مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 01-08-2003, 10:05 PM
mohammed1977 mohammed1977 غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2003
الإقامة: Iraq
المشاركات: 12
إفتراضي رواية: عشية الجمعة: القسم الثاني

القسم الثاني

قررتُ أن أعودَ أدراجي لأستريحَ بعضَ الشيء. جلستُ قُرب الفانوس أقلّب بعضَ الأوراقِ والذّكريات التي لا أستطيعُ أخذَها معي خوفاً عليها من التّلف، كما أنني قد لا أراها ثانيةً.
وضعتُ في الحقيبة أُلبُومَ صُوري التي تؤرخ لأيّام حياتي. ربما أعانني النظرُ إلى تلك الصور في المستقبل على بثِّ روحِ الأملِ والحياةِ في وقتٍ قد يتنازعني فيه شعورٌ بالضّياع مع رغبةٍ في البقاء.
شغّلتُ جهازَ المذياع واستمعتُ الى الأخبار. لم يكن أحدٌ يتحدث عمّا يجري في نفس الوقتِ على البُقعة القريبة منّي. كما أنّ العراقَ نفى حصولَ مثلِ هذا الإنزالِ على أرض المطار. ترى، هل أنّ كلَ ما أراه وأسمعه هو كذِبٌ وهراءٌ؟ لقد غلّف القادةُ في هذا البلد أعينَ الناس بغطاءٍ من الأكاذيب والأوهام، وصوّروا لهم الباطل حقاً، والكذِب حقيقةً، وانشغلوا هُم بسرقة الأموال وتكريس السُلطة، وتصفيةِ كلِّ من وجد في نفسه الرغبةَ في التّعبير عن رأيه.
كيف أتركُ البيت؟ إنّ الرجلَ لا يترك بيته. كيف أتولى يومَ زحفِ العدو؟ هل سأرضى بالعارِ والخزي وأستبدلهما بالشرف والفخر؟ إنْ كان مكتوباً علي الموتُ فسأموتُ هنا، في بيتي…
إنها لحظاتٌ من الشّجاعة والقوة استولت عليّ وطغتْ على ما كان مرّ بي من الإحساس بالخوفِ من الموت. ذهبتُ مسرعاً وفتحت الحقيبةَ السوداءَ الكبيرة، وأفرغتُ ما ملأتها به، وأرجعتُ كلَّ شيءٍ إلى محلِّه. وقررتُ أن أخلد إلى النوم، فعسى اللهُ أن يأتي بفرجٍ قريبٍ ويُثلجَ صدورنا بالقضاء على العدو.
حاولتُ أن أستغرقَ في النوم، إلا أنّ الطائراتِ المحلقة، واستمرارَ القصف أبيا عليّ إلا أنْ أنهضَ من فِراشي وأتركَ النّوم لوقتٍ آخر. صعدتُ ثانية إلى أعلى البيت. بقي على شروق الشمس ثلاثُ ساعاتٍ أو أكثر. كان الظلامُ في هذه المرة أدهى وأمر. تجمعت في السماء سحبٌ كثيفةٌ حجبت عني منظرَ النجومِ المتلألئةِ فانتهى بذلك مصدرُ الضّياءِ الوحيدِ وسطَ هذه العتمة.
لا يبدو أنّ هذه الغيومَ المؤتلفة مستعدةٌ للقيام بدورها وإنزالِ المطر، لكنها ربما أعاقت حركةَ الطائراتِ وأعطت لقواتنا فرصةً للانقضاض. إني أرى في أفق المطار ما يُشبه الدّخان أو الغبار، تُرى ما هو؟ قد يكون ناتجاً عن كَميات البارودِ الكبيرة التي تُستخدم في المعركة. إنّ له رائحةً غريبةً أثارت في عيني بعضَ الحساسية. أيكون هذا ناتجاً عن أسلحةٍ كيماويةٍ؟
لقدْ تعلمتُ من رّجال الحرب السابقين أنّ مِثل هذه الأسلحة يظهرُ أثرُها، أوّل ما يظهر، على الطّيور والحيوانات. تذكرتُ أن لديّ طيوراً تقبع الآن في أقفاصها. توجهتُ نحوها فرأيت أنها تغطُّ في نومٍ عميقٍ أقلقهُ ضوءُ المِشعل الذي أرفعه. حمدتُ اللهَ على أنّ أسوأ الاحتمالاتِ لم يقعْ بعدُ.
لقد أضحت أرضُ المطار منطقةً للأنوارِ المتتابعة، تتوهج هنا وتنطفئ هناك وبالعكس. إني أحسُّ أنّ هذه الأنوارَ تقترب مني، وأصبحتُ أراها أوضحَ من ذي قبلٍ. قد أشبّهها برتلٍ من الجنود يحملونَ المشاعِل تفصلهم عني مسافةٌ كبيرةٌ. هذه المشاعلُ تبدو من بعيد كنقاط ضوءٍ صغيرةٍ، حتى إذا اقترب الرتلُ، ولم يبقَ بيني وبينه إلاّ القليل، بانت حقيقةُ الأمرِ وعلمتُ أنّ هذه النقاط الصغيرة ما هي إلا مشاعلُ يحملها جنودٌ اكتسحوا كلَّ ما أمامهم وقرُبتْ الشقةُ بيني وبينهم.
