مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 13-07-2005, 11:02 PM
الجلاد10 الجلاد10 غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2005
الإقامة: بلاد الله
المشاركات: 498
إفتراضي صفحات من التاريخ ........

وفي خريف 1812، توجه طوسون على رأس قوات كبيرة نحو المدينة المنورة واقترب منها في تشرين الأول (أكتوبر) دون أن يواجه مقاومة في الطريق(18). وكانت حامية من الوهابيين بسبعة آلاف شخص تدافع عن المدينة، إلا أن المرض، كما يقول أبن بشر، أصاب قسماً كبيراً من الجند. ولم يكن سكان المدينة راغبين في القتال إلى جانب الوهابيين.

وأخذ طوسون يقصف المدينة بالمدفعية ففتحت الانفجارات ثغرات في أسوارها. واستسلمت المدينة المنورة. والتجأت حامية الوهابيين إلى قلعة المدينة، ولكن الجوع أرغمها على ترك القلعة بعد ثلاثة أسابيع في تشرين الثاني (نوفمبر). ووعد طوسون بالسماح بجلاء بقايا الحامية الوهابية بشروط مشرفة(19). ويقول منجين إن جنود طوسون تصرفوا تصرفاً نبيلاً(20). إلا إن بوركهاردت المطلع عن كثب على سير الحملة يقول أن هؤلاء الجنود قتلوا ونهبوا في الطريق أغلبية الوهابيين (21 ). وارسلت إلى القاهرة 4 آلاف أذن اقتطعت من الوهابيين واعدت لإرسالها إلى الأستانة (22). وانتقل آغا المدينة المنورة حسن إلى صف المصريين ولكنه اعتُقِل ونُفي إلى الأستانة حيث أُعدِم. وعُين حاكماً للمدينة بدلاً منه توماس قيس وهو اسكتلندي أُسر في مصر واعتنق الإسلام (23).

ولعب الشريف غالب على حبلين. فقد كان مسروراً لهزيمة الوهابيين وكان يأمل في التخلص من ظلمهم بمساعدة المصريين. إلا أنه لم يكن راغباً في تقوي مواقع والي القاهرة في الحجاز لدرجة كبيرة. وكان افضل ما يُناسب غالب هو استنزاف القوات المصرية وقوات الوهابيين وعودة السلطة الفعلية في الحجاز إليه.

وهاهو يقسم الولاء من جديد لسعود الذي أدى فريضة الحج آخر مرة في نهاية عام 1812(24)، ويستعد لتسليم مكة وجدة إلى قوات والي القاهرة. وفي تلك الفترة كان معسكر قوات عبد الله يرابط ليس بعيداً عن مكة. إلا إن مصنفات أبن بشر والمصادر الأخرى لا تشير إلى قيام الوهابيين باستعدادات ما لعمليات حربية. ولم تكن سلبية سعود وأبنه تعني بأنهما لم يفهما مدى الخطر الذي يتهددهُما. ولا يمكن أن يُفسر سكوتهما إلا بالحالة الداخلية للدولة الوهابية وعدم الاستقرار في المؤخرة وعدم أمانة البدو.

وفي كانون الثاني (يناير) 1813، أحتل فصيل مصري غير كبير مدينة جدة بلا قتال. وخوفاً من تلقي ضربة غادرة من غالب سحب عبد الله الحامية الوهابية من مكة وانسحب بجيشه كله إلى الخرمة. وفر عثمان المضايفي وعائلته من الطائف. وسقطت مكة، والطائف بعد بضعة أيام، ووقعتا في يد طوسون بلا قتال(25). وأعلن غالب، وعلى أثره قبائل الحجاز البدوية، الولاء للأسياد الجدد.

وانتزع المصريون الحجاز من الوهابيين بدون جهود حربية كبيرة رغم هزيمتهم الفادحة ولعب الدور الحاسم في انتصارهم عداء الحجازيين لأمير الدرعية وللوهابية وكذلك الذهب المصري الذي وزع بسخاء على وجهاء وأعيان البدو وعلى البدو أنفسهم، وأخيراً انتقال شريف مكة إلى جانب والي القاهرة.

وبمناسبة احتلال المدينتين المقدستين أقيمت في القاهرة احتفالات صاخبة أطلقت فيها نيران المدافع وأجرت الألعاب النارية. وتوجه رسول من محمد علي إلى الأستانة يحمل مفاتيح مكة والمدينة المنورة وجدة. وكتبت السفارة الروسية من الأستانة تقول: "حضر جميع أعضاء الحكومة العثمانية لاستلام المفاتيح في مسجد أيوب، ومن هناك نقلت إلى السلطان في السراي. وفي ذلك اليوم دوت ثلاث مرات صليات المدفعية من جميع بطاريات المدينة والأسطول ومضيق البحر الأسود احتفالاً بهذا الحادث. واستمرت الاحتفالات سبعة أيام"(26). وعين السلطان العثماني طوسون والياً لجدة، واستلم محمد علي والشريف غالب هدايا ثمينة من السلطان(27).

ولم تعد الأشهر التالية على المصريين بما يفرحهم. ففي ربيع وصيف 1813، قام الوهابيون بغزوتين موفقتين على الحجاز. وظهر سعود بنفسه قرب المدينة المنورة مع أنه لم يتمكن من احتلالها. وهجم أهالي عسير الذين ظلوا موالين للوهابيين على الفصائل المصرية قرب أسوار مكة وجدة تقريباً.

