الفرق بين النقد والنق

[محمد ب]

حين يكون موضوع حديث المرء هو عن عدم رضاه عن شيء أو شخص أو واقعة اجتماعية فإن من الممكن أن يكون هذا الحديث "نقداً " بإثبات الدال ويمكن أن يكون "نقاً" بحذفها والأمران رغم اختلاطهما مختلفان تماماً.
النقد أن تظهر بالتحليل المنطقي ثغرات في بناء وتماسك الشيء المنقود أو في نجاحه في تأدية وظيفته التي قام عليها ثم أنت نفسك من بعد ذلك تكون متماسكاً منطقياً ولا تناقض نفسك في نفس المكان أو في مكان آخر.
فإذا افترضنا أن الموضوع هو في النقد الأدبي يجب لكي يظل نقدك "نقداً" ولا يتحول إلى" نق"أن تثبت على رأيك ولا تناقضه .فإن عددت الوزن مثلاً مسألة شكلية ضارة بالشعر فليس من المنطق أن تحافظ بعد هذا على القافية وهي من باب أولى مسألة شكلية!
وإن هاجمت كل شكل مسبق يراد فرضه على الشاعر فإن من النق بعد هذا أن نراك تمسك بسيف "النقد" الصارم لتحاكم كل قصيدة لا تسير على شكل معين في رأسك لا تعترف بالشعر إن لم يبن على منواله ووفق قالبه.
وقد سمعت مرة أغنية "تنتقد" التكتيك في السياسة الذي يلجأ إليه زعماء العرب وبعد مقاطع عديدة يمسح فيها المغني الأرض بالتكتيك ومن "يتكتكون" يفاجئنا المغني بالقول "ياسر هو الخميرة" وحيث أن أخانا المبجل ياسراً هو ملك التكتيك بلا منازع فإننا نحكم براحة ضمير أن ما فعله المغني في هذه الأغنية لم يكن من باب النقد بل كان من باب "النق" لأنه ناقض نفسه بنفسه وأكد أنه فقط يريد أن يبدي عدم رضاه بلا رؤية واضحة بل بناء على رؤية متخبطة ترضى الآن عن نفس ما سخطت عليه قبل قليل.
والشعراء الحديثون عندنا حين أبدوا احتقارهم الشديد للعمود الشعري العربي ثم عادوا ففرضوا شروطاً متشددة على
"الشعر الحقيقي ليكون حقيقياً" أي عادوا فابتدعوا عموداً جديداً أثبتوا أنهم "نقاقون" لا نقاد لأنهم خالفوا ما ملؤوا الدنيا صراخاً حوله من ضرورة أن يتحرر الشاعر من كل قيد ومن كل شكل مسبق.