وضع دستور في ظل الإحتلال

[حقاني]

اطلاقة اليوم: تعالوا نتحدث عن أوكيناوا

في كل جدل حول عدم شرعية كتابة دستور لأي بلاد تحت
الاحتلال، يأتي المتعاونون مع الاحتلال بمثال اليابان " انظروا كيف اصبحت اليابان!" في محالة لافحام الطرف الاخر.
اذن تعالوا ننظر ماذا فعل الدستور الذي كتبه الامريكان في اليابان. ولكن قبل ان نتحدث عن الدستور، تعالوا معي لنذهب الى اوكيناوا .

في 18 نيسان هذا العام احتفل اهالي هينوكو في جنوب جزيرة اوكيناوا اليابانية بمرور سنة على اعتصامهم وتظاهراتهم من اجل منع بناء قاعدة امريكية فوق الشعب المرجانية في منطقة تعتبر حيوية للصيادين وكذلك لابقار البحر وهي حيوانات ثديية بحرية معرضة للانقراض. ويقول اهل الجزيرة انهم سوف يمنعون بناء القاعدة في هذا المكان مهما كلفهم الامر. وتنوي البحرية الامريكية بناء قاعدة بطول ميل ونصف (5ر2 كم) على ارض استولت عليها في قرية الصيادين.

وتتركز 65% من القوات الامريكية في اليابان البالغ عددها (40500 اضافة الى عدد مماثل تقريبا من العمال والخدميين ) في اوكيناوا ويطالب السكان باستمرار في تخفيض اعداد القوات الامريكية والقواعد في اليابان .

ويقول توياما احد سكان القرية :" لا نريد ان نكون جزءا من عملية قتل الابرياء بالسماح لليابان باستضافة قاعدة امريكية ترسل جنودها الى العراق."
ماهي قصة اوكيناوا ؟ كانت امريكا قد استولت عليها في معركة دموية عام 1945 واعادتها الى اليابان في 1972 ولكنها استمرت في استخدامها كقاعدة مهمة ومنها انطلقت القوات الامريكية لمهاجمة كوريا وفيتنام.

ويقول المسؤولون في اوكيناوا انهم لايستطيعون ان يطلبوا اغلاق القاعدة او الامتناع عن بناء قواعد جديدة في الجزيرة التي يعارض حوالي 80% منهم حسب استفتاء اخير بناء قاعدة جديدة ، وذلك بسبب الاتفاقية التي وقعتها اليابان مع امريكا والتي تسمح لها بالتواجد العسكري في اليابان حماية لليابان من الاخطار الخارجية .

في عام 1945 كان عدد الجيش الياباني 5ر5 مليون جندي ولكن عندما خسرت الحرب واحتلتها الولايات المتحدة ، قامت امريكا بحل الجيش الياباني وكتبت لها دستورا عام 1947 يمنع اليابان (الباب الثاني - المادة 9 ) منعا باتا من تكوين جيش. واليكم منطوق المادة:

" تطلعا مخلصا الى السلام الدولي القائم على العدالة والقانون ، يتخلى الشعب الياباني عن الحرب كحق سيادي للامة والتهديد او استخدام القوة كوسيلة لحل النزاعات الدولية . 2) من اجل تحقيق هدف الفقرة اعلاه لن يتم مطلقا بناء قوات برية او بحرية او جوية اضافة الى قدرات حربية اخرى . ولن يقر بحق الدولة في الاشتراك في الحروب.**

بعد ذلك قامت الحكومة اليابانية بتوقيع اتفاقية مع امريكا للتواجد الدائم على اراضيها وبناء القواعد التي توزعت في ا نحاء اليابان ولكن تركزت بشكل مكثف في اوكيناوا كما اسلفنا . الهدف المعلن للاتفاقية بطبيعة الحال هو الدفاع عن اليابان التي اصبحت بلا جيش ضد الاخطار المحيطة بها (كوريا الشمالية – فيتنام – الصين ) والهدف الخفي الامريكي هو اتخاذ اليابان قاعدة لصد الخطر (الشيوعي) آنذاك وللانطلاق للعدوان على الدول المتاخمة.