طيلةَ الوقت السابق، كانت الطائراتُ تجدّ في طيرانها وتجدّ في قصفها لمواقع المقاتلين. ماذا أسمع؟ إني أسمع أصواتِ الأسلحةِ الخفيفة. لم يكنْ هذا الصوتُ يصلُ إلى مسمعي قبل هذا الوقت. إذن صارَ الأمرُ حقيقةً وجنودنا يتراجعون أمامَ جموع العدو الزاحف، تدعمها الطائراتُ المخيفةُ والمدرّعات التي لا يؤثر فيها القذائفُ التقليديةُ.
إني أعلم أنهم يقاتلونَ كالأسود. أعلمُ أنّ هذا السلاحَ البسيطَ الذي يحمله بيده أو يضعه على كتفه، مع ما يحملهُ من شعورٍ ورغبةٍ في حِفظ تُراب الوطن، كافٍ كي تحبب إليه الموتَ، كافٍ كي يضع صدرَه دونَ تراب الوطن. والكثيرُ منهم وضع في باله أنّ أولئكَ الرجالَ قومٌ جاءوا لينزعوا منا ديننا، كما حاول أسلافُهم من قبلُ، وخاب فألهُم.
إنه صراعٌ عنيف، يحدثُ في مكان آخر، بين الرّغبة في الخروج والنفاذ بالجلد واللّحاق بالأهل والأقارب، وبين الإحساس بأني جزءٌ من هذا البيت، من هذه المدينة، من هذا الوطن. لا حياةَ لي بفُقدانه ولا رغبةَ لي للعيش بعده. وكان لا بُد للصراع أن يُحسم…
هيأتُ الحقيبةَ من جديدٍ للسفر، وقررتُ أن أمضيَ في هذه الساعة، الثالثة والنصف ليلاً، قبل أنْ يقتربَ القتالُ وتصبحَ المنطقةُ أرضاً لتبادل القذائف والصواريخ. أوصدتُ جميعَ الأبواب، وأخذتُ كُل مستلزمات الحذر، وحملتُ هذه الحقيبةَ المُثقلة وبدأتُ بالمسير.
كنتُ أسير من غير أرى ما أمامي، ولا ما صار خلفي. ولولا أني أحفظُ الشارعَ بكُل جزئياته لتوجهتُ نحو سُور بيتٍ أو اصطدمتُ بعمود، من شدة حِلكة الظلام.
كنتُ أنظر إلى هذا الأمر في تلك الأثناء، وبعد أن حدث، كأنهُ مشهدٌ في أحد الأفلام. رجلٌ يسيرُ وحيداً في هذا الوقت من الليل بلا أضواءَ تُنير الدرب، يرتدي جاكيتاً طويلاً ويحملُ حقيبةً كبيرةً، ومن فوقه الطائراتُ تحلق، وعلى مقربةٍ منه تجري معاركُ طاحنةٌ. إنّ هذا الموقف ليثير عندي الضحكَ، في بعض الأحيان، حين أتذكره.
وصلتُ الشارع العام رغبةً في الحصول على مركبة تحملني بعيداً عن هذا المكان وإلى أي مكانٍ. لقد كنتُ في داخلي مقتنعاً بأنّ من يخرج في هذا الوقت بسيارته، هو مجنونٌ من المجانين. لكنْ، هي الرغبة في الحياة والخوفُ من الموتِ يدفعان الإنسانَ إلى القيام بما قد يبدو للبعض غيرَ منطقي.
وبينما أسير في الشارع إذْ بقذيفةٍ تسقط لتصيبَ إحدى مقاومات الطائرات بمكانٍ ليس بعيداً عني، ولترتفعَ ألسنةُ اللهب إلى أعلى. فعلمتُ أنني جسدٌ معرضٌ إلى طلقة أو قذيفةٍ كهذه، تحيله إلى رمادٍ ليصبح في خبر كان.
كان أفرادُ الحزب ما يزالون متحصنينَ في مواقعهم غير الحصينة، ولم يكن أحدٌ يعلم أنّ جميعَ أولئك سيفرّون تاركين مواقعهم وأموالَ الناسِ نهباً للصعاليك.
