الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ]
قال الله تعالى : {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون منيراً ،بعثه إلى الخلق آمراً المعروف ناهياً عن المنكر ، قال تعالى :{ النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ، يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر }.
وهكذا كان أصحابه ـ رضي الله عنهم ، قال بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون }.
1. المعروف : أسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه ، والإحسان إلى الناس ، وكلِّ ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات .
2. والمنكر : كل ما قبحه الشرع وحرمه ونهى عنه .
معاشر المؤمنين : لقد بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً تعالى : { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر }.
وبهذه الشعيرة أوصى الصالحون ذرياتهم قال لقمان : { يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر وأصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور }.
[فضله].
معاشر المؤمنين : فضائل أثار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تنكر :فمنها :
أولاً :
أن خيرية الأمة و تفضيلها على سائر الأمم مرده إلى قيامها بهذا الأمر العظيم وإيمانها بالله ، قال تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر }.
ثانياً :
به يتحقق النصر والتأييد ، قال تعالى : { ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ،الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر } .
ثالثاً :
به يبلغ العبد درجة الصالحين ، قال تعالى : { من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين } .
رابعاً :
هو من النصيحة التي أمر الله بها وعظمها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم [ 55] .
خامساً :
هو من أعظم الجهاد ، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن من أعظم الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطان جائر " رواه أبو داود ( 4344) ، وهو في الصحيحة ( 491 ) .
سادساً :
كان الصحابة يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر العظيم ، فقد قال جرير بن عبد الله : " بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم " رواه البخاري ( 1401 ) ، ومسلم ( 56 ) .
[ خطر تركه ] :
معاشر المؤمنين : بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعث محمد صلى الله عليه وسلم ، وبه قام الدين وأذل الله المبطلين :
فإذا أهمل وعطل وطوي بساطه : اضمحلت الديانة ، وفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة ، واستشرى الفساد ، واتسع الخرق ، وخربت البلاد ، وهلك العباد ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد .
ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : باب عظيم به قوام الأمر وملاكه ، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح ، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعقابه ، { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } .
إن التفريط في هذا الجانب العظيم والزهد فيه : له آثار وعواقب لا تحمد : فمنها :
أولاً :
استحاق لعنة الله ، قال تعالى : {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه}.
ثانياً :
عدم إجابة الدعاء : لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم " رواه ابن ماجة وهو في صحيحهما ( 2/367) .
ثالثاً :
نقص الدين والتفريق ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل : كان الرجل يلاقي الرجل فيقول : بهذا اتق الله ودع ما تصنع ، فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعضٍ ، ثم قال : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ) إلى قوله : ( فاسقون ) ، رواه أحمد في مسنده 1/ 391 ، قال في تخريجه : إسناده صحيح .
رابعاً :
حلول العقوبات وذهاب الخيرات ، فقد روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والذي نفسي بيده ، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعون فلا يستجاب لكم " رواه الترمذي وهو في صحيحه ( 1762 ) .
بل ورد ما يدل على أن تركه هلاك للجماعة كلها ففي حديث أصحاب السفينة ، قوله صلى الله عليه وسلم : " فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً " خرجه البخاري ( 2493 ) .
[ حكمه ] :
و أما حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو كما قال النووي : فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين ، وإذا تركه الجميع أثم الكل ممن تمكن منه بلا عذر ولا خوف ، ثم إنه قد يتعين : كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو ، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو ، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف .
وقال العلماء : لا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه ، بل يجب عليه الأمر والنهي لا القبول ، كما قال الله عز وجل : { ما على الرسول إلا البلاغ } .
وقال العلماء : لا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلاُ ما يأمر به مجتنباُ ما ينهى عليه ، بل عليه الأمر وإن كان مخلاً بما يأمر به ، وعليه أن ينهى عن المنكر وإن كان متلبساً به ، لأن الواجب أمران : أحدهما : أن يأمر نفسه وينهاها ، الثاني : أن يأمر غيره وينهاه ، فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر .
ـ ثم إنه إنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه ، وذلك يختلف باختلاف الشيء : فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها : فكل المسلمين علماء بها ، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ، ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء .
[ الحذر من رد الآمرين ] :
أمة الإسلام أمة القرآن : الأمر بالمعروف والنهي عن المكر شعار الدولة الصالحة ، والأمة المؤمنة ، ولا خير فينا إذا لم نوقر القائمين به ، ولا خير فينا إذا لم نعنهم على هذا العمل العظيم الذي يقوم به ديننا وتحفظ به عقيدتنا ، وتصان به أعراضنا بتوفيق الله ، ولا خير فينا إذا أنكرنا فضلهم على الأمة وبذلهم وسعيهم في صلاح البلاد ، ولا خير فينا إن رضينا بقدح المغرضين ، ولمز المفسدين ، وتشويش الجاهلين ، فإن هذا الأمر دين فانظروا عمن تأخذون دينكم . وقديماُ قيل :
فمن ذا الذي ترضى سجايا كفى المرء نبلاً أم تعد معايبه
إن القدح في رجال الحسبة تعد على ولي الأمر ؛ لأنهم ينوبون عنه في إنكار المنكرات ؛ ذلك أن أهم واجبات ولي الأمر : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وخير لنا من ذلك أن نسأل أنفسنا : ما هي جهودنا نحن في إنكار المنكرات بين الأهل والأقارب ، وفي العمل والحي ؟ ، : أنها ضعيفة وقد تعدم أحياناً .
ـ فهل يعقل أن نجمع إلى التقصير في إنكار المنكرات أشغال القائمين بذلك والتشغيب عليهم ، قال تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب } . فإذا أمرنا أو نهينا فلنكن كما قال تعالى : { إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله …}
__________________
الأدهم
|