مجلة الخيمة حوار الخيمة دليل المواقع نخبة المواقع Muslim Tents
التسكين المجاني التسكين المدفوع سجلات الزوار بطاقات الخيمة للإعلان في الخيمة
الأسئلة الشائعة قائمة الأعضاء التقويم البحث مواضيع اليوم جعل جميع المنتديات مقروءة

العودة   أرشــــــيـــف حوار الخيمة العربية > القسم العام > الخيمة السياسية
اسم المستخدم
كلمة المرور

 
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 21-05-2006, 07:13 AM
أحمد ياسين أحمد ياسين غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
إفتراضي بوتفلـــــــــــــــيــــــــــــــــــقة بين الوهم والحقيقة



رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة إحياء ذكرى أحداث 8 مايو 1945



قالمة،7 مايو 2006

باسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الـمرسلين

وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين



بني وطني الأعزاء ،



أتوجه إليكم بالخطاب، ومشاعري موزعة بين الفخر والاعتزاز، وبين الأسى العميق، في هذه الذكرى الخالدة و الأليمة من تاريخنا الوطني .



إن إحياءنا اليوم ذكرى 8 مايو 1945 يعني أول ما يعني، الامتثال لواجب استقصاء حقيقة الأمور، الذي يتجاوز في مضمونه واجب الذكرى والتذكر، إلى الأساس الذي لا بد أن ينبنى عليه.



ذلك أن الأهمية الكامنة لا محالة في محطة 8 ماي لا تكمن فقط في شجاعة متظاهرين شباب رفعوا في سطيف وقالمة و بعض المدن الجزائرية، الراية الوطنية، وكان نصيبهم التقتيل والتمثيل على يد زبانية الدولة المحتلة.



إن الأهمية الكامنة لا محالة في محطة 8 ماي لا تكمن فقط في شجاعة فلاحي الشرق الجزائري الذين قرروا بمحض إرادتهم لاقتصاص لأنفسهم .



كما أنها لا تكمن فقط في تلك المطاردة الرهيبة التي طالت أصحاب الأرض، كلا ولا في الاغتيالات الجماعية التي لا يصدقها العقل، والتي حصلت بالفعل، وأزهقت أرواحا عديدة، وأراقت على مدى أسابيع أنهارا من الدماء الزكية في شرق وطننا الحبيب .



إن إحياء ذكرى 8 ماي لن يدرك معناه بالتمام والكمال، إلا إذا بذلنا الجهد المطلوب لإعادة وضع تلك الأحداث ضمن مسارها التاريخي، أي ضمن المنطق الثلاثي المتمثل في : إعادة تشكيل العالم غداة الحرب العالمية الثانية، وفي تطور حركتنا الوطنية، وفي طبيعة الوجود الاستعماري الاستيطاني الفرنسي في بلادنا .



في هذا الإطار ينبغي فهم وتصور أحداث 8 ماي 1945، وما تلاها من القمع الإبادي الرهيب، ليس من حيث إنها أحداث جرت الويلات على الشعب الجزائري وإنما كضرورة قاسية مؤلمة لا مناص منها .



إن يوم 8 ماي لا وجود له في حد ذاته، فهو وإن لم يكن في حقيقته كسائر الأيام، إلا أنه لا يمثل إلا يوما في الهبة السلمية التي اختارت حركتنا الوطنية خوضها، منذ صياغة بيان الشعب الجزائري سنة 1943، ذلك البيان الذي طالبت فيه بدستور خاص بالجزائر، وبالحرية والمساواة المطلقة بين كافة القاطنين بها دون تمييز من حيث العرق أو الدين .



لقد أقرت كبريات تيارات حركتنا الوطنية الثلاثة التي أخذت تتهيكل، في نهاية العشرينيات، والتي كان يتزعمها كل من مصالي الحاج، وفرحات عباس، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي ذلكم البيان، وبه دخلت حركتنا الوطنية مرحلة نوعية جديدة، مرحلة التعددية الجامعة، إذ أصبحت « جمعية أحباب البيان والحرية » البوتقة التي انصهرت فيها المواطنة الجزائرية الناشئة .



وتبين أن وسائل القمع الاستعماري المعهودة من اعتقالات وفرض الإقامة الجبرية، لم تجد فتيلا في كبح حركة الإقبال العارم على الانضمام إلى جمعية أحباب البيان والحرية، في كل ربوع الجزائر، من جميع الفئات الاجتماعية.



ومع انخراط أكثر من 500.000 في صفوف الجمعية في بداية 1945 أصبحت بطاقة الانتماء إليها لدى الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الجزائري هي بطاقة التعريف الحقة .



وفي هذا، و ليس في أي شيء غيره، كمن التحدي الكبير الذي كان على الدولة الاستعمارية الفرنسية أن ترفعه : فإما التفاوض مع الممثلين الشرعيين للشعب الجزائري، هذا الشعب الذي ساهم بالقدر الأوفى في دحر النازية، حول شروط العتق التدريجي من ربقة النظم الاستعمارية، و إما كسر هبة الشعب الجزائري، الوطنية والديمقراطية، باستئناف ما كان ديدنها منذ البداية، أي ممارسة العنف والإبادة.



وقد اتبعت الدولة الاستعمارية الفرنسية، و بكل إصرار، السبيل المعروف، سبيل الوأد المنهجي والمدروس، في المهد، على الديمقراطية الوطنية التعددية الجزائرية.



وبطبيعة الحال، يجب ألا ننسى ما جرى من تقتيل جماعي، في مايو 1945، و لا أفران الجير بحمام برادع ( هليوبوليس Héliopolis ) ولا القصف بالطائرات والبواخر، ولا الإعدامات بلا محاكمة، ولا الاغتصابات، و لا كل تلك الجرائم الانسانية التي إهتزت لها مناطق سطيف وقالمة وخراطة إهتزاز يوم القيامة .