وفقد جيش الاحتلال المصري بسبب الإرهاق والحر والأمراض المتواصلة الناجمة عن سوء التغذية وتلوث المياه عدداً من الجنود أكبر مما فقده في المعارك. ويقول منجين أن جيش والي القاهرة فقد خلال هذه الحملة 8 آلاف شخص و 25 ألف جمل. وكان هلاك دواب الركوب والنقل قد حرم المصريين من إمكانية المناورة والمسيرات البعيدة وإيصال العتاد والذخيرة والأغذية في الوقت اللازم. وبدأت آمال البدو في والي مصر تخيب، وصاروا يتعاونون مع قواته على مضض(28).

وفي خريف 1813، ابتسم الحظ لطوسون من جديد. فقد قام القائد العسكري الوهابي عثمان المضايفي بغارة على الطائف ولكنه مني بالهزيمة وفر. وقبض عليه بدو عتيبة وسلموه إلى غالب(29). ثم أرسل إلى القاهرة ومنها إلى الأستانة حيث أعدم.

سياسة محمد علي في الحجاز. كان حاكم مصر يدرك أن الوهابيين لم ينتهوا رغم احتلال الحجاز. فقرر أن يتوجه شخصياً إلى الجزيرة العربية ويدرس الموقف هناك، ويؤدي فريضة الحج في الوقت نفسه. وفي خريف 1813، وصل محمد علي مع بضعة آلاف من الجنود إلى جدة(30).

واستقبله غالب. وعاهد أحدهما الآخر بالصداقة، وأقسما على ذلك في الكعبة، إلا أن خلافاً جدياً كان يختمر بين الوالي والشريف.

كان مركز شريف مكة قوياً بحيث لا يسمح بالتطاول السافر على سلطته. وكان مبعث قوته وجود بضعة آلاف من العبيد المسلحين والجنود المرتزقة والحجازيين الموالين له وسيطرته على قلعة مكة(31). إلا أن الوالي الداهية اعتقل غالب غدراً في أواخر عام 1813 بزعم أن السلطان طلب ذلك وأرغم محمد علي شريف مكة تحت تهديد الموت على أن يصدر أمره إلى أبنائه ليكفوا عن المقاومة، وبعد ذلك نفاه مع عائلته كلها إلى القاهرة. وعين محمد علي بدلاً منه صنيعته يحيى بن سرور وهو من أقرباء الشريف غالب وصادر أموال الشريف من نقود وأثاث وبضائع وبن وتوابل بلغت قيمتها ما يعادل 250 ألف جنيه إسترليني.

إلا إن السلطان أمر بإعادة قسم من تلك الأموال إلى الشريف غالب الذي أقام في سالونيكي وتوفي فيها بعد بضع سنوات (32).

لقد فاز محمد علي دون شكك من حيث الهدف البعيد الذي يتلخص في إخضاع الحجاز بصورة تامة. فقد جرد شريف مكة من السلطة والنفوذ وأستبعد احتمال انتقال غالب إلى صف الوهابيين. ووضع يده على مداخيل الشريف السابقة كلها تقريباً وساعد ذلك على تمويل الحملة الباهظة. وأخيراً حرم الباب العالي من إمكانية الاستفادة من التناقضات بينهُ وبين غالب.

إلا أن النتيجة المباشرة لغدر محمد علي تجلت في غضب سكان الحجاز ،وخصوصاً البدو، ولجوء الكثير من عوائل الوجهاء إلى الوهابيين خوفاً من التنكيل ومشاركتها في الحرب إلى جانب الوهابيين. وكان من بين هؤلاء الشريف راجح وهو قائد عسكري شجاع.كما لجأ إلى الوهابيين جزء من حرس غالب (33).

ومن الناحية العسكرية كان الإخفاق يلاحق محمد علي في بادئ الأمر. ففي أواخر 1813وأوائل 1814 مُنيت قواته بالهزيمة في تربة والقنفذة.

وعندما استولى الإنزال البحري على مدينة القنفذة قتل الجنود كثيراً من السكان العزل وقطعوا آذانهم لإرسالها إلى الأستانة كدليل على البسالة في القتال. وقال ج.فيناتي الذي شارك في هذا الإنزال إن الجنود كانوا أحياناً يقطعون آذان الأحياء لكي يحصلوا على المكافأة الموعودة(34).وتوحد السكان المحليون الغاضبون بسبب ذلك حول طامي أمير عسير الذي حاصر القنفذة وقطع عنها مياه الآبار الموجودة حولها ثم بدأ الهجوم بعد أن استنزف قوى المحاصرين. وفر الجنود إلى السفن في هرج ومرج. وقتل الكثيرون منهم وغرق آخرون أو هلكوا في الطريق بسبب العطش(35).

كان محمد علي يدرك أنهُ إذا لم يحقق نصراً حاسماً في الجزيرة العربية فإن مكانتهُ في مصر سوف تتزعزع، ولذا بدأ باتجاه إجراءات عاجلة لِمواصلة الحملة. وفرضت ضرائب إضافية على الفلاحين المصريين، ووصلت إلى جدة إمدادات جديدة وذخيرة وعتاد وأغذية. فصارت المدينة بمثابة مستودع رئيسي. ووصلت عدة مئات من الخيالة من بدو ليبيا الموالين لمحمد علي باشا. وكانوا سنداً ثميناً له لأنهم متعودون على العمليات في الظروف الصحراوية. وازدادت وسائط النقل بآلاف الجمال التي اشترى محمد علي بعضها من الشام وجلب البدو الليبيون بعضها الآخر. واتفق محمد علي مع أمام مسقط حول إرسال السفن لنقل القوات(36).

