مناقشاتي مع طالباتي في الجامعة القطرية كانت الفاصل في قراري
دخلت في الإسلام بإرادتي الحرة وزوجي لم يلمح مطلقاً إلى «رغبته» باعتناقي «دينه»
قانون «الفصل العنصري» الأمريكي لم يصدر حتى الخمسينيات بينما «الإسلام» لا يفرق بين البشر
افتقدت «الانفتاح على الآخر» و«قيم التسامح» في مجتمعي الأمريكي
«البر» و«الإحسان» من العادات اليومية للمجتمع المسلم
ناهد العلي :
يعتبر تغيير المعتقد من أكثر الأمور صعوبة، لأنّه يحمل معاني كثيرة ومعقدة، فالمرء لا يستيقظ ذات صباح ليقرر ودون سابق إنذار تبديل عقيدته، فقد رويت قصص عديدة عن شخصيات مشهورة تاريخياً انتابتها حمى، فاقت مدتها الأربعين يوماً، قبل اتخاذها قرار «تغيير المذهب»، فكيف بالعقيدة؟!، هذا إذا لم نضع في الحسبان السنوات التي استغرقتها العملية قبل الوصول إلى نقطة الحسم التي هي في أساسها «علاقة الإنسان ببارئه».
لين
«لين غالجر حسونة»، أمريكية في الخمسينيات من عمرها، أشهرت إسلامها في قطر منذ 6 شهور في نوفمبر 2005 بعد أن عاشت حياتها في المسيحية، لماذا الآن؟ وما الذي أثّر في لين لتعلن إسلامها؟.
وهل نستطيع من خلال قصة «لين» فهم الآخر -أعني الغرب- وخصوصاً أنّ أصولها تمتد إلى ايرلندا لتمتزج بفرنسا، حيث تربى الغرب المسيحي المؤمن على قصص سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام، «السيد المسيح» كما يسميه «الغرب».
هل أسلمت «لين» وخلفت «البروتستانتية» وراءها لأنها متزوجة من مسلم؟ هل شجعها زوجها على اعتناق الإسلام؟ تجيبني «لين» بهدوء امرأة مارست التعليم لمدة 17 عاماً: «لابد أنني تأثرت بشريف فنحن متزوجان منذ 35 سنة ومع هذا لم أسلم حتى الآن»، طوال تلك الفترة وأنا أراقب زوجي الذي هو حفيد لشيخ الأزهر وبالتأكيد أثّر سلوكه بي، فهو لم يحاول مطلقاً طوال سنوات زواجنا، لا بالتعريض أو التلميح إدخالي في الإسلام رغم أنّه مواظب على القيام بالصلوات الخمس كل يوم تقريباً، كما أننا نحتفل بقدوم رمضان سنوياً في بيتنا في نيويورك ونقيم مائدة الإفطار طوال الشهر الكريم، كما أنّه حج مرتين إلى مكة.
أخلاق الزوج
كان شريف يصوم رمضان كل عام منذ تزوجنا، وكنت أحياناً أتناول طعام الغداء أمامه وهو صائم ولطالما اقترحت عليه أن انتقل إلى الغرفة الأخرى بحيث لا يشتهي الطعام، لكن شريف كان دائماً يجيبني بأنّ صيامه أبعد من الطعام والشراب وأنّه ما من داع لانتقالي إلى غرفة أخرى.
ولكن ألم تسألي شريف طوال تلك السنوات عن الإسلام وماذا يعني؟!
طبعاً كنت أتناقش مع شريف في الروحانيات، وكنت أرى أن دينه جزء من حياته اليومية ومع أنّ ولديّ مسلمان ابنتي جنان الآن 32 عاماً وابني كريم 30 عاماً، لكني مع هذا لم أغيّر ديني، ما الذي كنت تفكرين به أو تخشينه؟ ما الذي كان يمنعك؟ وطبعاً هذا موضوع بينك وبين الله تعالى.
التخلي عن السيد المسيح
عند هذه النقطة بدا صوت محدثتي عطوفاً، قالت لم أشأ التخلي عن السيد المسيح -سيدنا عيسى بن مريم عليه السلام- تربيت على قصص السيد المسيح وكنت أشعر بأنّ تحولي إلى الإسلام سيعني أني تخليت عنه، سيعني أنني تركته ورائي ولم يك بمقدوري تحمل هذا الشعور بحكم نشأتي، لم أود الشعور بأني تركت المسيح ورائي، ورأيت أنّ هناك نقطتي خلاف بين الإسلام والمسيحية، أولاهما تلك التي تتعلق بمفهوم «الأب والابن وروح القدس» وأعتقد أنّه قلة من المسيحيين يؤمنون -الآن- بعملية الفصل بين الرموز الثلاثة وربما علي أن أجري استطلاعاً بين المسيحيين حول هذا الموضوع، ولكني أعتقد أنّ كثيرا من المسيحيين لا يؤمنون اليوم بانفصال الكينونات الثلاثة وبالتالي لا يقلقني تفسير هذا الموضوع.
