ، لسبب أنهم غير مقتنعين بما يطرح من شعارات و ما يقال من هتافات ، أو أنهم يحسون أنهم متخلفين عن التعامل مع مثل تلك الهتافات !

تصل المسيرة الى نقطة النهاية ، فيقوم خطباء تم الاتفاق عليهم مسبقا من قبل من قام بتنظيم تلك المسيرة ، فيقولون كلاما ، يهيئ إليهم أنه كلام هام ، وأنه يعبر عما يدور في عقول و نفوس الحشود .. ثم تصاغ برقيات اختتامية ، لتضع نهاية لهذا العمل الجماهيري العظيم !

في هذه الأثناء يتعامل المحتشدون مع الكلام ، وكأنه ( طنين ) أو (دوي ) أو طقس تم التعامل معه آلاف المرات ، فأصبح كأنه طقس من طقوس التعزية ، عظم الله أجركم ـ شكر الله سعيكم .

عندما ينفض المتظاهرون أو المعتصمون من عملهم ، يعودون وتسكنهم مشاعر بأنهم قدموا ما هو مطلوب منهم ، ويتباهون بذلك ، بأنهم تحركوا ، في حين غيرهم لم يتحرك . ويعود منظمو المسيرة أو الاعتصام يزهوهم شعور بأنهم قاموا بعمل استثنائي ، وسيضيفون ما قاموا به الى فهارسهم ليتفاخروا به أمام المتقاعسين .. و يذخرون تاريخه لحين وقت المجادلات التي يرميها بهم البعض ، مستنكرا ضآلة دورهم ، وكأن أحد الناس قد عاتبهم لماذا غابوا عن عزاء !

نجد في المقابل الدولة التي قد استنفرت أجهزتها الأمنية ، قد زفرت زفرة الراحة بعد انتهاء هذا العمل الجماهيري العظيم !

عندما تتوالى نكسات الأمة وانكساراتها يوما تلو يوم ، يحس الشعب ، كأنه معشر أيتام لا أب عادل يرعى وضعه و يدافع عن كرامته ( الدولة ) ، ولا وصي يهتم بأمور حياته حتى يشتد عوده ( المعارضة القوية ) .. فيحس كل واحد من أبناء الشعب وكأنه أصبح ذرة من غبار هائمة في الفضاء .. شعور بانعدام الوزن وعبثية الدور العالمي و قلق متزايد على المستقبل ..

تعاود أصوات الكتاب ممن يمثلون الطلائع و النخب ، بالضغط بقلم على كلمات سطور خطابها ، لتزداد وضوحا . يحمل فيها كل طرف الأطراف الأخرى المسئولية عن تلك الحالة المزرية ، ويتنصل كل فصيل من المسئولية .. في دورة من الحراك السياسي الباهت ، الذي يدفع عموم الشعب ، لأن يضغطوا على كلمات اعترافهم بالشعور واليتم ..

قطرات الماء الفرادى و ان كثرت دون تجمع ، لن تروي أرضا ، ولن تغسل وساخة ، وستتبخر مهما بلغت أعدادها غير المتجمعة . حبات الحصى التي تنتشر من المحيط الى الخليج لن تصب عمودا كونكريتيا إن لم يتم التحضير لها وتوحيدها و إزالة الشوائب منها . وجوه الناس البؤساء ، لن تخيف قطا حتى لو وصلت أعدادها الى المليارات ، فستكون بائس مضروب بمليار ، كما هو الصفر إذا ضرب (رياضيا وحسابيا ) بمليار ، سيبقى صفرا ..

أهمية الطلائع و النخب ، هي أهمية ما ينظم أرقاما صماء ، في كل شأن ، لكن أي طلائع و أي نخب ؟ .. أكيد ليست تلك التي طفت على السطح لعقود ، لا يحركها سوى شعور وجداني هائم ، انتهى مفعوله في إثارة الهمم الطيبة ، حتى غدا تكراره يشكل عاملا في إماتة الهمم الطيبة !
__________________
ابن حوران
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م