واتخذت خطوات لتحسين العلاقات مع السكان المحليين. وألغى محمد علي بعض الإتاوات المرهقة جداً وقلص الرسوم الجمركية في جدة. ووزع النقود على المحتاجين ورمم الكعبة وقدم الهدايا لعلماء الدين وكشف خصيصاً عن ورعه وتدينه. وأمر جنوده بأن لا يمارسوا النهب والتنكيل وأن يدفعوا ثمن ما يأخذونه من أغذية. وتغير موقف الحجازيين من قوات محمد علي نحو الأفضل(37).

إلا أن الأمر الرئيسي يتلخص في استئناف الحج. فقد استلم البدو نقوداً من قافلة الشام بعد أن كانت السلطات العثمانية لا تدفع شيئاً منذ عشر سنوات. وأسفر توارد عشرات الآلاف من الحجاج عن ازدهار أحوال سكان الحجاز من جديد(38).

وكانت وفاة أمام الدرعية سعود في ربيع 1814(39) قد أفادت والي مصر. فأن موهبة سعود كقائد عسكري ورجل دولة معروفة للجميع. ولم يبخل أبن بشر بالكلمات في مدحه، فرسم له صورة الحاكم المثالي التي وردت أوصافها في الكثير من الروايات الشفهية وفي الأدب العربي. ويقول المؤرخ أن سعود كان محبوباً عند الرعية. وكان جيد الإطلاع على الكتاب والسنة بفضل تعلمه على يد محمد بن عبد الوهاب. وقد كافح في سبيل الإسلام وخاصة الجهاد ببسالة. وكتب وصايا للرعية أدهشت الجميع بعمق معرفة الفقه، ودلل على أفكاره بآيات من القرآن وأقوال من الحديث ومقتطفات مما كتبه أشهر الفقهاء. ودعا إلى الامتناع عن المحظورات: الزنا والنميمة والافتراء والأكاذيب والربا. وكان متواضعاً ورعاً سخياً وكان بسيطاً في معاملة المقربين أليه. كان فطيناً حاد الذكاء وقد حظي بإعجاب كبير وشعبية واسعة(40).

في فترة وفاة سعود كان الوهابيون قد فقدوا الحجاز كله وعمان والبحرين وقسماً من تهامة. وتسلم أبنه عبد الله دولة انتابها الخراب. وبعد أن قهر مقاومة المتذمرين ثبت مركزه على العرش وأخذ يستعد لموصلة الحرب ضد جيش محمد علي. وتشير أغلبية المؤرخين إلى أن عبد الله كان محارباً شجاعاً، ولكنه أقل من والده من حيث الدهاء السياسي والمرونة وسائر خصال رجال الدولة. وربما كان في هذا القول بعض الحق. فالتاريخ يدين المغلوبين بوصفهم غير موهوبين، مع أن الملابسات كانت في كثير من الأحيان أقوى منهم.

انتصار المصريين في معركة بسل وتقدمهم نحو عسير. أخذت سياسية محمد علي في الحجاز تؤتى ببعض الثمار. فقد تمكن من تحسين العلاقات مع البدو. والدليل على ذلك ما قاله أبن بشر من أن عبد الله هاجم مراراً القبائل البدوية الحجازية المالية لمحمد علي. واضطر أمام الدرعية إلى القيام بحملة تنكيلية ضد بدو مطير أيضاً(41). وفي أواخر عام 1814، تمكن محمد علي من الاتصال مع الشريف راجح وإقناعه بالعودة للخدمة عنده ودفع له مبلغاً ضخماً.

وحتى ذلك الوقت، صارت لدى محمد علي قوات كافية. ويقدر بوركهاردت تلك القوات بـ 5 آلاف شخص، ولكن محمد علي كان يعتقد بأن لديه 20 ألفاً(42). ويبدو أن الرقم الحقيقي هو بين هذا وذاك.
  #2  
قديم 13-07-2005, 11:03 PM
الجلاد10 الجلاد10 غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2005
الإقامة: بلاد الله
المشاركات: 498
إفتراضي

وفي أواخر 1814 وبداية 1815، حشد الوهابيون في بسل، على مقربة من تربة، جيشاً بلغ 30 ألفاً كما يقول أبن بشر، و 20 ألفاً كما يقول بوركهاردت. وأكثر من نصفه أحضره طامي بن شعيب من عسير. وترأس بلك القوات الموحدة فيصل شقيق عبد الله. توفي كانون الثاني (يناير) 1815 نشبت معركة انتصرت فيها قوات محمد علي المتحالفة مع البدو. ودفع محمد علي 6 ريالات مقابل كل قتيل من الأعداء. واحتفل محمد علي بالنصر حيث اعدم في مكة مئات الأسرى. وبلغت خسائر الوهابيين عدة آلاف.