أجل، يجب على مؤرخينا أن يسلطوا الضوء، بكل ما يتأتى من الدقة، على التنكيل الذي سلط على كل مدينة من مدننا وكل قرية من قرانا. يجب ألا نكتفي بروايات غير شافية قد تؤدي إلى إعطاء صورة ضبابية لا دقة فيها ومُحِللة من المسؤولية. إن ما هو حاسم بالنسبة لذاكرتنا الجماعية، في 8 مايو 1945، ليس هو السلوك الشنيع والبغيض لذاك الحاكم أو نوابه، وليس هو الإمعان الحانق المتكالب، في مطاردة العربي " arabe’ la chasse à l" من قبل ميليشيات الاستعمار، بل إنه ذلك التواطؤ الكامل بين كافة أعوانه، الرسميين والخواص، والمحليين والمركزييـن، لكسر إنطلاقة الشعب الجزائري الوطنية والديمقراطية.



إن التقتيل الجماعي الذي اقترفته الهياكل القمعية للدولة الاستعمارية وأذنابها من المستوطنين الأوروبيين لم يكن أبدا تجاوزات يمكن إلصاقها بمسؤولين من الدرجة الثانية أو بظرف جهوي خاص. وإنما هو عنصر من عناصر التصدي الشامل الذي واجهت به الدولة الاستعمارية بزوغ الحركة الوطنية الذي كان على نفس القدر من الشمولية، إذ أصبحت حاضرة في سائر ربوع الوطن وقادرة على أن تحرك، بشكل موحد، مساعي سياسية منسقة على مستوى البلاد بأسرها .



إننا لن ننقص شروى نقير من قدر شهدائنا الأبرار، ولا مما كابده ذوونا، نساء ورجالا، في سطيف وقالمة، إذا قلنا إنهم قد تعرضوا للاغتيال من حيث أنهم كانوا جزءا من الأمة الجزائرية اغتيل نيابة عنها. بل ما نقصده هو عكس ذلك تماما .



قد لا يبدو من الصواب أن تركز الذاكرة على يوم معين، يوم 8 مايو 1945، وعلى مدينتين بعينهما، سطيف وفالمة. ولكن ما جرى في هاتين المدينتين أمر شائن ومثير للمقت والخزي لا يأباه الضمير الوطني الجزائري فحسب، وإنما يأباه ضمير العالم كله .



ففي يوم الهدنة، حيث حصل الإقرار بانتصار الحلفاء على النازية، أطلقت الشرطة الفرنسية النار على حشود من الجزائريين كانوا مقبلين على الإعلان سلميا عن حبهم للحرية لغيرهم ولأنفسهم برفعهم العلم الجزائري وسائر أعلام الحلفاء، بما فيها العلم الفرنسي، لكن في الواقع فإن هبة الحركة الوطنية لم تكن مقتصرة على هاتين المدينتين، ولا على يوم 8 مايو 1945. ذلك أن موجة أولى من المظاهرات حدثت يوم أول مايو بالجزائر العاصمة، ووهران، وبجاية، وتلمسان، وقسنطينة، ومستغانم، وقالمة، وغليزان، وسطيف، وباتنة، وبسكرة، وعين البيضاء، وخنشلة، و سيدي بلعباس، وسوق أهراس، وشرشال، ومليانة ، وسكيكدة، وواد الزناتي، وسعيدة، وعنابة، وتبسة، وسور الغزلان، والقائمة طويلة.... ففي كل مكان، دخلت حشود من الجزائريين دخولا سلميا الأحياء الأوروبية مرددة : « الجزائر حرة !» ، «الدستور !» ، « أطلقوا سراح مصالي !» ، و رافعة في بعض الأحيان العلم الوطني. وقد أطلقت الشرطة النار في العاصمة ووهران وسقط أوائل شهداء الحركة الوطنية الجزائرية و جرحاها.



وتفاديا لما يستجد من استفزازات من قبل الشرطة، أُجتنب تنظيم أية مظاهرة في العاصمة ووهران يوم 8 مايو 1945، و هو ما يشكل برهانا إضافيا، إن كانت هناك حاجة إلى برهان، على التوجه السلمي لحركة مايو 1945. وفي بقية البلاد، تم تنظيم نفس المظاهرات السلمية بسطيف وقالمة، وكذلك بالبليدة، وتيزي وزو، والبرواقية، وبوسعادة، ومستغانم ، وسيدي بلعباس، وتلمسان، والعلمة، وخنشلة، وباتنة، و بسكرة، وواد الزناتي، والخروب، والقل، وسكيكدة، وعزابة، والحروش، وقسنطينة وعنابة ، وغير ذلك من المدن.



ففي سطيف وقالمة عمد أفراد الشرطة وأعضاء الميليشيات إلى فتح النار على المتظاهرين العزل، فاستشرت الأحداث وبلغت الأرياف المجاورة. وبكل عفوية، هب الفلاحون ليخلفوا إخوانهم الذين لقوا حتفهم في المدن. وأغتيل عدد من الأوروبيين وتم الهجوم على بعض المزارع والبيوت الغابية. ولم يقم مسؤولوا حركة أحباب البيان والحرية، في أي و قت من الأوقات، بتنظيم العنف الريفي المضاد الذي صدر بشكل تلقائي، ومن دون أسلحة ولا أي تدبير مسبق .



وسادت الموقف المذبحة التي هي بالذات لما اصطلح على تسميته بالإبادة التي استمرت على امتداد ثلاثة أسابيع. فمقابل قرابة مائة قتيل أوروبي، بلغ عدد الجزائريين الذين أزهقت أرواحهم عشرات الآلاف، لا لأنهم كانوا يحاربون المحتل شاهرين السلاح، بل لأنهم كانوا يتوقون إلى العيش في حرية، عيش شعب سيد مصيره، عيش شعب حر مستقل.



