مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

المشاركة في الموضوع
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 07-09-2002, 06:50 AM
rahma rahma غير متصل
Registered User
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
المشاركات: 24
إرسال رسالة عبر بريد الياهو إلى rahma
إفتراضي الإنسالة (قصة قصيرة)

- آهْ .. أخيرا حضرتِ .. تفضّلي زوجتي العزيزة – لا يقول عزيزتي إلا في الرّسْميات – .
وأسرع - وهو المجبول على حساب خطواته - يَفسَح أمامها المدخل ؛ مدخل مختبره الذي ملأته الكراكيب من كل صنف دون ترتيب ؛ والكثير من الآنية والقوارير الزجاجية المختلفة الأشكال ؛ راح يرفع بعضها ويُكركب بعضها الآخر فوق بعضه مواصلا كلامه :
- لم أكن أتخيل مجيئك ، وكيف تتركين مطبخك الصغير وتنزلين إلى القبْـو معرضة هندامك الأنيق إلى الأتربة والغبار.
يعرف أنها ما حضرت إلا بعد إلحاح شديد لأنه ما فتِئ يطلب تشريفه بزيارة مختبره حتى يعرض عليها آخر مخترعاته الإلكترونية . وأيضا ما حضرتْ إلا بعد أن تفنّن في وصف هذا الإختراع الذي قال أنه سيحطم كل الإختراعات ويمسحها من الوجود ، قال في الصباح أن اختراعه سينتقل بالبشرية إلى مرحلة جديدة،قال لها هذا الكلام بوجه لا تعابير فيه كعادته وجه بارد كوجه الآلة بخدّه الأملس وشفتيه الرقيقتين وعينيه الغائرتين في محجريهما لا حيوية فيهما أو حرارة لذا لم يصدر عن زوجته وهي تسمع كلامه غير تنهيدة عميقة جمعت فيها كل آهاتها وفقرها إلى بسمة ولو صفراء باهتة وحاجتها إلى ذلك الحنان الذي ينتشلها من مجموعة الأواني والقوارير حيث يحشر زوجها رأسه .. ويجهد نفسه كي يظهر بمظهر الأنيق الرشيق المتكامل الذي يحسب كل حركاته .. وهي أمامه الآن راح يُسوّي خصلة شعره ويُعدّل من وضع نظاراته مستمعا إليها :
- عزيزي نادر.. لا تقل أنك تمزح وليس ثمة اختراع وأنّ كل ما في الأمر هو شوقك إلى حضوري .. أعرف طباعك .. المرة الأخيرة اِتّسخَتْ ملابسي وعلا الدخان وجهي وأفسدْتَ عليَّ فرحتي بتسريحة شعري ..
- لا .. لا عزيزتي لِينـا .. هذه المرة لن تندمي ..
ثم اِلتفتَ خلف زوجته ورفع يده بحركة سريعة تدرّب عليها حديثا ؛ مشيرا بالحضور مُحْدِثا صوتا – هو قريب إلى صوت المغني المغرور – قائلا :
- لَلـَلا .. للـَلا .. اِحضر يا سمسم – يُقلّد حكايات ألف ليلة وليلة – .
ضحكت زوجته أول الأمر غير أن ضحكتها لم تستمر غير لحظات وهي تسمع خرخشة وقرقعة خلفها ؛ تنظر فتصاب بالذعر وهي ترى شكل إنسان آلي ثم تصيح :
- ما هذا يا رجل ؟..
لم يجبها .. اِستمر صامتا مَزهوًّا بنفسه وهو يرى نجاح إنجازه الذي يقول أنه عظيم بل فقط أشار بيده إلى هذا الإنجاز يطلب منه التكلم فخرج منه صوت متقطع رخيم بعض الشيء وهو ينظر ناحية الزوجة :
- سيدتي أنا في خدمتك منذ الساعة ؛ لن تجدي أي صعوبة في التعامل معي ؛ أقوم بكل لوازمك ؛ وأُسرّح لك شعرك الجميل ؛ بل أضع الألوان الزاهية على أهدابك الساحرة .