ثم احتلت قوات محمد علي تربة ورنية وبيشة. ووصل المصريون إلى ساحل البحر الأحمر واستولوا على القنفذة. وجرى تسليم زعيم عسير طامي بن شعيب إلى محمد علي الذي أرسله إلى مصر ثم إلى الأستانة حيث أًعدم. وكان محمد علي ينصب على القبائل البدوية في كل مكان أًناساً طائعين له(43). وبنتيجة العمليات الحازمة التي شنها محمد علي جرى دحر الوهابيين في عسير وفي المناطق الهامة من الناحية الإستراتيجية بين الحجاز ونجد وعسير.

وبعد عدة أشهر، عاد محمد علي إلى مصر حيث وصلته أنباء عن القلاقل. وبالإضافة إلى ذلك كان محمد علي، بعد احتلال الحلفاء لباريس، يخشى من إنزال جديد يقوم به الإنجليز على مصر أو من هجوم الأتراك(44).

دخول طوسون القصيم والصلح مع عبد الله. لم تكلل بالنجاح محاولة طوسون الأولى لدخول القصيم. فقد عاد أدراجه عندما علم بظهور عبد الله مع قوات كبيرة. إلا أن التذمر في القصيم من سلطة الوهابيين قد أشتد. واتصل وجهاء الرس بطوسون ووعده بالمساعدة إذا دخل القصيم. وتحرك طوسون بلا إبطاء مع عدد غير كبير من القوات نحو مدينة الرس ودخلها. ودمر هنا قسماً من التحصينات وفرض الضرائب على السكان ونصب معسكراً على مقربة من المدينة مؤّمناً تزويد الجيش بالأغذية على حساب السكان المحليين. فلم يتمكن من تأمين المؤن من المدينة المنورة بصورة منتظمة.

وكانت قوات عبد الله مرابطه في عنيزة. وقام الوهابيون بهجمات متفرقة باتجاه الرس وكانوا يستولون على قسم من القوافل القادمة من المدينة المنورة. فقد وقع فصيل الإمدادات الذي قاده توماس قيس في كمين نصبه الوهابيون وأبيد(45). واستمرت العمليات الحربية سجالاً طوال عدة أشهر حتى صيف 1815.(46).
غدت حالة طوسون عصيبة للغاية. فأن ضغط الوهابيين الشديد كان يمكن أن يدمره. بيد أن قوى عبد الله لم تكن كافية على ما يبدو، ثم أنه كان يخشى تمرد أهل القصيم في مؤخرته. وتم توقيع الصلح بشروط تعكس توازن القوى المترجرج هذا.


ونص الاتفاق على توقف العمليات الحربية. وترك جيش طوسون القصيم وكف المصريون عن التدخل في شؤون نجد. وتأكد ضمان حرية التجارة والحج للجميع. وأورد أبن بشر وبوركهاردت كلاهما هذه المعلومات عن الاتفاقية. إلا أن الرحالة بوركهاردت أورد بضعة شروط أخرى من الاتفاقية: يجب أن تخضع لعبد الله كل القبائل المتواجدة شرقي الحناكية. ويقول بوركهاردت كذلك أن عبد الله وافق على اعتبار نفسه من رعية السلطان العثماني. ويؤكد المؤرخ المصري المعاصر أ.عبد الرحيم هذه الحقيقة استناداً إلى وثائق من أرشيفات القاهرة(47).

ووصل مبعوثو عبد الله مع طوسون إلى القاهرة، خريف 1815(48).

وبعد انسحاب طوسون أخذ عبد لله ينحي أمراء القصيم الذين أبدوا ترددا أثناء وجود الفصيل المصري في الرس، أو الذين تعاونوا مباشرة مع طوسون، وبدأ كذلك عمليات تأديبية ضد بدو حرب ومطير الذين خانوا العهد.

وإلى الجنوب من ذلك، في مناطق بيشة وتربة ورينة التي كانت، باعتقاد بوركهاردت، مستثناة من الاتفاقية بين عبد الله وطوسون، استمرت الصدامات بين الوهابيين والقوات المصرية(49).

وأثارت أعمال عبد الله التذمر في القصيم، ناهيك عن البدو، فأرسلت شكاوى إلى محمد علي. وفي المراسلات التي جرت بين عبد الله وبين محمد علي وأبنه وردت إشارات متكررة إلى خرق الوهابيين لشروط الاتفاقية(50).

ارتفعت منزلة محمد علي في الإمبراطورية العثمانية بفرض سيطرة مصر على الحجاز. وأخذ محمد علي يطالب الباب العالي بتسليمه الشام على سبيل المكافأة عن الانتصارات في الحجاز. ولذا أصبحت أكثر إلحاحاً بالنسبة له مهمة تثبيت أقدامه في الحجاز وفي الجزيرة العربية عموماً بتقويض الدولة السعودية الأولى نهائياً(51).

احتلال نجد من قبل إبراهيم باشا. عين إبراهيم الابن الأكبر لمحمد علي لقيادة الحملة هذه المرة. وظلت معروفة إحدى الطرائف التي قيلت بمناسبة تعيين إبراهيم قائداً للحملة الجديدة. يقال أن محمد علي جمع قواده العسكريين في القاهرة قبيل بدء الحملة ليناقش معهم خطة العمليات. ثم أشار محمد علي إلى تفاحة موجودة وسط سجادة كبيرة مفروشة في القاعة. وقال: من يحضر هذه التفاحة ويسلمها لي دون أن يمس السجادة برجليه سيقود القوات. انبطح المقربون إلى الوالي على الأرضية ولكنهم لم يبلغوا التفاحة. وعند ذلك اقترب أبنه إبراهيم، وهو قصير القامة، من السجادة فطواها وبلغ التفاحة وسلمها إلى أبيه. وهكذا لمحَّ لأبيه، كما يقال، إن القوات المصرية تحت قيادته سوف تطوي "سجادة" بوادي الجزيرة في البداية بتأمين المواصلات والعلاقات الطيبة مع السكان المحلين(52).