سمح لليابان تشكيل قوات ضعيفة دفاعية يبلغ تعدادها الان 155 الف وتسمى قوات دفاع. وبدأت اليابان في السنوات الاخيرة تنفيذا لرغبات امريكا في ارسال عينات من هذه القوات للاشتراك في قوات حفظ السلام في اعقاب الحروب . ولكن امريكا اجبرت الحكومة اليابانية على خرق هذا الاستخدام (السلمي) للجيش الياباني حين طلبت ارسال قوات منه الى العراق وهو مايزال (منطقة حرب) وهذا ماأثار الشعب الياباني الذي خرج في مظاهرات مناهضة لارسال قواته الى مناطق حرب انتهاكا للدستور. ويبدو انه حسب الاتفاقية اليابانية الامريكية لا تستطيع اليابان رفض أي طلب امريكي حتى لو كان ضد ارادة شعبها (هذه هي الديمقراطية الامريكية ). فمثل هذه الاتفاقيات تتضمن عادة اكذوبة (الدفاع المشترك) بين بلاد تملك اقوى جيش في العالم وبلاد ضعيفة عسكريا وتكاد لاتملك جيشا على الاطلاق . فما هو الدفاع المشترك في هذه الحالة؟

أقول لكم : فتح الاراضي والمعابر البحرية والاجواء للقوات الامريكية والسماح ببناء قواعد مستديمة وتمويل القواعد . (هذا ماتفعله الكويت التي دخلت مع امريكا في اتفاقية دفاع مشترك).

امريكا الان تحاول محاولة اخرى مع اليابان انتهاكا لدستورها الذي كتبته لها بنفسها . في مراجعة خطط الدفاع اليابانية ويبدو انها تراجع كل خمس سنوات . في خطة (2005 – 2009) اكدت وزارة الدفاع اليابانية على ماجاء في الدستور من نبذ الحرب والاكتفاء بالدفاع ولكن نظرا لازدياد المخاطر (كوريا الشمالية – الصين) وبناء هذه الدول قدرات تقليدية وغير تقليدية سوف تطور اليابان قدراتها العسكرية بتقليل الجيش بمقدار 5000 جندي ولكن مع التركيز على بناء حائط دفاع صاروخي بالتعاون مع امريكا . المعنى ان امريكا تريد ان تمتص الثروة اليابانية في ادخالها في دوامة شراء اسلحة وبناء قدرات لجيش لا وجود فعلي له بتهويل الاخطار المجاورة .

نعود الى اتفاقية وضع القوات الامريكية التي وقعت عليها الحكومة اليابانية وبموجبها اصبحت لامريكا قواعد دائمة في اليابان. ومن المهم ان نطلع على هذه التجربة لأن مثل هذه الاتفاقية سوف تعقد مع الحكومة العميلة في بغداد .
هذه بعض ماتتضمنه الاتفاقية :

1- الحكومة اليابانية تمول القاعدة بمقدار مايساوي 100 ألف دولار سنويا لكل جندي (قلنا ان هناك اكثر من 40500 جندي غير مثلهم من العمال الخدميين ) ومن التمويل ايضا تزويدهم بالكهرباء ودفع تعويضات حوادث الطرق وتنظيف البيئة ممايتخلف من المناورات الحية التي يجريها الجيش الامريكي وكذلك بناء كنائس للجنود الامريكان في قواعدهم (رغم سياسة فصل الدين عن الدولة في اليابان التي لا تبني لمواطنيها دور العبادة ورغم ان الدين السائد في البلاد ليس المسيحية !)

2- لا تجبر الاتفاقية امريكا على تنظيف البيئة التي تلوثها بمخلفاتها النووية والكيماوية والبيولوجية من الاسلحة التي تخزنها في اوكيناوا خاصة والتي نشرت امراض السرطان بشكل مخيف بين السكان . اضافة ان الجيش الامريكي غير ملزم بالتصريح عن انواع الاسلحة المحرمة التي يخزنها في الجزيرة . وقد تسببت المناورات الحية بمثل هذه الاسلحة في تبوير الاراضي وتلويث المياه .

3- افراد الجيش الامريكي له حصانة في الجرائم التي يرتكبها ضد السكان المحليين ولايمكن ان يحاكم في المحاكم اليابانية واقصى عقوبة يمكن ان توقعها المحاكم الامريكية هي النقل الى مكان أخر . ولهذا فقد سجل اكبر عدد من الجرائم في اوكيناوا نسبة لبقية القواعد في العالم وقد استطاع الشعب الياباني ان يؤثر في الزام الجيش الامريكي بتسليم 3 من جنوده اتهموا باغتصاب جماعي لفتاة عمرها 12 سنة لمحكمة يابانية حكمت عليهم بالسجن لسبع سنوات عام 1995 حيث قام اهالي اوكيناوا بمظاهرات وشغب استمر طويلا حتى رضخ الجيش الامريكي لأول مرة .