لم يكن يدورُ بخُلد أحدٍ من الناس أنّ قوماً آخرين يتكلمون بلساننا ويدينون بديننا، لا تصلُ إليهم قذائفُ الطائراتِ والدباباتِ، فهم في حمى من ذلك كله، بما عقدوهُ مع الغازي من عهودٍ ومواثيق، يرقبون الوضعَ ويعدّون الدقائقَ. حتى إذا حانت الفرصةُ وقرُبت الرميةُ، انقضوا كالذّئاب ينهشون اللحمَ ويخرّبون ويدمّرون، ثائرينَ لأنفسهم وأهلهم من يومٍ هلكت فيه دمائُهم وأعراضُهم ومساكنُهم، فكما تدين تُدان.
ما كِدتُ أن أصِل إلى البيت حتى تهاويتُ، أنا وحقيبتي على الأرض، بعد أنْ كانت رجلاي بالكاد تحملاني معَ تراجُفهما وتراجُف صاحبهما. وقررتُ أن أبقى حتى يفعلَ اللهُ لي ما يريد في الصباح.
تمددتُ قليلاً على الفراش لأريحَ بدني، ووضعتُ في أذني فتيلاً من القطنِ قد يمنعُ عنّي هذه الأصواتِ التي أصبحتُ أمقتها، أصواتِ الطائرات اللعينة المحلّقةِ فوقنا بلا توقفٍ.
لا أذكرُ أني سمعتُ آذانَ الفجر يُرفع من المئذنة القريبة منا. ولم أرَ سوى رجالاً قليلينَ توجهوا، وهم يتلفّتون يُمنةً ويُسرةً، كي يؤدوا صلاة الفجر. فالكل قد أغلقَ عليه بابَه، وتجمّع هو وأهلهُ وأولادُه في زاويةٍ ضيقةٍ من البيت، يحتضنهم ويحنو عليهم، ويخفّف عنهم وطأةَ الأمر، من غيرِ أن يتسلل خيطُ النوم إلى جفونهم، فالكلُّ يشعرُ أنّ ما قد يحدثُ في هذه الإغفاءة البسيطة فيه غِنىً عنه كثيرٌ.
نهضتُ من الفراش في حوالي السادسةِ صباحاً. ورغم ابتداءِ طلوع الشمس إلا أنّ المكان ما يزال يعجُّ بالظلام. في هذا الوقت لم أكنْ أسمعُ أصواتِ الحرب إلا في القليل النادر. عملتُ الفطورَ وغسلتُ وجهي رغم أنني لم أنَم. حيث كنتُ قد وضعتُ قريباً مني، أثناءَ الليل، ساعةً كبيرةً أرقُب حركةَ أميالها حتى طلعَ الصباحُ.
صعدتُ إلى أعلى البيت كي أرى ما يجري حولي، وهل أنّ بالإمكان بمكانٍ أن أمضيَ بعيداً عن هذا الأمرِ كُله؟
تشجعتُ قليلاً، وبعد أنْ حملتُ هذه الحقيبةَ الثقيلةَ ثانيةً، والتي كنتُ قد زويتها آخرَ مرةٍ، اتجهتُ صوبَ الشارعِ الرئيسِ. شاهدتُ بعضَ العوائل حزمتْ حقائبها وأخذتْ طريقها بعيداً عن المكان. كانت المنطقةُ قد أُغلقت وخلا الشارعُ إلا من السياراتِ الحديثةِ بكُل أشكالها، وقد ارتدى أصحابُها ملابسَ مدنيةً شعبيةً. يبدو أنّ قادةَ هذه السيارات من أصحاب الرُتب العالية، وقد تزيّوا بهذه الملابسِ خوفاً على أنفُسهم إذا وقعوا في الأسرِ.
الشارعُ يبدو مخيفاً والسياراتُ تتجمع كلُها وتتجه صوبَ أرض المطار. وفي هذا الجو رائحةٌ تنبئك أنّ الوضع لن يكونَ أحسنَ مما هو عليه الآن بل سيزدادُ سوءً. إنها الساعةُ السابعةُ والنصف. مضى على وقوفي هنا في الشارع ما يزيدُ على نصف ساعةٍ. وليس من أثرٍ لسيارة أجرةٍ تحملني معها.
رجالُ الحزب ما زالوا يملئونَ الشوارع، وأرى ضباطاً عرفتُ بعضاً منهم، يسيرونَ وعلى وجوههم تقاطيعُ غيرُ مفهومة. لم أرغبْ في أنْ أسألَ أحداً عن ماهية الوضع فلم يكنْ أحدٌ ليجيَبني. الكلُ متجهّم الوجه لا يريد أن يتحدث، ولو تحدث ما توقف. إنه حقاً الصمتُ المخيفُ.
ركِبتُ سيارةَ أجرةٍ، لا أعلم من أين أتتْ، أنا ورفيقٌ لي لا أعرفه، حمَلَنا صاحبُها نحو وسط المدينة. ما زالت الصورُ تتابع في مخيلتي بشكل فيلم سينمائي عرفتُ متى بدأ ولا أعلمُ متى سينتهي.
والسلام
أخوكم: محمد زهير ناجي
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م