مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 02-12-2001, 08:56 PM
محمد ب محمد ب غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2001
المشاركات: 1,169
إفتراضي تأملات في تجربة الاغتراب

د-تأملات في تجربة الاغتراب
(1)
"الإنسان أخو الإنسان" ، "أحبب جارك"، "الناس كلهم سواسية كأسنان المشط".
ما أكثر ما حضَت الأديان والفلسفات على التآخي بين البشر وما أكثر ما بشرت بالمحبة ونفَرت من البغض والكراهية بين الأفراد والجماعات.
وحين يغترب المرء تكون فرصته أكبر لفهم بعض جوانب هذا الموضوع من فرصته لو كان بقي في بلده :موضوع إمكانيات وعوائق تحقيق هذا المثل الإنساني الأعلى الذي هو الإخاء بين البشر بغض النظر عن الحواجز اللغوية والسياسية و الحضارية.
إن من العوائق التي ألقى الفكر الغربي عليها الضوء كثيرا في القرنين الأخيرين عائق المصالح المادية، وقد جاءت الماركسية مثلاً لتقلل من شأن الدعوات المثالية المجرَدة للمحبة والسلام بين البشر ولتعدَها- في أحسن الأحوال- "طوباوية" ساذجة تلهي الكادحين عن رؤية الطريق الوحيدة الواقعية لإقامة مجتمع عالمي عادل سلمي وهو في رأيها طريق صراع الطبقات. وكما نرى فإن الماركسية تظهر كما لو كانت شاركت المبشرين القدماء في مثلهم الأعلى ولكنها رأت أن تحقيقه لا يتم بالإقناع والدعوات الأخلاقية.
كل هذا معروف، وهنا لا أريد بحال التذكير بالأسباب الكبرى للعداء بين البشر التي هي المصالح المادية للطبقات الحاكمة المقترنة عادة بالأيديولوجيات العنصرية والشوفينية (التي نرى انتعاشها الآن في أوروبا، وهي على كل حال لم تضعف سابقا إلا ظاهريا، وكان تأثيرها على العرب خصوصا مدمَرا ولنتذكر- ومن ينسى! - اغتصاب فلسطين وإقامة كيان هجين غريب على أرضها).
وإنما أريد هنا التأمَل قليلا في أشياء فردية، يومية، تبعد الناس من جنسَيات مختلفة وتقرَبهم، هذه الأشياء التي هي في بعدها المباشر بعيدة عن السياسة والاقتصاد والأيديولوجيا هي مع ذلك مرتبطة بالحقائق الكبرى في حياة البشر.
(2)
أوَل الحواجز اللغة. واختلاف اللغة مصدر لسوء التفاهم من جوانب عديدة يكتشفها المغترب بالتجربة وبالتأمَلات النظرية المقارنة التي أذكر بعضها الآن :
1-إن القدرة على استعمال اللغة يرتبط لا شعوريا في الذهن بالذكاء. ومن هنا يقدَم الفرد الذي لا يتقن استخدام اللغة عن نفسه صورة "الغبي"، وفي حالة الأجنبي فهو يظلم بهذا الارتباط لأنه من المفهوم -عند التفكير المنطقي- أن إتقان لغة أجنبية عملية طويلة لا بد أن تمر بمرحلة سوء استخدام اللغة!.
ولكن الإنسان-فيما يبدو- يعامل الشخص الذي يتكلم لا وفق معلوماته المنطقية عنه، بل وفق عادات نفسية لا شعورية سأشرحها الآن :
إنني أعرف- مثلا -أن هذا الشخص الذي يكلَمني ليس عربيا، على أنه، بما أنه يستخدم اللغة العربية فإنني لا شعوريا أعامله على أنه شخص عربي يستخدم اللغة بشكل خاطئ أو معيب أو مثير للسخرية . والمطابقة عندي في مثل هذه الحال تكون دوما مع : الطفل-صاحب عيوب النطق مثل التأتاء ومثل من يُسيءُ نطق بعض الحروف-الذي يلثغ -الغبي. والمطابقة مع الغبي هي الحالة الغالبة حيث أن المرء حين تكون معلوماته في ميدان اللغة الأجنبية قليلة فإنه يلجأ مضطرا إلى استخدام أبسط الجمل والصيغ بحيث يذكَر المقابل (ابن اللغة) بصورة لاشعورية (ويجعله يطابق) بالطفل أو الغبي.
