اختلاف الناس في صفات الله
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله ,
افترق الناس في مسألة صفات الله الى فرق , فرقة أثبتت الصفات مع التنزيه عن مشابهة الخلق و هم أهل السنة و الجماعة أثبتوا لله ما أثبت لنفسه مع تنزيهه تعالى عن أن تكون صفاته من لوازم الجسمية كالجلوس و الانتقال و التحيز في جهة من الجهات و التغير و التطور و سائر أمارات الحدوث , و فرقة عطلت الصفات و هم المعتزلة و هم القدرية أنكروا أن الله متصف بصفات تقوم بالذات فسموا لذلك معطلة لأنهم عطلوا الصفات أي نفوها , و فرقة جعلت صفات الله من لوازم الجسمية أثبتوا للذات المقدس الحركة و السكون و التنقل و غير ذلك من أمارات الحدوث كقولهم ان كلام الله أصوات و حروف توجد ثم تنقضي ثم تعود ثم تنقضي و هـؤلاء يسمون مشبهة و مجسمة و من هـؤلاء قسم يصرحون بتسمية الله جسما ثم يقولون نحن لا نعني بقولنا انه جسم أنه جرم انما نعني أنه موجود قائم , و قسم يتحاشون أن يطلقوا عليه لفظ الجسم مع اعتقاد معناه و من هـؤلاء الكرامية و هم مشبهة مجسمة ينتسبون الى رجل يقال له محمد بن كرام و يقال لهـؤلاء حشوية, و أهل السنة الوسط بين ذينك الفريقين و هم لقبوا الأشعرية و الماتريدية لأنهم اتبعوا امامي الهدى أبا الحسن الأشعري و أبا منصور الماتريدي و يتميز هـؤلاء عن المعطلة و المشبهة لكونهم يثبتون لله تعالى الصفات مع تنزيه الله تعالى عن صفات الحدوث بقولهم في هذه الصفات انها أزلية أبدية , و لأنهم يؤولون ءايات الصفات و أحاديث الصفات من المتشابه بترك حملها على الظواهر فمنهم من يؤول تأويلا اجماليا و منهم من يؤول تأويلا تفصيليا و يرون كلا الأمرين حقا و صوابا . مثال ذلك أنهم يحملون استواء الله على العرش المذكور في عدة ءايات على معنى يليق به تعالى لا على معنى الجلوس و الاستقرار أو المحاذاة أو نحو ذلك من معاني الاستواء في اللغة العربية مما هو من استواء المخلوق , ثم منهم من يكتفي بامرارها كما جاءت من غير تعيين معنى لائق بالله تعالى كالاستيلاء و القهر , و منهم من يعين معنى لا يلزم منه علامات الحدوث و لوازم الجسمية فالفريق الأول منهم أولوا تأويلا اجماليا و الفريق الاخر أولوا تأويلا تفصيليا , و زاغ أهل التشبيه عن الحق و قالوا ان التأويل تعطيل و هو افتراء على أهل السنة و هـؤلاء يذمون أهل الحق لتركهم حمل تلك الايات و الأحاديث المتشابهة كاية الاستواء المذكورة على ظواهرها , فيقول أحدهم للسني الذي لا يحمل تلك الايات و الأحاديث على ظواهرها هذا مؤول على وجه التعيير و هم مع ذلك يؤولون بعض هذه الايات و الأحاديث , فهم في الحقيقة مناقضون لأنفسهم و ان لم يشعروا بذلك لأنهم لا يحملون التي ظواهرها أن الله في الجهة المقابلة لجهة العلو كالأرض فاذا جاؤوا الى هذه الايات كقوله تعالى في حق ابراهيم : ( و قال اني ذاهب الى ربي سيهدين ) لا يحملون هذه الاية على أن الله تعالى أراد بذلك أنه كان في أرض الشام التي هاجر اليها ابراهيم , كذلك اذا جاؤوا الى قوله تعالى : ( و هو معكم أينما كنتم ) لا يحملون هذه الاية على ظاهرها لأن ظاهرها أن الله مخالط عباده في أماكنهم في الأرض أينما كانوا و أنه متنقل معهم . ثم اذا قيل لهم كيف تحملون بعض هذه الايات على ظواهرها كاية الاستواء على العرش و لا تحملون الايات الأخرى كاية (و قال اني ذاهب الى ربي سيهدين ) و اية ( و نحن أقرب اليه من حبل الوريد ) و ما أشبه ذلك لا تحملونها على الظواهر أليس هذا تحكما , قالوا الايات التي ظواهرها أن الله تعالى في جهة العلو كالعرش و السماء اذا حملناها على ظواهرها أثبتنا لله الكمال و أما الايات التي ظواهرها أنه تعالى في جهة تحت لا نحملها على ظواهرها لأن جهة تحت خلاف الكمال و هي نقيصة في حق الله تعالى , و قال أهل الحق ليس الشأن في علو الجهة بل الشأن في علو القدر , و الفوقية في لغة العرب تأتي على معنيين فوقية المكان و الجهة و فوقية القدر قال الله تعالى اخبارا عن فرعون : (و انا فوقهم قاهرون ) أي نحن فوقهم بالقوة و السيطرة لأنه لا يصح أن يقال ان فرعون أراد بهذا انه فوق رقاب بني اسرائيل الى جهة العلو انما أراد أنهم مقهورون له مغلوبون .
و الحاصل أن هذه الطائفة كأنها لا تدري ما تقول , أما أهل الحق الذين لا يحملون تلك الايات على الظواهر ما أوهم منها تحيز الله في جهة العلو و ما أوهم منها تحيزه في جهة تحت فهم جانبوا التحكم أي الدعوى بلا دليل , و أما الفئة التي تحمل بعض تلك الايات و اأحاديث على ظواهرها و تترك حمل بعض على ظاهرها فقد تحكمت و لزمها التشبيه فهم مشبهة في الحقيقةو ان كانوا لا يرضون هذا الاسم لهم . و من عادتهم أنهم يموهون على الناس بقولهم استوى على العرش بلا كيف أو بقولهم على ما يليق به و هم يعتقدون في الله الكيف الذي نفاه السلف فليحذر العاقل تمويههم , تعالى الله عما يقولون .
و الحمد لله رب العالمين.
|