مسيرة ركب الشيطان عبر تاريخ الاسلام / الاباضية
بداية ظهور الخوارج
الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده و رسوله ، صلوات الله و سلامه عليه ..
و بعد :-
في حلقات مضت من سلسلة ( مسيرة ركب الشيطان عبر تاريخ الإسلام ) ، . واليوم إن شاء الله نكمل ما بدأناه ، و مع فرقة الأباضية ..
إن موضوع بحثنا اليوم ليس مجرد كونه دراسة لفرقة كبيرة من الفرق الاعتقادية – الخوارج - كان لها أثرها في تاريخ الفكر الإسلامي ، بل ترجع أهميته إلى كونه دراسة لفرقة كانت ولا تزال تمثل حركة ثورية في تاريخ الإسلام السياسي ، والتي لا يزال لها وجود إلى اليوم .
فموضوع هذا البحث هو الأباضية : تاريخاً لهم ، و بياناً لآرائهم الاعتقادية ، وإبرازاً لموقف الإسلام منها .
يختلف المؤرخون في تحديد بدء نشأة الخوارج هل كان ذلك في عهد النبي صلى الله عله وسلم ؟ أو في عهد عثمان أو في عهد علي رضي الله عنهما ، أو أن نشأتهم لم تبدأ إلا بظهور نافع بن الأزرق و خروجه عام 64هـ ؟ و سوف نتناول أقوال المؤرخين في هذا المقام بشيء من الاختصار مع ذكر الدليل و اختيار ما نراه صحيحاً منها ..
القول الأول : يرى أن أول الخوارج هو ذو الخويصرة التميمي الذي بدأ الخروج بالاعتراض على النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة الفيء ، واتهامه إياه بعدم العدل . راجع الحديث في صحيح البخاري (8/52 – 53 ) . حيث يفهم من تبويب البخاري لهذا الحديث بقوله : ( باب من ترك قتال الخوارج للتأليف وأن لا ينفر الناس عنه ) و أورد تحته حديث ذو الخويصرة .. أنه – أي البخاري – يرى أن ذا الخويصرة هو أول الخوارج ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك قتله للتأليف .
و قد ذهب إلى القول بأن أول الخوارج هو ذو الخويصرة كثير من العلماء منهم ابن الجوزي رحمه الله و ذلك في قوله : ( أن أول الخوارج وأقبحهم حالة ذو الخويصرة ) . و قوله : ( فهذا أول خارجي خرج في الإسلام وآفته أنه رضي برأي نفسه ، و لو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأتباع هذا الرجل هم الذين قاتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه . تلبيس إبليس (ص 90 ) .
و منهم ابن حزم رحمه الله كما في الفصل في الملل و النحل ( 4/157 ) و هو رأي الشهرستاني أيضاً كما في الملل والنحل (1/116 ) ، و ينقل الطالبي عن أبي بكر محمد بن الحسن الآجري رحمه الله أنه يرى أو أول الخوارج كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم . آراء الخوارج ( ص 45 ) .
القول الثاني : و هو للقاضي ابن أبي العز الحنفي شارح الطحاوية ، حيث يرى أن نشأة الخوراج بدأت بالخروج على عثمان رضي الله عنه في تلك الفتنة التي انتهت بقتله و تسمى الفتنة الأولى . شرح الطحاوية ( ص 472 ) . و ويفهم من كلام لابن كثير رحمه الله كما في البداية والنهاية (7/189 ) أنه يرى أن بداية ظهور الخوارج كان في الفتنة التي حدثت على عهد عثمان رضي الله عنه ، فيقول : ( وجاء الخوارج فأخذوا مال بيت المال و كان فيه شيء كثير جداً ) .
القول الثالث : و هو للورجلاني حيث يعتبر أن نشأة الخوارج بدأت منذ أن فارق طلحة والزبير علياً رضي الله عنه و خرجا عليه بعد مبايعتهما له . الدليل لأهل العقول (ص 15 ) .
القول الرابع : أن نشأة الخوارج بدأت سنة 64هـ بقيادة نافع بن الأزرق في أواخر ولاية ابن زياد ، و هذا الرأي لعلي يحيى معمر الأباضي . انظر : الإباضية بين الفرق الإسلامية ( ص 377 ) و الإباضية في موكب التاريخ ( ص 33 ) . و قال مثل هذا القول أبو إسحاق أطفيش الإمام الإباضي . انظر : عمان تاريخ يتكلم ( ص 103 ) .
القول الخامس : أن نشأتهم بدأت بانفصالهم عن جيش الإمام علي رضي الله عنه و خروجهم عليه ، و هذا الرأي هو الذي عليه الكثرة الغالبة من العلماء إذ يعرّفون الخوارج بأنهم هم الذين خرجوا على علي بعد التحكيم ، و أهم هؤلاء الأشعري في المقالات (1/207 ) ، و البغدادي في الفرق بين الفرق ( ص 74 ) و الملطي في التنبيه والرد ( ص 15 ) ، و قد سار على هذا الرأي أصحاب المعاجم ودوائر المعارف في مادة الخروج ، والكتاب المحدثون الذين كتبوا عن الفرق الإسلامية ، و المؤرخون في تأريخهم لأحداث الفتنة الكبرى .
و قد أصبح إطلاق اسم الخوارج على الخارجين على الإمام علي رضي الله عنه أمراً مشتهراً بحيث لا يكاد ينصرف إلى غيرهم بمجرد ذكره .