والأمر الثاني يتعلق بصلب المسيح، هذا الموضوع وقفت عنده طويلاً ولكني وجدت أنّه حتى المسيحيون أنفسهم يختلفون حوله هل صعد إلى السماء أولاً، أم ُصلب وصعد إلى السماء؟ المهم أني توصلت لقناعة بأنّ الأهم هو وجود السيد المسيح على الأرض كرسول لله وهذا لا ينكره المسلمون، وكلا الإسلام والمسيحية يؤمنان بالحياة الآخرة وبالتالي تخطيت أيضاً هذا الأمر الذي استوقفني لسنوات طويلة، ولكن حتى هذه النقطة لم أكن بعد قد تحولت عن المسيحية ودخلت في الإسلام.
السبب الحاسم
إذن، كيف اتخذت قرارك؟!
كل ما سبق ساعدني على التعاطف مع الإسلام، ولكن النقطة الحاسمة تحسب لطالباتي في الجامعة القطرية، حيث أثرَت مناقشاتهن أفكاري وتأثرت بهن كثيراً، فأنا أدّرس الإنجليزية الآن في الجامعة القطرية.
القصة
كنا نتناقش أنا وطالباتي حول مواضيع عديدة منها ما هي الأمور التي تجعل من المجتمع طوباوياً - مثالياً؟، وكانت العدالة من وجهة نظرهن، من أهم الأشياء التي تجعل المجتمع عادلاً، وفهمت منهن أنهن ينظرن باحترام لجميع الناس لأنهن مسلمات حيث إنّه في الإسلام لا فرق بين عربي وأجنبي وأبيض وأسود، وبالتالي لا يوجد شخص أفضل من غيره أو شخص نحترمه أقل أو أكثر، ففي مجتمعي كوّن السود والبيض مجتمعين منفصلين عن بعضهما البعض ولم يمنع القانون الأمريكي الفصل العنصري حتى الخمسينيات وأواخر الستينيات من القرن الماضي.
التسامح
الشئ الثاني الذي لاحظته من عشرتي لطالباتي في الجامعة القطرية، هو الانفتاح على الآخر وعدم الخوف من الأجانب والتسامح، ففي مجتمعي الأمريكي الذي كنت أعيش فيه، لم نكن نختلط إلا بمن هم مثلنا وكان من الصعب جداً الاختلاط بالآخرين، الذي أعجبني في طالباتي أنّ لديهن توقاً لمعرفة الآخر وعدم الخوف من الأجنبي، فمثلاً طالباتي لا مانع لديهن مثلاً إذا كن أردنيات الجنسية من مصادقة جميع الفتيات من الجنسيات الأخرى سوريات ومصريات وقطريات ومغربيات وفرنسيات بشرط أن تعجبهن الفتاة الأخرى، وكن غالباً ما يجبنني إذا كانت الفتاة لطيفة، فلماذا لا نخرج معها؟، هذا الشئ ليس موجوداً في مجتمعي.
البر
وفضلت محدثتي لفظ السبب الثالث بالعربية ما استغرقني بضع لحظات لأفهم رطانة لغتها.. قالت البر ... البر ... إنّ البر كان سبباً ثالثاً لدفعي إلى اعتناق الإسلام فقد شعرت من خلال عيشي في قطر ومن خلال طالباتي... أنّ الإحسان أو البر هو فكرة قائمة في الدين الإسلامي على أساس يومي... فالمرء لا يهتم فقط بمن يحبهم وعائلته وإنّما لديه مسؤولية أكبر تجاه المجتمع والآخرين، فالبسمة صدقة وتقديم العون للآخرين دون مقابل وهكذا فإنّك إن فعلت شيئاً جيداً لشخص ما فإنّ ذلك سينتقل عبر المجتمع، أعني أنّ التأثير الإيجابي سينتقل من شخص إلى آخر.