وعلى المدى القصير، حققت مجازر مايو 1945 الإبادية هدفها بشكل مزدوج تمثل في : كسر هبة الشعب الجزائري الوطنية والديمقراطية. ذلك أنه أمام قمع ما فوقه قمع ، قمع حاقد إلى حد الجنون ومشحون بأبشع نعرات العنصرية والتعطش الضاري الشرس للفتك والتقتيل بكل أشكاله، تراجع التوثب الشعبي؛ و على وجه الخصوص، مكن ذلكم القمع الجنوني الذي قادته أهم المراكز الحساسة للدولة الاستعمارية، من خلال أداة دعائية في مستوى العبقرية السياسية الفرنسية الخارقة للعادة، من تحميل جمعية أحباب البيان والحرية مسؤولية إشعال فتيل « أعمـال الشغب » . إن تلك الهبة الوطنية الجزائرية لم تنته في المدافن الجماعية ومحارق الشرق الجزائري حيث زج بعشرات الآلاف من النساء والرجال الذين كان ذنبهم الوحيد هو أنهن جزائريات و أنهم جزائريون، ليس غير. بل انتهت كذلك بحل جمعية أحباب البيان من أجل الحرية واعتقال آلاف المناضلين السياسيين الذين ذاقوا ألوان الهوان والعذاب في زنازن السجون الاستعمارية.

الرابط
  #2  
قديم 21-05-2006, 07:15 AM
أحمد ياسين أحمد ياسين غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
إفتراضي




وبطبيعة الحال، صمد الشعب الجزائري ضد العنف الاستعماري الفرنسي هذا، ومثلما صمد من ذي قبل فترات كانت أطول أمدا و أشد ويلا، مثلما صمد وانتصر، بعد سبع سنوات من حرب ضروس أريد بها استمرار الوجود الإستعماري، على الوجه الأسود للدولة الفرنسية ، وجهها الإستعماري . فما هي إلا عشر سنوات حتى عاد الشعب الجزائري، و جراحه الرهيبة لم تكد تندمل، لخوض المعركة من أجل حريته، معيدا مستذكرا وثبة مايو 1945 ومستخلصا الدروس منها.



فاعتبارا من أول نوفمبر 1954، بات حتما مقضيا على القوات القمعية للدولة المحتلة أن تحارب لا مجرد صدور عارية موشحة بالأعلام، وإنما مناضلين سياسيين ومقاتلين يحسنون فنون الحرب والقتال وضليعين في أساليب مناورة القوات الجرارة للجيش الفرنسي غير عابئين بدفع ضريبة باهظة حقا من الدم والدموع.



منذ زمن ليس بالبعيد ، كان الكثير في بلادنا، لا سيما من بين أعضاء جيش التحرير الوطني المظفر الذين ما يزالون على قيد الحياة، لا يريدون التعرض بالتملي المستفيض للطبيعة التي كان عليها الاستعمار في بلادنا. كنا نفضل إنتهاج الأسلوب المعتدل الذي اتبعه الرئيس هواري بومدين، الأسلوب المتمثل في طي صفحة الاستعمار دون تمزيقها. وكان ذلك لعدة أسباب.



أولها أننا خرجنا، من حيث إننا شعب وأمة، منتصرين من مجابهة ساحقة ماحقة، دامت مائة و اثنين وثلاثين سنة. ولعلنا كنا مقتنعين، ببعض السذاجة، أن فرنسا في جملتها، دولة و مجتمعا، ستدفن في جانب مغمور غائر من ذاكرتها الجماعية ذلكم الجانب الشائن والشنيع والمقيت من تاريخها، وأنها، مع مرور الزمن، ستندم وتكفر عن تجنيها الاستعماري على شعوب بكاملها عبر القارات. ولئن بقيت بعض الذاكرات الفرنسية تحن إلى ماضيها الاستعماري ، فإن ذلك لم يكن ليمثل أمرا ذا أهمية قصوى طالما أن الاتجاه المركزي على مستوى الدولة، والسلطة السياسية، ووسائل الإعلام، يلتزم ذلك الصمت الذي قد نحسبه بمثابة إحترام للأعداد التي لا تحصى ولا تعد من ضحايا تلكم الجريمة النكراء المقترفة في حق البشرية، وأعني بها جريمة الإستعمار .



ثم إننا لم نخلط قط لا بين الأمة الفرنسية، ولا بين الشعب الفرنسي، ولا حتى بين الدولة الفرنسية، والاستعمار الفرنسي، الذي كان، في ذات الوقت، وجهها المظلم وأداتها في استعباد بني البشر وامتهان كرامتهم، وإن كان ذلك على درجة متفاوتة من مستعمرة إلى أخرى، وفي أرض فرنسا نفسها. لقد كان كل من بيجو Bugeaud وشانفارنييهChangarnier وكافينياك Cavaignac وأمثالهم جلادين للشعب الجزائري ولشعب باريس Paris على حد سواء. وفوق كل هذا، لم ننس قط، نحن الجزائريين، وسنعمل على ألا ننسى أبدا، أن فرنسيات وفرنسيين هبوا، خلال محنتنا الطويلة، تحت طائلة النبذ والتهميش وفقد الحرية، وحتى تحت طائلة الموت، ووقفوا، باسم المثل الأعمق تجذرا في الأمة الفرنسية، ضد جرائم الاستعمار، ليس بوصفها آثارا جانبية فحسب، بل استنكروا الاستعمار ذاته كجريمة ضد الشعب الجزائري ، وضد قيم فرنسا، وجريمة ضد البشرية.



إن ما أقوله اليوم، و ما أعيده ، منذ أن تمت المصادقة على قانون 23 فيفري 2005 الفرنسي ليس أكثر غلوا ولا أشد استنكارا من محاكمة الاستعمار التي قام بها مثقفون فرنسيون من مثل بول فينيي دوكتون Octon'Paul Vigné d، وإيمي سيزارAimé Césaire ، وألبير ميميAlbert Memmi ، وفرنسيس جنسون Francis Jeanson ، وجون بول سارتر Jean Paul Sartre ، على سبيل المثال لا الحصر.