- ماذا ؟ - لم تعرف أتضحك أم تصرخ وإلا ياترى تهرب وتترك المكان لزوجها المجنون ؛ لكنها تمالكت قليلا من أعصابها – هذا اختراعك ؛ لا أظنه خَطِرا ؛ أليس كذلك عزيزي ؟ سألت زوجها بعينين مُهتزّتين ترجُوّانه أن يُؤمِّن على كلامها فكان لها ما أرادت :
- أجل عزيزتي .. ألم تنتبهي إلى غزله .. غزل عفيف أليس كذلك ؟ وضحك .. لا يصدق أنه انتصر أخيرا وبرهن لزوجته أنه عالم جليل ومخترع ليس له مثيل وهذا يكفي أبلغ كفاية كي تكون لينــا سعيدة ، أن تحصل على آلة تلبي رغباتها وتقضي حوائجها ، بلمسة سحرية ، إنها اللمسة التي صرف لأجلها القدماء أعمارهم وبنوا الأهرامات والمراصد البعيدة وأنشئوا العلوم وتفننوا في طلسميتها وإبعادها عن العامة وهاهو نادر يقربها من هذه العامة ويجعل لكل إنسان آلة بمثابة الظل، وهي اللمسة ذاتها التي أفرطت البشرية في سبيلها لذا تَمشّى قليلا في الحجرة ؛ وراح يذرعها جيئة وذهابا بعض المرات بعدما أذن للآلة أن تستريح كي يخطب ويحاضر أمام زوجته إنها فرصة لا يمكنه التفريط فيها :
- سيدتي الفاضلة ، ها أنا أعلن أمامك اليوم بكل تواضع إختراعي ، اختراع القرن بل اختراع الإنسانية ، هذا الإختراع الذي يتمثل في الإنسالة واعي ، إسمها واعي ، هي آلة غير أنك لن تميزيها عن أي إنسان ، تخدمك ، تقوم بكل ما يعجز عنه الإنسان .. أيضا وهذا هو الجديد آلتي تحب ، أجل – وابتسم متوقفا عن الكلام لحظات حتى يتأمل ما ارتسم على وجه عزيزته – أجل هي تحب كما يحب الإنسان وتشعر بكل أحاسيسه بل وتفكر بعاطفة أيضا .
- لا أصدق..– قالتها لفرط ذهولها،وليس لتحليلها لِمَـا كانت تسمع،وظلت ذاهلة فالأحرى بزوجها أن يهتم بها ويسعدها لا أن يصنع لها آلة كي تسعدها ومتى طلبت منه غير الجلوس إليها والتحدث معها ولو دقائق إنها لم تطلب غير قليل من الإنسان الذي يحيا داخله –
- عزيزتي .. سأطير الأسبوع القادم إلى معرض المخترعين وهناك سترين زوجك كيف يحصد الجوائز وكيف ينال الأوسمة وتقدير العالم . أما الآن فسأخرج لبعض شؤوني .
- لكن عزيزي .. هل تتركني مع هذه الآلة ؟. – صوتها بالكاد يُسمع إنه مبحوح –
- لا تخافي ولا تجزعي .. وجرّبي أمرها وسترين النتيجة .
جرّبت وأول ما قالته :
- يا إنسالة .. لا تقترب مني .
- حاضر سيدتي .. أنا طوع أمرك – وازدادت رعبا من صوته المتقطع الذي بدا لها جافـّا –
… في المساء ونادر خارج البيت .. لم تتفطن وهي المنهمكة في تحضير أكْلة زوجها المحبوبة أن جسما غريبا يقترب منها ، إنه لا يحدث أي صوت عند سيره .. وكم هالها الأمر لمّا نظرت صدفة خلفها ووجدته يراقب ويتأمل .. صاحت .. فقط صاحت ووقعت مغشيا عليها ..
- سيدتي .. لا تخافي . وانحنى يرفعها .. ولما ظلت فاقدة للوعي أخذها إلى غرفتها وأحضر بعض العطر يُنبّهُها وقام بوضع يده المكسوة بجلد ناعم يبعث في من يلمسه قشعريرة لِمَـا يحتوي عليه من زوائد كهربية تحته تدغدغ الأجسام وتُحسّسها بالحيوية .. فاستسلمت المرأة لهذه الحيوية ؛ اِرتخت عضلاتها وراح انقباضها يتلاشى ولمّا فتحت عينيها وجدته واعي فارتبكت وانتفضت إلى أعلى السرير غير أنها هدأت وهي تسمع الصوت الرخيم المنبعث من الآلة :
- سيدتي الجميلة .. أنا آسف لم أقصد إزعاجك ..