ولكن ألا توجد جمعيات خيرية مسيحية؟
نعم، توجد ولكن ليس كما هي في الإسلام فهي من ضمن حياة المسلم اليومية، الابتسامة والصدقة وتقديم يد العون إن كان هناك من يحتاج للمساعدة، هذه الأشياء نفتقدها في المجتمع الغربي.
السلام
الشئ الرابع الذي أثّر فيّ أيضاً هو رسالة الإسلام وهي السلام، الغرب يعتقد أنّ جميع المسلمين إرهابيون وهذه مشكلة الغرب وليست مشكلة العالم الإسلامي لأنّه على الغرب فهم ما هو الإسلام وليس العكس، الصورة التي نقلت إلى الغرب هي الإرهابيون من أصل مسلم يعني أنّ جميع المسلمين إرهابيون، وبالطبع هذا مفهوم خاطئ يلزمه تصحيح، على الغرب تثقيف نفسه عن الإسلام لأنّ في الإسلام عدالة وتسامحا وبرا وسلاما.
11 سبتمبر 2001
أين كنت في أحداث 11 سبتمبر؟
11 سبتمبر هو يوم مخيف ومرعب بالنسبة لنا، وأطفالي يعيشون في نيويورك، كنت بعيدة عن نيويورك 40 ميلاً وخائفة على أولادي وكثير منا كان خائفاً على أولاده لأننا لا نعرف أين كانوا أثناء الهجوم على البرجين، وأعتقد أنّ هذا الإرهاب لا يجب ربطه بأمة ولكن بمجموعة، والإرهاب هو يد لأشخاص عنيفين وهو يضرب في كل مكان في انجلترا واسبانيا والأردن.
برأيك لماذا قامت جماعة القاعدة بضرب أمريكا؟
لا يوجد متحدث بلسان الإرهابيين لكي تجلس معه الحكومات وتتفاوض، ولكننا كشعوب نود معرفة أفكارهم، ما الذي يريدونه بالضبط؟
لا تحب الخوض في السياسة
من رشحت في الانتخابات الرئاسيّة السابقة، وإلى أي الأحزاب تنتمين؟، وفيما يبدو أن محدثتي لين لا تحبذ الخوض في السياسة فهي أكاديمية تخصصت في دراسة الحضارات والثقافات، علم الاجتماع من جامعة Hobart & William Smith Collage في نيويورك وحصلت أيضاً على ماجستير في الدراسات المتخصصة في اللغات والعلوم الاجتماعية من مانهاتن فيل كولج في نيويورك، كما قامت بتدريس علوم الاجتماع والتاريخ والدستور الأمريكي لمدة 17 سنة في المدارس الثانوية الأمريكية.
وجلّ ما تهتم به لين أن يتذكرها طلابها بأنّها المدرسة الأثيرة على قلوبهم.. على كل تعمل «لين» حالياً على إصدار كتاب لتعريف الغرب بالإسلام من خلال تجربتها.
أجابت «لين» على سؤالي: أنا مستقلة ولا أنتمي لأي حزب وأصوت للمرشح الذي يملك برنامجا انتخابياً يتوافق مع أفكاري.
الشرق والغرب
لين، لماذا تعتقدين أنّ الشرق متخلف اقتصادياً عن الغرب؟
أعتقد أنّ أي بلد كان مستعمراً هو بلد ضعيف اقتصادياً، فالمستعمر يهتم بفائدته لا بفائدة البلد المحتل، فمثلاً مصر لم تحصل على قائد عربي حتى جاء جمال عبدالناصر في الخمسينيات، حكمت مصر من قبل الأتراك والأجانب، أيضاً الهند حكمت من قبل البريطانيين، وأثبتت سياسة غاندي إمكانية التخلي عن المنتجات البريطانية، وهكذا عندما يتحرر بلد ويبدأ بالاعتماد على نفسه اقتصادياً، وتحديد ماهية الخط الاجتماعي الذي يريده لنفسه عندها فقط يبدأ بالنمو وكل دولة لديها ثروات سواء سكر أو جوز هند أو نفط غاز عليها تطوير نفسها ببيع ثرواتها وإذا لم يك لديها ثروات طبيعية ربما عليها تطوير نفسها بالتصنيع، ولكن لن يكون هناك تطور اقتصادي بمعونات من ناس آخرين، وبالتالي السباق بين الشرق والغرب ليس عادلاً لأنّ الأخير كان سابقاً بفترة.
وأنا أجد أن ما يجري في دول الخليج شيء إيجابي جداً سواء في قطر أو أبوظبي والبحرين ودبي جميع هذه الدول تنمو بسرعة.