عذاب القبر ( رؤية وتساؤل )
بسم الله الرحمن الرحيم
يعتقد الفقهاء المسلمون، سنة وشيعة، بأن هناك عذاب وعقاب وجنة ونعيم في الفترة التي تلي الموت وتسبق يوم القيامة، وقد اعتمدوا على حديث نسب للرسول في عدة روايات، ومن ذلك ما أورده الترمذي برقم (1065)، وهذا نصه: حدثنا أبُو سَلَمَةَ يَحْيى بنُ خَلَفٍ البَصْرِيُّ حدثنا بِشْرُ بنُ الْمُفَضَّلِ ، عَنْ عَبْدِ الرحمٰنِ بنِ إسْحَاقَ ، عَنْ سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ الْمَقْبُريِّ ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ ، قالَ: قالَ رسُولُ الله : إذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ (أوْ قالَ أَحَدُكُمْ) أتَاهُ مَلَكانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ. يُقَالُ لإحَدِهِما الْمُنْكَرُ وَالآخَرُ النَّكيرُ. فَيَقُولاَنِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ في هذَا الرَّجُلِ؟ فَيَقُولُ مَا كانَ يَقُولُ: هُوَ عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ. أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَيَقُولاَنِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هذَا. ثمَّ يُفْسَحُ لَهُ في قَبْرِهِ سبْعُونَ ذرَاعاً في سَبْعِينَ. ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ. فَيَقُولُ أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فأُخْبِرُهُمْ؟ فَيَقُولاَنِ: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوس الَّذِي لاَ يُوقِظُهُ إلا أَحَبُّ أَهْلِهِ إلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ الله مِنْ مَضْجَعِهِ ذلِكَ.
وَإِنْ كانَ مُنَافِقاً قالَ: سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ فَقُلْتُ مِثْلَهُ. لاَ أدْرِي. فيَقُولاَنِ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أنَّكَ تَقُولُ ذلِكَ. فيُقَالُ لِلأرْضِ: الْتَئِمِي عَلَيْهِ. فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ. فَتَخْتَلِفُ فيها أضْلاَعُهُ. فَلاَ يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّباً حتَّى يَبْعَثَهُ الله مِنْ مَضْجَعِهِ ذلِكَ.
قال أبو عيسى( أي الترمذي): حدِيثُ أبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ غريبٌ.
وتنص هذه الأحاديث على أن جسد الميت هو الذي يطاله العذاب في القبر، وأنه يبقى في العذاب حتى قيام الساعة، وبذلك قال معظم الفقهاء. وقد أكد ابن تيمية ذلك عندما سئل عن عذاب القبر هل هو على النفس، والبدن أو على النفس دون البدن، فقال: بل العذاب والنعيم على النفس، والبدن جميعاً باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن، وتعذب متصلة بالبدن والبدن متصل بها، فيكون النعيم والعذاب عليهما في هذه الحال مجتمعتين، كما يكون للروح منفردة عن البدن.( الفتاوى الكبرى: ج4)
ويستدلون على أن الروح تعود للجسد بعد الموت فيما حدث بعد معركة بدر، عندما خاطب الرسول جثث قتلى قريش الذين ردموا في قليب ببدر، وقد ذكرت الحادثة كتب إخبارية مثل تاريخ الطبري والبداية والنهاية، وعدد من كتب الحديث، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قام عليهم فقال: يا أبا جهل بن هشام! يا أمية بن خلف! يا عتبة بن ربيعة! يا شيبة بن ربيعة! أليس قد وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً.
كما يستدلون بآيتين من القرآن على أنهما تفيدان ثبوت عذاب القبر وهما الآية (46) من سورة غافر، وهذا نصها: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ.
والآية (100) من سورة المؤمنون، ونصها: .... كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
وحديث أبي هريرة، السالف، لم يتأكد ثبوته عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه، كما أن ما تلفظ به ابن تيمية لا يعدوا عن كونه رأي شخصي لا يستند على كتاب ولا على وحي من السماء.
أما حادثة وقوف رسول الله على البئر التي دفن فيها صناديد قريش وتوجيهه حديثاَ إليهم فهناك نقطة هامة حولها، هي:
أن الحادثة رواها أنس وابن عمر وعائشة، وأنس وابن عمر لم يحضرا بدر وليسا من البدريين، لصغر سن سنهما.
وتكون أم المؤمنين عائشة هي المصدر الرئيسي لما حدث، ولما شاعت بين الناس بعد زمن الرسول حدث بها خلق كثير منهم أنس وابن عمر الذي رفعه مباشرة للرسول، أو رفع عنه للرسول، وكأنه هو من سمعه عن الرسول، ولذلك جاء تصحيح أم المؤمنين لصيغة الحديث التي بدأ الناس يتناقلونها، كما ترويها لنا كتب التاريخ على هذا النحو: قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير عن عائشة ، قالت: ... فلما ألقاهم في القليب ، وقف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أهل القليب ، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا . قالت : فقال له أصحابه : يا رسول الله ، أتكلم قوما موتى فقال لهم : لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا .
قالت عائشة : والناس يقولون : لقد سمعوا ما قلت لهم ، وإنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد علموا. ثم قرأت: وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ.(فاطر:22) وقوله تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ.(النمل:80) (البداية والنهاية:ج4 ص 104، كما ورد في تاريخ الطبري وسيرة ابن هشام)
ويبدوا أن القول بقيام الميت في القبر ورجوع الروح إليه مردها في الأصل قتادة، وليس رسول الله ولا كتابه الكريم، وهذا ما أظهرته إحدى روايات حديث أهل القليب الذي أورده أحمد في مسنده برقم (12216)، ونصه: حدّثنا عبد الله حدَّثني أبي ، حدثنا يونس ، حدثنا شيبان ، عن قتادة ، عن أنس قال: وحدث أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر ببضعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش فألقوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث، قال: وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، قال: فلما ظهر على بدر أقام ثلاث ليال، حتى إذا كان الثالث أمر براحلته فشدت برحلها، ثم مشى واتبعه أصحابه قالوا: فما نراه ينطلق إلا ليقضي حاجته، قال: حتى قام على شفة الطوى، قال: فجعل يناديهم بأسمائهم، وأسماء آبائهم، يا فلان أسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ قال عمر: يا نبي الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها، قال: والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم قال قتادة: أحياهم الله عز وجل له حتى سمعوا قوله، توبيخاً وتصغيراً ونقيمة.
فيكون قتادة هو أول من قال بذلك وتناقله الناس بعد ذلك معتقدين بنسبته للرسول صلوات الله وسلامه عليه.
يتبع...
آخر تعديل بواسطة الوافـــــي ، 06-01-2005 الساعة 03:17 PM.
|