وأخيرا، وعلى الخصوص، لم نكن نريد، وما زلنا لا نريد، إلحاق الذنب بالأجيال الجديدة من الفرنسيات والفرنسيين الذين ليس له م، في نظرنا، أن يتحملوا مسؤولية ما صدر عن آبائهم. فمع هذه الأجيال الناشئة السائرة تدريجيا نحو الشفاء من النظرة الاستعمارية للعالم التي لوثت الذهنية والضمير الأخلاقي للعديد من آبائهم وأجدادهم وحطت من شرفهم، كنا وما زلنا نريد بناء مستقبل جزائري فرنسي قوامه ليس السلم فحسب، بل الصداقة وحرية الحركة بين ضفتي المتوسط والإبداع و شتى أشكال التعاون والتعاضد والتآزر .



إن أول جزائري اقترح على فرنسا، حال احتلال الجزائر العاصمة ، إنشاء دولة جزائرية صديقة لفرنسا ، كان حمدان خوجة. و بعد بضع سنوات، جدد الأمير عبد القادر، مرارا وتكرارا، عرض هذه الصداقة بين دولة جزائرية ودولة فرنسية يربطهما تعاون متعدد الأشكال. ويعلم الجميع أن الدولة الفرنسية فضلت العمد إلى إجتياح فتاك يأتي على الأخضر واليابس، اجتياح قضى على عدد جم من الساكنة الجزائرية، وصير في نهاية القرن التاسع عشر الجزائر المسلمة جزائر واهنة منهوكة ليس لها حول ولا قوة، جزائر أستبيحت هويتها، وسلبت ذات يدها ومسخت ثقافتها.



ومع ذلك، ومرة أخرى، بعد الحرب العالمية الأولى التي شارك فيها 300.000 مقاتل جزائري في صفوف الجيش الفرنسي، جدد حفيد الأمير عبد القادر ، الأمير خالد، عرض الصداقة على فرنسا مقابل الاعتراف بحق الشعب الجزائري في الكرامة والحرية. وكان جوابه النفي. ولجأت فرنسا الاستعمارية، بعد إعمال الإبادة في النسل إلى الإمعان، في إبادة الثقافة الجزائرية مسخا وفسخا وتهجينا وتشويها. ولما لم يكن عدد الراغبين من الفرنسيين والإسبان والإيطاليين والمالطيين في الاستيطان الزراعي بالجزائر كبيرا، فقد استوجب الأمر الكف عن التقتيل المنهجي للجزائريين لكي يشكلوا إحتياطيا من اليد العاملة الزهيدة الأجر التي كان ملاك كبريات المزارع الاستعمارية في حاجة إليها. وبدل التصفية الجسدية، فضل الاحتلال الفرنسي إفقار جل الشعب الجزائري وجعله فريسة سائغة للفاقة والجوع، وتجريده من ثقافته أي، باختصار، تجريده من الحضارة، وإيقافه عن مواصلة التمدن. ومرة أخرى، أؤكد أنني لا أبالغ في الأمر. بل إن الحقيقة أكثر مرارة مما ذكرته. فعلى سبيل المثال، وخلال السنوات الأولى التالية للاحتلال، جاء في كل الشهادات التي أدلى بها ضباط الجيش الفرنسي ما يثبت أن التعليم الأساسي كان معمما في المدن وفي الأرياف. وسنة 1954، في الوقت الذي اندلعت فيه ثورة الشعب الجزائري ضد المحتل، كان أكثر من 90% من الجزائريين أميين باللغتين العربية والفرنسية، وكان عدد الأطفال الجزائريين في سن التمدرس الذين يزاولون الدراسة بالفرنسية لا يتجاوز 10% ، وهذا حسب المصادر الفرنسية نفسها. أما التعليم باللغة العربية الموفر في المدارس التي أقامتها، على الخصوص، جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والتي ما فتئت تتعرض لمضايقات الإدارة الاستعمارية، فلم يستفد منه، في أحسن الحالات، سوى بضع عشرات الآلاف من الأفراد. ولم يتجاوز عدد الطلاب الجزائريين في جامعة الجزائر العاصمة وجامعات فرنسا بضع مئات، في اختصاصي الحقوق والطب أساسا. ودائما في سنة 1954، لم يكن في الجزائر المسلمة ولا حتى مهندس واحد.



في هذه الظروف، إذا كان الحديث في الماضي عن الرسالة التمدينية للاستعمار الفرنسي خلال حقبة الهيمنة الاستعمارية كان من قبيل المخادعة المفيدة من أجل أن يطول عمرها، فإن الحديث اليوم عن فائدة الاستعمار ومزاياه ، بعد أن تم البت في الحكم عليه بالسلاح وبالقلم منذ ما يقارب نصف القرن ، يعد من الضلال الذهني في أحسن الحالات ، وفي أسوئها إحياء في شكل استيهام لهذيان سلطوي لا خير يرجى منه للشعبين الجزائري و الفرنسي.

.
  #3  
قديم 21-05-2006, 07:16 AM
أحمد ياسين أحمد ياسين غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
إفتراضي



ولزام عليّ أن أقول حبذا لو ارتفعت أصوات فرنسية مرموقة و تصدت، بما هو حق، واعترضت على محاولة الإفراج عن الروائح الكريهة وتخليص المستقبل من تلك العفونات المشؤومة لماض وَلَّى وأدبر بلا رجعة. وكان من الأفضل، في مصلحة شعبينا وما يربطهما من صداقة لا تنقطع حالها حال شعرة معاوية، أن ينبري من الفرنسيين من يقول لبني جلدته وبلهجة هادئة وحازمة : " صحيح، إن مغامرتنا الاستعمارية كانت حقا مغامرة إبادية. أجل، الاستعمار لم يكن متناغما مع الحداثة وإنما مع المسخ الحضاري. نعم ، ينبغي لدولتنا أن تمسح عن وجهها الدرن والحمأة اللتين لطخ الاستعمار بهما وجهها. و لهذا، فعليها أن تقدم على غرار غيرها من الدول عبر العالم، اعتذارها لتلك الشعوب التي عانت من سيطرتها الاستعمارية، و بخاصة منها للشعب الجزائري الذي كابد تلك السيطرة ردحا من الزمن طال وتمادى وبهمجية شرسة تعددت أشكالها وأسرفت أيما إسراف في الإبادة. "



