مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم الثقافي > خيمة الثقافة والأدب
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 09-11-2002, 01:48 PM
قارون قارون غير متصل
القوس
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 139
إفتراضي قصة قصيرة

سيأتي
تجلس تحت شجرة الزيتون الوحيدة المنتصبة تحت ساحة منزلهم، فتاة ضامرة الجسم، ضعيفة البنية، تغني بصوت حزين، كلمات نسلتها من خيوط مشاعرها ونسجت معانيها من صدى الإحساسات المترددة في صدرها.
كانت تغني وتقول:
سيأتي
سيطفئ كل آلامي
يبدد حزني
يبدد وحشة ناري.
سمعتها تغني زوجة أخيها، التي عبرت الساحة بخطوات متكبرة، وهي تلوي شفتيها سخرية، ثم ما لبث أن خرج أخوها، ووضع يده بيد زوجته، وانطلقا إلى النزهة اليومية التي يجوبان خلالها شوارع العاصمة بسيارتهما الجديدة.
شيعت أخاها وزوجته بنظرات ذاهلة، وتوقفت فجأة عن البكاء، تبللت عيناها بالدموع، عندما سمعت المرأة تهمس لزوجها:
- عانس تحلم بعريس .. "عشم" إبليس بالجنة!
ثم رأته يضع يده على خصرها، ويتراكضان بسرعة نحو السيارة، أغمضت عينيها وشعرت بالدوار. تهدج صوتها أكثر، راحت تردد الكلمات التي قالتها زوجة أخيها بنفس لحن أغنيتها الحزينة:
- عانس تحلم بعريس.. عشم إبليس بالجنة.
كانت تغني وهي تمسد بيدها تراب الأرض، وكأنها تناجيه، لم تستطع أن تفهم كيف ينسى الإنسان أصله، إذا حصل على خير في الدنيا.
طردت ذكرى المشهد السابق المؤلم من ذاكرتها وراحت تتخيل.. تخيلت نفسها فتاة أخرى، طويلة القامة، ذات وجه أبيض مستدير، ممتلئة الجسم، لها عينان زرقاوان ساحرتان.. تحمل شهادة جامعية بمعدل تراكمي خمسة وثمانين بالمائة. نعم إنها تريد هذا المعدل .. تذكر أنها سمعت خطيب أختها يقول إن هذا المعدل مناسب لمن يريد أن يكمل دراساته العليا "الماجستير" وهي عندما تصبح بذلك الشكل تريد تكملة الماجستير وربما الدكتوراة.. كلما زادت شهادات البنت، كلما كانت مواصفات العريس أفضل.
هذه بديهيات فرضتها قوانين سوق الزواج في العصر الحالي. تابعت تخيلها، رأت نفسها تركب على حصان أشقر جامح، يقفز عن حواجز الزمان والمكان، يسابق الريح، يجتاز الماء إذا واجه نهراً، ويحلق إذا واجه بحراً.. رأت نفسها الآن .. الحصان جفل من شيء.. تحرك بعصبية يمنة ويسرة.. وبدلاً من أن يعود إلى الأرض ها هي ستقع، ستتألم، ستكسر، وإذا وقعت على عمودها الفقري ستصاب بالشلل.
خطيب أختها يقول إن الوقوع على العمود الفقري يسبب الشلل. لكن ما شأنها هي بآراء خطيب أختها؟ فليذهب هو وآراؤه إلى جهنم. كانت معلقة في الهواء، فخطر لها أن تغني أغنيتها المفضلة، بصوتها الحزين الجميل، وما إن بدأت تغني، حتى رآها الفارس الأسمر الذي يركب على حصانه الأبيض.
خطيب أختها يقول إن فتيات أيام زمان كن ساذجات، لأن أحلامهن كانت محصورة في الفارس الأسمر الذي يركب على حصان أبيض.
مرة أخرى فلتذهب آراء خطيب أختها إلى جهنم المهم أن الفارس الأسمر وجه حصانه نحوها، والتقطها بيديه القويتين وحلق بها عالياً، واستمرت تغني له بصوتها العذب الجميل، لدرجة أن الفارس الأسمر أعجب بها.