وأحيانا لا ينسى المرء أن الشخص الذي يستخدم لغته الأم هو أجنبي، ولكنه يجهل ببساطة ما يعرفه هذا الأجنبي من اللغة وما لا يعرفه، وبالتالي، فحين تكون الجملة صحيحة قواعديا مثلا يفترض أن الأجنبي يعرف تماما جميع ظلال المعنى للمفردات التي يستعملها. وقرأت مرة في صحيفة يمنية أن أوروبيا قال للكاتب بلغة عربية "أنت حقير جدا، لماذا لا تأكل!" وكانت إهانة غير مقصودة لأن الأوروبي تعلَم معنى ل "حقير" موجود في القاموس هو "هزيل".
وكثرة كثيرة من مفردات لغة ما لا تطابق في استخدامها المرادفات المفترضة في لغتنا. حين يقول الألماني Quatsch والترجمة القاموسية "هراء"، "كلام فارغ"مثلا فإن استخدام هذه الكلمة عندهم لا يُعنى به تسفيه وتحقير المخاطب بينما هو كذلك عندنا فأنت لا تقول إلا في حالة الغضب لمن يخاطبك "هذا كلام فارغ"، فهي عندنا جافية جافة. لذلك قد يُسيء الألماني متعلَم اللغة العربية استعمال "كلام فارغ" ويحتاج إلى أن يتعلَم سياقها.
(3)
ثُمَ يأتيك حاجز قواعد السلوك، ما يجوز وما لا يجوز، وما يجوز عندنا لا يجوز عندهم وما يجوز عندهم لا يجوز عندنا وإلى آخره.
العربي لا يسهل عليه أن يقول لضيفه : لم يعد عندي وقت أو : عندي موعد، ولا يسهل على ضيفه احتمال هذا القول ، وهو عند الغربيين سهل ، لا يزعج قائلا ولا مقولا له!.
ثم إن للسلوك لغة ، كل حركة وكل لفتة لها تأويلها ومعناها والذي تربَى في مجتمع ما يميل لا شعوريا إلى اعتبار هذه التأويلات واحدة عند جميع البشر، وما أكثر ما أوقعت العرب في أوروبا في أنواع فادحة من سوء التأويل ابتسامة فتاة مثلا هي عندهم لا تعني شيئا البتة أو تعني شيئا عاديا بعيدا كل البعد عما تعنيه ابتسامة مماثلة عندنا!
وإنني مثلا قد احتجت إلى وقت طويل لأعرف كيف يعبَر الأوروبي عن غضبه وكيف يعبَر عن رضاه! وإذا كان للعربي "ما وراء سطور""، أي طرق غير مباشرة لقول شيء ما، وإذا كان للعربي استعاراته وكناياته فكثيرا ما نجد أن هذه الطرق غير المباشرة لا تفهم وإن الاستعارات والكنايات يفهمها الأوروبيون بمعناها الحرفي كما فهم عادل إمام مشي جارته "على حل شعرها"!.
(4)
ثمَ يقابلك الفارق في التجربة التاريخيَة الذي يجعل الارتكاس تجاه أحداث ومواضيع (وأحيانا كلمات) معيَنة جد مختلف.
ولنبدأ بأشياء -كلمات بسيطة تعني لأوَل وهلة الشيء ذاته في القاموس. وسرعان ما نرى أنها "لا تعني الشيء ذاته" في بعدها الاجتماعي -الثقافي الملموس. هل تعني "كلب" نفس الشيء في ألمانيا وفي سوريا؟ ومثال أوضح : أليس الفارق كبيرا بين "خنزير" في اللغة الألمانية و "خنزير" في اللغة العربية؟ وبالمثل فالفروق موجودة، تكبر أو تقل في التجربة التاريخية والسياق الاجتماعي لكلمات من نوع "شرطي"، "ملك"، "اب"، "أخت"، إلى آخره..
ثم ننتقل إلى كلمة لا تعني الشيء ذاته إطلاقا للعرب وللأوروبيين -خصوصا الألمان!- هي كلمة "إسرائيل" و "اليهود".
