بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .
حول اتخاذ المسجد عند قبور الصالحين وأوليـاء الله المتقين، فلقد تنبهت إلى الآيـة الكريمة في سـورة الكهف [ الآية: 21 ]، قوله تعالى : { قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا }.
فإن هذه الآية الكريمة تقرر بناء المساجد عند قبور الصالحين للتبرك والاعتبار؛ إذ لم ينكر الله تعـالى ذلك على الفاعلين المذكورين في هذه الآية، ولا كان لذكره حاجة فيما تقدمه وتلاه من السياق، مـا دلَّ على أن المقصود من ذكره تقريره والحث على الاعتناء به.
وقد أقيم المسجد النبوي الشريف عند قبر سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث دفن سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هناك بعد وفاته، بل دفن من بعده معه سيدانا أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، وهو ما يؤكد: رد دعوى الخصوص بسيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأن بناء القباب على القبور مشروع.
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مرفوعاً: { لما أسري بي إلى بيت المقدس مرَّ بي جبرائيل إلى قبر إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، فقال: انزل صلِّ هاهنا ركعتين، فإن هاهنا قبر أبيك إبراهيم عليه السلام. ثم مرَّ بي إلى بيت لحم فقال: انزل صـلِّ هاهنا ركعتين فإن هاهنا ولد أخوك عيسى عليه السلام }[ أخرجه ابن حبان ].
وأمـا مـا ورد من النهي عن اتخـاذ القبور مسـاجد ومـا في معنى ذلك، فإنمـا يُراد به النهي عن عبـادة القبر أو صـاحبه.
والآية الكريمة في سورة الكهف واضحة كل الوضوح فإن الله تعالى لايمدح شيئا يؤدي إلى الشرك به جل وعلا في كتابه الكريم .
وفي حكاية الآيـة المذكورة: أنـه لمـا ذهب الضعفاء إلى سـد بـاب الكهف عليهم لئـلا يصل إليهم مـا يؤذيهم أو يُغـالى فيهم، قـال الذين آمنـوا من الغالبين على أمرهم: { لَنَتَّخِـذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْـجِداً } أي: معبداً يكون مباركاً لمجاورتـه هؤلاء الصـالحين، ونحفظهم من وقوع مـا خفتم منـه.
قال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى في كتاب ( الدر المنثور ):" أخرج ابن أبي حاتم عن السـدي قال: دعا الملك شيوخا من قومه فسألهم عن أمرهم فقالوا: كـان ملك يدعى دقيوس، وإن فتية فقـدوا في زمـانه، وأنـه كتب أسـماءهم في الصخرة التي كانت عند بـاب بالمدينة. فدعـا بالصخرة فقرأهـا فإذا فيها أسـماءهم، ففرح الملك فرحـاً شديداً وقال: هؤلاء قوم كانوا قـد ماتوا فبعثوا، ففشا فيهم أن الله يبعث الموتى. فذلك قوله: { وكذلك أعثرنـا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها } فقال الملك: لأتخذن عند هؤلاء القوم الصالحين مسـجداً، فلأعبدن الله فيـه حتى أموت. فذلك قولـه: { قال الذين غلبـوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسـجدا }. "اهـ
هذا، وأسـجل هنـا قول الحافظ أبو الفيض أحمد بن الصديق الغُمـاري في ختام كتابه ( إحياء المقبور ) ـ الذي ننصحك بقراءتـه؛ لإجـادته فيه ـ:" وبهذا تعلم خطأ من .. يذهب إلى وجوب تسوية القبور وهدم ما عليها من البناء والقباب، كالقرنيين الذين فعلوا ذلك بقبور الصحـابة والأوليـاء والصـالحين بالمدينة ومكة وغيرهما مما احْتَلُّوه من البلاد، وأما أرضهم فلم يجعل الله منها وليـاً ولا صالحـاً منـذ ظهور الإسـلام إلى وقتنـا، وإنما جعل بها قرن الشـيطان وأتبـاعه خوارج القرن الثالث عشر ومـا بعـده...."اهـ
وهناك كلام قوي آثرت عدم كتابته خشية الخروج عن الشروط المنصوص بها في هذه الخيمة . لأن سيدي الحافظ الإمام السيد /أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله فضحهم وكشف زيغهم وكتبه تشهد بذلك حتى أنه قال عنهم : " يتشدقون به من التوحيد والعمل بالسنة ومحاربة البدعة!! وهم والله غرقى في البدعة، بل لا بدعة شر من بدعتهم الواصلة بهم إلى المروق من الدين مروق السهم من الرمية مع اجتهادهم في العبـادة والتمسك بالدين ظاهراً ، [ حتى ] كما قال النبي صلى الله عليه وسـلم في وصفهم: { يحقر أحدكم صلاته مع صـلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم }." اهـ .
هذا ما عندي والله يبارك فيك .
|