هذا هو السلوك الصريح الذي يمكنه وحده أن يحدث قطيعة مع ماض بائد، وأن يفتح الطريق أمام صداقة بين دولتينا وشعبينا لكن بدلا من هذا، فإننا نشاهد مسلسلا من التردد، من نعم ولكن، ولكن التي فمن شأنها أن تثير الريب ومن القبول المشروط الذي يتخلله ذكر « واجب الذاكرة » الغامض الملامح، ومواد القانون الذي يصادق عليه ثم ينسخ نصه .... وبينما كان الشعب الجزائري ينتظر من فرنسا الرسمية أن تتحمل بشجاعة وهمة ورصانة « واجب الاعتراف بالحقيقة » ، أي أن تلقي نظرة ناقدة على تاريخها، لم يسمع سوى استعراض عشوائي ومخجل ومقرف لمفاخر أو لفوائد الإستعمار ونعمه. وأتمنى أن يفهم الجميع في فرنسا أن الشعب الجزائري لم يصفق لمثل هذا الاستعراض الشائن، بل اغتاظ منه رغم سعة صدره.



لقد شهد كلا مجتمعينا، بعد ما يقارب الجيلين، تحولات معتبرة وابتعد فعلا عن الماضي الاستعماري ومخازيه. وفي نفس الوقت، اختبر كلا مجتمعينا أشكال تداخل غير معهودة، كما يتجلى ذلك من خلال أهمية الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا ومتانة العلاقات التجارية بين بلدينا والتوافق القائم، إلى حد ما بين دولتينا حول بعض القضايا الدولية. فيحسن بنا أن نرتكز على هذه المعطيات الملموسة لبناء صداقة تعتمد على محو الأثر الوخيم الذي خلفه الاستعمار وتتجه صوب إبتكار المستقبل. ولا يليق بنا أن نوهم أنفسنا : فسبيل المستقبل ليس معبدا ، فهو وعر كؤود. و لا بد أن نعنى، منذ الآن، بمباشرة معالجة، منسقة وإنسانية ومرنة، لحركة الأشخاص بين البلدين، وكذا لتدفقات الهجرة التي من دونها تكون الصداقة اسما بلا معنى. و يكون من العبث مواصلة إثقال تساؤلات اليوم والغد بنعرات الأمس التي تتحمل فرنسا الاستعمارية وحدها كامل مسؤوليتها ووزرها. فعلى الدولة الفرنسية أن تقول بوضوح إن فرنسا الاستعمارية عفى عليها الزمن، وتعلن أنه لم يعد لها وجود، و إنه حتى و إن استمرت في البقاء المضمر، فإنها لا تلقى منها أية تزكية.



إن تاريخ التواجد الفرنسي في الجزائر ينطوي على صفحات سود نكراء لا بد من الإقرار بها لا لإرضاء حفيظة وإنما لتمكين إجراء تشريح معنوي للإستعمار وكشف فظائع حرب أريد بها تمديد وجود استعماري رفض الإعتراف بصفتها الحقيقية طيلة أربعة عقود من الزمن، وإعداد الأسس الجديدة لمستقبل نتولى بناءه سويا، مستقبل خال من شوائب التاريخ الاستعماري، مستقبل لا وجود فيه لاتحاد قسري قائم على علاقات يسمها العنف والإحتقار. إن مثل هذا، سيمكننا من أن نسير أخيرا نحو المستقبل بمحض إرادتنا وبقلوب خالية من الضغائن، ومن أن نتجنب الدخول في تحالف كتحالف المطية وراكبها.



سيأتي يوم تسكت فيه النزوت الصادرة عن الهوى، وحينها ، ستكون الأحكام المسبقة والحكم على النوايا من هذا الجانب أو ذاك، قد أدبرت وولت مع الماضي البائد. وإذاك، سيجري تقدير العلاقات الجزائرية الفرنسية بقسطاس الإنصاف وبمقياس المصالح الدائمة، من حيث إنها استقرت الاستقرار الصحيح في الأذهان، لشعبين مختلفين من حيث الهوية ومتساويين من حيث السيادة. إن هذا أمر يفرضه تطور العالم مثلما يفرضه إصرارنا وإرادتنا الراسخة في تكريس مشروعية حقوقنا ضمن شراكة استثنائية نرغب فيها ونحبذها حقا، لكنها، غدت تتفسخ، كل يوم أكثر، بفعل المساجلات الكلامية الظرفية.



لقد باتت المشاكل الراهنة بين الجزائر وفرنسا، بحكم طول استمرارها منذ سنين، مشاكل هيكلية. ومن ثمة، لا يمكن أن تتمادى معاناة الجزائر منها معاناة المريض من أوجاع مزمنة .



من جهة أخرى، ومهما يقوله البعض ومهما يعتقده البعض الآخر ، ليس هناك أزمة اليوم في العلاقات الجزائرية الفرنسية، ولا وجود لأي سحاب في سمائنا المشتركة، غير أنه يبقى علينا الكثير مما يجب فعله إن إذا أردنا الوفاء بمستلزمات رغبتنا المشتركة في مواصلة السير معا إلى أقصى ما نأمل .



ومن البديهي أن كل واحد صار ، منذ 5 يوليو 1962، سيدا في بيته وأنه ليس في نيتنا أن نمارس أي ضغط للحصول على ما هو حق أساسي للأمة الـجزائرية والدولة الجزائرية: أي الإعتذار التلقائي العلني والرسمي عن ارتكاب جريـمة الاستعمار في حق شعبنا.



ومن البديهي، كذلك، أن الصداقة يبنيها اثنان دون إكراه من أي طرف. وعلى الجزائريات والجزائريين أن يعلموا أنه إذا كان شعبنا قد انتصر بعد أن دفع ثمنا باهظا بما عاناه من احتلال مقيت يتقمص لبوس الحضارة، فإن ذلك لم يكن للوقوع في شباك مفاتن صداقة تتغذى من لحم البشر.



