شهادة التاريخ في مجازر الباطنية

[صلاح الدين]

أنكر بعض المتحمسين ممن يحاور على صفحات هذه الشبكة أن يكون رافعو شعارات براقة في التاريخ (كالرضا من آل محمد) من العباسيين والعلويين، و(المهدي من آل محمد) الفاطميين قد ارتكبوا مجازر تحت هذا الشعار بحق المسلمين، وكان منطلقه الدفاع عن الذين يحترمهم ويقدسهم، وهذا حقه، فيما يملك فيه دليلاً، وأما الدفاع بلا دليل فلا، وفيما يلي بعض صور الفساد في الأرض التي مارسها الفاطميون وهم مدعو الانتساب إلى الدوحة النبوية في مسلمي عصرهم من الخاصة والعامة مع ذكر المراجع التي ذكرتها:

شهد مولد الدولة واستمرارها حروباً ضروسَ مع خصومها، ومؤامرات دامية في أروقة القصور ودهاليزها، سالت فيها دماء وجرت وقائع تقشعر منها الأبدان.

"قال أبو الحسن القابسي صاحب (الملخص): إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه، أربعة آلاف في دار النحر في العذاب، من عالِم وعابد، ليردّهم عن الترضّي عن الصحابة، فاختاروا الموت. فقال سهل الشاعر: (وأحل دار النحر في أغلاله * من كان ذا تقوى وذا صلوات). ودفن سائرهم في المنستير، وهو بلسان الفرنج: المعبد الكبير" [الذهبي، سير أعلام النبلاء15/145. والسيوطي، تاريخ الخلفا1/5].

ووضع المنصور الفاطمي أبا يزيد، مخلد بن كيداد (ت336هـ/ 947م) وكان قد خرج عليه وقاتله، وضعه وهو مجروح "في قفص عُمل له، وجعل معه قرديْن يلعبان عليه. وأمر بسلخ جلده، وحشاه تبناً" [المقريزي، اتعاظ الحنفا1/85].

وكان عرض رؤوس الخارجين على طاعة الفاطميين من القادة والعامة مشهداً مألوفاً في شوارع عواصمهم (المهدية) ثم (القاهرة)، وقال المهدي يوماً وقد جيء له برؤوس الخارجين عليه من كُتامة والبربر في قفة: "ما أعجب أمور الدنيا؛ قد جمعت هذه القفة رؤوس هؤلاء، وقد كان يضيق بهم فضاء المغرب" [المقريزي، اتعاظ الحنفا1/69-70].

وفي سنة 359هـ/ 970م ضرب الحاكم العسكري جوهر الصقلي أعناق جماعة من المصريين وصلبهم في السكك [المقريزي، اتعاظ الحنفا1/120]. وضرب أعناق عدة من الإخشيدية وصلبهم حتى دخل المعز من المغرب [المقريزي، اتعاظ الحنفا1/122]. وفي سنة 360هـ/ 971م وردت الرسل من المغرب برأس محمد بن خزر ومعه ثلاثة آلاف رأس [المقريزي، اتعاظ الحنفا1/128]. وفي سنة 363هـ/ 974م طيف في مصر بنحو مائتي رأس قُدم بها من المغرب [المقريزي، اتعاظ الحنفا1/146]. وفي سنة 364هـ/ 975م وردت رؤوس من المغرب عدتها ثلاثة آلاف فطيف بها [المقريزي، اتعاظ الحنفا1/218]، وبعث في عاشر شعبان بسبعة آلاف رأس طيف بها في القيروان إلى مصر[المقريزي، اتعاظ الحنفا1/ 218]. وفي ذي الحجة من العام نفسه (364هـ/ 975م) طيف برؤوس على رماح بلغت عدتها اثنا عشر ألف رأس وردت من المغرب فيها رأس خلف بن جبر وكان قد ثار بالمغرب واجتمع عليه البربر فظفر به يوسف بن زيري وقتله مع جماعة من أهله[المقريزي، اتعاظ الحنفا1/223]. ومثل هذه الأخبار عن الفاطميين وما فعلوه بمعارضي حكمهم كثير في كتب التأريخ.

ولم تقتصر التصفية الجسدية على خصوم الدولة بل طالت قادتها الكبار، فقد تخلص عبيد الله الفاطمي من داعيته وممهد ملكه أبي عبد الله الشيعي [المقريزي، اتعاظ الحنفا1/67-68]، ومثله عبد الله بن القديم وكان من رجال بني الأغلب ملوك تونس في المغرب الأوسط ثم عمل لأبي عبد الله الشيعي وأخلص للدولة واستعمله عبيد الله في ديوان الرسائل، ثم أبعده وقتله [د. عارف تامر، عبيد الله المهدي149].

ومنهم حباسة بن يوسف الكتامي، عينه عبيد الله على برقة وعهد إليه بالحملة الأولى على مصر سنة 300هـ/ 912م وما لبث أن أعدمه بعد عودته [ابن الأثير، الكامل في التاريخ6/486] بتهمة التآمر بالتعاون مع أعوان أبي عبد الله الشيعي [د. عارف تامر، عبيد الله المهدي150].

ومنهم عروبة بن يوسف الكتامي عهد إليه عبيد الله قتل أبي عبد الله الشيعي، ثم ولاه على تاهرت. خدم الدولة وواجه ثورة زناتة في تاهرت، وكان جزاؤه كجزاء أخيه حباسة [د. عارف تامر، عبيد الله المهدي150].