من مساويء اقامة القواعد ايضا ان تجارة الرقيق ازدهرت في جزيرة اوكيناوا من اجل رفاهية ومتعة الجنود الامريكان حتى اصبحت نسبة التداول في هذه التجارة : فتاة من كل خمسة فتيات من اهالي الجزيرة . اضافة الى 7 الاف فيلبينة تم استيرادهن للترفيه عن العلوج . اضافة الى ان القاعدة وهي كما قلنا اكبر قاعدة في اليابان تستولي على حوالي 40 من الاراضي الصالحة للزراعة وقد طردت اهاليها منها ولا يجد السكان وسيلة للعيش سوى التعامل مع القاعدة والخدمة بمختلف الاشكال فيها . والان تنوي ان تستولي على البحر وتبني فوق الشعب المرجانية قاعدة اخرى . فأين يذهب الصيادون ؟

اذا قلنا ان اليابان مازالت محتلة . هل نكون مخطئين ؟ اذا قلنا ان اليابان ثرية اقتصاديا الان ولكن مافائدة الثروة التي لايحميها اهلها وتحتاج الى القرصان الاكبر ليحمي ثروتها ! هل نحسد بعد هذا اليابان ؟ اذا قلنا ان الشعب الياباني ضد ارساء القواعد في بلاده ولكن الحكومات اليابانية المتعاقبة لا تستطيع نقض اتفاقية عقدتها مع امريكا قبل ست عقود! فهل هذه سيادة كاملة او ديمقراطية حقيقية ؟ اذا قلنا ان القواعد الامريكية موجودة على الارض اليابانية منذ 1945 يعني منذ 60 عاما والى ماشاء الله وهي حرة تفعل ماتشاء على ارض غير ارضها . هل هذا استقلال ؟

هذا هو نموذج اليابان . شكرا لا اظن انه ينفعنا .

<div align="left">دورية العراق</div>

انظر هنا قواعدهم الدائمة في العراق
http://www.iraqpatrol.com/php/index.php?showtopic=7345


------------------
* رابط التحقيق الذي اجرته الوكالة الفرنسية:

http://iraqtunnel.com/php/index.php?showtopic=624

** النص الاصلي في الدستور الياباني:

CHAPTER II: RENUNCIATION OF WAR
Article 9:
Aspiring sincerely to an international peace based on justice and order, the Japanese people forever
renounce war as a sovereign right of the nation and the threat
or use of force as means of settling
international disputes.
2) In order to accomplish the aim of the preceding paragraph, land, sea, and air
forces, as well as other war potential, will never be maintained. The right of belligerency of the state will
not be recognized.

كثيرا ما نسمع من افواه مؤيدى الاحتلال الامريكي في مجادلاتهم حجة ان اليابان والمانيا قد تقدما وحصّلا على الرفاهية في ظل الاحتلال الانكلو-امريكي، وكائنهم يقولوا لنا ، ان اردتم التقدم فارضّوا بالاحتلال.
هذا منطق سخيف يستغفل السامع ويستخف بعقله ، والوقائع التاريخية تكذبه جملة وتفصيلا. فاليابان والمانيا كانتا قبل الحرب العالمية الثانية اكثر تقدما علميا من امريكا، وجائت الحرب لتهدم ما بنوه من قوة ورفاهية. اما خسرانهم الحرب لصالح الحلفاء فيعود لاسباب لا علاقة لها بالتقدم المادى بل الى التأخر العقائدى، باعتقادهم علوا عنصرهم القومي "الارى عند الالمان" وتفوقه وتعاليه على غيره من القوميات مما ابعد عنهم كثير من الشعوب المحبة لهم، ومناصبتهم العداء، والانحياز لجانب الحلفاء مما رجح كفة هولاء.
ففي الصناعات كانت الصناعة اليابانية والالمانية متفوقه على الامريكية. وتجارتها اوسع من الامريكية، بل ان امريكا نفسها استعانت بالعلماء الالمان بعد الحرب في بناء صناعتها وقوتها العسكرية . ففي مجال الذرة مثلا ، ما كان الامريكان باستطاعتهم بناء القنباة الذرية لولا علماء الالمان والاوربيين اللذين عملوا في برلين(معهد ماكس بلانك) واستيلائهم على "الماء الثقيل" الذي صنّعه الالمان لمفاعلهم في بلجيكا، وفي مجال الصواريخ ما كان بامكانهم بنائها لولا الاستعانه بخبرة " فون براون" الالماني باني صواريخ (V2 ) لالمانية الهتلرية التى دكت مدينة لندن، وكذا صناعة الغواصات التى شلت الاسطول الانكليزى وغيرها كثير. اما بعد الحرب فان بناء كلا اليابان والمانيا قد تمت بسواعد وعلوم ومهارة اليابانيين والالمان، بدون الاستعانه بالامريكان، وما كان التمويل المالي" مشروع مارشال" الا استثمار" في بلد متقدم اصبح مردوده عشرات الاضعاف للامريكان.
لقد احتلت امريكا كثيرا من الدول المتخلفة في امريكا اللاتينية والفلبين. ولا زالت هذه الدول متخلفة ليومنا هذا. فنسئل عملاء امريكا في العراق ان يفسروا لنا هذا السر !.