ما أن يهل هلال رمضان ، إلا ويجول بخاطرى ما نحن فيه من نعمة لا تضاهيها نعمة ... شاءت إرادة الرحمن أن يرسل للبشرية ما يصحح لها به ما هى فيه من عماية وجهل ، فأنزل القرآن الكريم وحمله جبريل الأمين عليه السلام ليبلغه إلى رسوله المجتبى ، محمد صلى الله عليه وسلم ، والذى يقوم بكل ما أوتى من جهد وصدق وإخلاص بتبليغه للأمة من حوله إلى المدى الذى يستطيع أن يصل إليه فى ذلك الحين ، وبالإمكانيات المتاحة له فى عصره .
هذا ملخص سريع للحدث العظيم الذى كان سببا فى هداية البشرية لليوم .
الله
كانت صورته فى الأذهان فى الغالب ، مشوهة ، سواء فى ذهن المشركين عبدة الأصنام ، أم فى ذهن أصحاب الرسالات السماوية بعد أن حرفوا وبدلوا فيها ، فنسب اليهود لله ما لا يصح ، ونسب النصارى له ولدا ، والأديان الأخرى أيضا حورت وبدلت .
أنزل القرآن الكريم ليزيل كل الخزعبلات ويظهر لنا صورة الله العلى العظيم ، ناصعة طاهرة ، ويحدد لنا صفاته ، ويـُعْلِمُنا بأسمائه الحسنى لنعيش بها وندعوه بها ، فالدعاء هو العبادة ، ولهذا كان ثلث القرآن هو لجلاء هذه الصورة وتوضيحها للبشرية ، ولتعريفهم بمعبودهم سبحانه وتعالى .
لقد بين القرآن الكريم ... منحة الله لنا فى رمضان ... أدق التفاصيل عن الذات الإلهية بحيث تكون فى منتهى الوضوح لكل المشارب ، من عالم ومتعلم وأمى يستمع للقرآن الكريم يتلى عليه فى كل حين .
الهدف من خلق الإنسان هو عبادة الله ، كما جاء بسورة الذاريات "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " ، وهذا فى حد ذاته تكريم للإنسان ، هذا المخلوق الضعيف ، الذى لو قارن نفسه بالنسبة للأرض التى يعيش عليها ، لوجد أنه لا شئ بالنسبة لها ، ولو وزن هذه الأرض بالنسبة للكون ، لوجد أنها أقل من ذرة ، ومع ذلك يكل الله سبحانه إليه عبادته ، عبادة العظيم خالق السموات والأرض .
تنقية صورة الله سبحانه عن كل شائبة ، ونقلها إليك فى كتابه ، لهى من أكبر النعم ، فهى تجعلك تحبه ، فإذا أحببته ، حبب فيك ملائكته ورزقك القبول فى الأرض ... ألا يجعلك هذا يا مؤمن تذوب فى عبادته ؟؟؟ ألا يجعلك ذلك يا مؤمن تشعر بحلاوة هذه العبادة ؟؟؟ ألا يجعلك ذلك يا مؤمن تفخر على كثير من المخلوقات بأن الله اجتباك وطهرك ورزقك هذا الفضل ؟؟؟
جبريل
جبريل الأمين عليه السلام هو حلقة الوصل بين الأرض والسماء ، أوصل الذكر الحكيم وكذلك الحكمة ، وهى ما ورد من صحيح السنة ، إلى الأرض ، وبلغها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فى زمن قصير ، هو ثلاثة وعشرون عاما ، فنسبتها لما مضى حتى الآن من وقت قليلة جدا ، ولكن هذه الفترة غيرت وجه البشرية ، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها ، فسلام لك يا عبد الله جبريل ، فقد كانت صلتك بالأرض هى الأخرى من نعم الله سبحانه علينا . وقد غرست فى الأرض نورا من عند الله ، سيبقى مضيئا ما شاء الله له أن يضئ .
القرآن
وماذا أقول فى القرآن الكريم ، وقد قيل فيه ما يستحقه ، فهو نور الله فى الأرض ، وهو الذى يضئ الكون منذ أن أنزله الله ، وهو القوة الجاذبة التى ما يقترب منها أحد سليم الفطرة ، إلا جذبه إليه بشدة ، وجعله مبهورا لا يملك منه فكاكا .
محمد
يا حبيبى يارسول الله ، عليك أفضل الصلاة وأتم السلام ، بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وأعطيت لنا القدوة ، عشت لمدة أربعين سنة بين قومك لا يلاحظون عليك شيئا ملفتا للنظر ، وفجأة تلقى عليهم أروع الكلام ، وأحكم الحكم ، وعلما لم يعلموه من قبل ، ومع ذلك فالغاشية على عيونهم وطمس بصيرتهم ، جعلتهم يكذبونك ... لقد وعدك الله بأنه سيرفع لك ذكرك ، وها نحن نذكرك كل وقت وحين ، ويذكرك كل المسلمون حول العالم فى كل لحظة ، وها نحن فى رمضان نحنى رؤوسنا تقديرا لما بذلته من جهد وقاسيت من أهوال ، ولكنك ثبت على الحق حتى وصلتنا الرسالة نقية أنارت لنا كل حياتنا ، وأعانتنا على كل الصعوبات سواء كانت مادية أو نفسية .
الله .. جبريل .. القرآن .. محمد ..... بهذا النور نحيا ونموت ونلقى الله سبحانه يوم القيامة ، ونبتهل إليه سبحانه أن تكون خير أيامنا يوم لقائه ، وإلا يقبضنا إليه إلا ونحن فى أبهى حلة يرضى بها عنا ... آمين