التفسير العربي الحديث للتــاريخ :
بعد أن اطلعنا على مجموعة من أنماط التفسير الفلسفي للتاريخ ، والتي سقناها بعجالة لتأسيس مقدرة على المقارنة الذهنية .. بات من المؤكد أن نصل الى محور حديث استنتاجي .. والذي سيكون بمثابة نهاية خط لهذا التسابق في السرد التاريخي ، عندما وضعنا موضوعات لدول عربية قبل الاسلام ودول عربية بعده .. و أشرنا بحيادية للكيفية التي جعلت الدولة الاسلامية تفقد أطرافها تباعا .. وقد تركنا للقارئ حرية تكوين صورة ذات ملامح هو يضعها بوعيه .
من هنا لا بد أن نخرج بتصور يعيد صياغة القدرة على قراءة التاريخ ، ويؤسس في نفس الوقت منطلقا يضع تصورات عن مستقبل هذه الأمة ، وفق ما تكون لدينا من صور .. وهذا ما أشرنا اليه في مقالة ( بين الوعي الماضوي والوعي المستقبلي ) ..
اننا ونحن ندرج هنا خلاصة ما توصل اليه ، فلاسفة التاريخ العربي الحديث ، دون أن ننسب قول لأحد منهم ، حتى لا يبدو أننا نقوم بالتبشير ، لطيف معين ، فاننا نتوخى مع ذلك الحذر فيما سيخلص اليه القارئ بأن ما نذكره من خلاصات لا يعدو كونه اجتهادات قابلة للتغيير و المناقشة والتفاعل مع غيره من التيارات الحديثة التي تصب هي الأخرى في مصلحة قراءة متفحصة لواقع الأمة وما سيؤول اليه مستقبلها ..
تقع على عاتق المؤرخ العربي المعاصر مهمة كبيرة ، هي ايجاد الرابطة بين الانسان العربي و أمته ، وبين هذا الانسان و عالمه المعاصر وفقا لما يلي من رؤى وردت كملخصات لرؤى عروبية في هذا المجال :
· ان تلك الرؤى تؤكد على أهمية تفاعل الأبعاد الزمنية بشكل رصين وصريح وضمن ( تصور تاريخي) للعمل يمتد الى الماضي و يمتد الى المستقبل . بحيث لا يصبح الحاضر والمستقبل خاضعا للماضي بكل أشكاله . ولا التطلع الى المستقبل ، غريبا و مقحما على الأمة .
· ان التخلي عن الماضي ، تشبث شكلي بالمعاصرة .. والتخلي عن الحاضر المتحرك للأمام ومستلزماته و قوانينه ، هو انتماء شكلي الى الماضي ، وليس انتماءا انسانيا يطمح للصعود بالأمة ..
· ان التفاعل الحضاري بوصفه حصيلة عضوية جدلية بين الأصالة والمعاصرة يشترط أنه عند الاطلاع على تجارب الآخرين و نظرياتهم والتفاعل معها .. أن يكون ذلك بفكر ممتلئ و ليس بفكر خال .. وهنا يستوجب ذلك رفض الانعزال والانغلاق الحضاري .
· ان الحوار الحضاري ، مع الفكر الانساني يستلزم الثقة بإمكانات الأمة ، بالعطاء والإبداع ، بروحية وشخصية وبعقلية تفترض الأخذ والعطاء ، وليس الأخذ من موقع استصغار الأمة في العطاء .
· القرارات العظيمة تكون ولادتها صعبة ، والذين يقومون بها يوصفون بأوصاف خاصة ..
· ان حصيلة التطور الانساني الآن هي حصيلة تفاعل كل التجارب الانسانية ونظرياتها و أفكارها عبر الزمن ..
ان بناء المجتمع بناءا حضاريا أصيلا يشترط وعيا أصيلا للماضي الحضاري . ورؤية موضوعية للحاضر ، متطابقة مع طبيعة المرحلة التاريخية و متطلباتها النضالية ..
· ضرورة استذكار الماضي و استلهامه لكي نتزود بالايمان الكافي من أجل أن نقتحم المظاهر الكثيرة المؤسفة والموجعة للتردي و الانقسام والتخاذل في بعض الطبقات الحاكمة و بعض الأنظمة و بعض الأقطار ، تظهر في الحاضر . فالماضي لا يمدنا بالقوة والثبات و الإيمان وحسب ، بل بالرؤية العلمية الواضحة ..
يتبع
__________________
ابن حوران
|