أشكركم على كرم الإصغاء.


والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته
  #4  
قديم 21-05-2006, 07:21 AM
أحمد ياسين أحمد ياسين غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
إفتراضي

رسالة إلى السيد جاك شيراك

رئيس الجمهورية الفرنسية



25 أبريل 2006





فخامة الرئيس وصديقي الأعز،



وأنا اختتم الإقامة التي كانت لي بباريس بموجب ما فرضته المتابعة الطبية ما بعد الجراحة لا يسعني إلا أن أعرب لكم عن مدى تأثري لما أحطت به من قبل أولئك الذين مازالو في فرنسا متمسكين بما يتحلى به الشعب الفرنسي منذ القدم من شيم حسن الاحتفاء بالضيف.



ولذا أكون لكم من الشاكرين إن انتم تفضلتم فخامة الرئيس بالنيابة عني في تبليغ امتناني وشكري للهيئة الطبية لمستشفى فال دو غراس التي ما انفكت تبرهن على غاية الكفاءة وتبدي فائق العناية الصفتين البارزتين اللتين لا يسع المرء إلا أن يقابلهما بعظيم الإكبار للطب الفرنسي.



وإذ اجدد لكم جزيل شكري على ما حظيت به من حسن الاستقبال وفائق الرعاية وعلى ما جاء في رسالتكم من مشاعر شخصية تأثرت لها غاية التأثر تفضلوا فخامة الرئيس وصديقي الأعز بقبول اصدق عبارات ودي و تقديري.





عبد العزيز بوتفليقة

المص\\\\\\\\\\\\\\\\\\در

  #5  
قديم 21-05-2006, 07:29 AM
أحمد ياسين أحمد ياسين غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
إفتراضي

مطلوب من فرنسا الاعتراف والاعتذار


أحمد روابة-الجزائر

أفردت الصحف الجزائرية الصادرة اليوم اهتماما خاصا بذكرى مجازر 8 مايو/ آيار 1945, واعتبرت أن اعتراف فرنسا بجرائم الاستعمار في الجزائر والاعتذار للشعب رسميا هو السبيل الوحيد للتعامل الطبيعي بين البلدين، وأكدت على صحة موقف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من مسألة التقارب مع فرنسا المشروط بالاعتذار والاعتراف.

الكيل بمكيالين
"
فرنسا تكيل بمكيالين في المسائل الإنسانية ولا تدافع عن قيم وحقوق الإنسان إلا عندما يتعلق الأمر بحماية مصالحها
"
الخبر
فقد جاء في تعليق الخبر أن فرنسا إنما تكيل بمكيالين في المسائل الإنسانية، ولا تدافع عن قيم وحقوق الإنسان إلا عندما يتعلق الأمر بحماية مصالحها.

وأوضحت أن فرنسا تتهم تركيا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في قضية الأرمن، وتستعمل القضية في الضغط على البرلمان الأوروبي لمنع انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، إذ لا تعدو المسألة بالنسبة لباريس سوى مجرد ورقة سياسية تستعملها لخدمة مصالحها وليست قناعة للدفاع عن حقوق الإنسان أو حماية الأقليات.

ويضيف التعليق أن مسؤول شرطة باريس موريس بابون المجرم الذي تمت إدانته في قتل يهودي واحد تحت حكم فيشي، برأت ساحته في قتل مئات الجزائريين وإلقائهم في نهر السين سنة 1961, مؤكدا أن فرنسا اليوم ترفض الاعتراف بجرائمها في الجزائر منذ عام1830 مرورا بمجزرة 8 مايو 1945.

ومن جهتها قالت لوكوتيديان دوران إنه لا يمكن أن نتصور اتفاقية صداقة بين الجزائر وفرنسا دون أن تقدم باريس الاعتذار الرسمي للشعب الجزائري، وتعترف بالجرائم التي ارتكبتها إبان الاستعمار. فالمجزرة تتطلب الاعتراف والاعتذار.

ونددت الصحيفة بقانون 23 فبراير/ شباط الممجد للاستعمار، واعتبرته محاولة سياسية للتملص من تهمة المجزرة ضد الشعب الجزائري.

وقالت إن بوتفليقة عاد وأكد على وصف ما قامت به فرنسا في الجزائر بالمجزرة، وهي حقيقة لم يهضمها وزير الخارجية الفرنسي دوست بلازي وغيره من السياسيين الذي عاتبوا الرئيس الجزائري على استعماله مفهوم المجازر في الحديث عن الماضي الاستعماري بالجزائر.

شروط الصداقة
وترى لوكوتيديان دوران أن حدة الجدل والنقاش حول الماضي الاستعماري ومواقف الطبقة السياسية في اليمين الفرنسي الحاكم المتصلبة ستقبر في النهاية مشروع اتفاقية الصداقة بين البلدين والذي بادر به الرئيسان بوتفليقة وشيراك، رغم أن الرئيس الجزائري يؤكد أن علاقات البلدين لا تشوبها شائبة.

وأضافت: لكن الواقع أن شيراك يبدو غير قادر على مواجهة المعارضة القوية للمسعى من داخل عائلته السياسية التي جعلت من الخطاب اليميني المتطرف شعارا لها، وبالتالي فإنها لا تقبل بأي نوع من الاعتراف بالجرائم وبعار الاستعمار في الجزائر، وهو ما يجعل بوتفليقة يصرف النظر عن الفكرة من أساسها لأن شروط تحقيق الاتفاقية غير متوفرة.
  #6  
قديم 22-05-2006, 10:13 AM
أحمد ياسين أحمد ياسين غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
إفتراضي

ئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

يوجه نداء إلى الشعب الجزائري
بمناسبة اندلاع الثورة يوم 1 نوفمبر 1954 (1)
نشر في الصحف الشرقية وتحت يدي نسخة منه


الشيخ محمد البشير الإبراهيمي

أيها المسلمون الجزائريون :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

حياكم الله وأحياكم، وأحيا بكم الجزائر، وجعل منكم نورًا يمشي من بين يديها ومن خلفها، هذا هو الصوت الذي يسمع الآذان الصم، وهذا هو الدواء الذي يفتح الأعين المغمضة، وهذه هي اللغة التي تنفذ معانيها إلى الأذهان البليدة، وهذا هو المنطق الذي يقوم القلوب الغلف وهذا هو الشعاع الذي يخترق الحجب الأوهام.