كانت مثل هذه المبادئ بالفعل أساساً للسياسة المصرية في الجزيرة العربية أثناء حملة إبراهيم. فقد كان يفهم جيداً أن التوغل في أعماق الجزيرة مستحيل بدون مساعدة البدو، لذا سعى إلى اجتذابهم. ولهذا الغرض ألغى إبراهيم الزكاة الوهابية على البدو، وراح يدفع المال نقداً لقاء كل الخدمات. إلا أن فلاحي مصر هم الذين دفعوا ثمن انتصارات إبراهيم.

كان إبراهيم عارفاً بمدى العداء الذي خلفته تصرفات وتعسف جنوده المتباينين في الحجاز، لذا حاول أن يترك انطباعاً طيباً عند الأعراب بورعه وتقواه ونبله وإيفائه بالوعد. وقد قطع بكل حزم دابر أي أعمال للعنف ضد السكان المحليين إلى أن تم تدمير الدرعية.

في تلك الأثناء أصاب الضعف دولة السعوديين. وكانت القبائل البدوية الرئيسية مستعدة في أي لحظة لتقلب لها ظهر المجن. وابتعد وجهاء وأعيان واحات وسط الجزيرة عن الوهابيين بسبب التوقف التام تقريباً في مسيل الثروات المنهوبة. وكان السكان الحضر يتذمرون من الحروب المتواصلة الطويلة الأمد والإتاوات التي لا تنقطع. ولم تكن منزلة عبد الله رفيعة كمنزلة أبيه سعود. ولم يبق سنداً لأمراء الدرعية في كل مكان إلا علماء الدين الوهابيون.

وما كان بوسع المصريين أن يرسلوا إلى نجد قوات غفيرة. إلا أن جنودهم صاروا يختلفون عن أولئك الذين قاموا بالإنزال في الحجاز قبل ست سنوات. فهم الآن يجيدون تدبير حصار القلاع وبناء الطوابي الحامية من الهجمات المباغتة واستخدام المدفعية بمهارة ليست قليلة. وكان مع إبراهيم مدربون من جيش نابليون وأطباء أوروبيون(53).

إما عساكر عبد الله فقد ظلت على غرار المتطوعة العشائرية والحضرية كما كانت سابقاً. وكان الوهابيون متخلفين عن المصريين من حيث الأعداد الحربي. صحيح أنهم كانوا يقاتلون في ظروف مناخية تعودوا عليها ويدافعون هذه المرة عن ديارهم ونخيلهم وحقولهم، إلا أن وطنيتهم النجدية لم تكن قوية، وكانت المشاعر التي يكنونها لآل سعود آنذاك متعارضة.

ويبدو أن عبد الله كان يدرك تعقد الموقف بالنسبة له. كان ينوي دحر المصريين في معركة مكشوفة، وفي حالة الاخفاق كان يريد أن يرغمهم على محاصرة واحة محصنة بعد أخرى وينسحب إلى وسط نجد. وكانت صعوبات الحملة وسط الجزيرة البعيد عن قواعد التموين لا بد أن ترغم المصريين، كما يعتقد على التخلي عن نيتهم في احتلال نجد.

وفي خريف 1816، وصل إبراهيم إلى المدينة المنورة مع قوات كبيرة. وجاءته من مصر قوات جديدة وأغذية ومعدات. واجتذبت إبراهيم القبائل في ضواحي المدينة لعمل معه وبدأ زحفه البطيء على نجد. وبعد أن احتل الحناكية أنشأ فيها معسكراً محصناً.

ودعا أليها زعماء القبائل المجاورة وقدم لهم الهديا واستعرض جيشه أمامهم. وفي تلك الأثناء وصل من الأستانة نبأ منحة لقب باشا. وكان ذلك بمثابة مغازلة لمشاعره لا أكثر، فهو لا يعني أي دعم له.

وفي تلك الأثناء، كانت القبائل البدوية تبتعد عن عبد الله الواحدة تلو الأخرى.

فأن زعيم مطير فيصل آل دويش، مثلاً، جاء إلى إبراهيم وعرض عليه خدماته مقابل تعيينه فيما بعد أميراً للدرعية. ووصل عبد الله إلى القصيم وهاجم المصريين ولكنه مني بهزيمة. وقتل كثيرون من الوهابيين واقتطعت آذانهم وأرسلت إلى القاهرة.

