سنوات التحول
في تلك الفترة كان جورج دبليو مازال يعمل في مجال استكشاف النفط، واحتلت شركته أربوستو في عام 1983 المرتبة رقم 993 بين شركات إنتاج النفط بولاية تكساس.
وفي عام 1984 اتحدت أربوستو مع شركة أخرى هي سبكتروم 7، ولكن الشركة الجديدة لم تسر بشكل جيد، وفي عام 1986 اشترت شركة هاركين انرجي شركة سبكتروم 7 وأعطت جورج دبليو راتبا قدره 120 ألف دولار سنويا، وأسهم بمقدار نصف مليون دولار، الأمر الذي دفع البعض إلى القول بأن هاركين انرجي سعت لتوظيف بوش من أجل اسمه لكونه أحد أبناء نائب الرئيس.
وبعد استلام جورج دبليو للعمل بقليل فازت هاركين انرجي بعقد كبير في دولة البحرين، وأرسلت جورج دبليو هناك نظرا لعلاقاته السياسية الواسعة، وفي عام 1990 قام ببيع أسهمه والتي وصل ثمنها لحوالي 850 ألف دولار قبل شهرين فقط من خسارة هاركين انرجي لعشرين مليون دولار، وتم إجراء تحقيق للنظر فيما إذا كان بوش قد علم مسبقا بخسارة الشركة، وأثبتت التحقيقات براءة جورج دبليو، ولكن الهيئة الرسمية التي أجرت التحقيق كان يرأسها أحد المساعدين السابقين لبوش الأب.
وفي عام 1988 انتقل جورج دبليو إلى واشنطن لمساعدة والده في حملته الرئاسية، وهناك اكتسب خبرة واسعة، وساعد أبيه في التواصل مع الجماعات المسيحية المتدينة لكونه أحد أعضائها، وذلك خلال فترة شهدت صراعا سياسيا كبيرا على اجتذاب أصوات اليمين الأمريكي المتدين الصاعدة سياسيا.
وبعد فوز بوش الأب بفترة رئاسته الأولى عاد جورج دبليو إلى تكساس وقام بشراء وإدارة أعمال فريق بيسبول محلي معروف.
وفي عام 1992 خسر بوش الأب حملته للفوز بالرئاسة الأمريكية لفترة ثانية أمام المرشح الديمقراطي بيل كلينتون، وسادت الأحزان أسرة بوش.
وفي عام 1993 قرر جورج دبليو ومساعده كارل روف خوض انتخابات حاكم ولاية تكساس وهو قرار عارضه فيه الجميع خوفا من وقوع انتكاسة إضافية للأسرة، ولكن جورج دبليو أصر على خوض الانتخابات، والتي فاز فيها.
ويقول المؤلف أن الدين لعب دورا كبيرا في تمييز حملة جورج دبليو عن منافسته الديمقراطية آن ريتشاردز والتي حاولت تصوير جورج دبليو على أنه شاب سليل عائلة ثرية ومستهتر، مما دفع جورج دبليو إلى إضفاء طابع ديني قوي على حملته في مواجهة انتقادات منافسته الديمقراطية.
الله دعا جورج دبليو لترشيح نفسه رئيسا لأمريكا!!!
يقول ستيفن مانسفيد أن فكرة ترشيح جورج دبليو لنفسه للرئاسة جاءته أول مرة خلال حضوره صلاة بإحدى كنائس تكساس، وكان القس مارك كرايج يتحدث – في تلك الصلاة - عن قصة موسى (عليه السلام) ويقول أن موسى "تردد بعض الشيء في قبول دعوة الله له لقيادة الناس"، في حين أن الناس في أشد الاشتياق لقيادة تمتلك رؤية وشجاعة أخلاقية.
خلال الصلاة شعر جورج دبليو بأن الدعوة كانت موجهة إليه، وذلك قبل أن تلتفت إليه أمه الجالسة بجواره وتقول له أن القس "كان يتحدث لك"، وبعد فترة قصيرة اتصل جورج دبليو بالقس جيمس روبيسون وقال له "لقد سمعت الدعوة. أعتقد أن الله يريدني أن أرشح نفسي للرئاسة".
وقام روبيسون بتنظيم لقاء جمع جورج دبليو في 15 ابريل 1999 مع عدد كبير من قادة اليمين المسيحي وبدأ في تقديمه لهم، والذين امتحنوه وتأكدوا أنه "ولد مرة أخرى"، وأنه ليس مجرد سياسي يتحدث إليهم بلغة يفهموها، وإنما هو واحد منهم، وبعد ذلك بدأ جورج دبليو يتلقى دعم قادة اليمين المتدين واحدا تلو الأخر حتى حاز على مساندة بات روبرتسون، وبعد ذلك بدأ جورج دبليو في حصد تأييد اليمين الأمريكي على أوسع نطاق.
ويقول المؤلف أن ميل المحافظين - مثل المتزوجين وزوار الكنائس - لجورج دبليو كان واضحا خلال انتخابات عام 2000 إذ أعطوه أصواتهم بنسبة كبيرة مقارنة بمنافسه آل جور الذي حصد أصوات الفئات الأكثر ليبرالية مثل السيدات العاملات والأفراد الذين لا يحضرون الكنائس.
كما أشار ستيفن مانسفيد إلى أن التدين في إدارة جورج دبليو لم يقتصر عليه، فكونداليزا ريس – رئيسة مجلس الأمن القومي – على سبيل المثال - هي ابنة قس، وجون أشكروفت وزير العدل هو عضو نشط بجماعة دينية معروفة، وإندرو كارد كبير موظفي البيت الأبيض متزوج من سيدة دين، ووزير التجارة دون إيفانز كان زميل بوش في حلقة لدراسة الإنجيل بتكساس.