وكان العالم يسمع بلايا الاستعمار الفرنسي لدياركم، فيعجب كيف لم تثوروا، وكان يسمع أنينكم وتوجعكم منه، فيعجب كيف تؤثرون هذا الموت البطيء على الموت العاجل المريح، وكانت فرنسا تسوق شبابكم إلى المجازر البشرية في الحروب الاستعمارية فتموّتُ عشرات الآلاف منكم في غير شرف ولا محمدة، بل في سبيل فرنسا وتوسيع ممالكها وحماية ديارها، ولو أن العشرات من الآلاف من أبنائنا ماتوا في سبيل تحرير الجزائر لماتوا شهداء، وكنتم بهم سعداء.

أيها الاخوة الجزائريون :

احتلت فرنسا وطنكم منذ قرن وربع القرن وشهد لكم التاريخ بأنكم قاومتموها مقاومة الأبطال، وثرتم عليها مجتمعين ومتفرقين نصف هذه المدة فما رعت في حربها لكم دينا، ولا عهدا، ولا قانونا، ولا إنسانية، بل ارتكبت كل أساليب الوحشية، من تقتيل النساء والأطفال والمرضى، وتحريق القبائل كاملة بديارها وحيواناتها وأقواتها.

ثم حاربتم معها في صفها وفي سبيل بقائها نصف هذه المدة، ففتحت بأبنائكم الأوطان وقهرت أعداءها وحمت وطنها الأصلي، فما رعت لكم جميلا، ولا كافأتكم بجميل، بل كانت تنتصر بكم ثم تخذلكم، وتحيا بأبنائكم ثم تقتلكم، كما وقع معها في شهر مايو سنة 1945، وما كانت قيمة أبنائكم الذين ماتوا في سبيلها وجلبوا لها النصر، إلا أنها نقشت أسماء بعضهم في الأنصاب التذكارية، فهل هذا هو الجزاء ؟

طالبتموها بلسان الحق والعدل والقانون والإنسانية من أربعين سنة، بأن ترفق بكم وتنفس عنكم الخناق قليلا فما استجابت، ثم طالبتموها بأن ترد عليكم بعض حقوقكم الآدمية فما رضيت، ثم طالبتموها بحقكم الطبيعي الذي يقركم عليه كل إنسان وهو إرجاع أوقافكم ومعابدكم وجميع متعلقات دينكم، فأغلقت آذانها في إصرار وعتو، ثم ساومتموها على حقوقكم السياسية بدماء أبنائكم الغالية التي سالت في سبيل نصرها، فعميت عيونها عن هذا الحق الذي يقرره حتى دستورها، ثم هي في هذه المراحل كلها سائرة في معاملتكم من فظيع إلى أفظع.

أيها الأخوة الجزائريون الأبطال :

لم تبُقِ لكم فرنسا شيئا تخافون عليه أو تدارونها لأجله، ولم تبق لكم خيطا من الأمل تتعللون به، أتخافون على أعراضكم وقد انتهكتها ؟ أم تخافون على الحرمة وقد استباحتها؟ أم تخافون على الأموال وقد تركتكم فقراء تلتمسون قوت اليوم فلا تجدونه ؟ أم تخافون على الأرض وخيراتها، وقد أصبحتم فيها غرباء حفاة عراة جياعا أسعدكم منيعمل فيها رقيقا زراعيا معها ويشتري، حظكم من خيرات بلادكم النظر بالعين والحسرة في النفس! أم تخافون على القصور وتسعة أعشاركم يأوون إلى الغيران كالحشرات والزواحف ؟ أم تخافون على الدين، ويا ويلكم من الدين الذي لم تجاهدوا في سبيله، ويا ويل فرنسا من الإسلام الذي ابتلعت أوقافه وهدمت مساجده، وأذلت رجاله، واستعبدت أهله ومحت آثاره من الأرض، وهي تجتهد في محو آثاره من النفوس.

أيها الأخوة المسلمون :

إن فرنسا لم تبق لكم دينا ولا دنيا، وكل إنسان في هذا الوجود البشري إنما يعيش بدين ويحيا بدنيا، فإذا فقدها فبطن الأرض خير له من ظهرها.

وإنها سارت بكم من دركة إلى دركة حتى أصبحت تتحكم في عقائدكم وشعائركم وضمائركم، فالصلاة على هواها، والحج بيدها لا بأيديكم، والصوم برؤيتها لا برؤيتكم، وقد قرأتم وسمعتم من رجالها المسئولين عزمها على إحداث » إسلام جزائري « ومعناه إسلام ممسوخ، مقطوع الصلة بمنبعه في الشرق وبأهله من الشرقيين.

إن الرضى بسلب الأموال قد ينافي الهمة والرجولة، أما الرضى بسلب الدين والاعتداء عليه فإنه يخالف الدين، والرضى به كفر بالله وتعطيل للقرآن.

إنكم في نظر العالم العاقل المنصف لم تثوروا، وإنما أثارتكم فرنسا بظلمها الشنيع وعتوها الطاغي، واستعبادها الفظيع لكم قرنا وربع قرن، وامتهانها لشرفكم وكرامتكم، وتعديها على دينكم.

إن أقل القليل مما وقع على رؤوسكم من بلاء الاستعمار الفرنسي يوجب عليكم الثورة عليه من زمان بعيد، ولكنكم صبرتم، ورجوتم من الصخرة أن تلين، فطمعتم في المحال، وقد قمتم الآن قومة المسلم الحر الأبي، فأعيذكم بالله وبالإسلام أن تتراجعوا أو تنكصوا على أعقابكم، إن التراجع معناه الفناء الأبدي والذل السرمدي.