هذه هي مختصر ما ورد في بدء ظهور الخوارج و نشأتهم ، وعلينا اختيار ما نراه صحيحاً منها بحيث نفرق بين بدء نزعة الخروج على صورة ما ، و ظهور الخوارج كفرقة لها آراؤها الخاصة ، و لها تجمعها الذي تحافظ عليه وتعمل به على نصرة هذه الآراء ..
والواقع أن نزعة الخروج - أو بتعبير أدق بدء نزعة الخروج – قد بدأت بذرتها الأولى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتراض ذي الخويصرة عليه ، لكن هل كان خروجاً حقيقياً أم كان مجرد حادثة فردية اعترض فيها واحد من المسلمين على طريقة تقسيم الفيء طمعاً في أن يأخذ منه نصيباً أكبر ؟
الراجح والله أعلم أنه كانت حادثة فردية ، واعتراض على طريقة تقسيم الفيء ؛ حيث أنه مضى عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، و لم يكن لذي الخويصرة ذكر في هذه العهود بعد تلك الحادثة لا بنفسه ولا مع من يمكن أن يكونوا على شاكلته ، و لهذا لم تعرف له آراء خاصة يتميز بها ولم يكن له حزباً سياسياً معارضاً .
أما القول بأن نشأتهم تبدأ بثورة الثائرين على عثمان رضي الله عنه ، فلا شك أن ما حدث كان خروجاً عن طاعة الإمام ، إلا أنه لم يكن يتميز بأنه خروج فرقة ذات طابع عقائدي خاص لها آراء و أحكام في الدين ، و غاية ما هنالك أن قوماً غضبوا على عثمان واستحوذ عليهم الشيطان حتى أدى بهم إلى ارتكاب جريمتهم ، ثم دخلوا في صفوف المسلمين كأفراد منهم .
و فيما يتعلق بالقول بأن طلحة و الزبير رضي الله عنهما كانا أول الخارجين على علي - كما يقول الورجلاني – ، فمن الصعب عليه إثبات ذلك ، فقد كان معهما أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها و غيرهم من الصحابة ، وعلى كل فقد انتهت موقعة الجمل و اندمج من بقي منها في صفوف المسلمين دون أن تجمعهم رابطة فكرية معينة كتلك التي حدثت بين الخوارج و علي في جيشه فيما بعد ، و طلحة والزبير رضي الله عنهما من العشرة المبشرين بالجنة فكيف يجوز أن يعتبرا من الخوارج و يطبق عليهما أحاديث المروق من الدين الواردة في الخوارج ؟!
أما القول بأن نشأتهم تبدأ من قيام نافع بن الأزرق ، فإنه لم يقل به غير علي يحيى معمر تبعاً لقطب الأئمة الإباضية أبي إسحاق أطفيش لنفيهم وجود صلة ما بين المحكمة و من سار على طريقتهم وبين الأزارقة بعدهم ، و هو قول غير مقبول لوجود تسلسل الأحداث وارتباطها من المحكمة إلى ظهور نافع بن الأزرق ، بحيث يظهر أن الأولين هم سلف الخوارج جميعاً
__________________
البارجة هي استاذة فلسفة علوم اسلامية ,
إلى الكتاب و الباحثين
1- نرجو من الكاتب الإسلامي أن يحاسب نفسه قبل أن يخط أي كلمة، و أن يتصور أمامه حالة المسلمين و ما هم عليه من تفرق أدى بهم إلى حضيض البؤس و الشقاء، و ما نتج عن تسمم الأفكار من آثار تساعد على انتشار اللادينية و الإلحاد.
2- و نرجو من الباحث المحقق- إن شاء الكتابة عن أية طائفة من الطوائف الإسلامية – أن يتحري الحقيقة في الكلام عن عقائدها – و ألا يعتمد إلا على المراجع المعتبرة عندها، و أن يتجنب الأخذ بالشائعات و تحميل وزرها لمن تبرأ منها، و ألا يأخذ معتقداتها من مخالفيها.
3- و نرجو من الذين يحبون أن يجادلوا عن آرائهم أو مذاهبهم أن يكون جدالهم بالتي هى أحسن، و ألا يجرحوا شعور غيرهم، حتى يمهدوا لهم سبيل الاطلاع على ما يكتبون، فإن ذلك أولى بهم، و أجدى عليهم، و أحفظ للمودة بينهم و بين إخوانهم.
4-من المعروف أن (سياسة الحكم و الحكام) كثيرا ما تدخلت قديما في الشئون الدينية، فأفسدت الدين و أثارت الخلافات لا لشىء إلا لصالح الحاكمين و تثبيتا لأقدامهم، و أنهم سخروا – مع الأسف – بعض الأقلام في هذه الأغراض، و قد ذهب الحكام و انقرضوا، بيد أن آثار الأقلام لا تزال باقية، تؤثر في العقول أثرها، و تعمل عملها، فعلينا أن نقدر ذلك، و أن نأخذ الأمر فيه بمنتهى الحذر و الحيطة.
و على الجملة نرجو ألا يأخذ أحد القلم، إلا و هو يحسب حساب العقول المستنيرة، و يقدم مصلحة الإسلام و المسلمين على كل اعتبار.
6- العمل على جمع كلمة أرباب المذاهب الإسلامية (الطوائف الإسلامية) الذين باعدت بينهم آراء لا تمس العقائد التي يجب الإيمان
|