في التجربة التاريخية العربية لم يتعرض اليهود -بصفتهم "يهودا"-لاضطهاد قط. وعلى العكس فقد اضطهد شعب عربي واغتصبت بلاده من قبل ناس -حركة سياسية- تزعم أنها تمثل اليهود في العالم.
التجربة التاريخية الأوروبية- والألمانية خصوصا- مختلفة كل الاختلاف كما هو معلوم. من هنا ثمة سوء تفاهم مزمن بين العربي في ألمانيا حين يناقش ألمانيا معاديا للعنصرية (و"اللاسامية") فالألماني يميل إلى اعتبار الدولة الصهيونية "يهودا" ببساطة هم ذاتهم أولئك المساكين الذين عذبوا وأحرقوا أيام النازية. العربي بالمقابل يرى نفسه بالذات في موقع ضحايا النازية- واليهود منهم - بينما تشغل الدولة الصهيونية الموقع الهتلري!.
وحتى الأقلية اليسارية الألمانية التي تفهمت في السابق القضية الفلسطينية عادت الآن تحت تأثير المتغيرات العالمية والفلسطينية أيضا وتحت تأثير تعاظم خطر النازية في ألمانيا إلى تبني موقف التحفظ تجاه نقد الصهيونية ودولتها.
(5)
ثم يأتيك موضوع له علاقة بما سبق، على أنه أعقد في التحليل لأنه يغوص في جوانب أعمق من العلاقة المعقَدة بين النفسية الفردية والمجتمع، ألا وهو موضوع ما أسميه الآن- وهو اسم مؤقت على الأرجح-"العلامات العاطفية" وأضرب عليه مثلا معايير "الجمال" و "القبح"، "الشعر الأسود"-"الشعر الأشقر"-"الشعر الأجعد"-"العيون الزرق"-"العيون العسلية"-هي سمات -علامات ذات قيمة جمالية محددة (عالية فهي"جميلة" أو منخفضة فهي"قبيحة" أو معدومة فهي "عادية"-ليست ذات دلالة).
ولا يصعب على العربي المغترب في أوروبا -مثلا- أن يلاحظ الفرق في القيم الجمالية المعطاة لهذه السمات- العلامات. فالأشقر في الشمال يختلف من حيث التقييم الجمالي له كليا عن الأشقر في الجنوب، وهكذا. وهذه المعايير هي بحد ذاتها -كما هو معلوم-محدَدات من جملة محدَدات عديدة للسلوك إذ أن المرء من جهة يرغب في أن يكون جميلا-قدر الإمكان!- وأن لا يكون قبيحا وهذا يدفعه إلى سلوك معيَن، ومن جهة أخرى فالمرء له سلوك تجاه "الجمال" يختلف عن سلوكه تجاه "القبح".
وحيث أن هذه المعايير مختلفة فإن "السلوك الجمالي" (أي السلوك المحدَد بالمعايير الجمالية الذي وصفناه ،يكون مختلفا بين الأفراد من مجتمعين مختلفين، وهو بالتالي لا يكون مفهوما عند الطرفين أو هو عرضة لسوء الفهم. ( وفيما مضى، وفي الوقت الحاضر أيضا،يحاول العبد الفقير إليه تعالى كاتب هذه السطور تطوير نظرية في تفسير السلوك الجمالي عند البشر ).
(6)
إذا كان بين البشر فروق في اللغة والتجربة التاريخية إلى آخره فإنني أؤمن أن المشترك بين البشر أكبر و أهم، ومن هنا فإن الأمل في تفاهم صحيح في الأسس بين البشر يقوم على قواعد وطيدة. وحين يتم التركيز على العوامل التي تقود إلى سوء الفهم المتبادل فإن هذا لا يتم بغرض التيئيس من عالم سلمي يفهم فيه البشر بعضهم.
على أن العوائق الأهم في سبيل هذا التفاهم تبقى بعيدة عما ذكرناه الآن، فالاستعمار لم يكن بسبب "سوء تفاهم" مثلا، وزواله لم يتم بإقناع أو تحليل نظري مثل ذلك الذي سقناه الآن!.
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م