وفي صيف 1817، أقترب إبراهيم من الرس وبدأ حصاراً استمر عدة أشهر، ودافع المحاصرون عن أنفسهم ببسالة. ويمكن الافتراض من ضراوة المعركة أن عبد الله الذي يفهم الأهمية الإستراتيجية للرس قد ترك هناك أفضل ما كان متوفراً لديه. وخلال الحصار الطويل لمدينة الرس كان عبد الله على مقربة منها دون أن يتمكن من نجدتها بشكل فعال. ولم تتمكن من دخول المدينة عبر المعارك إلا قافلتان وهابيتان.
  #3  
قديم 13-07-2005, 11:04 PM
الجلاد10 الجلاد10 غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Jun 2005
الإقامة: بلاد الله
المشاركات: 498
إفتراضي

وبلغت خسائر إبراهيم ثلاثة آلاف وخمسمائة شخص. وأغلبهم بسبب الأمراض. فالحصار في أوج الصيف، مما زاد في الصعوبات أمام جيش إبراهيم. ولكنه كان يتمتع بمزايا المدفعية ومختلف آلات الحصار والقيادة الماهرة. والأمر الأهم أنه استلم إمدادات. فأن عبد الله لم يتمكن من قطع طرق التموين. وكان للذهب المصري الذي وزعه إبراهيم بسخاء ولإلغاء الزكاة على البدو أثر كبير بهذا الخصوص.

وفي تشرين الأول (أكتوبر) استلمت الرس بشروط مشرفة. والتحقت حامية الوهابيين المتبقية حاملة أسلحتها بقوات عبد الله(54). وحسبما يقوله ج. سالير كان مصير الرس يختلف بعض الشيء. فالمدينة لم تستسلم، بل وعدتا بالاستسلام للمصريين بعد أن يحتلوا عنيزة(55).

كان يقود الدفاع عن عنيزة أشخاص من أقرباء أمام الدرعية. وكانت حامية الوهابيين مزودة بالمؤن والذخيرة بصورة جيدة. ولكن المدينة احتلت بعد عدة أيام من الحصار، واستسلمت حاميتها بشروط مشرفة. والتحق المحاربون الوهابيون حاملين السلاح بعبد الله(56).

ولم يحاول أمام الوهابيين إبداء مقاومة أكثر لجيش إبراهيم في سوح مكشوفة. فأن احتياطات مصر تحمي ظهر إبراهيم. وكان هجومه بطيئاً، ولكنه لا مرد له. وبعد عنيزة استسلمت بريدة، وفي أواخر عام 1817 أعلنت القصيم كلها عن خضوعها لإبراهيم(57). وكتب إبراهيم باشا لأبيه أن كل سكان المنطقة يكرهون حجيلان أمير بريدة العجوز وكذلك عبد الله(58).

في البداية انسحب عبد الله إلى شقراء حيث كان يجري على جناح السرعة بناء المنشآت الدفاعية، وبعد ذلك انسحب إلى الدرعية.

ظل إبراهيم في بريدة حولي الشهرين لاستلام الامدادات. ثم تحرك نحو شقراء. وذكر منجين أن عدد قوات إبراهيم قليل جداً _ ألف جندي. ويبدو أن هذا الرقم أقل مما في الواقع. وبعد ذلك ذكر منجين الرقم 4500 جندي دون أن يوضح ما إذا كان البدو بضمنهم أم لا. ولكن الحقيقة هي أن إبراهيم تمكن من قهر نجد بقوات قليلة نسبياً. إلا أن حملته على شقراء شارك فيها بدو مطير وحرب وعتيبة وبنو خالد. وكان أولئك من البدو الذين كانوا آخر من خضع للوهابيين وأول من قلب لهم ظهر المجن. وكتب أبن بشر بمرارة يقول أنه سار مع إبراهيم كثير من زعما القبائل ووجهاء الواحات في نجد بأمل الغنيمة والاستقلال المرتقب، ولكن آمالهم خابت بعد سقوط الدرعية أشد خيبة(59). فعندما ترك إبراهيم المدن التي أحتلها كان يدمر في البداية كل التحصينات ويأخذ رهائن معه(60).

وفي كانون الثاني (يناير) وصل إبراهيم إلى ضواحي شقراء. وبعد القصف المدفعي بدأ اقتحام المدينة. وسقطت شقراء بعد عدة أيام. وأطلق سراح حاميتها بعد أن جرد أفرادها من السلاح ووعدوا بأنهم لن يشاركوا في الحرب. واستولى إبراهيم على الوشم كلها(61). ثم احتل سدير والمجمعة بلا قتال في الواقع، وأعلنت حريملا والمحمل عن خضوعهما(62).

وتحرك إبراهيم من شقراء إلى ضرمى التي كان يدافع عنها محاربون أشداء من الخرج. ورغم القصف المدفعي واستخدام تكنيك الحصار لم يتمكن إبراهيم باشا من إرغام الحامية على الاستسلام. إلا أن القوى لم تكن متعادلة. واقتحم جنود إبراهيم المدينة ونكلوا بأهلها جزاء لهم على المقاومة، وقطعوا آذان القتلى، كما هي العادة، وأرسلوها إلى القاهرة. ونهبوا المدينة عن آخرها. وجرى ذلك في شباط (فبراير) _ آذار (مارس) 1818(63). وبذلك فتح الطريق نحو الدرعية.

سقوط الدرعية. في نيسان (إبريل) جرى المشهد الأخير من فاجعة الدولة السعودية الأولى. فقد بدأت معركة الدرعية. ومع أن واحات ومدن نجد سقطت الواحدة تلو الأخرى في يد الغازي المصري، إلا أنه كان في كل منها وهابيون راسخوا العقيدة رفضوا حتى فكرة التعايش سلمياً مع "المشركين" وظلوا مخلصين حتى النهاية لآل سعود. وتقاطروا على الدرعية للمشاركة في المعركة الأخيرة.

