في معنى التلبيس والغرور
التلبيس : إظهار الباطل في صورة الحق ( الخروج على الوالي و تفريق الجماعه وإشاعة المفوضى والقتل والتحريض )
والغرور نوع جهل يوجب اعتقاد الفاسد صحيحاً ، والرديء جيداً ، وسببه وجود شبهة أوجبت ذلك .
وإنما يدخل إبليس على الناس بقدر ما يمكنه ، ويزيد تمكنه منهم ، ويقل على مقدار يقظتهم وغفلتهم وجهلهم وعلمهم .
واعلم أن القلب كالحصن ، وعلى ذلك الحصن سور ، واللسور أبواب وفيه ثلم ، وساكنه العقل ، والملائكة تتردد إلى ذلك الحصن ، وإلى جانبه ربض فيه الهوى ، والشياطين تختلف إلى ذلك الربض من غير مانع . والحرب قائمة بين أهل الحصن وأهل الربض ، والشياطين لا تزال تدور حول الحصن ، تطلب غفلة الحارس ، والعبور من بعض الثلم . فينبغي للحارس أن يعرف جميع أبواب الحصن الذي قد وكّل بحفظه وجيمع الثلم ، وأن لا يفتر عن الحراسة لحظة ، فإن العدو مايفتر . قال رجل للحسن البصري : أينام إبليس ؟ قال : لو نام لوجدنا راحة . . وهذا الحصن مستنير بالذكر مشرق بالإيمان ، وفيه مرأة صقيلة يترآى فيها صور كل ما يمر به ، فأوَّل ما يفعل الشيطان في الربض إكثار الدخان ، فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة ، وكمال الفكر يرد الدخان ، وصقل الذكر يجلو المرآة ، وللعدو حملات : فتارة يحمل فيدخل الحصن ، فيكر عليه الحارس فيخرج ، وربما دخل فعاث ، وربما أقام لغفلة الحارس ، وربما ركدت الريح الطاردة للدخان فتسودّ حيطان الحصن ، وتصدأ فيمر الشيطان ولا يُدرى به ، وربما جرح الحارس لغفلته ، وأسر واستخدم ، وأقيم يستنبط الحيل في موافقة الهوى ومساعدته ، وربما صار كالفقيه في الشر .
قال بعض السلف :- رأيت الشيطان ، فقال لي : قد كنت ألقى الناس فأُعلّمهم ، فصرت ألقاهم فأتعلّم منهم .
وربما هجم الشيطان على الذكي الفطن ، ومعه عروس الهوى قد جلاها ، فيتشاغل الفطن بالنظر إليها ، فيستأسره ، وأقوى القيد الذي يوثق به الأسرى الجهل ، وأوسطه في القوة الهوى ، وأضعفه الغفلة .
وما دام درع الإيمان على المؤمن ، فإن نبل العدو لا يقع في مقتل .
قال الحسن بن صالح رحمه الله :- إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين باباً من الخير - ( كرفع الظلم ، والمساواه ، والعدل ، ووقف هدار المال العام ، وتوفير الوظائف ، ...... إلخ ..) - يريد به باباً من الشر .
وعن الأعمش ، قال : حدثنا رجل كان يكلِّم الجن ، قالوا : ليس علينا اشد ممن يتبع السنّة ، وأما أصحاب الأهواء فإنا نلعب بهم لعباً . .
وقفه :-
تزيد مرتبة السلطان العادل على قوَّام الليل وصوام النهار ، لأن نفع اولئك لا يتعداهم ونفعه يتعدى ، إذ بنظرة يتعبد المتعبدون ، ويسافر التاجرون ، ويشتغل بالعلم المتعلمون ، فكأنه عَبَدَ الله بعبادة الكل . " أبن قيم الجوزية "
الحقاق
__________________
من لم يقنع برزقه عذّب نفسه
|