الغريب أن صوتها ما زال أعذب شيء فيها حتى بعد أن أصبحت جميلة، لم تخطيء بشعورها أبداً، توقعت أن يتزوجها الفارس، وهذا ما حدث حينما حط بجانب المحكمة الشرعية، وأنزلها بيده على الأرض، ثم سارا سوياً نحو القاضي.
خطيب أختها يقول إن دخول المحاكم الشرعية يسبب له التشاؤم لذلك هو يفضل إحضار المأذون إلى البيت على الذهاب إلى المحكمة. أه كم هي غبية ومتخلفة آراؤك يا خطيب أختي. إن دخول المحكمة الشرعية هو أكبر حلم في حياتي!
أمام المأذون تم إتمام إجراءات الزواج بعد توقيع القاضي.. وفجأة جاءها صوت يقول لها بقوة:
- مساء الخير.
استيقظت من تخيلاتها الجميلة على صوت خطيب أختها. يا لهذا الحظ السيئ، ألا يكف هذا ( السمج ) عن مطاردتها بشخصه وآرائه؟ ثم ألا يشبع هذا النهم من زياراته التي لا تنتهي لخطيبته؟
عبست في وجهه، وقطبت جبينها الذي ورثت شكله السيِّئ عن أبيها، ورسمت على شفتيها غير المتناسقتين اللتين ورثتهما عن جدتها تكشيرة غريبة، وقالت:
- خوفتني..
كان العطر يفوح من ملابسه بوقاحة، وظهر أنه استحم قبل قليل. بدا هذا واضحاً من تسريحة شعره الجديدة، ياه ما أنعم شعره هذا الشاب! لو أنها امتلكت مثل هذا الشعر لكانت الآن متزوجة وسعيدة لا تقاسي أي شيء.
رسم خطيب أختها ابتسامة واسعة كشفت عن أسنانه البيضاء اللامعة، وقال:
- آسف يا آنستي إذا أزعجتك لكن الطب النفسي يقول إن كلمتي "صباح" أو "مساء الخير" عندما يتم التجامل بهما بصدق تعطيان النفس راحة وسعادة.
لعنة الله على أرائك النفسية يا خطيب أختي. ألا يكف هذا الإنسان عن إعطاء آرائه المجانية. انسحب خطيب أختها دون أن يسمع منها كلمة. عادت إلى أحلامها وإلى غنائها:
- سيأتي .. سيطفئ كل آلامي.. يبدد وحشة ناري..
واستمرت على هذا الحال، حتى رأت أمها مقبلة نحوها، بخطوات واثقة، والابتسامة الكبيرة تستوعب وجهها، هذه الابتسامة لا ترتسم على وجهها إلا عندما يحضر خطيب الأخت المحترم.
خطيب أختها يقول إنه محظوظ لأن سهير خطيبته ورثت عن أمها ابتسامتها الرائعة لعنة الله على كل الابتسامات التي تعجبك يا خطيب أختي.
وصلت أمها إلى حيث تجلس، فقابلتها هي بغنائها الحزين.. بقيت الأم محافظة على ابتسامتها. لم تصرخ عليها كالعادة. لم تكسر بخاطرها وتقول لها إن وجهها النحس يقطع التمر من بلاد العراق والنفط من بلاد الخليج.
هذا معناه أن هناك أمراً تريد تنفيذه، وهذا الأمر يخص "البيك" خطيب أختها. قالت الأم برقة: - يا حبيبتي ستذهب أختك وخطيبها إلى المنتزه ليسهرا هناك.. أرجوك اذهبي معهما لئلا يغضب أبوك...هيا قومي "الله يرضى عليك ويبعثلك عريس".
سيأتي يا أمي، لكن متى؟ هذا زمن الطفرة في كل شيء إلا في العرسان. كل شيء يملأ السوق إلا العرسان. ماذا يحدث لو أنها أعجبت بشاب وذهبت لخطبته؟ لكن لو حدث ذلك ماذا سيقول الناس؟
يقول خطيب أختها إنه: مع أن الشرع أجاز للفتاة خطبة الشاب، لكنه يعتقد أن أنوثة الفتاة تقتضي ألا تبدأ هي بالمبادرة.