كما تحرص إدارة جورج دبليو على الصلاة يوميا بالبيت الأبيض، ويحرص جورج دبليو نفسه على قراءة الإنجيل وتدارسه كل يوم، وعلى عدم ترك الصلاة حتى وهو مسافر على متن طائرته الخاصة.
كما تميزت سياسته بطابع ديني واضح سواء في مجال التعبير عن عقائده الدينية بشكل علني، أو فيما يتعلق بوضع قوانين تسمح للجماعات الخيرية الدينية بالتنافس على المنح الحكومية المقدمة في مجالات عملها.
كما أثرت عقيدة بوش – كما يرى ستيفن مانسفيد – على سياسته الخارجية خاصة فيما يتعلق بسياسة أمريكا تجاه إسرائيل، ويشير مانسفيلد هنا إلى انقسام اليمين المتدين الأمريكي بخصوص سياسة أمريكا نحو إسرائيل إذ ترى فئات منهم أن إسرائيل الحالية لا تعبر عن إسرائيل الموجدة في العهد القديم، بينما يرى آخرون أن إسرائيل الحالية هي وريثة إسرائيل القديمة والتي هي أرض الميعاد التي تمتد من الفرات إلى البحر المتوسط ومن سيناء إلى جنوب لبنان.
11 سبتمبر وموقف جورج دبليو من الإسلام
يقول ستيفن مانسفيد أن عبارات جورج دبليو عن الإسلام، خاصة فيما يتعلق بوصفه للإسلام على إنه "دين سلام" - خلال زيارة جورج دبليو للمركز الإسلامي بواشنطن في 17/9/2001 - أثارت عاصفة من النقد في أوساط اليمين المتدين إلى حد قول أحد رجال الدين "يمكننا أن نتحمل 11/9 ولكن لا يمكننا أن نتحمل 17/9".
كما انتقد اليمين المتدين موقف جورج دبليو من المسلمين الأمريكيين بعد أن مدحهم والتقى مع قادتهم.
كما وقف قادة اليمين المتدين موقفا أكثر تشددا تجاه الإسلام والمسلمين بعد أحداث سبتمبر عبر عنه فرانكلين جرام - الذي ألقى دعاء افتتاح حفل تنصيب جورج دبليو وهو أيضا ابن القس بيلي جرام – وذلك خلال مقابلة أجرتها معه قناة NBC الأمريكية في 16 نوفمبر 2001 إذ قال "لا أعتقد أن هذا (الإسلام) دين رائع ومسالم .. عندما تقرأ القرآن فإنه يدعو لقتل الكفار وغير المسلمين ... من قاموا بالطيران في أبنية ليسوا طائفة مسيحية (ما). الهجوم كان على بلدنا من قبل أعضاء بالديانة الإسلامية". كما وصف جيري فالويل الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) بأنه "إرهابي ... رجل عنف ورجل حرب". مما أضطر جورج دبليو إلى إعادة التأكيد على موقفه من الإسلام أكثر من مرة.
مخاوف وآمال اليمين الأمريكي المتدين
في الخاتمة يرى ستيفن مانسفيد أن اليمين الأمريكي المتدين يواجه ثلاث تحديات أساسية في الفترة الراهنة، وهي:
أولا: تحدي تقديم حلول أخلاقية لأكبر عدد من مشاكل المجتمع والسياسة بالولايات المتحدة.
ثانيا: مواجهة أثر التغير السكاني بفعل الهجرات وتأثيره على خريطة الأديان في أمريكا.
ثالثا: مواجهة التحدي العقائدي الخارجي الذي مثلته القاعدة بعد أحداث سبتمبر 2001.
ويرى مانسفيلد أن الآباء المؤسسين لأمريكا كانوا متدينين لم ينادوا بالفاصل الراهن بين السياسة والدين في الولايات المتحدة، إذ قدم بعضهم دعم حكومي للحملات التبشيرية وسط الهنود الحمر، وقاموا بطبع الإنجيل على نفقة الدولة، كما استخدمت المباني الحكومية ككنائس يوم الأحد.
ولكن بعد قرن واحد من تأسيس أمريكا بدأ يحدث تغييرا واسعا في اتجاه معاكس لسببين، أولهما موجات الهجرة بعد الحرب الأهلية الأمريكية والتي أتت بجماعات دينية متعددة، وثانيا قرارات المحكمة العليا الأمريكية والتي سعت لحماية العبيد المحررين من خلال تطبيق قوانين فصل الدين عن الدولة على مستوى الولايات الأمريكية المختلفة.
ومع تغير القوانين تغيرت الثقافة السياسية الأمريكية، و حرص رجال السياسة على فصل معتقداتهم عن حياتهم العامة والعملية فور وصولهم إلى الحكم.
وفي العقود الأخيرة ومنذ ولاية جيمي كارتر للحكم على وجه التحديد - والذي كان متدينا وحريصا على التدريس بالكنيسة خلال فترة رئاسته - بدأ يحدث تحولا في اتجاه ضخ التدين في الحياة السياسية الأمريكية، وتبع كارتر رونالد ريجان و بيل كلينتون إلى حد ما خاصة مع صعود قوى اليمين الأمريكي المتدين سياسيا.
ومع مجيء جورج دبليو بوش إلى الحكم في أوائل عام 2001 عقد اليمين المتدين أمالا واسعة عليه زادت بعد أحداث سبتمبر 2001.