وواجهت القوات المصرية فصائل من العاصمة والواحات الأخرى في وسط الجزيرة. وقاد هذه الفصائل ثلاثة من أشقاء عبد الله، وهم فيصل وإبراهيم وفهد. وكانت في الدرعية قوات من منفوحة بقيادة العقيد الشجاع عبد الله بن مزروع وكذلك فصائل من حريق و سدير. وكان كهول من سكان العاصمة يدافعون عن مراكز الإسناد الصغيرة. وكانت هناك مفارز تحت قيادة أبناء آل سعود وأفراد عائلة آل معمر وغيرهم من القادة البارزين(64).

وكان تحت امرأة إبراهيم باشا حوالي ألفين من الخيالة و4300 من الجند الألبان والأتراك و1300 من الخيالة المغاربة و150 من المدفعيين ومعهم خمسة عشر مدفعاً وكذلك 20 من المختصين بالبنادق و11 من المختصين بالقذائف(65).

كانت واحة الدرعية تمتد لعدة كيلومترات بشكل خط على طول وادي حنيفة. وتتكون المدينة نفسها والواحة من عدة نزل متلاصقة. وتطل على المنطقة قلعة الطريف ومسجدها ومختلف المباني التابعة لها. وهي محمية بصخرة جبلية عالية من جهة وقناة من الجهة الأخرى.

بدأ إبراهيم هجومه ببطء على طول الوادي. وبعد المناوشات الأولى مع العدو ترك المترددون عبد الله وانتقلوا إلى إبراهيم وزودوه بمعلومات عن الوضع في المدينة.وكان تفوق المصريين في المدفعية قد مكنهم من تدمير تحصينات الوهابيين، وكان المهاجمون يحمون أنفسهم من الهجمات المباغتة ببناء الطوابي على النمط الأوروبي هنا كما فعلوا في السابق. ومرت لحظة خيل فيها الوهابيين أنهم سينتزعون النصر. فقد أنفجر مستودع البارود الرئيسي عند إبراهيم وتوجه الوهابيون في هجوم سريع ولكنه أخفق.

كان توارد الأغذية وذخيرة والإمدادات على إبراهيم طول الوقت قد أمن النجاح لزحفه البطيء. وكان المرضى والجرحى من قوات إبراهيم ينقلون إلى مستشفى أنشئ في شقراء. وكانوا يتماثلون إلى الشفاء هناك أحياناً ويعودون إلى صف المقاتلين. وأرغم إبراهيم الأمراء الذي التحقوا به على أن يرسلوا إلى الدرعية محاربين يقاتلون تحت ألويته. وكان جنود جدد يحتلون مواقع الجنود القتلى من أفراد قوات إبراهيم في حين كانت صفوف المدافعين عن الدرعية تتضاءل. وكان من أسباب ذلك نقص الأغذية في الواحة(66).

وغدت حالة الوهابيين ميئوساً منها. وتكررت حالات الفرار. وفي مطلع أيلول (سبتمبر)بدأ الهجوم العام على المدينة. واحتمى عبد الله وقسم من أقربائه في قلعة الطريف. وفي 9 أيلول، أقدم عبد الله على المفاوضات بعد أن أدرك أن كل شيء قد ضاع. وتوجه إلى معسكر المصريين عمه عبد الله بن عبد العزيز وعلي أبن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكذلك محمد بن مشاري بن معمر. وطالبهم إبراهيم باشا بالاستسلام. وأتفق مبعوثو عبد الله معه على الاستسلام بشروط مشرفة لسكان واحة الدرعية الذين كانوا ما يوالون يقاومون. وقاتل عبد الله ومحاربوه المرابطون في القلعة قتالاً باسلاً يومين آخرين. وأوصل إبراهيم إلى منطقة القلعة كل مدفعيته، وفي 11 أيلول استسلم عبد الله.

وانتهت ستة أشهر من المعارك الطاحنة(67). وفقد السعوديون أثناء تلك المعارك زهاء عشرين من أقرباء الإمام بمن فيهم ثلاثة من إخوانه. وقدر أبن بشر الخسائر العامة للوهابيين برقم صغير يُثير التساؤلات، وهو 1300 شخص، بينما يقول أن خسائر إبراهيم في معركة الدرعية حوالي 10 آلاف(68). وأفاد إبراهيم في رسالته إلى القاهرة والأستانة بأن الوهابيين خسروا 14 ألفاً من القتلى و6آلاف من الأسرى، ومن بين الغنائم 60 مدفعاً(69).

وبمناسبة احتلال الدرعية جرت في القاهرة في تشرين الأول (أكتوبر) 1818 احتفالات بهيجة أطلقت فيها نيران المدافع وأجريت الألعاب النارية وكان الناس يسرحون ويمرحون(70). وعلى أثر ذلك أعرب السلطان عن ارتياحه العميق عندما بلغه نبأ هزيمة "أعداء الإسلام"(71). وأعرب شاه إيران في رسالة إلى محمد علي باشا عن تثمينه لدحر الوهابيين(72).

