عرض مشاركة مفردة
  #56  
قديم 28-11-2005, 07:20 AM
ابن حوران ابن حوران غير متصل
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 1,588
إفتراضي

من يحرس ويضمن تدفق الأيديولوجية لتؤدي دورها في الحياة العامة ؟

طفت على مر التاريخ ، وفي مختلف بقاع الأرض إمبراطوريات و دول ، رفعت شعارات تكون بمثابة رمز و تلخيص لعقيدتها و فكرها ( أيديولوجيتها ) وكان فقه تلك الأيديولوجيات ، يتفشى و يتغلغل في نقاط مفاصل الحياة العامة ، يذكرون به و يتذكرونه كإشارات مرور ضرورية لتنبيه من يسير في ربوع البلاد ، في كل المجالات ، فتجدهم على المنابر الدينية و معابر الحدود ، والدوائر الأمنية وغرف صفوف الدراسة من رياض الأطفال حتى الجامعات ..

لم تنشأ في تلك الدول ، دوائر بإسم دائرة مطابقة المواصفات الأيديولوجية ، تنبه من يتداول بضاعة ( الأيديولوجية ) قولا أو فعلا ، لتنبهه بأن بضاعته غير مطابقة للمواصفات القياسية الأيديولوجية !

وطالما أن المادة ، هي عبارة عن نصوص ، فان النص سيفهم من قبل من يقرأه أو يسمعه ، وفق آلية معقدة تعتمد على القدرة على فهم اللغة التي كتب أو قيل بها النص .. لذلك فإن التأويل و الاجتهاد كان باستمرار يظهر ، ويظهر معه من يدافع عن سلوك ما ، ويبرره وفق تطابق هذا السلوك مع ما يعتقد من تفسير لنص يتم توظيفه في خدمة التفسير .. من هنا ظهرت الطوائف الدينية في السابق ، وظهرت الانشقاقات في الأحزاب في العصور الحديثة ..

و اذا كانت اللغة ، لها وظيفة فورية ، تتم بها صياغة ما يريده واضع النص ، في وقتها ، فان طول الفترة الزمنية ، التي تفصل بين المطلع على لغة النص ، وفقدانه تفاصيل الظرف الذي تمت به صياغة النص ، سيجعل من التعامل مع النص أمرا لا يتطابق تماما مع روح النص ..

قبل أربعة عقود من الزمان مثلا ، كنت أسمع مفردات يتداولها المزارعون ، يصفون به أدوات الفلاحة و منتجاتها ، فبعد أن اختفت تلك الأدوات و منتجاتها ، فان الجيل الحالي لا يستطيع أن يفهم شيئا من حديث يدور بين اثنين من ذلك الجيل ، وهذا سهل متابعته و فحصه بالوقت الحاضر ..

هناك مسألة أخرى تتعلق بحراسة مضمون النص ، و هي مدى اقتناع من يطالب بالتقيد بالنص ، وهي صفة تدرب عليها بني البشر ، فيعرفون صدق المتكلم من زيف مشاعره ، من خلال طريقته بالنطق ، و حماسه أو تلكؤه في النطق ، وسوقه للأمثلة التي تدعم حجته ، فيصفون من يتكلم أحيانا ، بأن الكلام يخرج من أعماقه ، كناية عن صدقه ، ويصفون آخر بأن كلامه ( من الجوزة وفوق ) وهي كناية عن نفاقه وعدم قناعته بما يقول .. فكيف يقنع شخص غير مقتنع بما يقول ، شخصا آخر ؟

ان هدم صرح الأيديولوجية عادة يأتي من الأعلى ، فعندما يلاحظ من هم في نقاط مفاصل المجتمع بأن الذين هم أعلى منهم ، يمارسون تجاوزات على ضوابط الأيديولوجيا ، فان حرصهم على نقاط المرور سيرتخي ، شيئا فشيئا ، حتى يكون الالتزام بنصوص الأيديولوجيا استثناءا ، و اختراق قدسيتها هو السائد ..
__________________
ابن حوران
الرد مع إقتباس