كنت ذات يوم جالسا مع أحد الأصدقاء فرأيت الحزن يبدو على وجهه
فسألته عن السبب فبدأ يروي متاعبه و الهموم التي تتقاذفه نتيجة
عدم حصول صاحب الأخلاق على مراده لا من الحبيب و لا من الناس ، ثم أنشد :
إن يطل يا صاح هجري .. فله حلمي و صبـري
يا صديقي لا جناحا .. إن تركت الدمع يـجري
فهو للقلب طبيب .. صاحبـي لو كنت تدري
أنا من يشقى شعورا .. ضـيع الأوغاد قدري
و الـخليلات تناست .. ضيعت أيام عمري
كيف للمرء فكاك .. و الهوى يطري و يغري
فكتبت له :
يا ابن عمي لا تـجدد .. دمعة في العيـن تـجري
آه لو تدري بـحالي .. آه لو تدري بأمـري
ساعة لو كنت تبكي .. فأنا أبكي لعـشر
أنا من هام بظبـي .. و له قدمت عمري
و منعت النوم نفسي .. منه كي أحـظى بوفر
إنـما ما كان حظي .. من حبيبـي غيـر غدر
أنا من يـحيا أسيفا .. بالمنـى شيدت قصري
و رجوت السكنـى فيه .. فإذا بي وسـط قفر
صغت هـمي في قصيدي .. و دموعي هي حبـري
فإذا تقرأ تلـقى .. حرقة فـي كل سطر
تلك أبياتي اكتبـوها .. و ضعوها على قبـري
علـّه يدرك يوما .. أنه ما صـان قدري
وكذا الأقدارُ تجري ... إن بعــسرٍ أو بيسرِ
فاحمد المولى وقل يا ... صاحبي وكلت امري
للذي قد صاغَ حسنا ... لم يزل بالقلبِ يغري
كـلما قلـنا انتهــــينا ... جـــــادت الدنيا بثغرِ
أو عيون ناعساتٍ --- وسهام العين تفري
كلها أعراض حسنٍ --- كامن في ذات فـكر
كلنا نمضي وتبقى --- بعدنا أبياتُ شعر
لا يفض الله فاكا --- شاعرا من دون هجرِ
بارك الله تعالى فيك يا عبدالله جاءك الرجل يلتمس عندك العزاء والسلوى ، فهيجت له ما كان خافياً ! ما ضرك لو حببت له الصبر ، وأغريته به ، أو أرشدته إلى تغيير أسلوب تعامله ؛ ليستخرج من الناس الخير الكامن في أعماقهم ، فالإنسان مجبول على الخير ، والشر طارىء عليه ، لا تغفل هذه الحقيقة . عبدالله لا تغضب مني إن قسوت عليك ، فشكاية الشباب في ربيعهم من الدنيا تعكر مزاجي ، ماذا رأيتم من الدنيا لتتذمروا منها ؟؟؟!!! إذن نحن الذين نكبركم ماذا تركتم لنا لنقول ؟؟؟!!! أين تفاؤل الشباب وإقبالهم على الحياة ؟! أين النظرة المشرقة التي تصبغ وجه الكون لهم بألوان حالمة وردية ؟! سوداوية الشباب تؤلمني جداًّ ، فعذراً إن أزعجك كلامي .
أنت مشروع شاعر كبير جداًّ يا عبدالله ، فكن مختلفاً عن الآخرين ، وطن نفسك على النظرة الإيجابية للكون ؛ لتنعكس تلقائياًّ على شعرك ! هل تأملت أبيات سلاف التي تشع منها أنوار الحكمة ، اقتبس منها هذه النظرة !
حقيقة و دون مجاملة أقول : ارتفع المستوى وهكذ يكون حوار الأدباء شعرا و نثرا.
اللهم احفظ خيامنا من الأعيان وأتذكر :
تبارك عليك و سورة الرحمن
***و آل عمران تنجيك من الأعيان
لا فض الله فاك أخي سلاف
فأنت فعلا شاعر تشرئب له الأعناق عندما يشدو
و إعجابي بك يزداد يوما بعد يوم
---
شكرا لك أخي عبدربه على هذا الإطراء
و أتمنى أن أكون عند حسن الظن بي
---
أختي ميموزا - لم أؤخر الرد عليك إلا لأني أريد الإسهاب نوعا ما -:
أتفق معك في التخفيف عن مصاب صديقي و معك الحق في ذلك
و لكن لا تنسي بأن ما قلته حقيقة و لو كانت طارئة
و مسألة تغيير الإسلوب لاستخراج الخير تنفع لو كان يؤتي ثمرته
لكن مع من أعلم كل العلم - دون جزم - بأن ذلك لن يجدي معه نفعا
فلماذاأتعب نفسي و أرهق كاهلي و النتيجة ستكون نفسها إن لم تسؤ.
و بالنسبة لتذمرنا فإن المسألة ليست مرتبطة بعمر بقدر ما هي
مرتبطة بإحساس و عقل فإنك قد تجدين شخصا قارب الثمانين و لكن لا يملك من الإحساس شيئا و تجدين من لم يبلغ الثلاثين إلا أنه يفكر و يعمل و كأنه قد حلب أشطر الدهر فقد قال الشاعر :
أعرف قدر العقل إلا أنه .. لعيش من صاحبه عيـن الكدر
و أنا معك بالنسبة للتفاؤل و لكنني من قال أني متذمر ؟
هل مجرد الشكوى تعتبر تذمرا ؟
فالنظرة المستقبيلة متواجدة و تسكن جوانـحي إلا أنني - باعتباري
بشرا - لا بد لي من أن أصاب و حينها لا بد من الشكوى إذا اشتدت
البلوى علي و ذلك للتخفيف فالشاعر يقول :
فلا بد من شكوى إلى ذي مروءة .. يواسيك أو يسليك أو يتوجع
و شكرا لك على هذا الرأي فـيّ و اعلمي بأني جد متفائل
مع العلم بأنه لا يزال هناك من هو متفائل و إن كان يبدي بعضهم التشاؤم فهذه مسالة عرضية
أ ليس الإنسان مـجبولا على الخيـر ؟!و التفاؤل ينتج عنه ؟
و إني لأشكرك كل الشكر على هذه النصائح التي وقعت في قلبي قبل
أذني و أتمنى أن أكون عند حسن الظن بي
و أنت محل النفس فاقسِ كما تشائين فهل يغضب الأخ إن قست أخته
الكبرى عليه لمصلحته ؟ و اعلمي بأن كلامك لم يزعجني بل أثلج صدري
الحمدلله يا عبد الله أنك متفائل ، صدقت الإنسان يحتاج أحياناً للتعبير عن حزنه ، ولكن الخطر في إدمان هذا الحزن واحترافه ، لا بأس من تصوير بعض العواطف الإنسانية الطبيعية ، ولكن المهم ألا تصبغ إنتاج الأديب بطابعها الكئيب .
وفقك الله تعالى ورعاك .