نقل عبد الله عن طريق القاهرة إلى الأستانة بصحبة أثنين من المقربين أليه في مطلع كانون الأول (ديسمبر). وأفادت السفارة الروسية من الأستانة: "في الأسبوع الماضي قطعت رؤوس زعيم الوهابيين ووزيره وإمامه الذين أسروا في الدرعية ونقلوا إلى العاصمة مؤخراً. وبغية إضفاء المزيد من الفخفة على الانتصار على ألد أعداء المدينتين اللتين تعتبران مهد الإسلام أمر السلطان في هذا اليوم بعقد المجلس في القصر القديم في العاصمة. وأحضروا إلى القصر الأسرى الثلاثة مقيدين بسلاسل ثقيلة ومحاطين بجمهور من المتفرجين. وبعد المراسيم أمر السلطان بإعدامهم. قطعت رقبة الزعيم أمام البوابة الرئيسية للقديسة صوفيا، وقطعت رقبة الوزير أمام مدخل السراي وقطعت رقبة الثالث في أحد الأسواق الرئيسية في العاصمة. وعرضت جثثهم ورؤوسها تحت الإبط… وبعد ثلاثة أيام ألقوا بها إلى البحر.

وأمر صاحب الجلالة بأداء صلاة عمومية شكراً لله على انتصار سلاح السلطان وعلى إبادة الطائفة التي خربت مكة والمدينة ونشرت الذعر في قلوب الحجاج المسلمين وعرضتهم للخطر(73).

الوهابية خارج الجزيرة العربية: إن تعاليم محمد بن عبد الوهاب التي بدت وكأنها ظاهرة خاصة بالجزيرة العربية وحدها قد وجدت لها بغتة أنصاراً في بلدان أخرى تبعد عن الجزيرة آلاف الكيلومترات. لقد نشرها الحجاج الذين كانوا في مكة في مطلع القرن التاسع عشر. فقد وجد شجب الوثنية ورفض عبادة الأولياء ومكافحة البدع ونشر الجهاد ضد "الكفرة" و "المشركين" والجمع بين الشعارات الطبقية والتعادلية _ معتقدات وممارسات الوهابيين _ تربة صالحة في بلدان ذات أنظمة اجتماعية وسياسية متباينة بعد تكيف وتعديل مناسب. ووصلت الوهابية إلى الهند وإندونيسيا وأفريقيا.

وكان لتعاليم محمد بن عبد الوهاب تأثير كبير في الهند. فقد استخدم بعض أحكامه المصلح الإسلامي والسياسي الهندي سيد أحمد بارلوي، وهو من أتباع المفكر الإسلامي المعروف ولي الله شاه. وكان سيد أحمد قد باشر بدعوته في مطلع القرن التاسع عشر. وفي العشرينات حج إلى مكة وأطلع هناك على تعاليم محمد بن عبد الوهاب وتبناها. وعندما عاد إلى الهند اتخذ من باتنا مقراً له وأخذت تتوارد عليه جموع الأنصار.

وفي عام 1824، أعلن سيد أحمد الجهاد ضد الكفار، ثم، في عام 1826، اجتاحت قواته البنجاب وأخذت تفتك بالسيك. وفي عام 1830، أحتل الوهابيون بيشاور وأسسوا دولة لهم حتى أنهم بدئوا بصك قطع نقدية تحمل أسم احمد. ولكن أمام الوهابيين قُتل في العام التالي. ونشط أتباعه أعمالهم في المناطق الإسلامية من الهند، وخصوصاً في الشمال وفي البنغال الشرقية وأعلنوا الجهاد ضد المستعمرين الإنجليز.

وكتب مؤلف إنجليزي بمرارة في القرن التاسع عشر "كان المبشرون المتمردون الذين وعدوا المؤمنين بالخلاص أو الجنة قد أججوا الحقد على الإنجليز والذي كان يضمره بعض المسلمين الهنود. وكانت كل صلاة يؤدونها مفعمة بهذا الحقد"(74). كان نضال الوهابيين ضد السيطرة البريطانية قسطاً في حركة الشعب الهندي ضد الاستعمار. واستمر هذا النضال عدة عقود حيث كان يشتد تارة ويخفت تارة أخرى. ومعروف جيداً دور الوهابيين الكبير في انتفاضة 1857 _ 1859 الشعبية ضد السيطرة البريطانية(75).

وعلى الحدود الشمالية، في سيتان، صمد المركز الوهابي في وجه حوالي عشرين حملة من القوات الاستعمارية. ولم يندحر إلا في عام 1863. إلا أن نشاط الوهابيين استمر بعد ذلك. وكانت السلطات البريطانية، كما يقول المؤرخ الإنجليزي و. هنتر، تعتبرهم "جماعة… تشكل، في رأي جميع الحكومات التي حلت محل بعضها بعضاً، مصدراً لخطر دائم على الإمبراطورية الهندية"(076).

ودفعت الوهابية بعض الحجاج الإندونيسيين الذين أمّوا مكة في العقد الأول من القرن التاسع عشر إلى ممارسة النشاط الإصلاحي. ففي سومطرة بدأت حركة دينية سياسية استخدمت عدداً من الشعارات الوهابية. وكانت في البداية موجهة ضد السكان المحليين غير المسلمين، ثم اكتسبت طابعاً مناوئاً للهولنديين. وطوال حوالي خمسة عشر عاماً، اعتباراً من عام 1821، خاض المستعمرون الهولنديون الحرب ضد وهابيّي سومطرة.

ويرى بعض الباحثين أن الوهابية مارست تأثيراً معيناً على حركة عثمان دان فوديو في غرب أفريقيا في مطلع القرن التاسع عشر والتي أدت إلى تأسيس دولة سوكوتو الشاسعة هناك، وكذلك على السنوسيين في ليبيا(77).
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م