للمرة الألف لعنة الله على أرائك يا خطيب أختي. هزتها أمها برقة مشحونة برائحة خطيب أختها، وقالت:
- أه.. ماذا قلت يا حبيبتي هل ستذهبين؟
- لن أذهب لن أذهب فليذهب معهما أحمد أو لينتظرا للغد قد يعود أبي فيذهب هو معهما. قالت جملتها الأخيرة بعصبية شديدة، وكادت دموعها تفرمن الغيظ، واستدارت الأم لتعود، ففكرت هي:
- خروجها مع أختها وخطيبها سيشعل نار الغيرة في قلبها، وسيؤرق جسدها، وسيفتح عليها أبواب الرغبة المكبوتة، لكن مع كل ذلك ستجعل حركاتهما خيالها أكثر خصوبة.
عندما ترجع من السهرة ستتذكر كل حركة قاما بها، وستضع عريسها الذي ترسمه في خيالها كل صباح ومساء مكان خطيب أختها.
- موافقة.
صرخت لتسمع أمها التي تقدمت منها وطبعت على جبينها قبلة. أمسكت أمها بيدها جرتها نحو غرفة الضيوف. زادت الأم من حدة بسمتها عندما ولجت الغرفة، ولم يؤثر على هذه الابتسامة الارتباك الذي ظهر على وجه الخطيبين.
غضبت هي وراحت تتخيل الفعل الذي قاما به، وجعلهما يرتبكان من دخولها وأمها لكنها كتمت غيظها وهي تردد في سرها: من حقهما.
قال خطيب أختها لأمها:
- سنذهب الآن يا حماتي وستكون سهرة رائعة.
وقالت أختها بما يشبه المناغاة:
- هيا يا حبيبي.
ارتبكت هي، وقالت لنفسها:
- حبيبك هذا يا أختي لا أشتريه هو وكل آرائه وفوقهم زجاجة العطر التي يتعطر منها بدينار.
قالت الأم بخجل ممزوج بالترقب وهي تراهما يضعان أيديهما بأيدي بعض، ويهمان بالخروج:
- ما رأيك يا سهير لو أخذت معك أختك؟
عبس وجهاهما. تذكرت سهير غضب أبيها بسبب خروجهما المتكرر دون أن يكون معهما أحد.
قال مجدي وهو يتصنع الابتسام:
- لا داعي يا حماتي لإتعاب الآنسة معنا، فكما تعلمين مشوارنا طويل ومتعب.
هذا الكلام لا ينفع. إذا خرجا معاً، سيثور بركان في البيت لا يعلم نتيجته إلا الله. هي حدثت نفسها:
- للمرة المليون لعنة الله على أرائك يا خطيب أختي.
همست سهير ببعض الكلام في أذن خطيبها، فقال بلهجة مستسلمة:
- حاضر يا حماتي. ليكن ما تريدين. لكن لماذا لا يذهب معنا أحمد؟
رغم أن أحمد صغير. عمره لا يتجاوز السنين الخمس، إلا أن الأم استسلمت للأمر ولم تنبس ببنت شفة وهي تشيع الخطيبين بنظراتها وهما يسيران للخارج.
هي سمعت خطيب أختها يقول متنهداً وبصوت منخفض:
- الحمد لله نجونا من العانس البارعة بالمراقبة.
حينئذ شعرت بالدوار، وبالدنيا تسود في وجهها. فرت الدموع من عينيها، وشعرت بطعم مر في فمها، مشحون باليأس والإحباط والكبت.
قفزت نحو شجرتها، لمحت الخطيبين يدخلان السيارة. وهي جلست تحت شجرتها ، وراحت تغني بلهجة جعلت العصفور الراقد في عشه وحيداً يخفض رأسه حزناً.
بقلم
محمود أبو فروة الرجبي
الرد مع إقتباس
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م