إن شريعة فرنسـا أنها تأخذ البريء بذنب المجرم، وإنها تنظر إليكم مسالمين أو ثائرين نظرة واحدة وهي أنها عدوٌّ لكم وأنكم عدوٌّ لها، و والله لو سألتموها ألف سنة لما تغيرت نظرتها العدائية لكم، وهي لذلك مصممة على محو دينكم وعروبتكم وجميع مقوماتكم. إنكم مع فرنسا في موقف لا خيار فيه، ونهايته الموت، فاختاروا ميتة الشرف على حياة العبودية التي هي شر من الموت.

إنكم كتبتم البسملة بالدماء في صفحة الجهاد الطويلة العريضة، فاملأوها بآيات البطولة التي هي شعاركم في التاريخ، وهي إرث العروبة والإسلام فيكم. ما كان للمسلم أن يخاف وهو يعلم إنها كتاب مؤجل، وما كان للمسلم أن يبخل بماله أو بمهجته في سبيل الله والانتصار لدينه، وهو يعلم أنها مبايعة مع الله، وما كان له أن يرضى الدنية إذا رضيها في دنياه. أخلصوا العمل لله، وأخلصو بصائركم في الله، واذكروا دائما وفي جميع أعمالكم ما دعاكم إليه القرآن في سبيل الحق، ومن بذل المهج والأموال في سبيل الدين، واذكروا قبل ذلك كله قول الله : [ وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ] وقول الله : [ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ].

أيها الأخوة الأحرار :

إني كلما ذكرت ما فعلت فرنسا بالدين الإسلامي في الجزائر، وذكرت فظائعها في معاملة المسلمين – لا شيء إلا لأنهم مسلمون – كلما ذكرت ذلك احتقرت نفسي واحتقرت المسلمين وخجلت من الله أن يراني ويراهم، مقصرين في الجهاد لإعلاء كلمته، وكلما استعرضت الواجبات وجدت أوجبها وألزمها في أعناقنا الجهاد المقدس، فهو الذي يسقط علينا الواجب ويدفع عنا وعن ديننا العار، فسيروا على بركة الله وبعونه وتوفيقه إلى ميدان الجهاد المقدس فهو السبيل الوحيد إلى إحدى الحسنيين : إما موت وراءه الجنة وإما حياة وراءها العزة والكرامة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد البشير الإبراهيمي

رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين



1- البصائر، العدد 276، السنة السابعة، نقلا عن مذكرات الشيخ محمد خير الدين، ج1، ص : 364 وما بعدها، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر. وقد صدر هذا النداء في القاهرة يوم : 15/11/1954 م، أي بعد انلاع الثورة بـ 15 يوما (انظر : سليمان الصيد المحامي : رد شبهات حول موقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من ثورة نوفمبر 1954، ص : 44، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 1995 م).
  #7  
قديم 22-05-2006, 12:29 PM
زومبي زومبي غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2005
المشاركات: 664
إفتراضي

صورة طبق الأصل عما يحدث في العراق
  #8  
قديم 22-05-2006, 12:44 PM
الشيخ ابو الأطفال الشيخ ابو الأطفال غير متصل
Banned
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 11
إفتراضي

دعنا نتوهم قليلا ان الوهم قد يصبح حقيقة...... اليهود ابتزو الالمان و حصلوا و يحصلون على اموال طائلة بفضل اكذوبة المحرقة ......لهذا ادعو فخامة الرئيس للمثل ان لا يكتفي بمطالب الاعتذار بل يزيدها مطلب التعويض ثم لا يجب نسيان الدين القديم الواجب على حكومة فرنسا نحو حكومة الجزائر في بداية القرن التاسع عشر
ولا ينس المطالبة ايضا بتنفيذ اتفاقيات ايفيان الخاصة بالهجرة و الامتيازات المتفق عليها



و لتتواصل الكوابيس
__________________
أبغيغ أدنيغ
أذفسوس ووليو
أوثسعيض واي أنغيغ
أذقاذغ ثيليوَّ
.
.
.
اريد الافصاح عن قولي
لأخفف عن قلبي
فأنا لست قاتلا
حتى أخاف من ظلي
  #9  
قديم 22-05-2006, 12:52 PM
أحمد ياسين أحمد ياسين غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة زومبي
صورة طبق الأصل عما يحدث في العراق
لقد فهمت الرسالة بامتياز
اليس الكفر ملة واحدة
  #10  
قديم 22-05-2006, 12:53 PM
أحمد ياسين أحمد ياسين غير متصل
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2005
الإقامة: فرنسا
المشاركات: 6,264
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة الشيخ ابو الأطفال
دعنا نتوهم قليلا ان الوهم قد يصبح حقيقة...... اليهود ابتزو الالمان و حصلوا و يحصلون على اموال طائلة بفضل اكذوبة المحرقة ......لهذا ادعو فخامة الرئيس للمثل ان لا يكتفي بمطالب الاعتذار بل يزيدها مطلب التعويض ثم لا يجب نسيان الدين القديم الواجب على حكومة فرنسا نحو حكومة الجزائر في بداية القرن التاسع عشر
ولا ينس المطالبة ايضا بتنفيذ اتفاقيات ايفيان الخاصة بالهجرة و الامتيازات المتفق عليها



و لتتواصل الكوابيس

الجواب ياشيخ عند الشيخ فاقراه بتمعن
 


عدد الأعضاء الذي يتصفحون هذا الموضوع : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
خيارات الموضوع بحث في هذا الموضوع
بحث في هذا الموضوع:

بحث متقدم
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا بإمكانك إضافة موضوع جديد
لا بإمكانك إضافة مشاركات جديدة
لا بإمكانك إضافة مرفقات
لا بإمكانك تعديل مشاركاتك

كود [IMG] متاح
كود HTML غير متاح
الإنتقال السريع

حوار الخيمة العربية 2005 م