تصحيح الأفهام في معنى الصوفية والتصوّف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، الواحد الأحد الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الهدات الثقات الثقات .
اما بعد .
فأول ما ابدأ به في ذكر الصوفية والتصوّف ونتبرك بقول الإمام محمد بن أدريس الشافعي المطلبي -رضي الله عنه- في ديوانه حيث قال:
فقيهًا وصوفيًا فكن ليــس واحــدًا ... فإنـي وحــق الله إيّــــــاك أنصــحُ
فــذلك قــاسٍ لم يــذق قلبــه تـقى ... وهذا جهول كيف ذو الجهل يصلحُ
يقول شيخنا الكريم سيف الله الصقيل الإمام السيد / طارق بن محمد السعدي الحسني:
" إن التصوّف ركن الدين الثالث وهو الإحسان أُحْدث له اسم واصطلاح كما هو شأن الركنين الآخرين وسائر العلوم، وضبطت مبادئه وطرقه، وليس هو فرقة أو ما شابه، غير أنه لما كان العمل به على مراتب تميّز العاملون بأعلاها من بين الناس فصاروا كالفرقة المستقلة، فهم كذلك من جهة اختصاصهم بذلك المقام لا من جهة افتراقهم عن الحق ."
ثم يتابع الإمام الفاضل قوله: " إن نشأة التصوف أُحْدِثت بنشأة التكليف، لأنه روح التوحيد ووجهها الحقيقي التام، قال تعالى: { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } سورة ق
ولذلك قال الإمام مالك -رضي الله عنه-: من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، زمن جمع بينهما فقد تحقق ." اهـ .
لنشرح كلامه
إن التشريع والأحكام الإسلامية التي في الكتاب والسنة تنقسم إلى ثلاثة أقسام، قسم يدعوا إلى التوحيد وهو علم التوحيد أو علم الكلام، وقسم يدعوا إلى التفقه في العبادات من الصلاة والزكاة والحج والصيام وعدم أكل الربا والبيوع والإرث وغيره ويسمى بعلم الفقه، أما القسم الثالث فهو يتعلق بالنفس، وبالروحانية وبأخلاق المرء المسلم وتزكتها من الحقد والحسد والكبر والعجب والربا والغيبة والنميمة والفحش والتفحش والبذاءة ومن الأمراض النفسية ومن رذائل الأمور، والحث بالتقوى وذكر الله والمراقبته والإبتعاد عما نهى الله عنه ورسوله واتباع عما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وحسن المعاشرة بين المسلمين والمعاملة معهم ومع غيرهم من البشر، يدعون الناس للخير والهدى وهذا يسمى بـ (علم التصوف) وقد أجمع جمهور العلماء على هذا الإسم ومنهم من يسمية بـ ( علم الإحسان) وبعضهم يسميه بـ ( علم تزكية النفس) وقد سماه ابن تيمية بـ (علم السلوك) .
يقول الشيخ الجلال المحلّي:
" واما الصوفي فهو ذو النفس الأبية يربأ بها عن سفاسف الأمور من الأخلاق المذمومة مثل الكبر والغضب والعجب والحقد والحسد وسوء الخلق وقلة الاحتمال إلى غير ذلك، وهذا مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الله يحب معالى الأمور، ويكره سفاسفها ) .. رواه الطبراني في الأوسط . ومن صفات الصوفي أيضا أنه العارف بما يعرف به الله تعالى من صفاته، والمتصوّر تبعيده لعبده بإضلاله، وتقريب له بهدايته حتى خاف عقابه ورجا ثوابه فأصغى إلى الأمر والنهي فارتكب مأموره واجتنب منهيّه فأحبه مولاه، فكان سمعه وبصره ويده التي يبطش بها واتخذه وليا، إن سأله أعطاه وإن استعاذ به أعاذه، وهذا مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري حديثا قدسيا: ( ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التى يمشي بها، وإن سألني أعطيته وإن استعاذ بي لأعيذنّه) " اهـ .
وقذ ذكر سيدي الإمام السيد/ طارق السعدي الحسني -وفقه الله تعالى- بعض من الأحاديث النبوية وقال عنها بأن ذلك هو التصوف منها قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما بعثت لأتمم صــــالح الأخـــــلاق) وفي رواية( لأتمم مكــــــارم الأخـــــلاق) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تعالى لا ينظر إلى اجسادكم، ولا إلى أحسابكم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلبوكم، فمن كان له قلب صالح تحنن الله عليه، وأما أنتم بنو آدم فأحبكم إلي أتقاكم) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا طاب قلب المرء طاب جسده، وإذا خبث القلب خبث الجسد) .
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ( اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها) .
أما العلماء فقد أثنوا على علم التصوف والصوفية ورجالها وعلمائها ومن سار على هذا المسير الكريم ومنهم
- الإمام مالك رضي الله عنه
-الإمام الشافعي رضي الله عنه
- الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه
- الإمام عبدالقادر البغدادي رحمه الله .
- والإمام القشيري رحمه الله .
- وحجة الإسلام الإمام الغزّالي رضي الله عنه .
- والعلامة الكبير المفسر الإمام فخر الدين الرازي رضي الله عنه .
- وسلطان العلماء العز بن عبدالسلام رحمه الله .
- الإمام النووي قدس روحه الشريف .
حتى ابن تيمية الحراني فإن له مقال جيد بالنسبة للصوفية والتصوف، وهناك الكثير من العلماء الأجلاء يثنون عليهم جميعا .
فاعذروني إن كان هناك أخطاء، فإنني مرء أخطيء وأصيب .
هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم .
|