وأعجبتها كلماته بل سحرتها .. لم تسمع أبدا من زوجها كلمة سيدتي الجميلة أو كلمة آسف وغيرها من الكلمات المشابهة .. لقد وضعها زوجها في عالم كله جفاف .. صحراء ما بعدها صحراء وكلما حاولت الإقتراب منه تعلل بالتجارب وبالإنسانية .. لقد ذبح هذه الإنسانية وتمرس في إهانتها .. وأحست بكلمات واعي تتغلغل داخلها وتذوب صانعة نشوة لم تتذكر أنها ذاقتها يوما؛مجرد بضع كلمات ؛ يا له من برج عاجـي هذا الذي تسكنه وسخرت من تصاريف القدر؛ الآلة تسحرها وزوجها لم يسحرها يوما حتى أنه ليلة دخلته عليها تركها بعض الوقت كي يتفقد كراكيبه .
ولم تَدْر حينها ما كانت تفعله إذ راحت تتلذذ بذلك الإحساس الذي غزا كامل جسمها .
… بينما كان واعي يُحضّر العشاء .. ولينـا تضع رجْلا فوق رجل أمام التلفاز المنطفئ .. مستغرقة ساهمة كحمامة جريحة لا ينقصها غير الأنين ، كان نادر يفتح الباب ؛ دخل مسرعا وهو يمسح شعره من ماء المطر وينزع عنه معطفه قبل أن يقترب من زوجته سائلا :
- كيف حال واعي ؟ - لم يسألها ولو مجاملة عن حالها –
ظلت صامتة برهة لتنتفض صارخة في وجهه : أريدك أن ترحل أنت وآلتك عن هذا المنزل .
لم يفهم نادر من صراخها غير كونها خائفة لذا طمأنها وذكر أن الأمور ستتغير فزوجها منذ اليوم هو سيد العالم بل سيد الكون – هكذا قال لها –
- قبل أن تكون سيد الكون ، كن سيد بيتك .
- لكن عزيزتي بالله عليك خبّريني .. ماذا جرى أثناء غيابي ؟..
- اِسأل آلتك .. اِسأل آلتك ..
كانت في حالة من الهستيريا لا تسمح لزوجها بمواصلة الكلام فما كان عليه غير مغادرة البهو إلى المطبخ - حيث يُدنـدن واعي ببعض الأغاني – وشيء في صـدره بـدأ يتحرك ويتملمـل؛بالضبط أحس به وزوجته تقول كن سيد بيتك ؛ إنه شيء لم يحس به من قبل ولم يترك له مجالا كي ينمو أو يتواجد داخله ؛ هو الذي ظل طوال عمره يبحث ويسافـر كي يبحث؛وظل طوال عمره ينتظر اللحظة التي يصبح فيها باهرا للعالـم بأسـره وينتصر علـى الضعف فيه؛ينتصر على ضعف الإنسان ويُقنع نفسه أنه الأقوى من كل المخلوقات .. وهو يقترب من المطبخ ويستمع إلى وقع قدميه على الزليج العاري راح ذلك الشيء في صدره يتحرك بشدة ويتململ بعنف كلحظة مخاض ، وارتاب في نفسه وتردد بعض الوقت:أيسأله،أحقا يسأله، ثم ماذا لو..وكان وجها لوجه أمام واعي:
- سيدي .. زوجتك رائعة .. إنها حقا رائعة ..
- لا .. لا . راح يصرخ ويصرخ مهرولا ناحية الحديقة ليظهر بعد قليل حاملا فأسا ، وينهال على واعي دون أن يسمع إلى كلماته التي راحت تَتَبدّد وهو يقول :
- سيدي أنا طَوْع أمرك .. سـ..يـ..د..ي ..

08 أوت 1999 .
__________________
رقراق السراب
الرد مع إقتباس
المشاركة في الموضوع


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م